الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليعتمد هذا المرسوم الشريف كلّ واقف عليه، ويعمل بحسبه وبمقتضاه، بعد الخط الشريف، إن شاء الله تعالى.
الضرب الثالث (من الولايات بالحضرة السلطانية بالديار المصرية- الوظائف الديوانية)
وهي على طبقتين:
الطبقة الأولى (أرباب التقاليد، في قطع الثلثين ممن يكتب له «الجناب العالي» وفيها وظيفتان)
الوظيفة الأولى (الوزارة، إذا كان متولّيها من أرباب الأقلام، كما هو الغالب)
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية نقلا عن «مسالك الأبصار» أن ربّها ثاني السلطان لو أنصف وعرف حقّه؛ إلا أنها لما حدثت عليها النيابة، تأخّرت وقعد بها مكانها حتّى صار المتحدّث فيها كناظر المال، لا يتعدّى الحديث فيه ولا يتّسع له في التصرّف مجال، ولا تمتد يده في الولاية والعزل لتطلّع السلطان إلى الإحاطة بجريان الأحوال في الولاية والعزل. وقد تقدّم ذكر ألقابه مستوفاة في الكلام على مقدّمة الولايات في الطّرف الأوّل من هذا الفصل والكلام على طرّة تقليده في الكلام على التقاليد.
وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب بها للصاحب «بهاء الدين بن حنّا» «1» ، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، وهي:
الحمد لله الذي وهب لهذه الدولة القاهرة من لدنه وليّا، وجعل مكان
سرّها وشدّ أزرها عليّا، ورضي لها من لم يزل عند ربّه مرضيّا.
نحمده على لطفه الذي أمسى بنا حفيّا، ونشكره على أن جعل دولتنا جنّة أورث تدبيرها من عباده من كان تقيّا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نسبّح بها بكرة وعشيّا، ونصلّي على سيدنا محمد الذي آتاه الله الكتاب وجعله نبيّا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة نتّبع بها صراطا سويّا.
وبعد، فإنّ أولى ما تنغّمت ألسنة الأقلام بتلاوة سوره، وتنعّمت أفواه المحابر بالاستمداد لتسطير سيره، وتناجت الكرام الكاتبون بشكر مجمله ومفصّله، وتناشدت الرّواة بحسن لسنه وترنّمت الحداة بطيب غزله، وتهادت الأقاليم تحف معجّله ومؤجّله، وعنت وجوه المهارق «1» لصعود كلمه الطيّب ورفع صالح عمله- ما كان فيه شكر لنعمة تمنّها على الدولة سعادة جدودها وحظوظها، وإفادة مصونها ومحفوظها، وإرادة مرموقها بحسن الاستيداع وملحوظها، وحمد لمنحة أفاءتها بركات أحسنت للمملكة الشريفة مآلا، وقرّبت لها منالا، وأصلحت لها أحوالا، وكاثرت مدد البحر فكلّما أجرى ذاك ماء أجرت هي مالا؛ وإن ضنّت السّحب أنشأت هي سحبا، وإن قيل- بشحّ سيحنا «2» -:
رونق الأرض ذهب، عوّضت عنه ذهبا؛ كم لها في الوجود من كرم وكرامة، وفي الوجوه من وسوم ووسامة، كم أحيت مهجا، وكم جعلت للدولة من أمرها مخرجا، وكم وسّعت أملا، وكم تركت صدر الحزن سهلا، وكم تركت صدر الخزائن ضيّقا حرجا، كم استخدمت جيش تهجّد في بطن الليل، وجيش جهاد على ظهور الخيل، وكم أنفقت في واقف في قلب بين صفوف الحروب، وفي واقف في صفوف المساجد من أصحاب القلوب؛ كم سبيل يسّرت، وسعود كثّرت، وكم مخاوف أدبرت حين درّت، وكم آثار في البلاد والعباد آثرت وأثرّت، وكم وافت ووفّت، وكم كفت وكفّت، وكم أعفت وعفت وعفّت، وكم
بها موازين للأولياء ثقلت وموازين للأعداء خفّت، كم أجرت من وقوف، وكم عرفت بمعروف؛ كم بيوت عبادة صاحب هذه البركات هو محرابها، وسماء جود هو سحابها ومدينة علم هو بابها؛ تثني الليالي على تغليسه إلى المساجد في الحنادس «1» ، والأيام على تهجيره لعيادة الفقراء وحضور الجنائز وزيارة القبور الدّوارس؛ يكتنّ تحت جناح عدله الظاعن والمقيم، وتشكر مبارّه يثرب وزمزم ومكّة والحطيم؛ كم عمّت سنن تفقّداته ونوافله، وكم مرّت صدقاته بالوادي- فسّح الله في مدّته- فأثنت عليه رماله، وبالنادي فأثنت عليه أرامله؛ ما زار الشام إلا أغناه عن منّة المطر، ولا صحب سلطانه في سفر إلا قال: نعم الصاحب في السّفر والحضر.
