الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوظيفة الثالثة (بطركيّة اليعاقبة)
«1» وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل الخلف في نسبتهم: فقيل إنهم أتباع ديسقرس، وإنه كان اسمه في الغلمانيّة يعقوب، وقيل أتباع يعقوب البردعاني، وقيل غير ذلك، والأصحّ عند المؤرّخين الأوّل. وبطركهم يحكم على طائفة اليعاقبة، وجميع نصارى الحبشة أتباعه، وفي طاعته ملك الحبشة الأكبر، وعنه تصدر ولايته.
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة:
أما بعد حمد الله الذي أظهر دين الإسلام على الدّين كلّه، وأصدر أمور الشرائع عن عقد شرعه وحلّه، وصيّر حكم كلّ ملة راجعا إلى حكم عدله، والشهادة له بالوحدانيّة التي تدلّ على أنه الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد وليس شيء كمثله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أعظم أنبيائه وأكرم رسله، وأشرف ولد آدم ونسله، المصطفى في علم الله من قبله، ووسيلته في التوراة من غرور الشيطان وخذله، والذي أطفأ الله ببركته نار نمروذ «2» عن إبراهيم وجعلها بردا وسلاما وأجلّه من أجله، وبشّر به عيسى بن مريم عبد الله «3» وابن أمته وأقرّ موسى بن عمران كليم الله بفضله، وعلى آله الطيّبين الطاهرين من فروع أصله، وأصحابه سامعي قوله، وتابعي سبله- فإنّ الله تعالى لما ارتضى
الإسلام دينا، وأفضى بالملك إلينا وقضى لنا في البسيطة بسطة وتمكينا، وأمضى أوامرنا المطاعة بشمول اليمن شمالا ويمينا- لم نزل نولي رعايانا الإحسان رعاية وتوطينا، ونديم لأهل الذمّة منّا ذمّة وتأمينا؛ وكانت طائفة النّصارى اليعاقبة بالديار المصرية لهم من حين الفتح عهد وذمام، ووصيّة سابقة من سيدنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام؛ ولا بدّ من بطريرك يرجعون إليه في الأحكام، ويجتمعون عليه في كلّ نقض وإبرام.
ولما كانت الحضرة السامية الشيخ الرئيس، المبجّل، المكرّم، الكافي، المعزّز المفخّر، القدّيس، شمس الرّآسة، عماد بني المعمودية، كنز الطائفة الصّليبيّة، اختيار الملوك والسلاطين، فلان: وفّقه الله، هو الذي تجرّد وترهّب، وأجهد روحه وأتعب، وصام عن المأكل والمشرب، وساح فأبعد، ومنع جفنه لذيذ المرقد، ونهض في خدمة طائفته وجدّ، وخفض لهم الجناح وبسط الخدّ، وكفّ عنهم اليد، واستحقّ فيهم التبجيل لما تميّز به عليهم من معرفة أحكام الإنجيل وتفرّد- اقتضى حسن الرأي الشريف أن نلقي إليه أمر هذه الفرقة ونفوّض، ونبدّلهم عن بطريكهم المتوفّى ونعوّض.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا برحت مراسمه مطاعة، ومراحمه لإنزال أهل كرمها بيعتها مرعيّة غير مراعة «1» - أن يقدّم الشيخ شمس الرآسة المذكور على الملّة النّصرانيّة اليعقوبيّة، ويكون بطريركا عليها، على عادة من تقدّمه وقاعدته بالديار المصرية، والثّغور المحروسة، والجهات التي عادته بها إلى آخر وقت.
