الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللرّعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة؛ فإذا استقرّت الفروع «1» كانت الأصول لها جامعة. وفقهاء مذهبه هم الفقراء لقلّة المحصول وضعف الأوقاف، وهم على الرّقّة كالرّماح المعدّة للثّقاف؛ فخذ بخواطرهم، ومدّ آمالهم في غائب وقتهم وحاضرهم، واشملهم بالإحسان الذي يرغّبهم، ويقل به طلبهم لوجوه الغنى ويكثر طلّبهم.
الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الدّينية أصحاب التواقيع، وتشتمل على مراتب)
المرتبة الأولى
(ما كان يكتب في النصف ب «المجلس العالي» كما كان يكتب للقضاة الأربعة أوّلا، وقد تقدّم)
المرتبة الثانية (ما يكتب في قطع الثلث ب «الساميّ» بالياء)
واعلم أنّ الأصل فيما يكتب من التواقيع أن يفتتح ب «أما بعد» إلا أن الكتّاب تسامحوا فيه فافتتحوا لمن علت رتبته حيث اقتضى الحال الكتابة له في الثلث ب «الحمد لله» ، وأبقوا من انحطّت رتبته عن ذلك على ما كان عليه من الافتتاح ب «أما بعد» وها أنا أورد ما سنح من ذلك مما أنشأه الكتّاب في ذلك من الافتتاحين جميعا. ويشتمل على وظائف.
الوظيفة الأولى (قضاء العسكر)
وقد تقدّم في المقالة الثانية أنّ موضوعها التحدّث في الأحكام في الأسفار السلطانيّة وأنّ له مجلسا يحضره بدار العدل في الحضر. وقد جرت العادة أن
يكون قضاة العسكر أربعة: من كلّ مذهب قاض.
وهذه نسخة توقيع شريف بقضاء العسكر المنصور بالحضرة السلطانية، وهي:
الحمد لله الذي رفع للعلم الشريف في أيّامنا الزاهرة منارا، وزاد بإعلاء رتب أهله دولتنا القاهرة رفعة وفخارا، وزان أحكامه الشريفة بحكّامه الذين طلعوا في غياهب مشكلاته بدورا وتدفّقوا في إفاضته في الأحكام الشرعيّة بحارا.
نحمده على نعمه التي حلّت فحلّت، ومننه التي أهلّت الجود فاستهلّت.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تكون لقائلها ذخرا، وتعلي للمتمسّك بها في الملإ الأعلى ذكرا، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي هو أسبق الأنبياء رتبة وإن كان آخرهم عصرا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أضحوا للمقتدين بهم شموسا منيرة وللمهتدين بعلومهم نجوما زهرا، صلاة لا تزال الألسن تقيمها، والأسماع تستديمها، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من نوّهنا بذكره، ونبّهنا على رفعة قدره، وأطلقنا ألسنة الأقلام في وصف مفاخره وشكره، وأثّلنا قواعد مجده التي لو رام بنان البيان استقصاءها حال الحصر دون حصره، ونفّذنا كلم حكمه ورفعنا في أندية الفضائل ألوية فنونه وأعلام نصره، من لم يزل دم الشهداء يعدل مداد أقلامه، وتقيم منار الهدى أدلة فضائله وشواهد أحكامه، وتوضّح الحقّ حتى يكاد المتأمّل يلحظ الحكم لوضوحه ويبصره، وينصر الشرع بأمداد علمه ولينصرنّ الله من ينصره، وشيّد مذهب إمامه الإمام الفلانيّ فأصبح فسيح الأرجاء وإن لم يكن فيه فسحة، وجدّد قواعد العدل في قضايا عساكرنا المنصورة فهو مشاهد من كلمه ومن نظره في لمحه ملحة.
ولما كان فلان هو الذي نعتنا بما تقدّم من الخطاب خلائقه الحسنى، وأثنينا على ما هو عليه من الإقبال على جوهر العلم دون التعرّض إلى العرض الأدنى؛ مع ما حواه من موادّ فضائل تزكو على كثرة الإنفاق، وفرائد فوائد تجلب
على أيدي الطّلبة إلى الآفاق، وقوّة في الحق، الذي لا تأخذه فيه لومة لائم، وعدل أحكام في الخلق، ألذّ من سنة الكرى في جفن نائم- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوطّد في عساكرنا المنصورة قواعد أحكامه، ونوطّن كلّا منهم على أنه تحت ما يمضيه في أقضيته النافذة من نقضه وإبرامه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه قضاء العساكر المنصورة الشريفة: على أجمل العوائد، وأكمل القواعد، وأن تبسط كلمته في كلّ ما يتعلق بذلك من أحكام الشرع الشريف؛ فليحكم في ذلك كلّه بما أراه الله من علمه، وآتاه من حكمه وحكمه، وبيّن له من سبل الهدى، وعيّنه لبصيرته من سنن نبيه صلى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى، وليقف من الأحكام عند ما قرّرته الشريعة المطهرّة من أحكام الله التي لا يعقلها إلا العالمون، ويأمر كلّا من المتقاضين بالوقوف عند ما حدّ له: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
«1» والوصايا وإن كثرت فمن مثله تفاد، وإن جلّت فسمعه في غنى عما يبدأ له منها ويعاد؛ وملاكها تقوى الله تعالى التي هي شعار أنسه، وحلية يومه وأمسه؛ والله تعالى يسدّده في القول والعمل، ويوفّقه لما يرضاه ويصونه من الخطإ والخطل.
وهذه وصية لقاضي العسكر، أوردها في «التعريف» وهي أن يقال:
وهو الحاكم حيث لا تنفذ إلا أقضية السيوف، ولا تزدحم الغرماء إلا في مواقف الصّفوف، والماضي قلمه وكلّ خطّيّ يمدّ بالدّماء، والممضى سجلّه وقد طوى العجاج كالكتاب سجلّ السماء؛ وأكثر ما يتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحلّ لأحد قبل هذه الأمّة، وفي الشّركة وما تطلب فيه القسمة، وفي المبيعات وما يردّ منها بعيب، وفي الديون المؤجلة وما يحكم فيها بغيب؛ وكلّ هذا مما لا يحتمل طول الأناة في القضاء، واشتغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد