الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستطلاع الأخبار والمطالعة بها، والعمل بما يرد عليه من المراسيم المطاعة والتمسك بسببها؛ وأنه مهما أشكل عليه يستضيء فيه بنور آرائنا العالية فهو يكفيه، ومن قتل من الجند أو مات وخلّف ولدا يصلح لإقطاعه يعيّن له ليقوم بمخلّفيه، ويقال من هذا ما يقوم بتمام الغرض ويوفّيه.
الوظيفة الثانية (الوزارة لصاحب سيف)
واعلم أنّ أوّل من أطلق عليه لقب الوزارة في الإسلام «أبو حفص الخلّال» وزير أبي العبّاس السّفّاح أوّل خلفائهم «1» كما ذكره القضاعيّ في «عيون المعارف «2» في أخبار الخلائف» ثم صارت الوزارة بعد ذلك للخلفاء والملوك دائرة بين أرباب السّيوف والأقلام، تارة يليها صاحب سيف وتارة يليها صاحب قلم؛ إلا أنها في أرباب الأقلام أكثر،، وعلى ذلك جرى عرف الديار المصرية من ابتداء الأمر وإلى الآن.
ومما ينبّه عليه أنّ الوزير إذا كان صاحب سيف، كان في مجلس السلطان قائما في جملة الأمراء القائمين، وإذا كان صاحب قلم، كان جالسا كما يجلس أرباب الأقلام: من كاتب السرّ وغيره.
وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للأمير سيف الدين بكتمر «3» وهي:
الحمد لله الذي شدّ أزر دولتنا القاهرة، من أوليائنا بأمضى سيف، وعضّد أيامنا الزاهرة، من أصفيائنا بأعدل وليّ لا يوجد في حكمه حيف، وعدق تدبير
أمور ممالكنا الشريفة بمن تحجب مهابته ذوي الأطماع الطامحة عمّا لا يحب، فلا يلم بهم فيها خاطر [ولا]«1» يطرقهم بها طيف، جاعل التأييد لآرائنا مصاحبا، والتوفيق موافقا لأوامرنا التي لا تهمل من مصالح الإسلام مندوبا ولا تدع من مهمّات الملك واجبا، والإقبال تاليا لمراسيمنا في ارتياد من يغدو قلب المحقّ من حيفه ساكنا وقلب المبطل من خوفه واجبا، واليمن تابعا لاستخارتنا في انتخاب من لم يزل في خدمتنا الشريفة للأدعية الصالحة جالبا، ولمنافع الإسلام والملك طالبا، ولمضارّهما حاجبا.
نحمده على نعمه التي عضّدت أيامنا بمن جمعت أدواته، رتبتي السيف والقلم، وعدقت تدبير ممالكنا بمن أحرزت [صفاته]«2» ، مزيّتي العلم والعلم، وشدّ أزر دولتنا بمن يبيّض بمعدلته من صحائف أيّامنا ما هو أحبّ إليها من حمر النّعم.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعدّها للقائه، ونتيمّن بها في افتقاد من نعتضد به في مصالح أهلها وانتقائه، ونقدّمها أمام كل أمر ندّخره لاعتلاء وليّنا بالتقى وارتقائه، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله إلى الأمم طرّا، وخصّه بالأمّة التي جعل أمارة سبقها إلى الخيرات أن غدت محجّلة غرّا، وأيّده بنصره وبالمؤمنين الذين ما منهم إلا من أعرض عن زخرف الدنيا وإن كان حلوا وقال الحقّ وإن كان مرّا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ولوا أمته فعدلوا، والذين تمسّكوا بسنن سنّته فما حادوا عنها ولا عدلوا، صلاة لا تزال الألسن لإقامتها مديمة، والقلوب لإدامتها مقيمة، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من أبرزت الضمائر، في الاعتضاد به مكنون طويّتها، واعتمدت الخواطر، في تصريح علانيتها بأولويّته لمصالح الإسلام على نيّتها، وتشوّفت البلاغة لرقم مفاخره، وتنافست المعاني في تخليد مآثره، وهنّأت
المعدلة نفسها، برافع لوائها، وأبّدت الدولة أنسها، بناشر برّها في الأقطار وآلائها، وافترّت ثغور الاقاليم المحروسة بمن تلهج بمصالحها ألسنة أقلامه، واخضرّت ربى آمال الأولياء بما يسفر عنه من تهلّل بهاء غرر أيامه، من هززنا منه لمصالح الإسلام سيفا يصل ما أمر الله به أن يوصل، ويفصل من مهمّات الممالك ما يقتضي الحقّ أن يفصل، ويبرز من معادن العدل والإحسان ما هو في سرّ خلائقه كامن، وينزل من استقامت سيرته في الحمى المخصب والحرم الآمن، ويصون الأموال بمهابته فلا تمتدّ إليها هواجس الأطماع، ولا تتجاسر أبصار غير الأمناء أن تقصّ نبأ رؤيتها على الأسماع، ويضاعفها بخبرته التي تهديها الأمانة إلى معادنها، وتدلّها النزاهة على مواطنها، وتبدي لها ظواهر الأعمال أسرار بواطنها، ويعمّر بيوت الأموال بعمارة البلاد، ويثمّر فروع الطّوارف من مصالحها بحفظ أصول التّلاد «1» ، ويكفّ أكفّ الظلم عن الرعايا فلا يخشى محقّ على حقه، ولا يخاف مستقيم على ما قسم له من رزقه، ولا يطمح قويّ إلى من يستضعف جانبه، ولا يطمع باغ في الحيف على أحد مخالطه في نشب «2» كان أو مجانبه.
