الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصلح معه، مع الاحتراز في وصف المقادير والكمّيات والكيفيّات، في الاستعمال والأوقات، وما يتقدّم ذلك الدواء أو يتأخّر عنه. ولا يأمر باستعمال دواء، ولا ما يستغرب من غذاء، حتّى يحقّق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه: ليعرف مقدار قوّته في الفعل. وليعلم أنّ الإنسان هو بنية الله وملعون من هدمها، وأن الطبيعة مكافية وبؤسى لمن ظلمها، وقد سلّم الأرواح وهي وديعة الله في هذه الأجسام، [فليحفظها وليتق الله ففي ذلك جميع الأقسام]«1» وإيّاه ثم إيّاه أن يصف دواء ثم [يكون هو الذي]«2» يأتي به، أو يكون هو الذي يدلّ عليه، أو المتولّي لمناولته للمريض ليستعمله بين يديه، وفي هذا كلّه لله المنّة ولنا إذ هديناه له وأرشدناه إليه.
وهذه نسخة توقيع برياسة الكحّالين...... «3» ....
الضرب السادس (من أرباب الوظائف بالديار المصرية) زعماء أهل الذمة
ويكتب لجميعهم تواقيع في قطع الثلث بألقابهم السابقة مفتتحة ب «أما بعد حمد الله» .
ويشتمل هذا الضرب على ثلاث وظائف:
الوظيفة الأولى (رآسة اليهود)
وموضوعها التحدّث على جماعة اليهود والحكم عليهم، والقضاء بينهم
على مقتضى دينهم وغير ذلك.
وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل أنّ الموجودين من اليهود ثلاث طوائف: وهم الرّبّانيّون، والقرّاؤون، والسامرة «1» وقد جرت العادة أن يكون الرئيس من طائفة الرّبّانيّين دون غيرهم، وهو يحكم على الطوائف الثلاث.
وهذه نسخة توقيع «2» برآسة اليهود، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي:
أما بعد حمد الله الذي جعل ألطاف هذه الدولة القاهرة تصطفي لذمّتها من اليهود رئيسا فرئيسا، وتختار لقومها كما اختار من قومه موسى، وتبهج لهم نفوسا كلّما قدّمت عليهم نفيسا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبيّ الأميّ، والرسول الذي أجمل الوصيّة بالملّيّ والذّمّيّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما هطل وبليّ «3» ، وما نزل وسميّ «4» - فإنّ معدلة هذه الدولة تكتنف «5» الملل والنّحل بالاحتياط، وتعمّهم من إنصافها وإسعافها بأوفر الأنصباء وأوفى الأقساط، وتلمّهم من حادث الزمن إذا اشتطّ ومن صرفه إذا شاط، وتضمّهم كما
ضمّت البنوّة إلى جناح النّبوّة الأسباط، لا تزال ترقب الإلّ «1» والذّمة، في المسلمين وأهل الذّمّة، وتقضي لهم بحسن الخيرة ورعاية الحرمة، وتبيحهم من أمر دينهم ما عليه عوهدوا، وتمنحهم من ذلك ما عليه عوقدوا، وتحفظ نواميسهم بأحبار تحمد موادّهم إذا شوفهوا وتحسن مرآهم إذا شوهدوا: من كل إسرائيليّ أجمل للتوراة الدّراسة، وأحسن لأسفار أنبيائه اقتباسه وأجمل التماسه، ومن نبّهته نباهته للتقدمة فما طعم اجتهاده يوما حتّى صار وجه الوجاهة في قومه ورأس الرّأسة، فأصبح [فيهم] معدوم النظير، معدودا منهم بكثير، وموصوفا بأنه في شرح أسفار عبرانية «2» حسن التفسير، واستحقّ من بين شيعته أن يكون رأس الكهنة، وأن تصبح القلوب في مجامعهم بحسن منطقه مرتهنة، وبأن للجهالة بتثقيفه لشيعته تحجّب «3» عقائدهم عن أن تغدو ممتهنة.