ولما كان المنفرد بهذه البركات هو واحد الوجود، ومن لا يشاركه في المزايا شريك وإنّ الليالي بإيجاد مثله غير ولود، وهو الذي لو لم نسمّه قال سامع هذه المناقب: هذا الموصوف، عند الله وعند خلقه معروف، وهذا الممدوح، بأكثر من هذه الممادح والمحامد من ربه ممدوح وممنوح، وهذا المنعوت بذلك، قد نعتته بأكثر من هذه النّعوت الملائك؛ وإنما نذكر نعوته التذاذا، فلا يعتقد خاطب ولا كاتب أنه وفّى جلالته بعض حقّها فإنه أشرف من هذا؛ وإذا كان لا بدّ للممادح أن تجول، وللقلم أن يقول، فتلك بركات المجلس العاليّ، الصاحبيّ، السيّديّ، الورعيّ، الزاهديّ، العابديّ، الوالديّ، الذّخريّ، الكفيليّ، الممهّدي، المشيّديّ، العونيّ، القواميّ، النّظاميّ، الأفضليّ، الأشرفيّ، العالميّ، العادليّ، البهائيّ، سيد الوزراء في العالمين، كهف العابدين، ملجأ الصالحين، شرف الأولياء المتّقين، مدبّر الدول، سداد الثّغور، صلاح الممالك، قدوة الملوك والسلاطين، يمين أمير المؤمنين، عليّ بن
محمد: أدام الله جلاله. من تشرف الأقاليم بحياطة قلمه المبارك، والتقاليد بتجديد تنفيذه الذي لا يساهم فيه ولا يشارك؛ فما جدّد منها إنما هو بمثابة آيات فتردّد، أو بمنزلة سجلات في كل حين بها يحكم وفيها يشهد؛ حتى تتناقل ثبوته الأيام والليالي، ولا يخلو جيد دولة من أنه يكون الحالي بما له من فاخر اللآلي.
فلذلك خرج الأمر العالي- لا برح يكسب بهاء الدين المحمديّ أتمّ الأنوار، ولا برحت مراسمه تزهو من قلم منفّذه بذي الفقر وذي الفقار- أن يضمّن هذا التقليد الشريف بالوزارة التامة، العامّة، الشاملة، الكاملة: من المآثر الشريفة الصاحبية، البهائية، أحسن التضمين، وأن ينشر منها ما يتلقّى رايته كلّ ربّ سيف وقلم باليمين، وأن يعلم كافّة الناس ومن تضمّه طاعة هذه الدولة وملكها وسلكها من ملك وأمير، وكلّ مدينة ذات منبر وسرير، وكلّ من جمعته الأقاليم من نوّاب سلطنة، وذي طاعة مذعنة، وأصحاب عقد وحلّ، وظعن وحلّ، وذي جنود وحشود، ورافعي أعلام وبنود، وكلّ راع ورعية، وكل من ينظر في الأمور الشرعية، وكلّ صاحب علم وتدريس، وتهليل وتقديس، وكلّ من يدخل في حكم هذه الدولة الغالبة من شموسها المضيئة، وبدورها المنيرة وشهبها الثاقبة، في الممالك المصريّة، والنّوبيّة، والساحليّة، والكركيّة، والشّوبكيّة، والشاميّة، والحلبية، وما يتداخل بين ذلك، من ثغور وحصون وممالك- أنّ القلم المبارك الصاحبيّ البهائيّ في جميع هذه الممالك مبسوط، وأمر تدبيرها به منوط، ورعاية شفقته لها تحوط؛ وله النظر في أحوالها، وأموالها، وإليه أمر قوانينها، ودواوينها، وكتّابها، وحسّابها، ومراتبها، ورواتبها، وتصريفها، ومصروفها، وإليه التولية والصّرف، وإلى تقدّمه البدل والنعت والتوكيد والعطف؛ فهو صاحب الرّتبة التي لا يحلّها سواه وسوى من هو مرتضيه، من السادة الوزراء بنيه، وما سمّينا غيره وغيرهم بالصّحوبية «1» فليحذر
من يخاطب غيره وغيرهم بها أو يسمّيه؛ فكما كان والدنا الشهيد رحمه الله يخاطبه بالوالد قد خاطبناه بذلك وخطبناه، وما عدلنا عن ذلك بل عدلنا لأنه ما ظلم من أشبه أباه؛ فمنزلته لا تسامى ولا تسام، ومكانته لا ترامى ولا ترام؛ فمن قدح في سيادته من حسّاده زناد قدح أحرق بشرر شرّه، ومن ركب إلى جلالته، ثبج سوء أغرق في بحره، ومن فتل لسعادته، حبل كيد فإنما فتله مبرمه لنحره؛ فلتلزم الألسنة والأقلام والأقدام في خدمته أحسن الآداب، وليقل المتردّدون:
حطّة «1» إذا دخلوا الباب؛ ولا يغرّنهم فرط تواضعه لدينه وتقواه، فمن تأدّب معه تأدّب معنا ومن تأدّب معنا تأدّب مع الله. وليتل هذا التقليد على رؤوس الأشهاد، وتنسخ نسخته حتّى تتناقلها الأمصار والبلاد؛ فهو حجّتنا على من سمّيناه خصوصا ومن يدخل في ذلك بطريق العموم، فليعملوا فيه بالنص والقياس والاستنباط والمفهوم؛ والله يزيد المجلس الصاحبيّ الوزيريّ البهائيّ سيد الوزراء من فضله، ويبقيه لغاب هذه الدولة يصونه لشبله كما صانه لأسده من قبله، ويمتّع بنيته الصالحة التي يحسن بها- إن شاء الله- نماء الفرع كما حسن نماء أصله، بمنّه وكرمه! وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب تاج الدين «2» محمد بن فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين علي بن حنّا، في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين وستّمائة، من إنشاء المولى شهاب الدين محمود الحلبيّ، تغمده الله برحمته، وهي:
الحمد لله مكمّل شرف الوزارة بطلعة تاجها، ومشرّف قدرها بمن تشرق عليها أشعّة سعده إشراق الكواكب على أبراجها، ورافع لواء مجدها بمن تلقّته
بعد الجفاء في حلل سرورها وحليّ ابتهاجها، وتحلّت بعد العطل من جواهر مفاخره بما تتزيّن عقود السّعود بازدواجها، وترفل من انتسابها إلى أبّهة بهائه بما يودّ ذهب الأصيل لو امتزج بسلوك انتساجها، الذي شيّد قواعد هذه المرتبة السنيّة في أيّامنا وجدّدها، وبعث لها على فترة من الأكفاء من حسم الأدواء فكان مسيحها وشرع المعدلة فكان محمّدها، وردّها بحكم الاستحقاق إلى من لا يختلف في أنه صاحبها، ورجعها إلى من خطبته لنفسها بعد أن أحجم لشرف قدرها خاطبها.
