الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوظيفة الثالثة (نظر الدواوين المعبّر عنها بنظر الدّولة)
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّ موضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه الوزير، وأن كلّ ما كتب فيه الوزير «يكشف» مثلا، كتب فيه «يكشف عمّا رسم به» ونحو ذلك. وتقدّم ذكر ألقابه في الكلام على مقدّمات الولايات من هذا الفصل، وتقدّم ذكر ما يكتب في طرّة توقيعه في الكلام على التواقيع.
وهذه نسخة توقيع بنظر الدواوين، كتب به لتاج الدّين بن سعيد الدولة، وهي:
الحمد لله الذي خصّ من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر، وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيّامنا الزاهرة يانع الثمر، ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول «1» الرّتب إلى مكان الغرر، وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرّشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدّخر، وأفضل ما نجت به الفرقة الموحّدة وهلكت به الفرق الأخر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف البشر، وأرأف البدو والحضر، والمبعوث إلى الأمم كافّة لما قضاه الله تعالى من سعادة من آمن وشقاوة من كفر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر، صلاة دائمة الورد والصّدر، باقية العين والأثر، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من خصّه برّنا بالنظر الحسن، وشمله كرمنا من الرّتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن، واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في
مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللّسن، من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته سعادة الدنيا تابعة، وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق الإخلاص فغدت لكلّ خير حاوية ولكلّ يمن جامعة؛ مع كفاءة جاءت المناصب على قدر، ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر، إلا نمّت الأموال وبدرت البدر، وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في كل ما يباشره إلا صغّر خبرها الخبر، ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك، وعفّة رفعته من الرتب الديوانيّة إلى مفارقها ولا رتبة للتّاج إلا ذلك.
ولمّا كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرّتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى.
فلذلك رسم أن يفوّض إليه نظر الدواوين المعمورة: فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته الذي لا يحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار، فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه لما يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال، بحسن الاطّلاع محتلبا، ولوجوه الأموال، بإنفاق التوجه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا؛ فإنّ الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والإتقان الجليل. وملاك كلّ أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخيّلها في كلّ حال أمامه؛ والله تعالى يوفّقه بمنه وكرمه!.
قلت: وربّما أضيف إلى نظر الدواوين المعمورة نظر الصّحبة الشريفة الآتي ذكرها، وكتب بهما جميعا لشخص واحد.
وهذه نسخة توقيع «1» بهما جميعا، كتب بها لتاج الدّين بن سعيد الدولة على أثر إسلامه، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبي، وهي:
الحمد لله الذي خصّ من أخلص في الطاعة من آلائنا بحسن النظر، وأجنى من غرس في قلبه أصل الإيمان من عوارف أيّامنا الزاهرة يانع الثمر، ورفع من استضاء في دولتنا القاهرة بأنوار الهدى من حجول الرّتب إلى مكان الغرر، وأظهر لوامع السعادة من نعمنا على من أضاء له الرّشد فرآه بعين البصيرة قبل البصر.
نحمده على إحسانه الذي عمر، وامتنانه الذي بهر، وفضله الذي عمّ كلّ من ظهر له الهدى فلم يعارض الحقّ إذا ظهر.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة هي أرفع ما يقتنى وأنفع ما يدّخر، وأوضح ما نجت به الفرقة الموحّدة وهلكت به الفرق الأخر، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أشرف البشر، وأرأف البدو والحضر، والمبعوث إلى الأمم كافّة لما قضاه الله من سعادة من آمن وشقاوة من كفر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر، صلاة دائمة الورد والصدر، باقية العين والأثر، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من خصّه برّنا بالنظر الحسن، وشمله كرمنا من الرّتب بما يهجر في بلوغ مثله الوسن، واشتمل عليه معروفنا بما يجعل يراعه في مصالح الدولة القاهرة جميل العبارة حسن اللّسن، من سمت به نفسه إلى سعادة الآخرة فأتته [سعادة]«2» الدنيا تابعة، وسلك في مراضي الدولة القاهرة طريق
الإخلاص فغدت لكل خير حاوية ولكل يمن جامعة؛ مع كفاءة جاءت المناصب على قدر، ومعرفة ما لحظت المصالح بأقرب نظر إلا نمّت الأموال وبدرت البدر، وخبرة ما اعتبرت فيها محاسن سيرته في مباشرة إلا صغّر خبرها الخبر، ونزاهة سلكت به في كل ما يليه أحسن المسالك، وعفّة رفعته من الرتب الديوانية إلى غررها ولا رتبة للتّاج إلا ذلك.
ولما كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى- فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه نظر الدواوين المعمورة ونظر الصّحبة الشريفة.
فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار؛ فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ وجلّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال بحسن الاطّلاع محتلبا، ولوجوه الأموال، بإنفاق التوجّه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا، فإن الأمور معادن يستثيرها التصرف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والإتقان الجليل؛ وملاك كلّ أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخيّلها في كل وقت أمامه، والله تعالى يوفّقه بمنّه وكرمه، والخطّ الشريف أعلاه الله تعالى أعلاه.