الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وكل شيء صنعه الإمام الذي ليس فوقه إمام فلا حد عليه إلا القصاص، فإنه يؤخذ به وبالأموال، لأن الحدود حق الله تعالى، وإقامتها إليه لا إلى غيره، ولا يمكنه أن يقيم على نفسه لأنه لا يفيد بخلاف حقوق العباد، لأنه يستوفيه ولي الحق إما بتمكينه أو بالاستعانة بمنعة المسلمين والقصاص والأموال منها. وأما حد القذف قالوا: المغلب فيه حق الشرع فحكمه كحكم سائر الحدود التي هي حق الله تعالى.
باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها
ــ
[البناية]
م: (ولا يمكنه) ش: أي ولا يمكن الإمام م: (أن يقيم) ش: أي يقيم حق الله تعالى م: (على نفسه، لأنه لا يفيد) ش: الوجوب الموجوب فائدته، لأنه لا يقع مؤلما، فلا يقع زاجرا. والمقصود من الزاجر الحد، فلا بد أن يكون الزاجر غير المزجور، ولا يقدر القاضي أن يقضي عليه، لأنه هو الذي ولاه القضاء يسقط حق الله تعالى في الدنيا.
م: (بخلاف حقوق العباد، لأنه يستوفيه) ش: أي يستوفي الحق م: (ولي الحق) ش: أي صاحب الحق، واختار لفظ الولي ليتناول الوصي والوكيل م:(إما بتمكينه) ش: أي بتمكين الإمام إياه في أخذ حقه م: (أو بالاستعانة بمنعة المسلمين) ش: أي بقوتهم، يقال فلان في عز ومنعة يمنعه، أي تمنع على من قصده من الأعداء.
م: (والقصاص والأموال منها) ش: أي من حقوق العباد، فالإمام وغيره فيها سواء، لأنه يمكن استيفاء القصاص والمال بمنعة المسلمين، كذا قالوا وفيه تأمل.
م: (وأما حد القذف قالوا) ش: أي قال علماؤنا م: (المغلب فيه حق الشرع) ش: على ما يجيء في بابه إن شاء الله م: (فحكمه) ش: أي فحكم حد القذف م: (كحكم سائر الحدود التي هي حق الله تعالى) ش: يعني لا يؤاخذ به الإمام وتقابل أن يقول لو كان المغلب فيه حق الشرع لوجب أن يحد المستأمن إذا قذف، كما لو زنى وقد تقدم أنه يحد، لأنه حق العبد.
والجواب أن قذف القاذف يشتمل على الحقين لا محالة، فيستعمل بكل منهما بحسب ما يليق به، وما يليق بالحربي أن يكون حق العبد لإمكان الانتفاء وما يليق بالإمام أن يكون حق الله تعالى، لأنه ليس فوقه إمام يستوفيه منه والله أعلم.
[باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها]
[شهد الشهود بحد متقادم]
م: (باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الشهادة على الزنا، وسيأتي حكم الرجوع عن الشهادة قد مر أن ثبوت الزنا عند الإمام إنما يكون بأحد شيئين لا غير، وهما الإقرار والشهادة، وأخر
قال: وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة. وفى " الجامع الصغير ": وإذا شهد عليه الشهود بسرقة أو بشرب خمر أو بزنا بعد حين لم يؤخذ به، وضمن السرقة. والأصل فيه أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم، خلافا للشافعي رحمه الله وهو يعتبرها بحقوق العباد وبالإقرار الذي هو أحد الحجتين. ولنا أن الشاهد مخير بين الحسبتين
من أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالإقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة
ــ
[البناية]
الشهادة هاهنا عن الإقرار لقلة ثبوت الزنا بالشهادة وندر، حتى لم ينقل عن السلف ثبوت الزنا عند الإمام بالشهادة إذ رؤيته أربع رجال عدول على الوصف المذكور كالميل في المكحلة، كما في الكلاب في غير غاية القدرة.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا شهد الشهود بحد متقادم لم يمنعهم عن إقامته بعدهم عن الإمام لم تقبل شهادتهم إلا في حد القذف خاصة) ش: هذا لفظ القدوري في " مختصره "، ثم ذكر المصنف لفظ " الجامع الصغير " بقوله: م: (وفي " الجامع الصغير ": وإذا شهد عليه الشهود بسرقة أو بشرب خمر أو بزنا بعد حين لم يؤخذ به، وضمن السرقة) ش: لاشتماله على زيادة إيضاح على تعديد ما يوجب الحد صريحا من السرقة وشرب الخمر والزنا، وزيادة لفظ الحين الذي استفاد منه بعض المشايخ وقدر ستة أشهر في التقادم وزيادة إثبات الضمان في السرقة.