ولما كان فلان «4» هو لمحاسن هذا التقريظ بهجة، ولجسد هذا التفويض مهجة، ولممادح هذا الثناء العريض لهجة، ولعين هذا التعيين غمضها، وليد هذه الأيادي بسطها وقبضها، ولأبكار أفكار هذه الأوصاف متقاضيها ومقتضّها، ومن أدنيت قطاف النعماء ليد تقدمته «على غيظ من غصّ منها» واجتنى غضّها- اقتضى حسن الرأي الشريف أن يميّز على أبناء جنسه حقّ التمييز، وأن يجاز له من التنويه والتنويل أجلّ ما جيز.
ورسم بالأمر الشريف- لا زال يختار فيجمل الاختيار، ويغدو كالغيث الذي يعمّ بنفعه الرّبا والوهاد والأثمار والأشجار- أن تفوّض إليه رآسة اليهود على اختلافهم: من الرّبّانيين، والقرّائين، والسامرة بالديار المصريّة حماها الله
وكلأها. فليجعل أسبابهم بالتّقوى تقوى، وغروسهم بالتدبير لا تذوى، ومقاصدهم لا يمازجها شكّ ولا شكوى، ولينزل عليهم منّا منّا يسليهم صنعا حتّى لا يفارقوا المنّ والسّلوى؛ وليتق الله فيما يذره ويأتيه، ويحسن في اجتلاب القلوب واختلابها تأتّيه؛ وإيّاه والتّيه حتّى لا يقال: كأنّه بعد لم يخرج من التّيه»
وجماعة الرّبانيّين فهم الشّعب الأكبر، والحزب الأكثر؛ فعاملهم بالرّفق الأجدى والسّرّ الأجدر، ولكونك منهم لا تمل معهم على غيرهم فيما به من النفس الأمّارة تؤمر.
وجماعة القرّائين فهم المعروفون في هذه الملّة، بملازمة الأدلّة، والاحتراز في أمر الأهلّة «2» ، فانصب لأمرهم من لم يتولّه حين يتولّه؛ ومن كان منهم له معتقد فلا يخرج عن ذلك ولا يحرج، ولا يلجم منهم بلجام من نار إنكار من في ليلة سبته [بيته]«3» عليه لا يسرج.
والسامرة فهم الشّعب الذين آذن التنظيف أهله بحروبه، ولم يك أحدهم لمطعم لكم ولا مشرب بأكوله ولا شروبه؛ فمن قدرت على ردّه بدليل من مذهبك في شروق كل بحث وغروبه، فاردده من منهج تحيّده عن ذلك وهروبه، وإلا فقل له: يا سامريّ بصرت بما لم تبصروا به. [وليكن حكمك فيهم بالبتّ]«4» ، وارفق بهم فإن «المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» «5» فإيّاك أن
تكون ذلك المنبتّ، ومرهم بملازمة قوانينهم كيلا يعدو أحد منهم في السّبت، واجعل أمور عقودهم مستتبّة، وأحسن التحرّي والتحرير لهم في إتقان كل كتبة؛ ولا تختر إلا الأعيان، من كل خزّان وديّان؛ ومن كان له من داود عليه السلام لحمة نسب، وله به حرمة نسب، فارع له حقّه، وأصحبه من الرّفق أكرم رفقة.
