الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
له الملك إنّك اليوم لدينا مكين أمين وسلّم إليه الخزانة.
الوظيفة الثالثة (نظر خزانة الخاصّ)
وهي الخزانة التي استحدثت في الدولة الناصرية «محمد بن قلاوون» عند استحداث وظيفة «نظر الخاصّ» وقد انتقل ما كان يحمل إلى الخزانة الكبرى ويصرف منها إلى هذه الخزانة، سوى الخلع، كما تقدّمت الإشارة إليه في الكلام على توقيع ناظر الخزانة الكبرى.
وهذه نسخة توقيع بنظر خزانة الخاص، كتب به للقاضي شرف الدين محمد بن علاء الدين الجوجريّ «1» ، في مستهلّ شهر رجب الفرد، سنة تسع وثلاثين وسبعمائة، وهي:
الحمد لله الذي زاد بنظرنا الشريف شرف من لمحه من أوليائنا ولحظه، وأفاد المستأنف من برّنا من عهدنا له الفطرة السليمة وتيقّنّا منه الفكرة واليقظة، وأعاد للخلف الكريم، من المشايخ ما كان للسّلف القديم الصالح من التقديم، الذي شملهم بالتكريم، وجعلهم على خزائن جودنا العميم: لأنهم العلماء الحفظة، وجاد بالطّرف من خاصّ إنعامنا العامّ لمن لقلمه عند الإدناء من سرير الملك إنجاز عدة وللسانه عند ارتقاء منبر النّسك إبراز عظة.
نحمده على أن أجزل لمن عوّل على شامل كرمنا جزاءه وعوضه، ونشكره على أن تطوّل بنوافل نعمنا لمن قام بعد أبيه بلوازم خدمتنا المفترضة، وعكف أعمالنا على بيت مبارك ما منهم إلا من شمل من إحساننا بالمنح لما بذل لسلطاننا من النّصح ومحضه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يودع مصونها في الأرائك
المتعلّية ويقطع يقينها الشكوك المعترضة، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي عظمت عطايا بذله، فالبحار المرتفعة عنها منخفضة، وكرمت سجايا فضله، فليست بمنتقلة وأبرمت قضايا عدله، فليست بمنتقضة، وعمّت البرايا يده البيضاء التي هي بالأرزاق في الآفاق منبسطة وليست عن الإنفاق خشية الإملاق منقبضة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ما منهم إلا من أقرض الله قرضا حسنا فضاعف له ما أقرضه، صلاة تدني لقائلها في الأولى من النّعمة والأمان أمله وتؤتيه في الأخرى من الرحمة والرضوان غرضه، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من رفع بإكرامنا إلى رتبة علائه، وانتفع من مقامنا الشريف باختصاص خدمته وإخلاص ولائه- من شفع مزاياه بجمع أشتات العلوم في أبكاره وآنائه، واستودع ذخائر ملكنا المصونة فكان حفيظا عليما عند اقترابه منّا وإدنائه، وصدع القلوب بإيداع وعظه وإبدائه، واتّبع سبيل والده القويم، في الشّدّة في الحق والتّصميم، وسلك طريقته التي هداه الله إليها بتوفيقه فأدرك غايته في ابتدائه، وقنع بما آتاه الله تعالى فآثرت مكارمنا رفعة محلّه وتوسعة حبائه، وبرع في إتقان الفضائل التي آذنت بإصطفائه واجتبائه، ووقع عليه اختيارنا الذي نستخير الله تعالى له في إبرام كلّ أمر وإمضائه، وأجمع عليه رأينا الذي كم أصاب الصواب في تعيين العلماء الأنجاب فنصّ عليه الاستحقاق بإيجاب الترجيح واقتضائه.
وكان المجلس السامي الشّرفيّ هو الذي قدّمناه بعد أبيه لشهادة خزائننا الشريفة فشاهدنا من حسن سيره ما أبهج، ونظمناه في سلك أولياء الملك فسلك من الخير أقوم منهج، ثم أردنا الآن أنّ هلاله ينتقل إلى رتبة الكمال لمّا تدرّب وتدرّج، وأعدنا له تامّ الإقبال حيث شرف دولتنا الأعلى- زاد الله تعالى تأييده- بذكره لدينا وبشكره عندنا يلهج- فاقتضى حسن الرأي الشريف أنّ هذا النظر
الجميل عنه لا يخرج، وهذا الوقر «1» الجليل لا يعدل به عن فرع منجب لأصل طيّب أثمر الولاء والدّعاء لأيّامنا الشريفة وأنتج.