فليسلك سبيل السّوا، ولا يملّك نفسه الهوى، وليتمسّك بخوف الله تعالى إن فعل أو نوى، أو أخبر عن الحواريّين أو روى؛ فالعليم مراقب، والعظيم
معاقب، والحكيم أمر أولي العقول بالفكرة في العواقب، والحاكم غدا بحقوق الخلق غدا يطالب؛ والظّلم في كلّ ملّة حرام والعدل واجب، فليستوف الإنصاف بين القويّ والضعيف والحاضر والغائب، وليقصد مصلحتهم وليعتمد نصيحتهم، وليمض على ما يدينون به بيوعهم وفسوخهم ومواريثهم وأنكحتهم، وليقمع غاويهم، وليسمع دعاويهم، وليلزمهم من دينهم بما وجدوه، فظنّوه واعتقدوه، وليتّبع سبيل المعدلة فلا يعدوها؛ عائدة إليه أمور القسّيسين والرّهبان، في جميع الدّيرة والكنائس بسائر البلدان، ولا يعترض عليه فيما هو راجع إليه من هذا الشان. ولا يقدّم منهم إلى رتبة إلا من استصلحه، ولا يرجح إلى منزلة إلا من رشّحه إليها ورجّحه، متّبعا في ذلك ما بيّنه له العدل وأوضحه، مرتجع الرتبة ممن لم تكن الصدور لتقدمته منشرحة، مجمعا لغيره في الإيراد والإصدار على اعتماد المصلحة؛ وقد أوضحنا له ولهم سبيل النجاة فليقتفوه، وعرّفناهم بالصواب والخيرة لهم إن عرفوه، وليسأل الله ربّه السلامة فيما له يفعل وبه يفوه؛ والعلامة الشريفة أعلاه.
وهذه نسخة توقيع لبطرك النصارى اليعاقبة، كتب به للشيخ المؤتمن، في شهور سنة أربع وستين وسبعمائة، وهي:
أما بعد حمد الله على نعمه التي نشرت لواء دولتنا في الآفاق، فأوى كلّ أحد إلى ظلّه، وبسطت معدلتنا في البلاد على الإطلاق، فمنحت الخاصّ والعامّ من برّنا بوابله وطلّه، واصطنعت بذمامها ملوك الملل وحكّام الطوائف فنطقوا عن أمرنا في عقد كلّ أمر وحلّه، والشهادة بوحدانيّة التي تنجح أمل المخلص في قوله وفعله، وتفتح لمن تمسّك بعروتها أبواب النجاة فيصبح في أمان في شأنه كلّه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله أشرف الأنبياء قدرا في محكم الذكر ونقله، المبعوث رحمة للعالمين زيادة في رفعة مقامه وتقريرا لفضله، المنعوت بالرأفة والرحمة في محكم كتابه الذي لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولم يستطع أحد أن يأتي بسورة من مثله، وعلى آله وصحبه الذين اتّبعوا طريقته المثلى وسلكوا مناهج سبله، وعقدوا الذّمم لأهل الملل واستوصوا بهم خيرا لما عرفوه من سعة حلمه وبذله- فإنّه لما كانت الطائفة المسيحيّه، والفرقة اليعقوبيّة، ممن أوت تحت ظلّنا الذي عمّ الوجود، وسكنت في حرم ذمامنا الذي سار نبؤه في التّهائم والنّجود، وتمسّكت من طاعتنا واتّباع أوامرنا بما سلف لها من الهدن والعهود، وكانت أحكامهم مما يحتاج إلى من يدور عليه أمرها في كلّ حال، وتنتظم به مصالح شملها ليبلغوا بها الآمال، ويأمنوا في معتقدهم فيها من الإخلال، وأنه إذا مات بطريرك لهم لا بدّ أن نرسم لهم بغيره، ليعتمدوا في ذلك ما يتقدّم به إليهم في نهيه وأمره، ويسلك بهم في أحكامهم ما يجب، ويعرّف كلّا منهم ما يأتي ويذر ويفعل ويجتنب، ويفصل بينهم بمقتضى ما يعتقدونه في إنجيلهم، ويمشّي أحوالهم على موجبه في تحريمهم وتحليلهم؛ ويزجر من خرج عن طريقه، ليرجع إلى ما يجب عليه أسوة رفيقه، ويقضي بينهم بما يعتقدونه من الأحكام، ويبيّن لهم قواعد دينهم في كل نقض وإبرام، فلما هلك الآن بطريكهم مع من هلك، رسمنا لهم أن ينتخبوا لهم من يكون لطريقته قد سلك، وأن يختاروا لهم من يسوس أمورهم على أكمل الوجوه، لنرسم بتقديمه عليهم [فيقوم]«1» بما يؤمّلونه منه ويرتجوه «2» .