والجزية فهي لدمائكم وأولادكم عصمة، وعلى دفاعها لا دافعها وصمة، ولأجلها ورد:«من آذى ذمّيّا كنت خصمه» ، وهي ألمّ من السيف إجارة، وهي أجرة سكنى دار الإسلام كما هي لاستحقاق المنفعة بها إجارة؛ فأدّوها، وبها نفوسكم فادوها، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
«1» ، فعدّوا ألطاف الله بها ولا تعدوها؛ وداوم على مه «2» ، زجرا لتارك علامة «3» ؛ ومن قصد منها خلاصه، فقل له في الملإ: ماذا خلا؟ صه؛ ومن ركن في أمرها إلى الإخلاد والإخلال، وسكن إلى الإهمال، ولم يرض بأنّ راية الذّلّة الصفراء على رأسه تشال، فأوسعه إنكارا، وألزمه منها شعارا؛ وإن قام بنصره منهم معشر خشن فأرهم بعد العلامة خشكارا «4» ؛ وخذهم بتجنّب الغشّ الذي هو للعهد مغيّر ومغيّب، واكفف من هو بما ينافيه معيّر ومعيّب؛ وأما من هو مجيب لذلك فهو لقصده محبّب، وانقل
طباعهم عن ذلك وإن أبت عن التناقل [فانتقامنا يتلو]«1» : قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ
«2» وقد علم أن الذي تتعاطونه من نفخ في البوق إنما هو كما قلتم للتّذكار، فاجتهدوا أن لا يكون لتذكار العجل الحنيذ «3» الذي له خوار؛ هذه وصايانا لك ولهم فقل لهم: هذه موهبة الدولة وإحسانها إليكم، ولطفها بكم وعاطفتها عليكم، وبصّرهم بذلك كلّما تلا إحساننا إليهم: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ*
«4» وهذه نسخة توقيع برآسة اليهود أيضا:
أمّا بعد حمد الله على أن جعل ملاحظة هذه الدولة القاهرة لجميع الملل ناظرة، وإحسانها لا يغفل مصلحة لأولي الأديان غائبة ولا حاضرة، والصلاة على سيدنا محمد الذي جعل ذمّته وعهده وفيّين لكل نسمة مؤمنة وكافرة- فإنّ الله تعالى لما مدّ رواق عدل هذه الأيام الشريفة على كل معاهد: من متقرّب ومتباعد، وساوى بينهم في النظر الذي صدق الرأي وصدّق الرائد- اقتضى جميلها أن يسهم لكلّ من أهل الذمة أوفر نصيب، وأن لا يقال لأحد منهم من الإجحاف ما يريب، وأن لا تكون أمورهم مضاعة، ولا تعبّداتهم مراعة، ولا شرائعهم غير مصونة، ولا أحكامهم عارية [عن]«5» حسن معونة؛ وكانت جماعة اليهود وإن كانوا أولي غيّ، وصدق النصارى فيهم وصدقوا في النصارى من أنّهم ليسوا على شيّ، لا بدّ لهم من مباشر يأخذهم بالأمر الأحوط، والناموس
الأضبط، والمراسيم التي عليهم تشرط؛ وكان الذي يختار لذلك ينبغي أن لا يكون إلا من أكبر الكهنة وأعلم الأحبار، وممن عرف من دينهم ما لأجله يصطفى ولمثله يختار، وممّن فيه سياسة تحجزه عن المضارّ، وتحجبه عن الاستنفار، وكان فلان الرئيس هو المتميّز بهذه الأوصاف على أبناء جنسه، وله وازع من نفسه، ورادع من حسن حدسه، وخدمة في مهمّات الدولة يستحقّ بها الزيادة في أنسه، وهو من بين جماعته مشهور بالوجاهة، موصوف بالنّباهة، ذو عبرانيّة حسنة التعبير، ودراسة لكتب أهل ملّته على ما فيها من التغيير- اقتضى جميل الاختصاص المنيف، أن يرسم بالأمر الشريف- لا برح يرقب الإلّ والذّمّة، ويرعى للمعاهدين الحرمة- أن تفوّض إليه رآسة اليهود الرّبّانيين والقرّائين والسامرة، على عادة من تقدّمه.
