الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا لأن اليسير لا يقصد بالمنع لوجود الامتناع فيه عادة، والمؤبد لا يقصد به غالبا، لأنه بمنزلة الأبد ولو سكت عنه، يتأبد فتعين ما ذكرنا،
وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى، وهذا إذا لم تكن له نية، أما إذا نوى شيئا فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه، وكذلك الدهر عندهما، وقال أبو حنيفة رحمه الله: الدهر لا أدري ما هو
ــ
[البناية]
م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر لماذا؟ م: (لأن اليسير لا يقصد بالمنع) ش: لعدم الحاجة إلى اليمين في الامتناع عن الكلام في ساعة واحدة م: (لوجود الامتناع فيه عادة) ش: أي قدر الساعة من حيث العادة م: (والمديد) ش: أي الزمان المديد م: (لا يقصد غالبًا، لأنه بمنزلة الأبد) ش: لأن من أراد ذلك يقول أبدًا في العرف، فلو كان مراده ذلك لم يذكر الحين م:(ولو سكت عنه) ش: أي عن المديد م: (يتأبد) ش: أي اليمين م: (فتعين ما ذكرنا) ش: وهو الوسط. اعلم أن الحين هو الزمان قليله وكثيره، كذا في " المجمل " وغيره، وقال الزجاج في تفسيره: جميع ما شاهدنا من أهل اللغة يذهب إلى أن الحين اسم زمان كالوقت يصلح لجميع الأزمان كلها طالت أو قصرت، ثم قال: والدليل على أن الحين بمنزلة الوقت قول النابغة أنشد الأصمعي في صفة الحية والملدوغ.
وما قبله فنبت كما ساورتني ضئيلة
…
الراقشي في أنيابها السم ناقع
قوله: تناذرها - أي أنذر بعضهم بعضًا قولهم تطلقه بتشديد اللام معناه أن السم سحق لا وقتًا، ويعود وقتًا. ومعنى ساورتني وأثنى من ساور إليه الأسد أي وثب، والضئيلة بفتح الضاد المعجمة وكسر الهمزة وباللام هي الحية التي تنقبض وينضم بعضها إلى بعض والرقش بضم الراء وسكون القاف وبالسين المعجمة جمع رقشاء، وهي الحية التي في ظهرها خطوط ونقط، وناقع بالنون والقاف، أي ثابت.
[قال لا أكلمه دهرا أو الدهر]
م: (وكذا الزمان يستعمل استعمال الحين يقال ما رأيتك منذ حين ومنذ زمان بمعنى) ش: واحد م: (وهذا) ش: أي الحمل على ستة أشهر في قوله لا يكلمه حينًا أو زمانًا أو قالهما بالتعريف م: (إذا لم يكن له نية، فأما إذا نوى شيئًا) ش: من معاني الحين أو الزمان م: (فهو على ما نوى، لأنه نوى حقيقة كلامه) ش: فيعمل به، م:(وكذلك الدهر) ش: يعني يحمل على ستة أشهر إذا قال لا أكلمه دهرًا أو الدهر م: (عندهما) ش: أي عند أبي يوسف ومحمد رحمه الله.
م: (وقال أبو حنيفة: الدهر لا أدري ما هو) ش: أي لا أدري كيف هو في حكم التقدير، قال أبو بكر الرازي: في شرح " مختصر الطحاوي " المشهور من قولهما أن الدهر بالألف واللام على الأبد قد ذكره محمد رحمه الله في " الجامع الصغير "، ولم يذكر فيه خلافًا.
وكان أبو الحسن يقول: إن قول أبي حنيفة رحمه الله في الدهر وهو دهرًا واحدًا، وإنه لم يجيب عنه بشيء، والغالب في كلام الناس أن الدهر على الأبد يقال: فلان يصوم الدهر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
يعنون الأبد.
وقال الكاكي: قال أبو حنيفة رحمه الله: لا أدري ما الدهر، لأن الناس يستعملونه بمعنى الحين والزمان، وبمعنى الأبد، ألا ترى أن معرفته على الأبد بخلاف الحين والزمان، لأن معرفتهما ومنكرهما سواء يقال فلان دهري بضم الدال إذا كان معمرًا، ودهري بالفتح إذا قال بالدهر وأنكر الصانع، قال تعالى: حكاية عنهم {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24](الجاثية: الآية 24) ، فكان مجملًا، فلم يقف على مراد المتكلم، والترجيح بلا دليل لا يجوز، فكان قوله لا أدري من كمال علمه وورعه.
وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما سئل عن شيء، فقال: لا أدري ثم قال: بعد ذلك طوبى لابن عمر سئل عن شيء لا يدري فقال: لا أدري. ثم قيل إنما قال لا أدري ثم قال بعد ذلك حفظًا للسانه عن الكلام في معنى الدهر، فقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال:«لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» ، معناه أنه خالق الدهر.