نحمده على أن شدّ أزر ملكنا بأكرم وزير، وأيمن مشير، وأجلّ من ينتهي إلى بيت كريم، وحسب صميم، ومن إذا قال لسان ملكنا: ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي
«1» قالت كفايته: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
«2» ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نقرّ بها سرّا وعلنا، ونقرّ بها هذه العقيلة الجليلة عند من يكسوها مجده رفعة وسنا، ويلبس جفن الدّهر عنها وسنا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله المخصوص بكل صاحب شهد الكتاب والسّنّة بفضله، وقام بعضهم بحسن مؤازرته مقام من شدّ الله به عضد من سأله وزيرا من أهله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تغرب شمسها، ولا يعزب أنسها، ولا يتفاوت في المحافظة عليها غدها وأمسها، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنّ أولى من خطبت بحمده الأقلام، وافتتحت به الدولة التي ابتسمت بنسيمها ثغور الأيام، وودّت مسكة الليل لو مازجت أنفاسه، وأمّل بياض النهار لو أخذ من غير سمة عوض ورق الورق قرطاسه، وتحاشدت النجوم
لتنتسق في سلك معانيه وطارت بذكره في الآفاق أنباء السّعود، وحكمت الجدود بأنه في اقتبال إقباله نهاية الآباء وغاية الجدود، وافترّت به ثغور الممالك عن أحسن الدّرّ النّضيد، وسرت بذكره رفاق الآفاق ففي كلّ ناد مناد وفي كلّ برّ بريد، واختالت به أعطاف الدولة القاهرة فأوت من الرأي السّديد إلى كلّ ركن شديد، ونطق به العدل والحقّ فخرس الظّلم وما يبديء الباطل وما يعيد، وجرت به أقدار ذوي الرّتب على أجمل مناهجها فأمّا أهل العدل فيقرّبون نجيّا وأما أهل الظّلم فاولئك ينادون من مكان بعيد، وبدت به وجوه المصالح سافرة بعد الحجاب، بارزة بعد طول الانتقال إلى الانتقاب، داخلة بوفود المحامد من كلّ باب، إلا الظّلم فإنه بحمد الله قد سدّ ذلك الباب. وأقرّ منصب الوزارة الشريفة أنّا أعدنا به الحقّ إلى نصابه، ورددناه إلى من هو أولى به بعد اغتصابه، وألبسناه من بهجة أيّامنا تاجا ردّ عليه عزّا لا تطمع يد الذّهب في انتزاعه عنه ولا استلابه، وتقليده لمن يودّ الفرقد لو عقد به إكليله؛ ويتمّنى الطّرف لو أدرك غاية مجده وإن رجع وهو حسير البصر كليله، وتفويض ذلك إلى من كان له وهو في يد غيره، ومن به وببيته تمهّدت قواعده فما كان فيه من خير فهو من سيرتهم وما كان من شرّ فمن قبل المقصّر من عثارهم في سيره؛ وما أحدث فيه من ظلم فهو منه براء إذ إثم ذلك على من اجترأ عليه، وما أجري به من معروف فإلى طريقهم منسوب وإن تلبّس منه بما لم يعط من نسب إليه؛ وما خلا منهم هذا الدّست الكريم إلا وهم بالأولويّة في صدره الجلوس، ولا تصدّى غيرهم لتعاطيه إلا وأقبلت عليه في أيّامه الجسوم وعلية النّفوس.
