الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوظيفة الرابعة (نظر الصّحبة)
[وموضوعها أن صاحبها يتحدث مع الوزير في كل ما يتحدّث ويشاركه في الكتابة في كل ما يكتب فيه ويوقع في كل ما يكتب فيه الوزير.]«1» .
[وهذه نسخة توقيع بنظر الصحبة]«2» كتب به للشريف شهاب الدين ناظر الصّحبة، من إنشاء الشهاب محمود الحلبيّ، وهو:
الحمد لله الذي جعل الشرف حيث حلّ ركابنا مصاحبا، وأطلع للفضل في أفق خدمتنا من أولياء دولتنا شهابا ثاقبا، وعدق النظر في صحبتنا بمن لم يزل لمصالحنا ملاحظا ولأوامرنا مراقبا، وفوّض أمور مباشرة حال من اجتهد أو قصّر في خدمتنا إلى من لم يزل بنفسه في واجب الطاعة منافسا وعلى فرض الموالاة محاسبا.
نحمده حمد من أجمل في أوليائنا نظرا، وخصّ بالنظر في صحبتنا من اختبرت خدمته فتساوت في الطاعة والمناصحة سفرا وحضرا، واعتمد في ملاحظة مباشري ما يمرّ عليه من ممالكه على من لا يهمل له حقّا ولا يحدث له ضررا.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا تزال جيوشنا لإعلاء منارها مجهّزة، وسرايانا إلى مقاتل جاحديها البارزة مبرّزة، ووعود النصر على من ألحد فيها لنا معجّلة وعلى أيدينا منجّزة، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أنهضنا الله من جهاد أعداء دينه بما فرض، وأيقظنا لرفع أقدار أهل بيته فلم يقصّر بأحد منهم في أيّامنا أمل ولا بعد عليه غرض، وخصّنا منهم بمن تسمّك بجوهره الأعلى فلم يتعرّض من هذا الأدنى إلى عرض، صلّى الله عليه وعلى آله
وصحبه الذين ما منهم إلا من (يكاد يمسكه عرفان راحته) ، وإلّا المؤثر طاعة الله ورسوله وأولي الأمر على راحته، صلاة دائمة الاتّصال، آمنة شمس خلودها من الغروب والزّوال، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من اخترناه لصحبتنا الشريفة على علم، وأعددناه لمهمّاتنا الكريمة لما فيه من تسرّع إدراك وتثبّت في حكم، وبسطنا له فيما عدقناه به من ذلك لسانا ويدا، وحفظنا به الأحوال من [وصول]«1» مسترق السّمع إليها فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً
«2» وادّخرنا أقلامه لمصالح كلّ إقليم يمر ركابنا الشريف عليه، وفوّضنا مناقشة مباشريه على ما أهملوه من حقوق الله تعالى وحقوق الرّعايا إليه، وأقمناه لتصفّح ذلك بنفسه، وتلمّح زيادة كلّ يوم على أمسه، وانتزاع الحقّ ممن مدّ يده إلى ظلم بكفّ كفّه عنه ورفع يده، وارتجاع الواجب ممّن أقدم عليه بالباطل في يومه واطّرح المؤاخذة به في غده، وغير ذلك مما أحصاه الله ونسوه، واعتمدوا فيه على المصلحة فاجتنوا ثمرة ما غرسوه- من كان له في المناصحة قدم صدق عند ربّه، وفي خدمة الدولة القاهرة قدم هجرة تقتضي مزيد قربه؛ فكان أبدا بمرأى من عنايتنا ومسمع، ومن إحساننا بالمكان الذي ليس لأحد من الأكفاء في بلوغ غايته أمل ولا مطمع، وتفرّد باجتماع الدّين والمنصب والأصالة والعلم والكرم وهذه خلال الشرف أجمع.
ولمّا كان فلان هو الذي اجتنى من إحسان الدولة القاهرة بالطاعة أفضل الجنى، وفاز من عوارفها العميمة بجميل المخالصة ما زاد على المنى، وانتمى من أدوات نفسه ونسبه إلى كمال المعرفة والعفّة وهما أفخر ما يدّخر للرّتب الجليلة وأنفس ما يقتنى، وعني من أسباب استحقاقه المناصب والرتب بما
اقتضى إحسان الدولة القاهرة أن يحتفل بتقديمه وأن يعتنى. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوّض إليه نظر [الصحبة الشريفة]«1» .
فليباشر ذلك محلّيا هذه الرتبة بعقود تصرّفه الجميل، ومجلّيا في هذه الحلبة بسبق معرفته التي لا تحتاج إلى دليل، ومبيّنا من نتائج قلمه ما يبرهن على أنه موضع الاختيار، ومن كوامن اطّلاعه ما لا يحتاج إلى برهان إلا إذا احتاج إليه النّهار؛ فلا يزال فرع يراعه في روض المصالح مثمرا، وليل نقسه في ليل الأعمال مقمرا، وحسن نظره إلى ما قرب ونأى من المصالح محدقا، ولسان قلمه لما دقّ وجلّ من أمور الأقاليم محقّقا، ورسم خطّه لما يستقرّ في الدواوين المعمورة مثبتا، ووسم تحريره لما يجتنى من غروس المصالح منبتا، ولدرّ أخلاف الأعمال بحسن الاطلاع محتلبا، ولوجوه الأموال بإنفاق التوجّه إلى تثميرها إن أقبلت مجتليا وإن أعرضت مختلبا، فإنّ الأمور معادن يستثيرها التصرّف الجميل، ومنابت ينمّيها النظر الجليّ والاتقان الجليل؛ وملاك كل أمر تقوى الله تعالى فليجعلها إمامه، ويتخّيلها في كل حال أمامه؛ والله تعالى يسدّده ويوفّقه بمنّه وكرمه!؛ إن شاء الله تعالى.
قلت: وربّما أضيف إلى نظر الصّحبة نظر الدواوين الشريفة، وحينئذ فيحتاج الكاتب أن يأتي في براعة الاستهلال بما يقتضي الجمع بينهما، ويورد من الوصايا ما يختصّ بكل منهما. والكاتب البليغ يتصرّف في ذلك على وفق ما يحدث له من المعاني ويسنح له من الألفاظ.