وقد جاء في حديث آخر أنه صلى الله عليه وسلم قال: حكاية عن الله عز وجل: «استقرضت من عبدي وأبى أن يقرضني وهو يسبني ولا يدري سب الدهر ويقول إنما أنا الدهر» وكما روي «أنه عليه السلام سئل عن خير البقاع فقال: لا أدري حتى أسأل ربي فصعد ثم نزل، فقال: سألت الله عز وجل خير البقاع مساجدها، وخير أهلها من يكون أول الناس دخولًا وآخرهم خروجًا» ، فعرفنا أن الوقت في مثل هذا من الكمال لا من النقصان، كذا في " المبسوط " و " جامع فخر الإسلام " و " قاضي خان ".
وقيل: وجه قول أبي حنيفة رحمه الله مع أن الدهر لا نص عليه عنه عن أحد من أهل اللغة، ودلالة متعارضة فيجب التوقف فيه. ألا ترى إلى قَوْله تَعَالَى {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] (الجاثية: الآية 24)، وإلى قوله صلى الله عليه وسلم:«لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر» . ولهذا قال صاحب الحمرة: الدهر معروف. ثم قال: وقال يوم الدهر مدة الدنيا من ابتدائها إلى انقضائها وقال آخرون بل دهر كل قوم هو زمانهم.
وقال ثعلب في " التتمة ": الدهر الزمان الليل والنهار لا خير لك. ثم أنشد:
أهل الدهر إلا ليلة ونهارها
…
إلى طلوع الشمس ثم غبارها
فلما لم يثبت العرف فيه لم يصح إلحاق الدهر والحين قياسًا، لأن درك اللعان بالقياس لا يستقيم. ولهذا إذا ذكر الدهر معرفًا يقع على الأبد اتفاقًا على ظاهر الرواية بخلاف الحين والزمان، ولو قال: لا أكلم حينًا فهو على ثمانين سنة عندنا، وعند أحمد، وعند مالك -
وهذا الاختلاف في المنكر هو الصحيح، أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفا، لهما أن دهرا يستعمل استعمال الحين والزمان يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال،
ــ
[البناية]
رحمهما الله - على أربعين سنة. وعند الشافعي رحمه الله جميع العمر م: (وهذا الاختلاف في المنكر) ش: الاختلاف المذكور في قوله لا أكلمه دهرًا بدون الألف واللام.
م: (هو الصحيح) ش: احترز به عن رواية بشر عن أبي يوسف رحمه الله عن أبي حنيفة رحمه الله أنه قال: لا أفرق على قول أبي حنيفة رحمه الله بين قوله دهرًا وبين قوله الدهر.
وإذا كان الاختلاف في المنكر فالمعرف يكون متفقًا عليه، فإما أن يكون ستة أشهر كما قالوا، وإما أن يكون على الأبد بلا خلاف بينهم، وهو الذي أشار إليه المصنف رحمه الله بقوله: م: (أما المعرف بالألف واللام يراد به الأبد عرفًا) .
ش: فإن قيل: ذكرت في " الجامع الكبير " وأجمعوا فيمن قال إن كلمتك دهورًا أو شهورًا أو سنينًا أو جمعًا أو أيامًا يقع على ثلاثة من هذه المذكورات، لأنها أوفى الجمع المتفق عليه. فكيف قال أبو حنيفة رحمه الله لا أدري الدهر. وقد حكم في دهور أن أدناه ثلاثة دهور فكل دهر ستة أشهر كما هو قولهما، ومن لا يدري معنى الفرد لا يدري معنى الجمع، إذ الجمع عبارة عن ثلاثة أفراد.
قلنا: هذا تفريع بمسألة الدهر على قول من يعرف الدهر، كما فرع مسائل المزارعة على قول من يرى جوازها، ولذلك قال بالمعرفة إذا كانت يمينه بالدهور على صيغة الجمع محلى بالألف واللام كما هو أصله في السنين والشهور، وإليه أشار بالعشرة التمرتاشي. وقيل: إن أبا حنيفة رحمه الله قال: أوفى الجمع من هذه المذكورات ثلاثة، ولكن لا يلزم من هذا معرفة المراد من الدهر المنكر، يعني لو عرف المراد منه يكون المراد من الدهور ثلاث سنين، ومما يليق ذكره هنا ما قاله بعضهم من قال: لا أدري لما لم يدره، فقد اقتدى في النفقة بالنعمات في الدهر والخنثى كذلك جوابه. ومحل أطفال ووقت ختان.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد رحمه الله م: (أن دهرًا يستعمل استعمال الحين والزمان، يقال ما رأيتك منذ دهر ومنذ حين بمعنى واحد، وأبو حنيفة توقف في تقديره، لأن اللغات لا تدرك قياسًا، والعرف لم يعرف استمراره لاختلاف في الاستعمال) ش: إذ هو باق بمعنى الزمان وبمعنى الأبد.
وقولهم دهرًا داهر ودهار برأي شديد. ويقال ماذا بدهري، أي عاد يوم وما دهري بكذا، أي همني ويراد به العمر، قال صلى الله عليه وسلم:«لا صام الدهر» مستعملًا في معان مختلفة، توقف أبو