ولذلك لمّا كانت هذه الدولة القاهرة مفتتحة بالبركات أيّامها، ماضية بكفّ الظلم ونشر العدل سيوفها وأقلامها، مستهلّة بالأرزاق سحب فضلها التي لا يقلع غمامها- اقتضت الآراء الشريفة اختيار خير صاحب يعين على الحق بآرائه، ويجمّل الدّست ببهجته وروائه، ويجري الأرزاق بوجه لو تأمّله امرؤ ظاميء الجوانح لارتوى من مائه؛ وكان المجلس العاليّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، التاجيّ: أدام الله تعالى نعمته، ورحم سلفه، هو المخطوب لفضله،
والمطلوب لهذا الدّست الذي تعين له دون الأكفاء وإن لم يكن غير أهله من أهله، وما زال يتشوّف إليه تشوّف البروج إلى نجوم السّعود، ويتطلّع إلى محيّاه الذي هو كنور الشمس في الدّنوّ وكمحلّها في الصّعود، وما زالت الأدعية الصالحة ترتفع في أيامه لمالك عصره، والآراء تقام منها جنود لتأييده وحشود لنصره، والأموال تحمل منها إلى خزائنه بأشبه بموج البحر في الحضر دون حصره.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- ضاعف الله مواهبه العميمة، وكمّل جلال دولته بتفويض أمورها إلى ذوي الأصول العريقة والبيوت القديمة- أن تحلّى منه هذه الرتبة العلية بما حلّى به الدّين، وتعقد له راية فضلها المتين، ليتلقّاها شرقا وغربا، وبعدا وقربا؛ وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا، ويحلّى حلاه علم وعلم، وسيف وقلم، ومنبر وسرير، ومأمور وأمير.
فليتلقّ أمره بالطاعة كلّ مؤتمر بأمرنا الشريف، جار في طاعتنا المفروضة بين بيان التقليد وعنان التصريف، وليبادر إلى تدبير أمور الأقاليم بأقلامه المباركة، ويمض القواعد على ما تراه آراؤه المنزّهة عن المنازعة في الأمر والمشاركة، ولينشر كلمة العدل التي أمر الله بإضافة الإحسان إليها، ويمت بدع الظلم فإنّ الله يشكره على تلك الإماتة ويحمده عليها، ويسهّل رزق الصدقات، ووظائف القربات، فإن ذلك من أجلّ ما قدّمته [الطائفة]«1» الصالحة بين يديها، وليكثر بذلك جنود الليل فإنها لا تطيش سهامها، ويتوقّ من محاربتها بظلم فإنّه لا يداوى بالرّقى سمامها، وليعوّذ بتمائم التيسير مواهبنا فإنّ تمام النعمة تمائمها، وليطلق قلمه في البسط والقبض وليعد بتدبيره على هذا المنصب الشريف بهجته، ويتدارك بآرائه ذماءه وبدوائه مهجته، ويصن عن شوائب الظّلم حرمته، ويخلّص ذمّتنا من المآثم وذمّته، وليعلم أنّ أمور المملكة الشريفة منوطة بآرائه
وأحكامه، مضبوطة بأقواله وأقلامه؛ فليجعل فكره مرآة تجلو عليه صورها، ويقم آراءه صحفا تتلو لديه سورها، ويأمر النوّاب بما يراه من مصالحنا ليلبّوه سامعين، ويسهر جفنه في مصالح البلاد والعباد لترقد الرّعايا في مهاد الأمن وادعين؛ ويعضّد الشريعة المطهّرة بتنفيذ أحكامها، وإعلاء أعلامها، وإظهار أنوارها، وإقامة ما رفعه الله من منارها؛ ولا يعدل في أمور مباشرتها بالممالك الشريفة عن آرائه، ولا يمضي فيها عزلا ولا ولاية إلا بعد تتبّعه الواجب في ذلك واستقرائه، وهو أعلم بما يجب لهذه الرّتبة من قواعد إليه يرجع في أوضاعها، وعليه يعوّل في اصطلاحها لانفرادها فيه واجتماعها؛ فليفعل في ذلك ما هو عليه بحسن الثناء جدير، وليعتصم بالله في أموره فإنّه نعم المولى ونعم النصير، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة تقليد بالوزارة، كتب به للصاحب ضياء الدين بالاستمرار على الوزارة، من إنشاء الشيخ شهاب الدين محمود الحلبيّ:
الحمد لله الذي شدّ أزر ملكنا الشريف، بمن أضاء في أفق الدّين علمه، وشيّد قواعد عدلنا المنيف، بمن أعلت منار الحق آياته في أحكام الممالك وحلمه، ووطّد أركان دولتنا القاهرة بمن يفعل في نكاية أعداء الله فعل الحرب العوان سلمه، وأجرى الأرزاق في أيّامنا الزاهرة على يد من كفّت أقلامه كفّ الحوادث فلا عدوان تغشى ظلمه ولا عاد يخشى ظلمه، وصان ممالكنا المحروسة بآراء من إن صرف إلى نكاية أعداء الله حدّ يراعه لم ينب موقعه ولم يعف كلمه، وإن صرفه في حماية ثغر لم يشم «1» برقه ولم يدق بالوهم ظلمه، وإن حمى جانب إقليم عزّ على الأيام ثلّ عروش ما حماه وشمه، وإن أرهفه لذبّ
عن دين الله راعت عدوّ الدين منه يقظته وسلّه عليه حلمه.
