الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من أمر جليل فقد أسندناه إلى عارفه وفوّضناه إلى خبيره- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعدق بجميل نظره هذا المهمّ المقدّم لدينا، وأن نفوّض إليه نظر هذه الأوقاف التي النظر في مصالحها من آكد الأمور المتعيّنة علينا.
فرسم بالأمر الشريف- لا زال فضله عميما، وبرّه يقدّم في الرّتب من كان من خواصّ الأولياء كريما- أن يفوّض إليه كيت وكيت.
فليل هذه الرتبة التي أريد بها وجه الله وما كان لله فهو أهمّ، وقصد بها النفع المتعدّي إلى العلماء والفقراء والضّعفاء ومراعاة ذلك من أخصّ المصالح وأعمّ، ولينظر في عموم مصالحها وخصوصها نظرا يسدّ خللها، ويزيح عللها، ويعمّر أصولها، ويثمّر محصولها، ويحفظ في أماكنها أموالها، ويقيم بها معالم العلوم في أرجائها، ويستنزل بها موادّ الرحمة لساكنها بألسنة قرّائها، ويستعيد صحّة من بها من الضعفاء بإعداد الذّخائر لملاطفة أسقامها ومعالجة أدوائها، ويحافظ على شروط الواقف في إقامة وظائفها، واعتبار مصارفها، وتقديم ما قدّمه مع ملاءة تدبيره باستكمال ذلك على أكمل ما يجب، وتمييز حواصلها بما يستدعي إليها من الأصناف التي يعزّ وجودها ويجتلب، وضبط تلك الحواصل التي لا خزائن لها أوثق من أيدي أمنائه وثقاته، ولا مودع لها أوفق من أمانة من يتّقي الله حقّ تقاته؛ فلذلك وكلناه في الوصايا إلى حسن معرفته واطّلاعه، ويمن نهوضه بمصالحنا واضطلاعه، إن شاء الله تعالى.
الوظيفة الثانية
(نظر الجامع الطولوني)«1» من إنشاء المقرّ البدريّ «2» ابن المقرّ العلائيّ بن فضل الله صاحب ديوان
الإنشاء الشريف، في الدولة الظاهرية برقوق، كتب به المقرّ الشمسيّ العمريّ كاتب الدّست الشريف لأبي يزيد الدّوادار، وهي:
الحمد لله الذي أقام من أوليائنا خير ناظر، يقرّ به كل ناظر، وأدام بنا بناء المعروف الزاهر وحسنه الباهر، وأنام الأنام في مهاد الأمن بانتقاء وليّ لسان الكون حامد له ومادح وشاكر، وفتح أبواب السعادة باصطفاء صفيّ طاب بسفارته كلّ خاطر من مقيم وخاطر، ومنح أسباب السيادة بأوفى وفيّ عمر بوجوده الوجود وغمر بجوده كلّ باد وحاضر، وأبصر بالدين المتين والفضل المبين فأقمناه للنظر على بيوت الله تعالى لأولويّته بذلك: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
«1» .
نحمده على نعمه التي ظهرت «2» بالمزيد فسرّت السرائر، وظهرت بنور الرّشد المديد فأشرق بها الباطن والظاهر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز القادر، شهادة صدقت في الإخلاص بها الألسنة والضمائر، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله معدن الأسرار، وبحر الجود الزاخر، ومنبع الأنوار، صاحب الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة والمفاخر، الذي يبعثه الله مقاما محمودا يحمده الأوائل والأواخر، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه النّجوم الزّواهر، الذين جاهدوا في الله حقّ جهاده فكان كلّ منهم للدّين الحنيف أعظم مجتهد ومؤيّد وناصر، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن أولى من ألقيت إليه مقاليد الأمور، وصرّفناه في جميع مصالح
الجمهور، وفوّضنا إليه النظر في بيوت الله تعالى ليعمرها بنظره السعيد وتضاعف له الأجور، ومكّنّا له في دولتنا الشريفة حتّى صار قطب فلكها عليه تدور، وبسطنا يده ولسانه فهو ينطق عنّا ويأمر بالقضاء والقدر في الورود والصّدور، وقيّدنا الأرزاق بقلمه، والمهمّات بكلمه، فلا فضل إلا من فيضه المنشور- من امتاز على غيره بفضيلتي السّيف والقلم، وتقدّم في الطاعة الشريفة بأثبت قدم، كان بها من السابقين الأوّلين من القدم، واتّصف بالشّجاعة والشّهامة والمعرفة التامّة والحلم والعدل والحكم؛ فهو التّرجمان عنّا الناطق بفصل الخطاب في السّرّ للتّرك والعرب والعجم، وعرف بالرأي السديد، والنظر السعيد، والتدبير الحميد، والقول المفيد، والجود والكرم؛ وطبع على الخير الجزيل، والدّين الجميل، عمره في الحقّ قائم، لا تأخذه في الحقّ لومة لائم، طالما أحيا بحسن السّفارة من العدم.
هو واحد في الفضل والنظر السعيد لأبي سعيد.
فمن الذي يحكيه في الشّرف العتيد
…
بطل الوغى أبو يزيد
قد تفرّد في العفّة والدّيانه، والثّقة والأمانة، والتحف بالصّفا، وتردّى بالوفا، وشفى بالخير والجبر من كان بالفقر على شفا فحصل له الشّفا، ووفى بالعهود والمواثيق وذلك أمر ما خفى «1» ، ولحق في الجود والدّين بسميّه أبي يزيد البسطاميّ «2» الوليّ:
قالوا:
الوليّ أبو يزيد قد مضى
…
وهو الفريد بفضله والصادق!
قلت:
الأمير أبو يزيد مثله
…
هذاك سابقه وهذا اللاحق!
ولما كان فلان هو المشار إليه بهذه الصّفات الحسنة، والمناقب التي تنوّعت في مدائحها الألسنة، وعرف بالجود فملك حبّه الأفئدة فارتفعت الأصوات بالدعاء له معلنة، طالما أنال النّعم، وأزال النّقم، وجبر القلوب وكشف الكروب، وجلا ظلام الخطوب، ونشر المعروف، وأغاث الملهوف، وأنقذ من المهالك، وعمر بتدبيره الممالك، ووصل الأرزاق، وأجرى الأطلاق على الإطلاق- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نعتمد في جميع الأشياء عليه، ونلقي مقاليد الأمور إليه، وننوط به المهمّات وغيرها: ليكون العلم بالكلّيات والجزئيّات لديه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال يتحف بالمزيد من كرمه، ويسبغ جلابيب نعمه، ويجري بحر فضله الواسع، ويعمّ بنظره المقرّبين من أوليائه كلّ جامع للخير جامع، أن يستقرّ...... «1»
…
فليتلقّ هذا التفويض الجليل بقبوله، ويبلّغ الجامع المذكور ما يرتقبه من عمارته التي هي غاية مأموله. ومنه تؤخذ الوصايا لأنه لساننا الناطق، وسفير مملكتنا العالم بالحقائق والدّقائق، فلا يحتاج أن يوصى ولا أن نفتح معه في الوصية بابا، وما يصلح أن يقال لغيره لا يجوز أن يكون له خطابا:
ومثلك لا يدلّ على صواب
…
وأنت تعلّم الناس الصّوابا!
والله تعالى يؤيده في القول والعمل، ويعمّ بوجوده وجوده الوجود وقد فعل، ويبقيه مدى الدهر، ويستخدم لسعوده الساعة واليوم والجمعة والشّهر، ويجعل بابه الطاهر مفتوحا للقاصدين على الدّوام، ويقيمه واسطة عقد الملك