الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملّته، والوقوف مع قوانين شرعته ومعاطاة العدل في جماعته، والتزام شروط الذمة، والوقوف عند حدّها، والدخول تحت الطاعة، والوقوف عند ما حدّ له، ونحو ذلك.
الأمر السادس- مما يجب على الكاتب مراعاته وصية ربّ كل ولاية من الولايات المعتبرة بما يناسبها
.
واعلم أن كل ما حسن وصية المولّى به، حسن وصفه به. والوصايا مختلفة باختلاف موضوعاتها، إلا أنّ الجميع يشترك في الوصيّة بتقوى الله، فهي الأسّ الذي يبنى عليه، والركن الذي يستند إليه. وهذا الباب هو الذي يطول فيه سبح الكاتب، ويحتاج فيه إلى سعة الباع؛ فإنه ما لم يكن الكاتب حاذقا بما يلزم ربّ كل ولاية ليوفّيها في الوصية حقّها، وإلا ضلّ عن الطريق، وحاد عن جادّة الصّنعة، ولذلك يقال للكاتب:«القلم الأكبر» : لأنه بصدد أن يعلّم كلّ واحد من أرباب الولايات ما يلزمه في ولايته.
وحينئذ فإن كان المتولّي «نائب سلطنة» وصّي بتفقّد العساكر، وعرض الجيوش، وإنهاضها للخدمة [وانتقائه]«1» للوظائف من يليق بها، وتنفيذ الأحكام الشرعيّة، ومعاضدة حكّام الشرع الشريف، وإجراء الأوقاف على شروط واقفيها، وملاحظة البلاد وعمارتها، وإطابة قلوب أهلها، والشّدّ من مباشري الأموال، وتقوية أيديهم، وملازمة العدل، وعدم الانفكاك عنه، وتحصين ما لديه من القلاع، واستطلاع الأخبار والمطالعة بها، والعمل بما يرد عليه من المراسيم السلطانية، وأنّ ما أشكل عليه يستضيء فيه بالآراء الشريفة، والإحسان إلى الجند، وتعيين إقطاع من مات منهم لولده إن كان صالحا، ونحو ذلك.
وإن كان «نائب قلعة» وصّي بحفظ تلك القلعة، وعمارة ما دعت الحاجة إلى عمارته منها، والأخذ بقلوب من فيها، وجمعهم على الطاعة، وأخذ قلوبهم
بالإحسان إليهم، وتحصينها بآلات الحصار، وادّخار آلات الحرب، من المجانيق والقسيّ وسائر الآلات: من السّهام، واللّبوس «1» ، والسّتائر «2» ، وغير ذلك. وكذلك آلات أرباب الصنائع، كآلات الحدّادين، وصنّاع القسيّ ومن في معناهم مما يحتاج إلى عمله في آلات القلعة، والاعتناء بغلق أبواب القلعة وفتحها، وتفقّد متجدّدات أحوالها في كل مساء وصباح، وإقامة الحرس، وإدامة العسس، وتعرّف أخبار المجاورين لها من الأعداء، وإقامة نوب الحمام بها، والمطالعة بكل ما يتجدّد لديه من الأخبار.
وإن كان «وزيرا» وصّي بالعدل وزيادة الأموال وتثميرها، والإقبال على تحصيلها من جهات الحلّ، واختيار الكفاة الأمناء، وتجنّب الخونة، وتطهير بابه، وتسهيل حجابه، والنظر في المصالح، وأنه لا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو خيانته، والنظر في أمر الرواتب وإجرائها على أربابها.
وإن كان «كاتب سرّ» وصّي بالاهتمام بتلقّي أخبار الممالك وعرضها على المواقف الشريفة «3» ، والاجابة عنها بما تبرز به المراسيم الشريفة، وتعريف النوّاب في الوصايا التي تكتب في تقاليدهم عن المواقف الشريفة ما أبهم عليهم، ويبيّن لهم ما يقفون عند حدّه، والنظر في تجهيز البريد والنّجّابة «4» ، وما
يبعث فيه من المصالح وينفّذ فيه من المهمّات والقصّاد، ومعرفة حقوق ذوي الخدمة والنّصيحة، وإجرائهم في رسوم الرواتب وعوائد البر والإحسان على أتمّ العوائد، وتأليف قلوبهم، والأخذ بخواطرهم، والنظر في أمر الكشّافة والدّيادب والنظّارة والمناور والمحرقات «1» وأبراج الحمام، وصرف نظره إلى رسل الملوك الواردة، ومعاملتهم بالإكرام، والأخذ في صون سرّ الملك وكتمانه حتّى عن نفسه، وضبط ألواح البريد، والاحتراز فيما تؤخذ عليه العلامة الشريفة، ومراعاة كتّاب ديوان الإنشاء، والإحسان إليهم، وأن لا يستكتب في ديوانه إلا من علم صلاحه لذلك وكفايته، ووثق منه بكتمان السرّ كما يثق به من نفسه.