ولما كان الجناب العالي (الفلانيّ) هو الذي أشير إلى مناقبه، واعتضد منه بمطيع لله في السرّ والعلن ومراقبه، وفوّض تدبير الممالك منه إلى من لا تأخذه في الحق لومة لائم، واعتمدت أيامنا الزاهرة منه على من طالما سرى في مصالحها على جياد العزائم، وشدّ أزر الملك من موازرته بمن يكسو دست الوزارة أبّهة وجلالا، ويلبس منصبها سنا لو ملكته الشمس مارامت عن بروج شرفها انتقالا، ويمدّ على الرعايا لواء عدل لا يقلّص له هجير الظلم كما تتقلّص الظلال ظلالا، وتطلع به شموس الأرزاق على أولياء دولتنا لكن لا ترهب
كالشّموس غروبا ولا زوالا، مع مهابة تخيف الأسد في أجماتها، ومعدلة تعين الغيوث على رفع محول البلاد ودفع أزماتها، وديانة زانها التّقى، وخبرة صانها الورع وهما أفضل ما به يرتقى.
وكانت الوزارة الشريفة نظام المملكة وقوامها، وذروة الدولة وسنامها، وتاج المراتب وإكليلها، وعتاد الخزائن الجامع دقيق المصالح الإسلامية وجليلها- اقتضت آراؤنا الشريفة أن تزيّن هذه الرتبة بجوهر فرنده، وأن يصدر منصبها عن مناقب لا تصدر إلا عن جهته ومفاخر لا ترد إلا من عنده، وأن يطلق في مصالحها قلمه، ويمضي في قواعدها إشاراته وكلمه، ويطلع في أفقها شمس تدبيره، ويعدق به ما يراه في أمورها من صغير الأمر وكبيره، وأن نجعل مسامع الأقاليم على سعتها إلى أوامره ونواهيه مصغية، وأن نصدّ بسمعته عمن بعد عوارض الإمهال الملهية ومواقع الإهمال المطغية.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت سحائب برّه مستهلّة، وركائب المحامد إلى حرم نعمه مهلّة- أن تفوّض إليه الوزارة الشريفة بالممالك الإسلامية على أكمل القواعد، وأجمل العوائد، تفويضا يعلي مرامه، ويمضي مضاء ألسنة الأسنة أقلامه، ويبسط في مصالح الأقاليم المحروسة يده ولسانه، ويلقي إليه من مهمّات كلّ قطر أزمّته ليصرّف على ما يراه من المصالح عنانه.
فليستقرّ في هذه الرّتبة السنية استقرار الدّرر في أسلاكها، والدّراريّ في أفلاكها، نافذ الأمر في مصالح شرقها وغربها، مطاع القول في بعد أماكنها منه وقربها، ناشرا كلمة العدل في أرجائها، محققا بالإحسان آمال أمم قصرت على كرمنا ممدود رجائها، معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكّامه، والوقوف عند أوامره المطاعة وأحكامه، حافظا أقدار الرّتب بأكفائها، معتمدا على ذوي البيوت المحافظين على اتّباع سير أسلافهم واقتفائها، معوّلا على ذوي الخبرة التامة مع الدّيانة، مراعيا مع ظهور المعرفة جانب العفّة والنّزاهة والصّيانة، موكّلا بمصالح بيوت الأموال والخزائن المعمورة موادّ الأموال ومعينها، صارفا إلى عمارة البلاد