وكان الحضرة السامية، القدّيس، المبجّل، الجليل، المكرّم، الموقّر، الكبير، الدّيّان، الرئيس، الرّوحانيّ، الفاضل، الكافي، المؤتمن، جرجس بن القسّ مفضّل اليعقوبي، عماد بني المعموديّة، كنز الأمّة المسيحيّة، منتخب الملة الصليبيّة، ركن الطائفة النصرانية، اختيار الملوك والسلاطين- أطال الله تعالى بهجته، وأعلى على أهل طائفته درجته- قد حاز من فضائل ملّته أسماها،
وصعد من درجات الترقّي على أبناء جنسه أعلاها، فنزّه نفسه عن مشاركة الناس، وتقشّف بين أهله في المأكل واللّباس، وترك الزواج والنّكاح، واشتغل بعبادته التي لازم عليها في المساء والصّباح، وألقى نفسه إلى الغاية في الاطّراح، وساح بخاطره في الفكرة وإن لم يكن بجسده قد ساح، وارتاض بترك الشّهوات مدّة زمانه، واطّرح الملاذّ لتعلو درجته بين أهله برفعة مكانه، واشتمل من علوم طائفته على الجانب الوافر، وعرف من أوامرهم ونواهيهم ما تقرّ به منهم العين والناظر، وطلب من الربّ الرؤوف الرحيم القوّة على أعماله، وسأل الإله أن يزيّن لأهل ملّته ما يأتي به من أقواله وأفعاله، فوقع اختيارهم عليه، وسألوا صدقاتنا الشريفة إلقاء أمرهم إليه.
فرسم بالأمر الشريف- لا زال إحسانه إلى سائر العالم واصلا، وجوده لكل طائفة بارتياد أكفائها شاملا- أن يقدّم حضرة القدّيس المؤتمن جرجس المشار إليه على الطائفة اليعقوبية، من الملة النصرانية، بالديار المحروسة والجهات الجاري بها العادة، ويكون بطريركا عليهم على عادة من تقدّم في ذلك ومستقر قاعدته إلى آخر وقت، قائما بما يجب عليه من أمور هذه الملّة، باذلا جهده في سلوك ما ينبغي مما ينظم عليه أمره كلّه، فاصلا بينهم بما يعتقدونه من الأحكام، متصرفا على كل أسقفّ وقسّ ومطران في كل نقض وإبرام، مالكا من أمور القسّيسين والرّهبان والشّمامسة الزّمام، مانعا من يروم أمرا لا يسوّغه وضع ولا تقرير، جاعلا نظره عليه منتقدا بالتحرّز في التخيير، زاجرا من يخرج منهم عن اتباع طريق الشريعة المطهّرة التي يصح بها عقد الذّمّة، ملزما بسلوكها في كل ملمة فإن ذلك من الأمور المهمّة، آمرا من في الدّيرة من الرّهبان بمعاملة المارّين بهم والنازلين عليهم بمزيد الإحسان ومديد الإكرام، والقيام بالضّيافة المشروطة من الشّراب والطّعام.
وليتحدّث في قسمة مواريثهم إذا ترافعوا إليه، وليجعل فصل أمور أهل طائفته من المهمّات لديه، وليشفق على الكبير والصغير، وليتنزّه عن قليل متاع الدنيا والكثير، وليزهد في الجليل قبل الحقير. وفي اطّلاعه على أحكام
دينه ما يكفيه في الوصيّة، وما يرفعه بين أبناء جنسه في الحياة الدنيويّة، والاعتماد على الخط الشريف أعلاه الله أعلاه.
وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة، وهي:
أما بعد حمد الله على أن جعل من إحسان هذه الدولة لكلّ ملّيّ وذمّيّ نصيبا، وفوّق إلى أهداف الرّعاية سهما فسهما ما منها إلا ما شوهد مصيبا، والصلاة على سيدنا محمد الذي أحمد الله له سرى في صلاح الخلائق وتأويبا- فإنه لمّا كان من سجايا الدولة القاهرة النظر في الجزئيّات والكلّيّات من أمور الأمّة، وتجاوز ذلك إلى رعاية أهل الذمّة؛ لا سيّما من سبقت وصية سيد المرسلين عليهم من القبط الذين شرّفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم بوصلته منهم بأمّ «1» إبراهيم ولده عليه السلام، وقبول هديّتهم التي أبقت لهم مزيّة على ممرّ الأيّام؛ وكانوا لا بدّ لهم من بطريك يحفظ سوامهم، ويضبط خواصّهم وعوامّهم، ويجمع شمل رهبانهم، ويراعي مصالح أديانهم، ويحرّر أمور أعيادهم ومواسمهم في كل كنيس، ويدعو للدولة القاهرة في كل تقديس، وتجعل له الخيرة في ضبط أمور البيع والدّيرة واختيار الأساقفة والكهّان، وحفظ النواميس المسيحيّة في كل قربان؛ ولا يصلح لذلك إلا من هو بتول، وكلّ خاشع عامل ناصب يستحقّ بذلك أنّ هذا الأمر إليه يؤول.