وان كان «ناظر جيش» «2» وصّي بالاحتياط في أمر ديوانه، والوقوف على معالم هذه المباشرة، وجرائد الجند، والإقطاعات، وتحرير الكشوف والمحاسبات، واستيضاح أمر من يموت من أرباب الإقطاعات من ديوان المواريث أو من المقدّمين والنّقباء، والاحتراز في أمر المربّعات «3» وجهات
الإقطاعات وما يترتّب عليها من المناشير، والنظر في أمر المقطعين، من الجند، والعرب، والتّركمان، والأكراد، ومن عليه تقدمة أو درك بلاد أو غير ذلك.
وإن كان «ناظر خاص» وصّي بالاحتياط لديوانه، والأخذ في تحصيل أموال جهاته وتنميتها وتثميرها، وزيادتها وتوفيرها، والتحرّز فيما يرفع من حسباناتها، والاهتمام بأمر التّشاريف «1» والخلع، وما يختصّ بكل ولاية وغيرها من التّشاريف، وما جرت به العادة من الهدايا المحضّرة إلى ملوك الأقطار، والأخذ في ذلك كلّه بالحظّ الأوفى للديوان السلطانيّ، وما يجري مجرى ذلك.
وإن كان «مستوفي صحبة» «2» وصّي بإلزام الكتّاب بما يلزمهم من الأعمال وتحريرها، وعمل المكلّفات وتقدير المساحات، وتمييز ما بين تسجيل الفدن في كل بلد بحسب ما يصلح لها من الزّراعة، وتمييز قيم بعضها على بعض، ومستجدّ الجرائد، وما يقابل عليه من ديوان الإقطاعات والأحباس وغير ذلك.
وإن كان «ناظرا لخزانة الخاص» وصّي بتحصيل ما يحتاج إليه لتفصيل الخاصّ وتشاريف أرباب السيوف والأقلام: العرب، والتّركمان، والأكراد، وغيرهم، وهدايا الملوك وما يجري مجرى ذلك: من العتّابيّ «3» والأطلس، والمشربش، والمقندس «4» والمتمّر، والطّرازات على اختلافها: من الزّركش «5» ، والباهي، وأنواع المستعملات، وما يحمل من دار الطّراز، وما
يبتاع للخزانة العالية «1» ، وما هو مرصد لها من الجهات التي يحمل إليها متحصّلها: لينفق في أثمان المبيعات ومصروف المستعملات، والاحتراز فيما ينفق من الأثمان وقيمة المبتاع، وشهادات الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرّجعات، وأن يحصّل كلّ شيء هو بصدد الحاجة إليه قبل الاحتياج.
وإن كان «قاضيا» وصّي بالتروّي في أحكامه قبل إمضائها، وأن يراجع الأمر مرّة بعد أخرى، واستشارة أهل العلم، والرّجوع إليهم فيما أشكل عليه، واستخارة الله تعالى قبل الإقدام على الحكم، والقضاء بحقّ الخصم بعد وضوحه، والتسجيل له به، والإشهاد على نفسه بذلك، والتسوية بين الخصوم حتّى في تقسيم النظر إلى الخصمين، والتحرّي في استيداء الشهادات، وأن لا يقبل من الشهود إلا من عرف بالعدالة: من ربّ قلم أو سيف، والتنقيب عما يصدر من العقود، ولا يعوّل من شهود القيمة «2» إلا على كل عارف بالقيم خبير بها، والنظر في أمر الرّسل والوكلاء، والنظر في أمور أهل مذهبه، والاعتناء بشأنهم.
ويزاد «الشافعيّ» التوصية بالنظر في دعاوى بيت المال ومحاكماته، والاحتراز في قضاياها ولا يقبل فيها بيّنة لوكيل بيت المال فيها مدفع، ولا يعمل فيها بمسألة ضعيفة، والنظر في أمر أموال الأيتام وأمر المتحدّثين فيها بالإحسان إليهم، وكذلك أموال الصدقات الجارية تحت نظره، والتيقّظ لإجرائها على السّداد في صرفها في وجوه استحقاقها، وأن لا يعمل في مسألة تفرّد بها مذهبه
إلا بما نصّ عليه إمامه أو كان عليه أكثر أصحابه، ولا يعتمد في ذلك مرجوحا ولا ما تفرّد به قائله، وأن لا يولي في البرّ نائبا إلا من عرف استحقاقه وأهليته لما يتولّاه.
