الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهادهم- أن يكونوا ممتثلين في الجهاد لأمره، عارفين بقدره، ممضين فيما ذكر لحكمه، واقفين عند حدّه ورسمه؛ وعلى من سواهم من الرعايا والخدّام، والولاة والحكّام، أن يعرفوا قدر هذا الاعتناء الواضح الأحكام، والبرّ المشرق القسام، فيعاملوه بمقتضى الإجلال والإكرام، والترفيع والإعظام. على هذا يعتمد، وبحسبه يعمل، بحول الله وقوّته.
الضرب الثاني (من ظهائر بلاد المغرب ما يكتب لأرباب الوظائف الدينية من أصحاب الأقلام)
وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة «1» بالحضرة، وهو:
هذا ظهير كريم أنتج مطلوب الاختيار قياسه، ودلّ على ما يرضي الله عز وجل التماسه، وأطلع نور العناية يجلو الظلام نبراسه، واعتمد بمثابة العدل من عرف بافتراع هضبتها باسه، وألقى بيد المعتمد به زمام الاعتقاد الجميل تروق أنواعه وأجناسه، وشيّد مبنى العز الرفيع في قنّة الحسب المنيع، وكيف لا والله بانيه والمجد أساسه.
أمر به، وأمضى العمل بمقتضاه وحسبه، أمير المسلمين أبو الحجاج ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر- أيد الله أمره، وخلد فخره- لقاضي
حضرته العلية، وخطيب حمرائه «1» السنيّة، المخصوص لديه بترفيع المزيّة، المصروف إليه خطاب القضاة بإيالته النّصريّة، قاضي الجماعة، ومصرّف الأحكام الشرعية المطاعة، الشيخ أبي الحسن ابن الشيخ أبي محمد بن الحسن وصل الله سعادته، وحرس مجادته، وسنّى من فضله إرادته، عصّب منه جبين المجد بتاج الولاية، وأجال قداح الاختيار حتّى بلغ الغاية وتجاوز النهاية، فألقى منه بيمين عرابة «2» الراية، وأحلّه منه محلّ اللفظ من المعنى والإعجاز من الآية، وحشر إلى مراعاة ترفيعه وجوه البرّ وأعيان العناية، وأنطق بتبجيله، ألسن أهل جيله، بين الإفصاح والكنايه.
ولما كان له الحسب الذي شهدت به ورقات الدّواوين، والأصالة التي قامت عليها صحاح البراهين، والآباء الذين اعتزّ بمضاء قضاتهم الدّين، وطبّق «3» مفاصل الحكم بسيوفهم الحقّ المبين، وازدان بمجالسة وزرائهم السلاطين: فمن فارس حكم أو حكيم تدبير، أو قاض في الأمور الشرعية ووزير، أو جامع بينهما جمع سلامة لا جمع تكسير؛ تعدّد ذلك واطّرد، ووجد مشرع المجد عذبا فورد، وقصّرت النظراء عن مداه فانفرد، وفرى الفرى في يد الشّرع فأشبه السيف الفرند «4» ، وجاء في أعقابهم محييا لما درس، بما حقّق
ودرس؛ جانيا لما بذر السلف المبارك واغترس، طاهر النّشأة وقورها، محمود السّجيّة مشكورها، متحلّيا بالسّكينة، حالّا من النّزاهة بالمكانة المكينة، ساحبا أذيال الصّون، بعيدا عن الاتصاف بالفساد من لدن الكون، فخطبته الخطط العليّة، واغتبطت به المجادة الأوّليّة، واستعملته دولته التي ترتاد أهل الفضائل للرّتب، وتستظهر على المناصب بأبناء التّقى والحسب، والفضل والمجد والأدب، ممن يجمع بين الطارف والتالد والإرث والمكتسب؛ فكان معدودا من عدول قضاتها وصدور نبهائها، وأعيان وزرائها، وأولي آرائها.
فلمّا زان الله خلافته بالتمحيص، المتجلّي عن التخصيص، وخلص ملكه الأصيل كالذهب الإبريز من بعد التخليص، كان ممن صحب ركابه الطالب للحق بسيف الحق، وسلك في مظاهرته أوضح الطّرق، وجادل من حادّه بأمضى من الحداد الذّلق، واشتهر خبر وفائه بالغرب والشّرق، وصلّى به صلاة السفر والحضر، والأمن والحذر، وخطب به في الأماكن التي بعد بذكر الله عهدها، وخاطب عنه- أيده الله- المخاطبات التي حمد قصدها، حتّى استقلّ ملكه فوق سريره، وابتهج منه الإسلام بأميره وابن أميره، ونزل السّتر على العباد والبلاد ببركة إيالته ويمن تدبيره، وكان الجليس المقرّب المحلّ، والحظيّ المشاور في العقد والحلّ، والرسول المؤتمن على الأسرار، والأمين على الوظائف الكبار، مزيّن المجلس السلطانيّ بالوقار، ومتحف الملك بغريب الأخبار، وخطيب منبره العالي في الجمعات، وقاريء الحديث لديه في المجتمعات.