فليباشر ذلك مستوعبا أمورهم كلّها، مستودعا دقّها وجلّها، مباشرا من أحوالهم ما جرت عادة مثله من الرّؤساء أن يباشر مثلها، غير مفرّط في ضبط ناموس من نواميس المملكة، ولا مغفل الإنكار على من «1» يتجاوز ذلك إلى موارد الهلكة؛ ومن فعل ما يقضي بنقض عهده، فعليه وعلى مستحسنه له من المقاتلة ما يتّعظ به كلّ من يفعل ذلك من بعده؛ بحيث لا يخرج أحد منهم في كنيسته ولا في يهوديّته ولا في منع جزيته عن واجب معهود، ومن خالف فوراء ذلك من الأدب ما تقشعرّ منه الجلود؛ وما جعلهم الله ذمّة للمسلمين إلا حقنا لدمائهم، فلا يبحها أحد منهم فتجتمع له شماته أهل الأديان من أعدائهم بأعدائهم- والوصايا كثيرة وإنما هذه نخبتها الملخّصة، وفيها من حساب الإحسان إليهم ما تغدو به أيّام الإمهال لهم ممحّصة، والله يوفّقه في كل تصرّف مرغوب، وتأفف من مثله مطلوب، بمنه وكرمه!.
وهذه وصية لرئيس اليهود أوردها في «التعريف» وهي:
وعليه بضمّ جماعته، ولمّ شملهم باستطاعته، والحكم فيهم على قواعد ملّته، وعوائد أئمته، في الحكم إذا وضح له بأدلّته، وعقود الأنكحة وخواصّ ما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق، وما يفتقر فيها إلى الرضا من الجانبين في العقد والطّلاق، وفيمن أوجب عنده حكم دينه عليه التّحريم، وأوجب عليه الانقياد إلى التحكيم، وما أدّعوا فيه التواتر من الأخبار، والتظافر على العمل به مما لم يوجد فيه نصّ وأجمعت عليه الأحبار، والتوجّه تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم، ومكان تعبّد أهل ملّتهم، والعمل في هذا جميعه [بما شرعه موسى الكليم، والوقوف معه]«1» إذا ثبت أنه فعل ذلك النبيّ الكريم، وإقامة حدود التّوراة على ما أنزل الله من غير تحريف؛ ولا تبديل كلمة بتأويل ولا تصريف، واتباع ما أعطوا عليه العهد، وشدّوا عليه العقد، وأبقوا فيه ذماءهم «2» ، ووقوا به دماءهم؛ وما كانت تحكم به الأنبياء والربّانيّون، ويسلّم إليه الإسلاميّون منهم ويعبّر عنه العبرانيّون؛ كلّ هذا مع إلزامه لهم بما يلزمهم من حكم أمثالهم أهل الذمّة الذين أقرّوا في هذه الدّيار، ووقاية أنفسهم بالخضوع والصّغار، ومدّ رؤوسهم بالإذعان لأهل ملّة الإسلام، وعدم مضايقتهم في الطّرق وحيث يحصل الالتباس بهم في الحمّام، وحمل شعار الذمّة الذي جعل لهم حلية العمائم، وعقد على رؤوسهم لحفظهم عقد التّمائم؛ وليعلم أنّ شعارهم الأصفر، موجب لئلا يراق دمهم الأحمر، وأنّهم تحت علم علامته آمنون، وفي دعة أصائله ساكنون؛ وليأخذهم بتجديد صبغه في كلّ حين؛ وليأمرهم بملازمته ملازمة لا تزال علائمها على رؤوسهم تبين، وعدم التظاهر لما يقتضي المناقضة، أو يفهم منه المعارضة، أو يدع فيه غير السّيف وهو إذا كلّم شديد العارضة؛ وله ترتيب طبقات أهل ملّته من الأحبار فمن دونهم على قدر استحقاقهم، وعلى ما لا
تخرج عنه كلمة اتّفاقهم؛ وكذلك له الحديث في جميع كنائس اليهود المستمرّة إلى الآن، المستقرّة بأيديهم من حين عقد عهد الذمة ثم ما تأكّد بعده لطول الزمان، من غير تجديد متجدّد، ولا إحداث قدر متزيّد؛ ولا فعل شيء مما لم تعقد عليه الذّمّة، ويقرّ عليهم سلفهم الأوّل سلف هذه الأمّة، وفي هذا كفاية وتقوى الله وخوف بأسنا رأس هذه الأمور المهمّة.