ويزاد «الحنفيّ» الوصية بالعمل بما اقتضاه مذهبه من الأمور التي فيها صلاح لكثير من الناس: كتزويج المعصرات «1» ، وشفعة الجوار «2» ، ونفقة المعتدّة البائن، وعدم سماع بيّنة الإعسار إلّا بعد مضيّ المدة المعتبرة في مذهبه والإحسان إلى من ضمّه نطاق ولايته ممن نزح إليه من أهل الشّرق وأقاصي الشّمال.
ويزاد «المالكيّ» الوصية بالتحرّي في بيّنات الدّماء، والإعذار إلى الخصم ليبدي ما لديه من دافع، والعمل بما تفرّد به مذهبه مما فيه فسحة للناس: كالثّبوت بالشهادة على الخط، وولاية الأوصياء، وإسقاط الرّيع، والوقف المستردّ بعد البيع، والإحسان إلى من لديه من غرباء أهل مذهبه، لا سيّما من أتاه من بلاد المغرب.
ويزاد «الحنبليّ» الوصية بالاحتياط في بيع ما دثر من الأوقاف والاستبدال بها، ورعاية المصلحة في ذلك لأهل الوقف بما أمكن، والفسخ على من غاب عن زوجته الغيبة المستوجبة للفسخ عندهم، ووقف الإنسان على نفسه، وأمر الجوائح التي يحصل بها التخفيف عن ضعفاء الناس، والمعامل على الزرع بالحرث ونحوه، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، والوصية بأهل مذهبه الذين هم أقلّ المذاهب عدّة وأنزرهم وظائف وأوقافا، ومعاملتهم بالإحسان.
وإن كان «قاضي عسكر» «1» وصّي بنحو ما يوصّى به [القاضي]«2» وأن يتخذ معه كاتبا يكتب للناس، وأن يقبل من الجند من كان ظاهره العدالة، فإنّ الشّهود المعدّين لتحمّل الشهادة يعزّ وجودهم في العسكر، وأن يكون له منزل معروف يقصد فيه إذا نصبت الخيام، وأحسن ما يكون ذلك عن يمين الأعلام السلطانية، وأن يكون مستعدّا للأحكام التي يكثر فصلها في العسكر: كالغنائم، والشّركة، والقسمة، والمبيعات، والردّ بالعيب، وأن يسرع في فصل القضاء بين الخصوم: لئلا يكون في ذلك تشاغل عن مواقع الحرب ومقدّماته، وغير ذلك مما يجري هذا المجرى.
وإن كان «محتسبا» وصّي بالنظر في أمر المكاييل والموازين وسائر المقادير، والتحذير من الغش في الطعام والشّراب، وأن يتعرّف الأسعار، ويستعلم الأخبار في كل سوق من غير علم أهله، وأن يقيم على الأسواق وأرباب المعايش من ينوب عنه في النظر في أمورهم من الأمناء المأمونين، وأن لا يمكّن أحدا من العطّارين من بيع غرائب العقاقير إلا ممّن لا يستراب به بخط متطبب لمريض، وأن يمنع المتحيلين على أكل أموال الناس بالباطل: من الطّرقيّة وأهل النّجامة «3» ، وسائر الطوائف المنسوبة إلى بني ساسان من تعاطي ما يتعاطونه من ذلك، ويقمعهم ويحسم مادّتهم، والتصدّي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمنع من الغش وإخبار المشتري بأزيد مما اشترى به، والنظر في أمر فقهاء المكاتب «4» والعالمات «5» من النساء، ولا يمكن منهم أحدا أن يتعاطى
ذلك إلا من عرفت أمانته، وأثرت صيانته، وأن لا يستنيب إلا أهل العفّة والأمانة والنّزاهة ممن بعد عن الطمع، ونأى عن مطاعم السّوء.
وإن كان «وكيل بيت المال» «1» وصّي بالعمل بالشرع الشريف في جميع أحكامه، وأنّ من مات وله ورثة تستوعب ميراثه لا يكلّفهم ثبوتا فيه تعنّت ومدافعة عن حقهم، والتّشديد في أمر من كانت قصّته منكرة، والتحرّز من شهود الزّور في مثل ذلك، وأن يرجع في كل ما يباع ويؤجّر إلى العوائد، وأن يتحرّز في شهادة شهود القيمة، ولا يرجع فيها إلا لمن يوثق به ممن يكون عنده معرفة بقيم الأشياء، وينبّه على أنّ له أن يدّعي بحق المسلمين حيث شاء عند من يشاء من أصحاب المذاهب، وأنّ الدعوى عليه لا تكون إلا في مجلس الحكم العزيز الشافعيّ، على ما جرت به العادة القديمة، والاحتياط في حقّ بيت المال، وليختر للاستنابة في الأعمال من يصلح لذلك.