نحمده على نعمه التي زانت أسنى مناصب الدنيا في أيّامنا الزاهرة بضياء الدّين، وأعلت أقدار الرّتب العليا بتصرّفها بآراء من أصبح علمه علما للمتقين وعمله سننا للمقتدين، وفجّرت ينابيع الأرزاق في دولتنا القاهرة بيد من أغنى بيدنا المعتفين وقمع بمهابتنا المعتدين.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعاد يمنها على سمع المنابر من نعوتنا ما فقد، وأطفأ إعلانها عن حملتها لهب العناد وقد وقد «1» ، وفوّض اعتناؤنا بمصالح أهلها أمورهم إلى أكمل من انتقى لنا التأييد من ذخائر العلماء وأفضل من انتقد، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا الله للذّبّ عن أمّته، وجلا بنور جهادنا لأعدائه عن قلب كل مؤمن ما أظلّه من غمّه وران عليه من غمّته، وعضّدنا من أئمة ملّته بمن أردنا مصالح العباد والبلاد في إلقاء كلّ أمر إليه بأزمّته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين منهم من فاز بسبقه، وحاز بتصديقه قدم صدقه، واختصّه الله بمؤازرة نبيّه دون من اجتباه من خلقه؛ ومنهم من كان الشيطان ينكّب عن طرقه، ونطق من الصواب بما نزل الذّكر الحكيم على وفقه، وسمّي الفاروق لتمييزه بين الحقّ والباطل وفرقه، ومنهم من قابل المعتدين برفقه وقتل شهيدا على حقّه، وكانت ملائكة الرحمن تستحيي من خلقه الكريم وكرم خلقه، ومنهم من طلع لامع نور الإيمان من أفقه، وكان سيفه من كل ملحد في دين الله بمثابة قلادة عنقه، وطلّق الدنيا تورّعا عنها وبيده مفاتيح ما بسط الله للّامّة من رزقه، صلاة يقيم الإيمان، فرضها، ويملأ بها الإيقان، طول البسيطة وعرضها، وتزيّن كواكب ذكرها ومواكب نصرها سماء الدنيا وأرضها، وسلّم تسليما كثيرا.
أما بعد، فإنّ أولى من رقمت لأعطاف فضله حلل الكلام، ونظمت لأجياد
ذكره فرائد المعاني المستخرجة من بحار الفكر على ألسنة الأقلام، ووشّحت التقاليد من مناقبه بما هو أحسن من اتّساق الدّراريّ على هالات البدور، وجلّي على المسامع مفاخره بما هو أبهى من النّور في العيون، وأحلى من الأمن في القلوب، وأوقع من الشّفاء في الصّدور، وأطلع في أفق الطروس من أوصافه شمس أسفر بأنواع العلوم ضياؤها، وأنشئت في أثناء السطور من نعت مآثره سحب إذا قابلتها وجوه الحيا سترها بحمرة البرق حياؤها، وأودعت المهارق من ذكر خلاله لطفا يودّ ذهب الأصيل لو ناب عن أنفسها، ومنحت صدور المعاني من معاليه طرفا تتمنّى الرياض العواطر لو تلقّت عن أنفاسها- من سمت الوزارة باستقرارها منه في معدن الفضائل، واتّسمت منه بالصاحب الذي أعادت أيّامه ما فقد من محاسن السّير الأوائل، وابتسمت من علومه بالعلّامة الذي تتفرّع من أحكامه أحكام الفروع وتتفجّر من تواقيعه عيون المسائل، واتّصفت من معدلته بالمنصف الذي هجر في أيّامه هجير الحيف والظّلم فالأوقات في أيامه المباركة كلّها أسحار وأصائل، وابتهجت من إنصافه بالعادل الذي سهّل على ذوي المطالب حجاب بابه فلا يحتاج أن يطرق بالشّفاعات ولا أن يستفتح بالوسائل، وأشرقت من مفاخره بالكامل الذي حسنت به حلل الثناء فكأنها ابتسام ثغور النّور في أثناء الخمائل؛ فالعدل في أيّامه كالإحسان شامل، والمعروف بأقلامه كالسّحب المتكفّلة بريّ الأرض الهامل، والظلم والإنصاف مفترقان منه بين العدم والوجود فلا يرى بهذا آمرا ولا يردّ عن هذا آمل؛ قد أعطى دست الوزارة الشريفة حقّه: فالأقدار بآياته مرفوعة، والمضارّ بمعدلته مدفوعة، وكلمة المظلوم بإنصاف إنصاته مسموعة، وأسباب الخيرات بحسن نيّته لنيّته الحسنة مجموعة، والأقاليم بكلاءة أقلامه محوطة، وأحوال المملكة بآرائه المشتملة على مصالحها منوطة، والثّغور بحسن تفقّده مفترّة المباسم، مصونة بإزاحة الأعذار عن مرّ الرّياح النّواسم، آهلة النّواحي بموالاة الحمول التي لا تزال عيسها بإدامة السّرى دامية المناسم، والبلاد بما نشرت أقلامه من العدل معمورة، والرّعايا بما بسطت يد إحسانه من الإحسان مغمورة، وأرباب التصرّف بما تقتضيه أقلامه عن الحيف
منهيّة وبالرّفق مأمورة، والأيدي بالأدعية الصالحة لأيّامنا الزاهرة مرتفعة، والرعيّة لتقلّبها في مهاد الأمن والدّعة بالعيش منتفعة، وبيوت الأموال آهلة، على كثرة الإنفاق، والغلال متواصلة، مع التوفّر على عمارة البلاد، والحمول متوالية مع أمن من صدرت عنهم على ما في أيديهم من الطّوارف والتّلاد، والأمور بالتيقّظ لها على سعة الممالك مضبوطة، والنّفوس بالأمن على ما هي عليه من التملّي بالنّعم مغبوطة، والمناصب مصونة بأكفائها، والمراتب آهلة بالأعيان الذين تنبّهت لهم في أيّامه عيون الحظّ بعد إغفائها، ومجالس المعدلة حالية، بأحكام سيرته المنصفة، ومواطن العلم عالية، بما يملى فيها من فوائده التي أتعب ألسنة الأقلام ما فيها من صفة.