[وصية رئيس السامرة]«1» :
ولا يعجز عن لمّ شعث طائفته مع قلّتهم، وتأمين سربهم الذي لو لم يؤمّنوا فيه لأكلهم الذئب لذلّتهم؛ وليصن بحسن السّلوك دماءهم التي كأنما صبغت عمائمهم الحمر منها بما طلّ، وأوقد لهم منها النار الحمراء فلم يتّقوها إلا بالذّلّ، وليعلم أنهم شعبة من اليهود لا يخالفونهم في أصل المعتقد، ولا في شيء يخرج عن قواعد دينهم لمن انتقد؛ ولولا هذا لما عدّوا في أهل الكتاب، ولا قنع منهم إلا بالإسلام أو ضرب الرّقاب؛ فليبن على هذا الأساس، [ولينبيء قومه أنّهم منهم وإنما الناس أجناس]«2» ، وليلتزم من فروع دينه ما لا يخالف فيه إلا بأن يقول لا مساس؛ وإذا كان كما يقول: إنه كهارون عليه السلام فليلتزم الجدد، وليقم من شرط الذمّة بما يقيم به طول المدد، وليتمسّك بالموسويّة من غير تبديل، ولا تحريف في كلم ولا تأويل، وليحص عمله فإنه عليه مسطور، وليقف عند حدّه ولا يتعدّ طوره في الطّور، وليحكم في طائفته وفي أنكحتهم ومواريثهم وكنائسهم القديمة المعقود عليها بما هو في عقد دينه، وسبب لتوطيد قواعده في هذه الرتبة التي بلغها وتوطينه.
الوظيفة الثانية (بطركيّة النّصارى الملكيّة «1» ، وهم أقدم من اليعاقبة)
وقد تقدّم في الكلام على النّحل والملل أنهم أتباع ملكا «2» الذي ظهر قديما ببلاد الرّوم، وأنّ الروم والفرنج كلّهم اتباعه، وبالديار المصريّة منهم النّزر اليسير، ولهم بطرك يخصّهم.
وهذه نسخة توقيع لبطرك الملكيّة:
أمّا بعد حمد الله منوّع الإحسان، لأولي الأديان، ومؤصّله ومفرّعه لكلّ طائفة ولكل إنسان، والصلاة على سيدنا محمد الذي أباد الله به من أباد وأبان من عهده وذمّته من أبان- فإنّ الطائفة الملكيّة من النصارى لمّا كانت لهم السابقة في دينهم، ولهم أصل الرآسة والنّفاسة في تعيينهم، وما برحت لهم في الكلاءة والحفظ قدم السابقة، ورتبة بملوكهم الرّومانيّة سامقة، وما زالت لهم خدم الدول إلى أغراضها متساوقة ومتسابقة، ولهم جوار مشكور، وتبتّل مشهور، وعليهم وصايا من الملوك في كل ورود وصدور، ولهم من نفوسهم مزايا تستوجب احترامهم، وتستدعي إكرامهم، وكان لا بدّ لهم من بطريرك يلاحظ أحوالهم أتمّ الملاحظة، ويستدعي لهم من الدّولة أعظم محافظة، ويحفظ نواميس قبيلهم، ويحسن دراسة أناجيلهم، ويعرّفهم قواعد معتقداتهم، ويأخذهم بالدّعاء لهذه الدولة القاهرة في جميع صلواتهم، ويجمعهم على سداد، ويفرّقهم على مراد، وكان البطريرك فلان هو المتّفق بين طائفته على تعيينه، والمجمع على إظهار استحقاقه وتبيينه، والذي له مزايا لو كان فيه واحدة
منها لكفته في التأهيل، ولرفعته إلى منصبه الجليل. فلذلك رسم.... الخ- لا برح يعطي كلّ أحد قسطه، ويدخل كلّ لأبوابه ساجدا وقائلا حطّة «1» - أن يباشر بطركيّة النصارى الملكية على عادة من تقدّمه من البطاركة السالفة بهذه الدولة.