م: (والأصل) ش: يحل في هذا الباب م: (أن الحدود الخالصة حقا) ش: أي خلوصا حقا كائنا م: (لله تعالى) ش: السرقة وحد الزنا وحد شرب الخمر م: (تبطل بالتقادم، خلافا للشافعي) ش: حيث يقول لا تبطل الشهادة والإقرار بالتقادم، وبه قال مالك وأحمد رحمه الله. وعن أحمد مثل قولنا. وقال ابن أبي ليلى: الشهادة والإقرار لا يقبلان بعد التقادم. وعن أبي حنيفة وأبي يوسف الإقرار لا يبطل بالتقادم إلا الإقرار بشرب الخمر، فإنه يبطل بالتقادم. وقال زفر: التقادم يمنع الإقرار بالحدود اعتبارا لحجة البينة.
م: (وهو) ش: أي الشافعي م: (يعتبرها) ش: أي يعتبر الشهادة م: (بحقوق العباد) ش: حيث لا يمنع التقادم في حقوق العباد م: (وبالإقرار) ش: أي ويعتبرها بالإقرار م: (الذي هو أحد الحجتين) ش: وهما البينة والإقرار.
م: (ولنا أن الشاهد مخير بين الحسبتين) ش: تثنية حسبة بكسر الحاء وسكون السين المهملتين وقال في " المجمل ": الحسبة احتسابك الأجر عند الله تعالى. وقال الكاكي: بين حسبتين، أي أجرين مطلوبين، يقال أحسب بكذا أجرا، والاسم الحسبة، والجمع الحسب، إذ الشهادة والستر وقال الأترازي: كلاهما بالجر على أنهما بدلان من حسبتين.
هيجته، أو لعداوة حركته، فيتهم فيها، وإن كان التأخير فيها لا للستر يصير فاسقا آثما، فتيقنا بالمانع، بخلاف الإقرار، لأن الإنسان لا يعادي نفسه، فحد الزنا وشرب الخمر والسرقة خالص حق الله تعالى، حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار، فيكون التقادم فيه مانعا، وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا لا يصح رجوعه بعد الإقرار، والتقادم غير مانع في حقوق العباد، لأن الدعوى فيه شرط، فيحتمل تأخيرهم على انعدام الدعوى، فلا يوجب تفسيقهم، بخلاف حد السرقة
ــ
[البناية]
قلت: الرفع فيهما أحسن على أن كل واحد منهما خبر لمبتدأ محذوف تقديره أحدهما م: (من أداء الشهادة) ش: والآخر م: (والستر) ش: أما الشهادة فلقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2](الطلاق: الآية2)، وأما الستر فلما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة» ، ثم إن الشاهد إذا لم يشهد في أول الأمر يحمل أمره على الصلاح، بأن يقول إنه اختار الستر المندوب ولا الحد، ثم بعد ذلك.
م: (فالتأخير) ش: أي تأخير الشهادة م: (إن كان لاختيار الستر فالإقدام) ش: أي إقدامه م: (على الأداء بعد ذلك لضغينة) ش: بالمعجمتين، وهو الحقد م:(هيجته) ش: أي بعينه من هيجت ما هيجت الناقة فانبعث م: (أو لعداوة حركته فيتهم فيها) ش: أي في الشهادة، فلم يقبل م:(وإن كان التأخير فيها) ش: أي في الشهادة م: (لا للستر) ش: أي لأجل الستر عليه م: (يصير فاسقا آثما) ش: لأن تأخير الحد، فإذا كان كذلك م:(فتيقنا بالمانع) ش: من القبول، فلا تقبل، ألا ترى لو طلب المدعي الشهادة في حقوق العباد فأخر الشاهد بلا عذر ثم ادعى لا يقبل لترك الأداء مع الإمكان.
م: (بخلاف الإقرار) ش: حيث لا يبطل بالتقادم م: (لأن الإنسان لا يعادي نفسه) ش: فتنعدم التهمة م: (فحد الزنا وشرب الخمر والسرقة خالص حق الله تعالى، حتى يصح الرجوع عنها بعد الإقرار، فيكون التقادم فيه مانعا، وحد القذف فيه حق العبد، لما فيه من دفع العار عنه، ولهذا) ش: أي ولأجل كونه حد القذف فيه حق العبد م: (لا يصح الرجوع بعد الإقرار والتقادم غير مانع في حقوق العباد، لأن الدعوى فيه) ش: أي في حق العبد م: (شرط فيحتمل تأخيرهم) ش: أي تأخير الشهود والشهادة م: (على انعدام الدعوى، فلا يوجب) ش: أي بأجرتها وتم [
…
] ، أي تأخير شرائهم م:(تفسيقهم) ش: لعدم الموجب.
م: (بخلاف حد السرقة) ش: جواب عما يقال الدعوى شرط في السرقة كما في حقوق العباد ومع ذلك تمنع التقادم، فيعلم أن القبول بعد التقادم في حقوق العباد لم يكن إلا بشرط الدعوى، فأجاب أولا بالمنع بقوله م:(لأن الدعوى فيه) ش: أي في حد السرقة م: (ليست بشرط للحد) ش: أي لإقامة الحد م: (لأنه خالص حق الله تعالى على ما مر) ش: من قوله فحد الزنا وشرب الخمر