الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب التدبير
وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر أو أنت حر عن دبر مني أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبرا، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير، فإنه إثبات العتق عن دبر، ثم لا يجوز بيعه ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، وقال الشافعي رحمه الله: يجوز لأنه
ــ
[البناية]
[باب في حكم التدبير] [
تعريف التدبير]
م: (باب في حكم التدبير)
ش: أي هذا باب في بيان حكم التدبير، ولما فرغ من الإعتاق المطلق عن قيد شرع في الإعتاق المقيد، وهو التدبير أو المركب بمنزلة المقيد، والمفرد بمنزلة المطلق، والمركب بعد المفرد لا محالة.
وقال الأترازي: لما فرغ من العتق الواقع في حالة الحياة شرع في العتق الواقع بعد الموت، لأن الموت يتلو الحياة، والتدبير في اللغة: هو النظر في عاقبة الأمر، وكأن المولى لما نظر في عاقبة أمره وأمر عاقبته أخرج عبده إلى الحرية بعده. وفي الشرع هو العتق الواقع عن دبر من الإنسان.
[قال المولى لمملوكه أنت مدبر]
م: (وإذا قال المولى لمملوكه: إذا مت فأنت حر، أو أنت حر عن دبر مني، أو أنت مدبر أو قد دبرتك فقد صار مدبراً، لأن هذه الألفاظ صريح في التدبير فإنه إثبات العتق عن دبر) . ش: في " الإيضاح "" والتحفة "" والينابيع " ألفاظه ثلاثة أنواع:
أحدها: الصريح كقولك: دبرتك وأنت مدبر، وأنت حر عن دبر مني وكذلك حررتك لو أعتقتك أو أنت محرر أو عتيق أو معتق بعد موتي، يصير مدبراً.
والثاني: بلفظ اليمين مثل قوله: إن مت أو إن حدث لي حادث، والمراد بالحادث الموت عادة فأنت حر، وكذا إذا قال مع موتي أو في موتي، وروى هشام عن محمد رحمه الله في قوله أنت مدبر بعد موتي يصير مدبراً للحال، وكذا لو قال: أعتقتك بعد موتي أو حررتك.
والثالث: بلفظ الوصية بأن قال: وصيت لك برقبتك أو بنفسك فالكل سواء، وكذا لو قال: أوصيت بثلث مالي فتدخل رقبته فيه، لأن رقبته من جملة ماله فكان يوصي له بثلث رقبته.
م: (ثم لا يجوز بيعه) . ش: أي بيع المدبر ولا هبته، ولا إخراجه عن ملكه إلا إلى الحرية كما في الكتابة، حيث لا يجوز بيع المكاتب. م:(ولا هبته ولا إخراجه عن ملكه إلا بالحرية كما في الكتابة) . ش: وبقولنا قال عامة العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وهو مروي عن عمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، وبه قال شريح وقتادة والثوري والأوزاعي، وهو مذهب مالك في " الموطأ ".
م: (وقال الشافعي: يجوز) . ش: لأن يبيعه، وبه قال أحمد رحمه الله وداود، وكذا هبته وصدقته وغيرها ولا يباع في الدين عند الجمهور، وعند مالك يباع في الدين حال حياة سيده
تعليق العتق بالشرط فلا يمتنع به البيع والهبة، كما في سائر التعليقات، وكما في المدبر المقيد ولأن التدبير وصية وهي غير مانعة من ذلك. ولنا قوله عليه السلام:«المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث» وهو حر من الثلث
ــ
[البناية]
وبعد موته. م: (لأنه) . ش: أي لأن التدبير. م: (تعليق العتق بشرط، فلا يمتنع به البيع والهبة كما في سائر التعليقات) . ش: قبل وجود الشرط، فكذا في هذا التعليق. م:(وكما في المدبر المقيد) . ش: فإنه يجوز بالاتفاق. م: (ولأن التدبير وصية) . ش: يعتق بدليل أنه يعتبر من الثلث. م: (وهي غير مانعة من ذلك) . ش: إذ الوصية غير مانعة من البيع والهبة وغيرهما، لأن الوصايا ليست بلازمة ولهذا يجوز الرجوع عنها صريحة ودلالة، فكذا هذه الوصية.
