الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله. وقال محمد رحمه الله: يحد، وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله يحد، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق، غير أنه مقدر بزمان عنده اعتبارا بحد الزنا، وهذا لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان، والرائحة قد تكون من غيره كما قيل شعر:
يقولون لي إنكه شربت مدامة
…
فقلت لهم لا، بل أكلت السفرجلا
ــ
[البناية]
وعن قبيصة ابن ذؤيب أخرج حديثه أبو داواد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه، فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده، ورفع القتل، وكانت رخصة» وفي صحبة قبيصة خلاف.
وعن جابر أخرج حديثه النسائي مرفوعا: «من شرب الخمر فاجلدوه» . إلى آخره وعن عبد الله بن عمر وأخرج حديثه الحاكم في المستدرك مرفوعا نحوه. وعن جرير أخرج حديثه الحاكم أيضا مرفوعا نحوه. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أخرج حديثه الطبراني في " معجمه ".
[أقر بعد ذهاب رائحة الخمرهل يحد]
م: (فإن أقر بعد ذهاب رائحتها لم يحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله. وقال محمد رحمه الله يحد) ش: وبه قالت الثلاثة م: (وكذلك إذا شهدوا عليه بعدما ذهب ريحها عند أبي حنيفة وأبي يوسف. وقال محمد رحمه الله يحد، فالتقادم يمنع قبول الشهادة بالاتفاق، غير أنه مقدر بالزمان عنده) ش: أي عند محمد رحمه الله م: (اعتبارا بحد الزنا) ش: فقدر بشهر؛ لأن ما دونه قريب. م: (وهذا) ش: بمعنى تقدير الزمان م: (لأن التأخير يتحقق بمضي الزمان) ش: ولا بد من تقدير زمان، أما إن ذلك بستة أشهر أو شهر واحد، فعلم في موضع آخر.
م: (والرائحة قد تكون من غيره) ش: أي من غير شرب الخمر؛ م: كما قيل شعر:
يقولون لي إنكه شربت مدامة
…
فقلت لهم لا، بل أكلت السفرجلا
وعندهما يقدر بزوال الرائحة، لقول ابن مسعود رضي الله عنه فيه فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه
ــ
[البناية]
ش: يروى الثبت بكلمة قد شربت، وهي رواية المطرزي في " المغرب "، وبدونها وهي رواية الفقهاء، فعلى الأول تسقط همزة الوصل من إنكه في اللفظ، وعن الثاني تحرك بالكسر بضرورة الشعر، ولا تسقط. ويجوز تحريك همزة الوصل في الجود والإنصاب.
قوله إنكه بكسر الهمزة وسكون النون وفتح الكاف وسكون الهاء، هو أمر من نكه ينكه بأمره بأن ينكه ليعلم أنه شارب هو أو غير شارب، وأصله من النكهة، وهي ريح الفم، ونكهته إذا قسمت شممت يحد.
قال الجوهري: واستنكه الرجل نكهة في وجهين نكه ينكه نكها إذا أمره أن ينكه ليعلم أنه شارب أو غير شارب، وكلامه يدل على أنه يأتي من باب منع يمنع، ومن باب ضرب، وهو يتعدى ولا يتعدى، والمدامة اسم من أسماء الخمر. وقال الأترازي: والمدامة بمعنى المدام، وهو الخمر.
قلت: لا يحتاج أن يقال بمعنى الخمر؛ لأن كليهما من أسماء الخمر.
م: (وعندهما) ش: أي وعند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله م: (يقدر) ش: أي التقادم م: (بزوال الرائحة لقول ابن مسعود رضي الله عنه فيه، فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه) ش: هذا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه غريب بهذا اللفظ.
وروى عبد الرزاق في " مصنفه " ففعلوا ثم عاد به من الغد ودعا بسوط ثم أمر بثمرته فدقت بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال: للجلاد اجلد وارفع يدك وأعط كل عضو حقه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه أتى بسكران قال: ترتروه واستنكهوه ومزمزوه، ففعلوا ثم عاد به من العدو ودعا بسوط ثم أمر بخرقة فدقت بين حجرين حتى صارت درة، ثم قال للجلاد: اجلد وارفع يدك وأعط كل عضو حقه.