وإن كان «مدرّسا» وصّي بأن يقبل على جماعة درسه بطلاقة وجه، وأن يستميلهم إليه جهد استطاعته، ويربّيهم كما يربّي الولد ولده، ويستحسن نتائج أفكارهم التي يأتون بها في درسه، ويقدّم منهم من يجب تقديمه، وينزل كلّ واحد منهم منزلته، ليهزّهم ذلك إلى الإكباب على الاشتغال والازدياد في التحصيل، ثم يأتي في كل مدرّس بما يناسبه من أمور العلم الذي يدرّس فيه إن كان يدرّس في علم خاصّ.
وإن كان «خطيبا» وصّي برعاية حقّ رتبة الخطابة والقيام بحق ازدواجها، وأن يأتي من المواعظ بما يقرع الأسماع بالوعد والوعيد، ويلين القلوب القاسية، وأن يعدّ لكل مقام مقالا يقوله، وأن يخفّف الخطبة، ويأتي بها بليغة مفهومة، إلى غير ذلك من متعلّقات الخطابة.
وإن كان «شيخ خانقاه» وصّي بالاجتهاد في العبادة، والمشي على طريق السّلف؛ من الزّهد والورع، والعفاف، وأن يأخذ جماعته بمآخذه في الأمور، وأن يعرف لجماعة مكانه حقوقهم الواجبة لهم وينزلهم منازلهم خصوصا أولي السابقة منهم، ويأخذ في الرفق بهم ومداراتهم، مع ترتيب من استجدّ منهم، وإجرائهم على طرائق الصّوفيّة، وتعريفهم الطريق إلى الله تعالى، وتدريج المريدين على قدر ما تحتمله أفهامهم، دون أن يهجم عليهم من أحوال الطريق بما لا تحتمله عقولهم، و [اتّباع]«1» سبيل الكتاب والسّنّة اللّذين من حاد عنهما ضلّ، ومن خرج عن جادّتهما زلّ، وكفّهم عن ارتكاب البدع والجري على منهاجها، ومن أتى ذنبا فخذه بالتوبة والاستغفار، والإنكار على من أخذ في الشّطحات، والخروج عن قانون ظاهر الشريعة، ومنع من نحا هذا النحو أو جرى على هذه الجادّة، والإحسان إلى من يقدم عليه من الآفاق، وحسن التلقّي له، وإكرام نزله بعد أن يعجّل له بالإذن، والأمر بأخذ عكّازة، وفرش سجّادة، وما ينخرط في سلك ذلك.
وإن كان «رئيس الأطباء» وصّي بالنظر في أمر طائفته، ومعرفة أحوالهم، ويأمر المعالج أن يعرف أوّلا حقيقة المرض وأسبابه وعلاماته، ثم ينظر إلى السّن والفصل والبلد، وحينئذ يشرع في تخفيف الحاصل، وقطع الواصل، مع حفظ القوّة، وأن لا يهاجم الداء، ولا يستغرب الدواء، ولا يقدم على الأبدان إلا ما يلائمها، ولا يخرج عن عادة الأطباء ولو غلب على ظنّه الإصابة حتّى يتبصّر فيه برأي أمثاله، ويتجنب الدّواء، ما أمكنته المعالجة بالغذاء، والمركّب ما أمكنته المعالجة بالمفرد، ويتجنب القياس إلا ما صحّ بتجريب غيره في مثل من أخذ في علاجه، وما عرض له، وسنّه، وفصله، وبلده، ودرجة الدواء، وأن يحذر التجربة فإنها خطر، مع الاحتراز في المقادير والكيفيات، وفي الاستعمال والأوقات، وما يتقدّم ذلك الدواء أو يتأخّر عنه، ولا يأمر باستعمال دواء ولا ما
يستغرب من غذاء حتّى يحقّق حقيقته، ويعرف جديده من عتيقه، ليعرف مقدار قوّته في الفعل.