ولما كان البطريرك فلان هو المجمع على صلاحيته للبطركية على شعبه، والتقدمة على أبناء المعموديّة من شيعته وصحبه، لما له من علم في دينه، ومعرفة بقوانينه، وضبط لأفانينه، وعقل يمنعه عن التظاهر بما ينافي العهود، ويلافي الأمر المعهود- اقتضى جميل الاختيار أنه رسم بالأمر الشريف- لا برح يضع كلّ شيء في موضعه من الاستحقاق، ويبالغ في الإرفاد لأهل الملل والإرفاق- أن يباشر بطركيّة جماعة اليعاقبة بالديار المصريّة، على عادة من تقدّمه في هذه الرتبة، ومن ارتقى قبله إلى هذه الهضبة.
فليباشر أمر هذه الطائفة، وليجعل معونته بهم طائفة، وليضبط أمورهم أحسن ضبط وأجمله، وأتمّه وأكمله، وليأخذهم بما يلزمهم من القيام بالوظائف المعروفة، والعهود المألوفة، وليلزمهم بما يلزمهم شرعا من كفّ عن تظاهر ممنوع، أو تعاطي محذور منكور الشرور والشروع، أو تنكّب عن طريق الاستقامة، وكما أنّهم عدلوا عن الإسلام لا يعدلون عن السّلامة.
وأمّا أمور الدّيرة والكنائس فأمرها إليك مردود، فاجر فيها على المعهود، وأقم فيها عنك من يحسن النّيابة، ومن يجمل الإنابة، ومن يستجلب الدعاء لهذه الدولة القاهرة في كل قدّاس، ويعدّد التقدّس والأنفاس؛ وعلى رهبان الأديرة للمساجد والجوامع وظائف لا تمنع ولا تؤخّر، ولا تحوج أحدا منهم أنّه بها يذكّر؛ وليشرط على أهلها أنهم لا يأوون طليعة الكفّار، ولا من يحصل منه إلا خير وإلا يحصل الإضرار، وليأمرهم بحسن الجوار، والقيام بما هو موظّف عليهم للمسلمين السّفار وغير السّفّار؛ هذه نبذة من الوصايا مقنعة، ولو وسّع القول لكان ذا سعة؛ وفي البطريرك من النّباهة ما يلهمه الصّواب، والله يجعل حسن الظنّ به لا ارتياء فيه ولا ارتياب، بمنّه وكرمه!، والاعتماد...... الخ.