ولما كان الجناب العاليّ، الصاحبيّ، الوزيريّ، الضّيائيّ، وزير الممالك الشريفة، هو الذي كرمت به مناسبها، وعظمت بالانتماء إليه مناصبها، وتحلّت بعلمه معاطفها، ونزلت على حكم حلمه عوارف برّها العميمة وعواطفها، وزهت بجواهر فضائله أجيادها، واستوت في ملابس حلل المسرّة أيامّها الزاهية وأعيادها، وأنارت بمعدلته لياليها، وأشرقت بالانتظام في سخاب «1» إيالته لآليها؛ فكم من أقاليم صان قلمه أموالها، وممالك حلّى عدله أحوالها، وبلاد أعان تدبيره السّحب على ريّها، وأعمال أبان عن استغنائها بتأثيره عن منّة الحيا حسن مسموعها ومرئيّها، وأرزاق أدرّها، ورزق أجراها على قواعد الإحسان وأقرّها، وجهات برّ أعان واقفيها عليها، وأسباب خير جعل أيّامنا بإدامة فتحها السابقة إليها، وقدم سعاية أزالها وأزلّها، وكلمة حادثة أذالها وأذلّها، ووجوه مضرّة ردّها بيد المعدلة وصدّها، وأبواب ظلم لا طاقة للرعيّة بسلوكها أغلقها بيمنى يمنه وسدّها؛ فدأبه أن يسدّد إلى مقاتل العدا باتخاذ اليد عند الفقراء سهام
الليل «1» التي لا تصدّها الدّروع، وأن يجدّد لأوليائنا من عوارف آلائنا أخلاف برّ تروي الآمال وهي حافلة الضروع- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيّن بمجده غرر التقاليد، ونجدّد إليه في أمور وزارتنا الشريفة إلقاء المقاليد، وأن نوشّي الطروس من أوصافه بما يجدّد على أعطافها الحبر، ونردّد على ألسنة الأقاليم من نعوته ما لا تملّ المسامع إيراد الخبر منه بعد الخبر.
فلذلك رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السّلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ- لا زال الدّين في أيامه الشريفة مشرقا ضياؤه، آهلة باعتلائه مرابع الوجود وأحياؤه، ممدودة على الأمة ظلاله الوارفة وأفياؤه- أن يجدّد هذا التقليد باستقراره تجديدا لا يبلي الدهر حلله، ولا تقوّض الأيام حلله «2» ، بل يشرق في أفق الممالك إشراق النجوم الثّوابت، ويتفرّع في مصالح الملك تفرّع الأفنان الناشئة في الأصول النّوابت، وتختال به مناصب الدولة القاهرة في أسنى ملابسها، وتضيء به مواطن العلوم إضاءة صباحة المصباح في يد قابسها، وتسترفع لنا به الأدعية الصالحة من كلّ لسان، وتجتلى به لأيامنا الزاهرة من كل أفق وجوه الشّكر الحسان.
فلتجر أقلامه في مصالح دولتنا الشريفة على أفضل عادتها، ويرسلها في نشر العدل على سجيّتها وفي إجراء الجود على جادّتها، ويكفّ بها أكفّ الحوادث فإنما تزال أسباب الظلم بحسم مادّتها، ولينطقها في مصالح الأموال بما تظلّ له مسامع الحمول مصغية، ويطلقها في عمارة البلاد بما تغدو له ألسنة الخصب حافظة ولما عداه ملغية؛ وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه، وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملّة مصونه؛ فليجعلها بتدبيره كالبحار التي لا تنقص بكثرة الورّاد جمامها، ولا تنزحها السّحب لكثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها، ولتكن كلمة العدل من أهمّ
ما تفتتح به مجالسه، وآكد ما يؤمر به محاضره من الأولياء ومجالسه، وأزكى ما يستجيد به لاستمثار الدعاء الصالح مغارسه، وأوثق ما يحوط به حمى الملك الذي إذا غفا جفن عينه كان حارسه، وأوّل ما ينبغي أن ينافس عليه حاضر دسته وغائبه، وأولى ما يعدّ على إهماله نكاله ويعدّ على إقامته رغائبه.