وإن كان «رئيس الكحّالين» وصّي بالنظر في حال جماعته أيضا، ومعرفة أحوالهم، وأن لا يصرّف منهم إلا من عرف بحسن المداراة والملازمة في العلاج، ويأمر كلّا منهم أن لا يقدم على مداواة عين حتّى يعرف حقيقة المرض، وأن يلاطفها بما يناسبها من الغذاء، وأن يتخيّر من الكحل ما فيه شفاء العين وجلاء البصر، وأن يستشير الأطباء الطبائعيّة «1» فيما أهمّ، مما لا يستغنى عن رأي مثلهم فيه، من تخفيف المادّة بالاستفراغ أو نقص دم أو غير ذلك.
وإن كان «رئيس اليهود» وصّي بضمّ جماعته، ولمّ شملهم، والحكم فيهم بقواعد ملّته، والنظر في أمور الأنكحة عندهم، وما يعتبر عندهم فيها على الإطلاق، وما يفتقر إلى الرضا من الجانبين في العقد والطّلاق، والنظر فيمن أوجب حكم دينه عليه التحريم، والتوجّه في صلاتهم تلقاء بيت المقدس إلى جهة قبلتهم، وإقامة حدود التوراة على ما أنزل الله تعالى من غير تحريف ولا تبديل للكلمة بتأويل ولا غيره، واتباع ما أعطوا عليه العهد مع إلزامه لهم [ما التزموه]«2» من حكم أمثالهم من أهل الذمة الذين أقرّوا في دار الإسلام على الصّغار والإذعان لأهل الإسلام، وعدم مضايقتهم للمسلمين في الطّرق، وتميزهم بشعارهم في الحمّام، كي لا يحصل اللّبس بالمسلمين، وحمل شعار الذمة على رؤوسهم: وهي العمائم الصّفر، ويأخذهم بتجديد صبغه في كل حين، وعدم التظاهر بما يقتضي المناقضة: من ذكر الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء، أو إظهار الخمر أو معتقدهم في العزير عليه السلام. وله أن يرتّب طبقاتهم على ما تقتضيه مراتبهم عنده، وكذلك له التحدّث في كنائس
اليهود المستمرّة إلى الآن بأيديهم، من حين عقد الذمّة، من غير تجديد متخرّب، ولا فعل ما لم تعقد عليه الذمّة ويقرّهم عليه السلف الأوّل.
وإن كان «بطرك النصارى الملكانيّة» وصّي بما عليه بناء شرعته من المسامحة والاحتمال والصّبر على الأذى، وعدم الاكتراث به، وأخذ نفسه بهذه الآداب، وأنه يقدّم المصالحة بين المتحاكمين إليه قبل فصلها على البتّ فإنه قاعدة دينه المسيحيّ، ولم تخالف فيه الملة الإسلاميّة، وأنه ينقّي صدور إخوانه من الغلّ، ويتخلّق بكل خلق جميل، ولا يستكثر من الدنيا، ويتنزّه عن أموال جماعته والتوسّل إلى أخذها، وأنّ إليه أمر الكنائس والبيع، وعليه أن يتفقّدها في كلّ وقت، ويرفع ما فيها من الشّبهات، ويحذّر رهبان الدّيارات من جعلها مصيدة للمال، وأن يتجنّبوا فيها الخلوة بالنساء، ولا يؤوي إليه أحدا من الغرباء القادمين عليه يكون فيه ريبة، ولا يكتم ما اطلع عليه من ذلك عن المسامع الشريفة السلطانية، ولا يخفي كتابا يرد عليه من أحد من الملوك، أو يكتب له جوابا، ويتجنّب البحر وما يرد منه من مظانّ الرّيب.
وإن كان «بطرك اليعاقبة» قيل في وصيته نحو ما تقدّم في وصيّة بطرك الملكانيّين، إلا أنه لا يقال: واعلم أنّك في المدخل إلى شريعتك طريق الباب، بل يقال: واعلم أنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب، ومساو له في الأمر والنهي والتحليل والتحريم. ويقال بدل قوله «وليتجنّب البحر» :
«وليتوقّ ما يأتيه سرّا من تلقاء الحبشة» .
قلت: وهذه الوصايا مدخل إلى ما يرضى به أصحاب الولايات ممّن تقدّم ذكره والأمر في الزيادة والنقص في ذلك بحسب المناسبة راجع إلى نظر الكاتب. على أن المقرّ الشهابيّ ابن فضل الله رحمه الله قد ذكر في «التعريف» عدّة وصايا ليست مما يكتب الآن، فأضربنا عن ذكر مقاصدها هنا: لتورد برمّتها في الكلام على ما يكتب في متن التقاليد والتواقيع ونحوها، مع النسخ التي تورد هناك على صورة ما أوردها، لينسج على منوالها إن أمر بكتابة شيء منها.