وهذه نسخة توقيع لبطرك اليعاقبة، وهي:
أما بعد حمد الله الذي خصّ كلّ ملّة منّا بمنّة، وأقام بأوامرنا على كلّ طائفة من نرضاه فنحقّق بإحساننا ظّنّه، وجعل من شيمنا الشريفة الوصية بأهل الكتاب عملا بالسّنّة، والشهادة بوحدانيّة التي نتّخذ بينها وبين الشّكّ والشّرك من قوّة الإيمان جنّة، وندّخر أجورها فنسمو بها يوم العرض «1» إلى أعلى غرف الجنّة، والصلاة والسلام على نبيّه محمد أكرم من أرسله إلى الأمم فأنال كلّا من البرايا يمنه، وأعظم من بعثه فشرع الدين الحنيف وسنّه، وعلى آله وأصحابه الذين لم
تزل قلوب المؤمنين بهم مطمئنة- فإنّ لدولتنا القاهرة العوارف الحسان، والشّيم الكريمة والعطايا والإحسان، والفواضل التي للآمال منها ما يربي عليها ويزيد، والمآثر التي بحر برّها الوافر المديد، ولكل ملّة من نعمها نوال جزيل، ولكلّ فرقة من مواهبها جانب يقتضي التخويل ولا يقضي بالتحويل، ولكلّ طائفة من يمنها ومنّها منائح طائفة بمزيد التنويل، ولكل أناس من معدلتها نصيب يشمل الملل، وعادة معروف تواترت مع أنها خالصة من السّامة والملل، سجيّة سخية بنا شرفت، ومزيّة مرويّة منّا ألفت؛ وإنّ من أهل الكتاب لطائفة كثرت بأبوابنا الشريفة عددا، واستصفت من مناهل جودنا موردا، وانتظمت في سلك رعايانا فأضحى سبب فضلنا لها مؤكّدا، وكانت الملّة المسيحية، والفرقة اليعقوبيّة، لا بدّ لها بعد موت بطريكها من إقامة غيره، وتقديم من يرتضى بفعله وقوله وسيره، لتقتدي به في عقد أمورها وحلّها، وتحريمها وتحليلها ووصلها وفصلها، وتهتدي به في معتقدها، وتركن إلى ما يذكره من مجموع أحكام الإنجيل ومفردها، وينتصب للفصل بين خصومها بما يقتضيه عرفانه، ويظهر لأهل ملّته بيانه، حتّى لا تجد في أمر دينها إلا ما تريده، وبما نديمه لها من استمرار الهدنة تبدي دعاءها وتعيده، فإنّ سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستوصي بأهل الكتاب خيرا، ونحن نسلك من اتّباع شريعته المطهّرة ما نحسن فيه- إن شاء الله- سيرة يسيرة وسيرا.
ولما كانت الحضرة السامية، الشيخ، الرئيس المبجّل، المكرّم، الفاضل، الكافي، الثّقة، عماد بني المعموديّة، كنز الطائفة الصليبيّه، اختيار الملوك والسلاطين، فلان- أطال الله بقاءه، وأدام على أهل طائفته ارتقاءه،- ممن اتفق على شكره أبناء جنسه، واستوجب أن يرقى إلى هذه الرّتبة بنفسه، واشتهر بمعرفة أحوال فرقه، وهجر الأهل والوطن في تهذيب خلقه، وحرّم في مدّة عمره النكاح، وسار في المهامه والقفار وساح، وأضحى خميص «1» البطن
خاوي الوفاض، قد ترك الطيّبات وهجر التّنعّم وارتاض؛ واعتمد في قوله على الإله، وسأل الرّبّ أن يبلّغه في أهل ملّته ما تمنّاه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يجمع الفرق على الدعاء لأيّامه الشريفة، ويديم للأقربين موادّ مواهبه المألوفة- أن يقدّم الشيخ فلان على الملّة النصرانية اليعقوبيّة، ويكون بطريركا عليها على عادة من تقدّمه، ومستقرّ قاعدته، بالديار المصريّة والثّغور المحروسة، والجهات التي عادته بها، إلى آخر وقت، [فليتولّ ذلك]«1» سالكا من طرق النزاهة ما يجب، فاصلا بين النصارى بأحكام دينه التي لا تخفى عنه ولا تحتجب، مالكا أزمّة كل أسقفّ [وقومس]«2» ومطران، مرجّحا بين القدّيس والقسّيس والشّمّاس والرّهبان، لتصبح أحكام كبيرهم وصغيرهم به منوطة، ومواريثهم مقسومة بشرعته التي هي لديهم مبسوطة، ويقف كلّ منهم عند تحريمه وتحليله، ولا يخرج في شرعتهم عن فعله وقوله ولا يقدّم منهم إلا من رضي بتأهيله؛ وليأمر كلّ قاص منهم ودان، ومن يتعبّد بالدّيرة والصّوامع من الرجال والنّسوان، برفع الأدعية بدوام دولتنا القاهرة التي أسدت لهم هذا الإحسان، ويلزم كلّا منهم بأن لا يحدث حادثا، ويكرم نزل من قدم عليه راحلا أو لابثا؛ فإن هذه الولاية قد آلت إليه، وهو أدرب بما تنطوي شروطها عليه، والله تعالى يجعل البهجة [لديه]«3» مقيمة [والنعمة عليه مستديمة]«4» ؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بموجبه وبمقتضاه، إن شاء الله تعالى.