وليلاحظ من مصالح كلّ إقليم ما كأنّه ينظر إليه بعين قلبه، ويمثّل صورته في مرآة لبّه، فيقرّ كلّ أمر على ما يراه من سداده، ويقرّر حال كلّ ثغر على ما يحصل به المراد في سداده، فيغدو لأعذاره بموالاة الحمول إليه مزيحا، ويمسي بسدّ خلله لخواطر أهل الكفر متعبا ولخواطرنا الشريفة مريحا، وينظر في أحوال من به من الجند والرجال بما يؤكّد الطاعة عليهم، ويجدّد الاستطاعة لديهم، ويزيل أعذارهم واعتذارهم [بوصول حقوقهم إليهم، ويوفّرهم على إعداد الأهبة للأعداء]«1» إذا أتوهم من فورهم، ويكفّهم بإدار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم، ويتفقّد من أحوال مباشريها وولاة الحكم والتحكّم فيها ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة، والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرّعايا كثيرة، ويتعاهد أمور الرتب الدينيّة فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب، ولا تغدو أوقافها المعدّة لاكتساب العلوم في المكاسب، بل يتعين أن يرتاد لها العلماء الأعيان حيث حلّوا، ويقرّر في رتبها الأئمّة الأكفاء وإلا اتخذ الناس رؤوسا جهّالا فضلّوا وأضلّوا. ولتكن أقلامه على كلّ ما جرت به العوائد في ذلك محتوية، وأيامه على أكمل القواعد في ذلك وغيره منطوية، فما ثمّ شيء من قواعد الوزارة الشريفة خارج عن حكمه فليكتب يمتثل، وليقل في مصالح دولتنا القاهرة يكن قوله أمضى من الظّبا وأسرى من الصّبا وأسير من المثل؛ فلا تمضى في ذلك ولاية ولا عزل، ولا منع ولا بذل، ولا عقد ولا حلّ، إلا وهو معدوق بآرائه، متوقّف على تنفيذه وإمضائه، متلقّى
ما يقرّر فيه من تلقائه، وفي الاكتفاء بسيرته ما يغني عن إطرائه، إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة تقليد بالوزارة:
الحمد لله الذي شدّ لدولتنا القاهرة باصطفاء أشرف الوزراء أزرا، وخصّ أيّامنا الزاهرة باجتباء من حماها عدله أن تضع أو تحمل وزرا، وأفاض إنعامنا على من طلع في أفق خدمتنا هلالا واستقلّ بحسن السّير والسّيرة بدرا، وضاعف إحساننا لمن لا نرفعه إلى رتبة شرف إلا وكان أجلّ الأكفاء على ذلك قدرة وقدرا، وجمّل ملكنا بمن إذا افتخرت الدّول ببعض مناقبه كفاها ذلك جلالا وفخرا، وإذا ادّخرت تدبيره وبذلت ما عداه فحسبها ما أبقته وقاية للملك وذخرا، وبسط عدلنا في الأقاليم بيد من حين أمرنا القلم بتقليده ذلك سجد في الطّرس شكرا؛ وافتتح بحمد الله يذكّر النعمة به على آلائه إنّ في ذلك لذكرى، وأخذ في وصف درر مفاخره التي تمثّلت له فنضّدها دون أن يستدعي رويّة أو يعمل فكرا.
نحمده حمد من والى إلى أوليائه، موادّ النّعم، وأضفى على أصفيائه، ملابس الكرم، وحفظ لمن أخلص في طاعته معارف معروفه التي هي في أهل النّهى ذمم، ونبّه لمصالح رعاياه من عمّ عدله وإن لم يغف عن ملاحظة أمورهم ولم ينم.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نعلنها ونعليها، ونرخص أرواح جاحديها ونغليها، ونوالي النّعم على المتمسّك بها ونوليها، ونقرّب بيمنها رتب الأولياء من إحساننا وندنيها، ونجدّد لهم بتأييدها ملابس المنن نظهر عليهم آثار النّعم السنية فيها، ونرفعهم بحسن عنايتنا إلى أشرف غاية كانوا يسرّون أهليّتهم لها والله يبديها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله الذي أقامنا لنصر دينه فقمنا به كما أمر، وأبقى على أيّامنا حكم أيّامه فاستمرّ الحال على ما
سبقت به دعوته من تأييد الدين بعمر، وخصّنا ممن ينتمي إلى أصحابه بأجلّ صاحب ينوب عن شمس عدلنا في محو ظلمة الظّلم مناب القمر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الزّهر الغرر، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى من اختيرت جواهر الكلام لرصف مفاخره، وانتخبت غرر المعاني لوصف آثاره في مصالح الإسلام ومآثره، وقامت خطباء الأقلام على منابر الأنامل بشيرة بيمن أيّامه، وتطلّعت مقل الكواكب مشيرة إلى ما أقبل على الأقاليم من إقباله وسحّت سحب أقلامه، وتبرّجت زهر النجوم لينتظم في عقود مناقبه سعودها، وتأرّجت أرجاء المهارق إذ تبلّج من ليل عن فجر عمودها، وسارت به أنباء السّعود والقلم الناطق بذكره وهو المحلّق الميمون طائره، والطّرس الموشّع بشكره وهو المخلق الذي تملأ الدنيا بشائره- من استخلصته الدولة القاهرة لنفسها فتملّاها عينا وسرّ بها قلبا، واختصّته بخواصها الشريفة فرحب بها صدرا ولبّاها لبّا، وكلف بمؤازرتها بذاتها حتّى قيل: هذه تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا
»
وأحلّته من وزارتها الشريفة بالمكان الأسنى والحرم الحريز، وأثنت على فضله الأسمى بلسان الكرم البسيط الوجيز، واعتمدت في أمور رعاياها على ما فيه من عدل وورع لا ينكر وجودهما من مثله وهو في الحقيقة عمر بن عبد العزيز، وأدنته عنايتنا منّا لما فيه من فضل عميم، وحسب صميم، ونسب حديث مجده قديم، وأصالة إذا افتخرت يوما تميم بقومها قالت أين تميمك من جدّه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم، وغرسته لنفسها وطال ذلك الغرس وطاب الثّمر، واعتضدت بتدبيره فكان له عند أطراف العوالي في مكانه الأعزّ أظرف سمر، ووثقت بما فيه من عدل ومعرفة لا ينكر من نحا الصواب اجتماعهما في عمر، واشتقّت له بإحساننا من نسبته وصفا جميلا ونعتا جليلا، وخصّته لمزيّة ذلك الاشتقاق بمزيد قربنا فأمسى في خدمتنا جليلا وأصبح خليلا، ورعت له ما قد تمّ من تدبير أتى عليه بنفسه، وسداد ظهرت مزيّة
كل يوم منه على أمسه، وسعي جميل ما برح في مصالح الإسلام رائحا وغاديا، واجتهاد في أمور أهل الجهاد ما برح يداب فيه علما بما أعدّ الله لمن جهّز غازيا، ودان له من حسن ملاحظته الأمور ما ليس للوصف به من قبل، وتأملت ما يكشف له على البعد من المصالح التي يأمر بالصواب فيها وكيف لا وعمر الذي شاهد السّريّة على البعد من سارية الجبل، وأيقنت ببسط العدل في الرّعايا إذ هو مؤتمر والعادل آمر، وتحقّقت عمارة البلاد على يديه لأنّ عمر بحكم العدل عند الحقيقة عامر.