ثم رأى- أيده الله- أن يشرك رعيته في نفعه، ويصرف عوامل الحظوة إلى مزيد رفعه، ويجلسه مجلس الشارع صلوات الله وسلامه عليه لإيضاح شرعه، وأصله الوثيق وفرعه؛ وقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر آلاءه ونعمه- قاضيا في الأمور الشرعية، وفاصلا في القضايا الدينية، بحضرة غرناطة [العلية]«1» حرسها
الله تقديم الاختيار والانتقاء، وأبقى له فخر السّلف على الخلف والله يمتّعه بطول البقاء.
فليتولّ ذلك عادلا في الحكم، مهتديا بنور العلم، مسوّيا بين الخصوم حتّى في لحظه والتفاته، متصفا من الحلم بأفضل صفاته، مهيبا بالدّين، رؤوفا بالمؤمنين، مسجّلا للحقوق، غير مبال في رضا الخالق بسخط المخلوق، جزلا في الأحكام، مجتهدا في الفصل بأمضى حسام، مراقبا لله عز وجل في النّقض والإبرام، بارّا بمشيخة أهل التوثيق، عادلا إلى سعة الأقوال عند المضيق، سائرا من مشهور المذهب «1» على أهدى طريق. وأوصاه بالمشورة التي تقدح زناد التوفيق، والتثبت حتّى ينبلج قياس التحقيق، وصيّة أصدرها له مصدر الذّكرى التي تنفع، ويعلي الله بها الدرجات ويرفع، وإلا فهو عن الوصاة غنيّ، وقصده قصد سنيّ، والله عز وجل وليّ إعانته، والكفيل بحفظه من الشّبهات وصيانته.
[وأمره- أيده الله- أن ينظر في الأحباس «2» على اختلافها، والأوقاف على شتّى أصنافها]«3» واليتامى التي انسدلت كفالة القضاة على ضعافها؛ فيذود عنها طوارق الخلل، ويجري أمورها بما يتكفّل لها بالأمل.
وليعلم أن الله عز وجل يراه، وأن فلتات الحكم تعاوده المراجعة في أخراه، فيدّرع جنّة تقواه، فسبحان من يقول: إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ
«4»
فعلى من يقف عليه أن يعرف حقّ هذا الإجلال، صائنا منصبه عن الإخلال، مبادرا أمره الواجب بالامتثال، بحول الله.
وكتب في الثالث من شهر الله المحرّم فاتح عام أربعة وستّين وسبعمائة؛ عرّف الله فيه هذا المقام العليّ عوارف النصر المبين والفتح القريب، بمنّه وكرمه، فهو المستعان لا رب غيره.
وهذه نسخة ظهير بقضاء الجماعة بالحضرة أيضا، وهو:
هذا ظهير كريم أعلى رتبة الاحتفاء [والاحتفال] اختيارا واختبارا، وأظهر معاني الكرامة والتخصيص انتقاء واصطفاء وإيثارا، ورفع لواء الجلالة على من اشتمل عليها حقيقة واعتبارا، ورقّى في درجات العز من طاولها علاء بهر أنوارا، ودينا كرم في الصالحات آثارا، وزكا في الأصالة نجارا، وخلوصا إلى هذا المقام العليّ السعيد راق إظهارا وإضمارا، أمر به وأمضاه، وأنفذ العمل بحكمه ومقتضاه، فلان للشيخ القاضي، العدل، الأرضى، قاضي الجماعة وخطيب الحضرة العلية، المخصوص لدى المقام العليّ بالحظوة السنيّة والمكانة الحفيّه، الفاضل، الحافل، الكامل، الموقّر، المبرور أبي الحسن ابن الشيخ الفقيه، الوزير، الأجل، الأعزّ، الماجد، الأسنى، المرفّع، الأحفل، الأصلح، المبارك، الأكمل، الموقّر، المبرور، المرحوم أبي محمد بن الحسن- وصل الله عزّته، ووالى رفعته ومبرّته، ووهب له من صلة العناية الربّانية أمله وبغيته- لمّا أصبح في صدور القضاة العلماء مشارا إلى جلاله، مستندا إلى معارفه المخصوصة بكماله، مطرّزا على الإفادة العلمية والأدبيّة بمحاسنه البديعة وخصاله، محفوفا مقعد الحكم النبويّ ببركة عدالته وفضل جلاله، وحلّ في هذه الحضرة العلية المحلّ الذي لا يرقاه إلّا عين الأعيان، ولا يتبوّء مهاده إلا مثله من أبناء المجد الثابت الأركان، وموالي العلم الواضح البرهان، والمبرّزين بالمآثر العليّة في الحسن والإحسان، وتصدّر لقضاء الجماعة فصدرت عنه