م: (ولنا قوله عليه السلام) . ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم. م: «المدبر لا يباع ولا يوهب ولا يورث وهو حر من الثلث» . ش: هذا الحديث أخرجه الدارقطني بنص: " لا يورث " من رواية عبيدة بن حسان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال» .
قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو عن ابن عمر من قوله وقال الأترازي: ولنا ما ذكر محمد في الأصل حديث أبي جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «باع خدمة المدبر ولم يبع رقبته» يعني أجر المدبر.
وروى أصحابنا في " المبسوط " وغيره عن ابن عمر «المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من ثلث المال» . وقال الأترازي أيضاً: وجه قول الشافعي ما روى جابر في صحيح البخاري «أعتق رجل منا عبد له عن دبر فدعى النبي صلى الله عليه وسلم به فباعه، قال جابر مات الغلام عام أو قال في السنين اشتراه نعيم بن عبد الله بن النجاد بثمانمائة درهم» . وفي بعض الروايات بسبع أو تسعمائة.
وقال في " جامع الترمذي ": كان عبداً قبطياً مات في إمارة ابن الزبير فلو لم يجز بيع المدبر لما باعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال الأترازي: وما رواه الشافعي يحمل على المدبر المقيد أو على ابتداء
ولأنه سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد الموت، ولا سبب غيره ثم جعله سببا في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية، بخلاف سائر التعليقات.
ــ
[البناية]
الإسلام حين كان يباع الحر أو على بيع الخدمة لا الرقبة توفيقاً بين حديثنا وحديثه، وكان من قبل الشافعي قد أجمعوا على عدم جواز بيعه مع أبي حنيفة وسفيان ومالك والأوزاعي ثم لما نشأ الشافعي بعدهم جوزه فصار هذا منه خرقاً للإجماع فلا يجوز، انتهى كلامه.
قلت: في كلامه نظر في موضعين.
الأول: قول توفيقاً بين حديثنا وحديثه، وكيف يوفق بينهما وحديثه صحيح وحديثنا لم يبلغ إلى الصحة.
والثاني: إن قوله فصار هذا منه خرقاً للإجماع غير مسلم، لأن الشافعي لم ينفرد، وهو مذهب جابر وعطاء، ووافقه أحمد وإسحاق وداود.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (سبب الحرية، لأن الحرية تثبت بعد الموت) . ش: بالإجماع. م: (ولا سبب غيره، ثم جعله سبباً في الحال أولى لوجوده في الحال وعدمه بعد الموت) . ش: لكون كلامه عرضاً لا يبقى، فتعين أن يكون سبباً في الحال، ولا يقال إنه موجود حكماً بعد موته، وإن كان معدوماً كما جعل كالموجود في بعض الأحكام، لأنا نقول الشيء إنما يصير موجوداً حكما إذا أمكن وجوده حقيقة، ولا إمكان لوجوده حقيقة بعد الموت لاستحالة وجود الفعل من الميت.
وقال الأترازي: وما قاله صاحب " الهداية " قبل باب عتق أحد العبدين بقوله - وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت - فذاك منه تناقض لا محالة. وقال الأكمل: يحمل ما ذكر هنا على غير الأولى، فيندفع التناقض، أو يكون قد اطلع على رواية عن أصحابنا أنه يجوز، وأن يكون سبباً بعد الموت، أو اختيار جوازه بالاجتهاد.
م: (ولأن ما بعد الموت حال بطلان أهلية التصرف، فلا يمكن تأخير السببية إلى زمان بطلان الأهلية) . ش: فلا يتصور انعقاد السبب من غير الأهل. م: (بخلاف سائر التعليقات) . ش: هذا جواب عما يقال في التدبير تعليق شيء من السبب ثابتا في الحال وإنما يكون عند الشرط فما بال التدبير يخالف سائر التعليقات فأجاب بقوله: بخلاف سائر التعليقات قال الكاكي هو متعلق بقوله حال بطلان أهلية التصرف، وأهلية التصرف باقية في سائر التعليقات عند وجود الشرط. أما هاهنا لا تبقى أهلية التصرف بعد موته، فلو لم يجعل سببا في الحال بقي كلامه من كل وجه.
فإن قيل: وجود أهلية المعلق حال وجود الشرط ليس بشرط، لما مر أنه لو علق الطلاق أو العتاق ثم جن ثم وجد الشرط وهو مجنون يقعان، فكان التدبير بمنزلة سائر التعليقات
لأن المانع من السببية قائم قبل الشرط لأنه يمين واليمين مانع والمنع هو المقصود، وإنه يضاد وقوع الطلاق والعتاق وأمكن تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط لقيام الأهلية عنده فافترقا، ولأنه وصية والوصية خلافة في الحال كالوراثة وإبطال السبب لا يجوز وفي البيع وما يضاهيه ذلك. قال: وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره وإن كانت له أمة يحل وطؤها وله أن يزوجها، لأن الملك فيها ثابت له وبه يستفاد ولاية هذه التصرفات
ــ
[البناية]
قلنا: الأهلية فيما نحن فيه تبطل من كل وجه. وفي المجنون من وجه، فإنه أهل للملك وزواله قد يكون أهلاً لإيقاع الطلاق والعتاق، ألا ترى أن الولي لو زوجه امرأة يصح النكاح، ولو باشر هو بنفسه أسباب حرمة المصاهرة، ولو ارتد ولحق بدار الحرب يثبت الحرمة بينه وبين منكوحته، وفي الموت تبطل الأهلية من كل وجه، ألا ترى أن نفس التعليق يبطل بالموت ولا يبطل بالجنون، فعلى هذا لا يلزم من عدم اشتراط مثل هذه الأهلية. م:(لأن المانع من السببية) . ش: وثم يعني موجود. م: (قبل الشرط) . ش: لأنه انعقد تصرفاً آخر في الحال. م: (لأنه يمين) . ش: يعني لأنه لا يصير يميناً. م: (واليمين مانع) . ش: من مباشرة الشروط والمانع من الشروط مانع من الحكم، والمانع من الحكم لا يكون سبباً للحكم. م:(والمنع هو المقصود) . ش: أي المنع عن تحقيق الشرط هو المقصود. م: (وإنه) . ش: أن وإن المنع. م: (يضاد وقوع الطلاق والعتاق) . ش: أي المانع لوقوعهما يضاد وقوعها، فيكون التعليق سببا في الحال. م:(وأمكن تأخير السببية فيه إلى زمان الشرط) . ش: أي إلى زمان وقوع الشرط. م: (لقيام الأهلية عنده فافترقا) . ش: أي فافترق التدبير المطلق وسائر التعليقات.
م: (ولأنه) . ش: أي ولأن التدبير. م: (وصية) . ش: هذا فرق آخر بين التدبير وسائر التعليقات. م: (والوصية خلافة في الحال) . ش: لأن الموصي يجعل الموصى له خلافاً بعض ماله بعد الموت كالورثة، وإنها ليست بخلافة في الحال. واعترض أن لو كان وصية ليبطل إذا قتل المدبر سيده، لأن الوصية للقاتل لا يجوز وجاز البيع، لأن الوصي يجوز له بيع الموصى به، ويكون رجوعاً عن الوصية، وليس الأمر كذلك، والجواب عنها جميعاً أن ذلك في وصيته ولم يكن على وجه التعليق، لأن الوصية المطلقة والتدبير ليس كذلك. ووجه انتقاص ذلك أن بطلان الوصية بالنقل وجواز البيع وكونه رجوعاً إنما يصح في موصى به يقبل الفسخ والبطلان والتدبير، لكونه إعتاقاً لا يقبل ذلك.
م: (وإبطال السبب) . ش: تتمة الدليل متصل بقوله لأنه بسبب الحرية. م: (وفي البيع وما يضاهيه) . ش: أي وما يشابهه مثل الهبة والصدقة. م: (ذلك) . ش: إشارة إلى إبطال التدبير فلا يجوز.
م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وللمولى أن يستخدمه ويؤاجره) . ش: لأن التدبير المطلق لا يرسل الملك في الحال. م: (وإن كانت له أمة يحل وطؤها وله أن يزوجها لأن الملك فيها ثابت له) . ش: أي للمولى. م: (وبه) . ش: أي وعتق المدبر من ثلث ماله. م: (يستفاد ولاية هذه التصرفات) . ش: إشارة