الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترضاها، وتولّيناك حيث وجّهت وجهك شطر المسجد الحرام، ونوّعت لك أرواح الحجاز وأنت في مصر وريفها العامّ؛ والله تعالى يديم منك سيفا يروع مهزّه، ويؤيّد بك الدّين فإنه بك يقوم جاهه ويدوم عزّه؛ والاعتماد على الخط الشريف أعلاه، إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني (من وجهي الديار المصرية البحريّ، وهو الشّماليّ)
وكانوا في الزمن القديم يخصّونه باسم الرّيف، مثل اختصاص الوجه القبليّ بالصعيد.
وأرباب الولايات فيه على ضربين «1» :
الضرب الأوّل (أرباب السيوف)
وتختصّ الكتابة منهم الآن عن الأبواب السّلطانية بنائب السلطنة بالوجه البحريّ، ومقرّه مدينة دمنهور من البحيرة. وكان في الزمن المتقدّم يكتفى في البحيرة بواليها، وكذلك في كلّ من سائر الأعمال بالوجه البحريّ، وفوق الكلّ ولاية عامّة، يعبّر عن صاحبها بوالي الولاة، وربما [زيد]«2» بالوجه البحريّ، وربّما عبّر عنه بالكاشف. ثم استقرّت نيابة في رتبة تقدمة العسكر بغزّة في أيام الظاهر برقوق، على ما تقدّم ذكره في المسالك والممالك في المقالة الثانية.
وهذه نسخة تقليد تصلح لنائب الوجه البحريّ، مما كان كتب به المقرّ الشهابيّ بن فضل الله لوالي الولاة بها، وهي:
الحمد لله الذي أقام بنا كاشفا لكلّ شكوى، كاسفا بال كلّ عدوى، عارفا
بنهاية كلّ دعوى، عاطفا بعدلنا إلى إزاحة كل لأوى «1» ، وإزالة كلّ بلوى.
نحمده وهو أهل الحمد والتّقوى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نأمن بها الدانية والقصوى، ونؤمن بها على السّرّ والنّجوى، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أشرف من مهّد له جنّة المأوى، وأشرف به على شرف المثوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين فطم بشريعته نفوسهم عمّا تهوى، وفطر فطنهم عليها حتّى لا تضلّ ولا تغوى، صلاة ترتوي بفائضها السّحب ما تروى، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد فإن من سجايا أيّامنا أن نكشف كلّ كرب، ونحسن إلى رعايا بلادنا إحسانا ينوّع في كلّ ضرب، ونديم الأمن حتّى لا ندع سوى النّيل قاطع طريق أو خارجا على درب، ونجرّد من المهابة سيفا يخشى من قربه، وطيفا يبيت به طير الكرا متململا على جنبه، وخوفا لبابه من الخصائص المحمّدية أنه يتقدّم إلى قلوب الأعداء مسيرة شهر [جيش]«2» رعبه؛ وكانت الديار المصرية المحروسة هي التي لا يحمد سواها ذو وجهين، ولا يوجد لها في جانبيها مماثل في شيئين؛ والوجه البحريّ أوسعهما عرضا، وأقربهما من الرّيّ أرضا، وأصدقهما للبارق المحمرّ ومضا، وأجمعهما للذّهب مذاهب وللفضّة إفضا، وأثبتهما وطأة لمجرى النيل إذا أقبل في تيّاره يتدافع واشتدّت خيله ركضا؛ وهو الوجه المتهلّل بشرا، المتضوّع بطيب رياحه نشرا، المتزيّن بمدائنه أكثر مما زيّنه في مقاصيره قيصر وفي مدائنه كسرى، المتثنّي بعروس كلّ قرية زفّ بها النّيل في مسرى، وبه الثغور التي لا تشام لها بروق، والمحارس التي ما لعادية إليها طروق، وله من البحرين حاجزان، ومن الجانبين برّ مقفر وريف مقمر متبارزان، وفيه من الشّعوب والقبائل في الحضر والبادية من لا يؤمن منه باتره، ولا يخمد بغير ما يراق من دم مفسديهم ثائره. وكان لا يقوم بها «3» كلّ القيام، ويجمع فرائدها
المشذّرة في أكمل نظام، إلا من تقلّبت الأمور بقلبه كلّ التقليب، وجرّدت النّوب عزمه في النوائب فجرّدت سيفا يحمد في التجريب، ولم يزل منذ بلغ الحلم أميرا مطاعا، ومندوبا لا يفرق في المهمّات إذا طارت نفوس الأنظار شعاعا، وأوقدت الأسنّة سواعا، وهماما لو أومض البرق ساعة بؤسه لارتعدت فرائصه زمعا «1» لا إزماعا، أو قابله الرّيح المعتدل عند أحكامه لأطبقت الأمم على أنه لا يماثله في العدل قطعا وأجمعت على تفرّده إجماعا.