فلذلك رسم [بالأمر الشريف.. الخ]«2» لا زالت الصدور بصدور أحكامه تثلج، والأمور بمرور إنعامه تفضل على الحقّ الأبلج- أن يستقرّ [في نظر خزانة خاصّنا.. الخ]«3» فلينطق لسان كلمه بالإخلاص في حمد الخاصّ والعامّ من هذا الإكرام الذي بمطارفه تسربل وبعوارفه تتوّج، وليطلق سنان قلمه في تبييض المصاحف بذكر إنعام المقام الذي هو كالبحر ويفصح عن حمده فهو بحمد الله لا يتلجلج، وليحقّق ببيان حكمه ضبط الأصل والخصم والواصل والحاصل والمحضر والمخرج، ولينفق في أوليائنا من عوائد صلات نعمائنا التي تقبضها أيدي ملوك المدائن ببسط ومن بعضها صدور الخزائن تحرج، وليسلك سنن أبيه التي بها يستظهر ويفتخر ويستدلّ ويحتجّ، ويستمسك بسببه الأقوى من الدّيانة التي بابها من النجاة في الدارين غير مرتج؛ ونترك له تفصيل الوصايا لأنه قرين كفيل ملكنا القويّ الأمين ذي الإرشاد والسّداد فمع مرافقته في الإصدار والإيراد والتّكرار والتّعداد لم يحتج، والله تعالى يجعل الطّروس بذكر تقديمه تحبّر وتدبّج، والدروس تنشر وعلومه تعطّر وتتأرّج، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
الوظيفة الرابعة (نظر البيوت «4» والحاشية)
وقد تقدّم أنّ موضوعها التحدّث في كل ما يتحدّث فيه أستاد الدار «5» ، وتقدّم الكلام على ما يكتب في طرّة تقليد ناظرها.
وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت والحاشية:
الحمد لله الذي عمّر البيوت بنواله، وكثّر فيها أصناف النّعم بإفضاله، وجعل فيها الخير يتضاعف مع كلّ يوم بتجدّده ومع كلّ شهر بإقباله.
نحمده على مديد ظلاله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد صادق في مقاله، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي رحم الله العالمين بإرساله، وسقى الجيش من كفّه بنبع زلاله، وأوى إلى المدينة دار هجرته وانتقاله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الناصرين لهذا الدين في كل حاله، وسلّم تسليما.
وبعد، فإنّ طراز الملك الشريف البيوت الكريمة: فمنها يتفجّر ينبوع الرّزق الجاري، ومنها يضيء سقط الزّند «1» الواري؛ ومنها تبسط الخوانات «2» ، وتمدّ الأسمطة في المهمّات؛ ومنها يقوم للسعد نصبات «3» وأيّ نصبات، ومنها تقسّم ألوان الطيّبات على مقترح الشهوات، وعماد أمرها على ناظر يقوم بتأصيلها وتفريعها، وتجنسيها وتنويعها، وتكثير حاصلها، واستدعاء واصلها، وجمع كلّ ما فيه مرغوب، وادّخار كلّ ما هو محبوب، وتأليف القلوب على شكره وجلّ ما فيها عمل القلوب.
ولمّا كان فلان هو الرشيد في فعله، المأمون في فضله، الأمين في عقده وحلّه، المسدّد في الحال كلّه، المعطي المباشرة حقّها على ما ينبغي في الشهر من مستهلّه، فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ [في نظر البيوت.. الخ] .
فليباشر هذه الوظيفة الكريمة مستجلبا المنافع، مشنّفا بحسن سيرته المسامع، طالعا من العفاف في أبهى المطالع، مستدعيا ما جرت العادة باستدعائه من
أصناف «1» المتجر السعيد من أصناف متعدّدة، وأنواع منضّدة، وليزح أعذار المصالح السعيدة من كلّ صنف على حدة، وليستجلب خواطر المعاملين بوفائهم وإنجازهم كلّ عدة؛ والرواتب اليوميّة ليصرفها لمستحقّها، والبيوتات فليسدّ خللها حتّى لا يظهر نقص فيها، ومرتّبات الآدر «2» الشريفة فلتكن نصب عينيه على ما يرضيها؛ وما اخترناه لهذه الوظيفة إلا لأنّه أنسب من يليها.
والوصايا كثيرة وتقوى الله فلتكن أطيب ثمرات يجتنيها، وأحسن منحات يجتليها، وأزين زينة يحتليها، وهو غنيّ عما تشافهه به الأقلام من فيها؛ والله تعالى يصون هممه ويعليها، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة توقيع بنظر البيوت:
الحمد لله الذي جدّد لأوليائنا ملابس السّعود، وشيّد لهم مباني العزّ وضاعف لقدرهم الترقّي والصّعود، ووالى [إليهم]«3» سحائب الفضل المستهلّة بالكرم والجود.
نحمده على نعمه الضافية البرود، ومننه الصافية الورود، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نرغم بها أنف الجحود، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله صاحب الحوض المورود واللّواء المعقود، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جاد كلّ منهم بماله ونفسه في رضاه والجود بالنّفيسين أقصى غاية الجود، صلاة دائمة الإقامة في التهائم والنّجود، مستمرّة الإدامة ما تعاقب السّحاب روضا بجود، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من غدت البيوت آهلة بوفود نظره، عامرة بسداده وجميل