فليحط أمورها الجزئيّة والكليّة، والظاهرة والخفيّة، وليأخذهم بما يلزمهم من قوانين شرعتهم، وكلّ ما يريدون من حسن سمعتهم؛ وأما الدّيرة والبيع والكنائس التي للملكية فمرجعها إلى صونه، وأمرها مردود إلى جميل إعانته وعونه؛ والأساقفة والرّهبان فهم سواد عين معتقده، وخلاصة منتقده، فلا يخلهم من تبجيل، وحسن تأهيل، وتتقدّم إلى من بالثغور من جماعتك بأن لا يدخل أحد منهم في أمر موبق، ولا في مشكل موثق، ولا يميلون كلّ الميل إلى غريب من جنسهم، وليكن الحذر لغدهم من يومهم وليومهم من أمسهم، ولا يشاكلون رسولا يرد، ولا قاصدا يفد؛ وطريق السلامة أولى ما سلك، ومن ترك الدخول فيما لا يعنيه ترك؛ هذه جملة من الوصية لامعة أفلح واهتدى من بها استنار، ورشد من لها استشار؛ والله يوفّقك في كل مقصد تروم، ويجعلك بهذه الوصايا تقول وتقوم.
وهذه وصية لبطرك الملكية أوردها في «التعريف» وهي:
وهو كبير أهل ملّته والحاكم عليهم ما امتدّ في مدّته، وإليه مرجعهم في التحريم والتحليل، وفي الحكم بينهم بما أنزل في التوراة ولم ينسخ في الإنجيل؛ وشريعته مبنيّة على المسامحة والاحتمال، والصبر على الأذى وعدم الاكتراث به والاحتفال، فخذ نفسك في الأوّل بهذه الآداب، واعلم بأنك في المدخل
إلى شريعتك طريق إلى الباب؛ فتخلّق من الأخلاق بكلّ جميل، ولا تستكثر من متاع الدنيا فإنّه قليل؛ وليقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل الفصل البتّ فإنّ الصلح كما يقال سيّد الأحكام، وهو قاعدة دينه المسيحيّ ولم تخالف فيه المحمّديّة الغراء دين الإسلام، ولينظّف صدور إخوانه من الغلّ ولا يقنع بما ينظّفه ماء المعموديّة من الأجسام؛ وإليه أمر الكنائس والبيع، وهو رأس جماعته والكلّ له تبع؛ فإيّاه أن يتخذها له تجارة مربحة، أو يقتطع بها مال نصرانيّ يقرّبه فإنه ما يكون قد قرّبه إلى المذبح وإنما ذبحه؛ وكذلك الدّيارات وكل عمر «1» ، والقلاليّ «2» فيتعيّن عليه أن يتفقّد فيها كلّ أمر؛ وليجتهد في إجراء أمورها على ما فيه رفع الشّبهات، وليعلم أنهم إنما اعتزلوا فيها للتعبّد فلا يدعها تتّخذ متنزّهات؛ فهم إنما أحدثوا هذه الرّهبانيّة للتقلّل في هذه الدنيا والتعفّف عن الفروج، وحبسوا فيها أنفسهم حتّى إنّ أكثرهم إذا دخل فيها ما يعود يبقى له خروج؛ فليحذّرهم من عملها مصيدة للمال، أو خلوة له ولكن بالنساء حراما ويكون إنما تنزّه عن الحلال؛ وإيّاه ثم إيّاه أن يؤوي إليها من الغرباء القادمين عليه من يريب، أو يكتم عن الإنهاء إلينا مشكل أمر ورد عليه من بعيد أو قريب، [ثم الحذر الحذر من إخفاء كتاب يرد عليه من أحد من الملوك،]«3» ثم الحذر الحذر من الكتابة إليهم أو المشي على مثل هذا السّلوك، وليتجنّب البحر وإيّاه من اقتحامه فإنه يغرق، أو تلقّي ما يلقيه جناح غراب منه فإنه بالبين ينعق؛ والتقوى مأمور بها أهل كلّ ملّة، وكلّ موافق ومخالف في القبلة؛ فليكن عمله بها وفي الكناية ما يغني عن التّصريح، وفيها رضا الله تعالى وبها أمر المسيح.