وكان فلان هو العليّ همما، الجزل مداومة الجزيل ديما، المليّ بما لا يقدر على مثل دفعه البحر متدفّقا وهمي الغمام منسجما؛ وقد حمدنا له في كلّ ما باشره أثرا، وأخمدنا بجميل ملاحظته كلّ برّ ضرا، فباشر الوجه القبليّ فملأ عين الناظر المتوسّم، وعمّ سروره حتّى غامزه جاره الوجه البحريّ ببنانه المخضّب وضاحكه بثغره المتبسّم، فلما تنقّل فيهما استقرار (؟) الوجهين وما والاهما، وعرف في وجهه نضرة النعيم بما أولاهما، وأخصب جانباهما، وجدّ بهذا كلّه ثم جدّ بهذا فطاب الواديان كلاهما، فاقتضى حسن الرأي الشريف أن لا يخلو الوجهان معا من نظره الجليّ الجميل، وأن يجلو عليه محاسنهما الكاملة ليفارق على وجه جميل ويواصل على وجه جميل.
فخرج الأمر الشريف- لا زال يختار عليّا، ويختال كلّ غمام يرتضي له وليّا- أن يكون والي الولاة بالوجه البحريّ جميعه، متفرّدا بأفراده ومجموعه، ومحكّما في قبائله وجموعه، وبعيده وقريبه، وبديعه وغريبه؛ وكلّ ما هو داخل فيه، عائد إلى أعماله وراجع إلى متوليه، على عادة من تقدّم وقاعدته فيما يليه، وهي ما يذكر من الأعمال: الغربيّة، الشّرقية، البحيرة، المنوفيّة، إبيار، أشمون، قليوب. ولا أمر ولا نهي إلّا إليه راجع، وله في متجدّدات الأمور مراجع، ولا أرباب تصريف إلا وله عليهم تصرّف، ولا صاحب جدّ ولا حدّ إلّا
فيه يمضي ويتوقّف؛ وتقوى الله تعالى أول ما نوصيه بسببها، ونوصّله إلى رتبها، وإقامة الشرع الشريف وإدامة مبارّه وإعلاء مناره، ومعاضدة حكمه وحكّامه وأعوانه وأنصاره، والوقوف معه في إيراده وإصداره، وإعلانه وإسراره، والعمل به فإنه ما يضلّ من مشى في ضوء نهاره، وعمارة البلاد، بإدامة العدل وتكميل الرّيّ وتوطين السّكان وقمع الفساد، واعتماد حكم التذاكر الشريفة لأمر الجراريف «1» التي تعمل، والتّرع التي تراعى والجسور التي لا يقدم جسور على أنها تهمل؛ فهما قانون الرّيّ الكامل، والضامن لخصب البرّ السابل؛ وإذا أجرى الله النيل على عاداته الجميلة لا يدع للمحل عينا حتّى يواري بالرّيّ سوءته، ويخفّف بتيسر وصول حقّ كل مكان إليه وطأته، ولا يدع عاليا إلا مستفلا، ولا معطّلا إلا معتملا، ولا طوق بحر إلا تمتدّ يد النيل إلى زرّجيوبه، ولا طائف رمل إلا يطوف طائف شرب «2» على جرعائه وكثيبه، حتّى يعمّ الجميع، ويعمر ربوعها بما ينسجه لها من ملابس حلل الربيع. وعليه بالإنصاف بين المساكين، والإنصات إلى الباكين منهم والمتباكين، ووصل أمورهم على الحق الذي نشر الله في أيّامنا الزاهرة علمه، ومقتضى الشرع الشريف فإنه ما خاب من أدام عليه حكمه وأدار إليه عمله. وأما أهل الفساد والاشتباه، ومن يحتمي بصاحب شوكة أو يتمسّك بربّ جاه، أو ينزل بلد أمير كبير مستظلّا بذراه، أو ملتجئا من خوف أو مستطعما من قرى قراه، فجميع هؤلاء تتبّع فرقهم ورفاقهم، وطهّر الأرض منهم وامسح بالسّيوف أعناقهم؛ [وأثخن]«3» في قتلاهم، وأثقل بالقيود أسراهم، وشدّد وثاقهم وكذلك من حماهم ووالاهم، أو استحسن أو منّ عليهم أو مانع عنهم، أو قال ما هو منهم وهو منهم، وكلّ أجرهم في الحكم مجراهم، وأطل تحت أطباق الثّرى ثواهم، ونبّه منهم أناسا على رؤوس الجذوع وأنم آخرين