قوله: ترتروه أمر من الترترة بتاءين مثناتين من فوق، وهي التحريك، وكذلك مزمزوه أمر من المزمزة بزاءين معجمتين، قال: صاحب " المغرب " الترترة التثلثة، والمزمزة التحريك الشديد. قوله استنكهوه، أمر من الاستنكاه، وهو طلب النكهة، وهي رائحة الفم، وقد مر الكلام فيه آنفا.
وقال أبو عبيد رحمه الله أنكر بعض أهل العلم هذا الحديث؛ لأن الأصل في الحدود إذا جاء صاحبها مقرا بها الرد والإعراض، وعدم التقصي احتمال للدرء كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم -
ولأن قيام الأثر من أقوى دلالة على القرب، وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره، والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل، وإنما يشتبه على الجهال، وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد رحمه الله كما في حد الزنا على ما مر تقريره، وعندهما لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة؛ لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة رضي الله عنهم، ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود رضي الله عنه وقد شرط قيام الرائحة على ما روينا
ــ
[البناية]
حتى أقر ماعز، فكيف يأمر ابن مسعود رضي الله عنه بالتثلثة والترترة والاستنكاه، حتى يظهر سكره، فلو صح فتأويله أنه جاء رجل مولع بالشرب مدمن، فاستجازه كذلك، انتهى.
قلت: ليس في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي به وهو مقر حتى يضعف هذا بذاك، وإنما أتى به وهو سكران، فقال: ترتروه إلى آخره ليعلم أنه سكران أم لا؟.
م: (ولأن قيام الأثر) ش: أي أثر الخمر م: (من أقوى دلالة على القرب) ش: أي على قرب العهد م: (وإنما يصار إلى التقدير بالزمان عند تعذر اعتباره) ش: أي اعتبار الأثر م: (والتمييز بين الروائح ممكن للمستدل) ش: هذا جواب عن قوله والرائحة قد تكون من غيره م: (وإنما يشتبه) ش: أي الأثر م: (على الجهال) ش: بضم الجيم وتشديد الهاء جمع جاهل، وأراد بالجهال الذين لا يميزون الروائح م:(وأما الإقرار فالتقادم لا يبطله عند محمد كما في حد الزنا على ما مر تقريره) ش: أن الإنسان لا يكون متهما بالنسبة إلى نفسه.
م: (وعندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف - رحمهما الله م: (لا يقام الحد إلا عند قيام الرائحة؛ لأن حد الشرب ثبت بإجماع الصحابة، ولا إجماع إلا برأي ابن مسعود رضي الله عنه وهو وقد شرط) ش: أي ابن مسعود م: (قيام الرائحة على ما روينا) ش: بمعنى قوله فإن وجدتم رائحة الخمر فاجلدوه. وقال الأكمل رحمه الله: فيه نظر؛ لأن الإجماع عقد على ثبوت حد الشرب باتفاق ابن مسعود. ولكن لا دليل على أن الشرط الذي شرطه ابن مسعود رضي الله عنه وهو قيام الرائحة أجمع عليه الباقون.
وأيضا كلام ابن مسعود رضي الله عنه شرطية، والشرطية الوجود تقيد الوجود عند الوجود لا غير.
وجواب الإمام فخر الإسلام: بأن العدم عند العدم ليس من مفهوم الشرط، بل انتفاء الجمع عليه مدفوع بما ذكرنا أولا. وأيضا ذكر في أول الباب أنه ثابت بقوله عليه الصلاة والسلام من شرب الخمر فاجلدوه، انتهى كلامه.
قلت: قوله ولا كذلك لا دليل على مجرد النفي، وهو لا ينافي الضمان الدليل قوله يقيد الوجوب عند الوجود لا غير، يعني لا يوجب العدم عند عدمه، فلهذا يجب الحد عند وجود