ولذلك لما كان المجلس العاليّ الفخريّ- ضاعف الله نعمته- هو الذي قرّبته طاعتنا نجيّا، ورفعته ولايتنا مكانا عليّا، وحقّق له اجتهاده في مصالح الإسلام الأمل من رضانا وكان عند ربّه مرضيّا، وأخلص في خدمة دولتنا الشريفة فاتّخذته لخاصّ الأمور وعامّتها صفيّا، وأظهر ما بطن من جميل اجتهاده فجعلته لمصالح الملك وزيرا وصاحبا ووليّا، وأنجزت منه لتدبير أمور الممالك ما كان الزّمن به ماطلا، وأجرت على يده التي هي مليّة بتصريف الأرزاق ما لا يبرح غمامه هاطلا، وقلّدته رعاية الأمور وأمور الرّعايا علما أنه لا يترك لله حقّا ولا يأخذ باطلا، وقلّدت جيده بأسنى حلى هذه الرتبة الجليلة، وإن لم يكن منها بحكم قربه منّا عاطلا، ورفعت له لواء عدل ما زال له بالمنى في أيّامنا الشريفة حاملا، وكمّلت له ببلوغ الغاية من أفق العلوّ رفعة قدره وما زال المؤهّل للكمال باعتبار ما يؤول إليه كاملا، ونوّهت بذكره وما كان لظهور مخايل هذا المنصب الجليل عليه في وقت خاملا، ونظرت الرعايا فما عدلت بهم عن برّ رفيق، وصاحب شفيق، ووزير عمريّ السيرة ما سلك طريقا إلا وعدل شيطان الظلم عن ذلك الطريق؛ وكان هذا المنصب الجليل غاية مدار الممالك عليها، وقبلة توجّه وجوه أهل الطاعة فيما يفاض عليهم من نعمنا إليها؛ وهو الذي يتدرّع صاحبه من أنواع الطاعات لبوسا، ويعالج من أدواء المهامّ ما بغير عزائمه لا يوسى، ويتردّد في المخالصة والمناصحة من مالك أمره بمنزلة هارون من موسى- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نفوّض ذلك إلى من نهض في طاعتنا الشريفة
بما يجب، وعلمنا تحرّزه لدينه ولنا فيما يأتي ويجتنب، ومن تزاد به مع فخره أيّامنا الشريفة فخرا، ويصبح له مع ماله من الجلالة في نفسه رتب جلالة أخرى.
ولهذا رسم بالأمر الشريف العاليّ، المولويّ، السلطانيّ، الملكيّ، الفلانيّ:- لا زال يصرّف الأقدار بيمين أيّامه، ويشرّف الأقدار ببرّه وإنعامه، ويدرّ على الأولياء وابل جوده الذي تخجل الدّيم من دوامه- أن تفوّض إليه الوزارة الشريفة الكاملة على جميع الممالك الإسلامية: شرقا وغربا، وبعدا وقربا، وبرّا وبحرا، وشاما ومصرا، على أجمل القواعد في ذلك وأكملها، وأسنى الفوائد وأفضلها، وأتمّ الأحوال التي يستغنى بمجملها عن مفصّلها.
فليعط هذه الرتبة من جلالته حظّا كانت من إبطائه على وجل، ويجار الغمائم بوابل إنعامنا الذي يعلم به أن حمرة البرق في أثنائه خجل، ويطلق قلمه في مصالح الدولة القاهرة بسطا وقبضا، وإبراما ونقضا، وتدبيرا يعين النّيل والغمام على تتبّع المحل ما وجد كلّ منهما أرضا، ويعمل آراءه المباركة تدبيرا للمناجح وتدريبا، وتقريرا للقواعد وتقريبا، ونظرا يجعل لكلّ عمل من ملاحظته نصيبا، وفكرا يحاسب به على حقوق الله وحقوق خلقه فإنّ الله هو المناقش على ذلك وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً*
«1» ويبدأ بالعدل الذي رسم الله به وبالإحسان في ملكنا الشريف، ويخفّف- مع الجمع بين المصالح- عن خلق الله الوطأة فإنّ الإنسان ضعيف، وينجز لأولياء دولتنا موادّ الأرزاق فإنّ سيف المنع الذي نحاشي أيّامنا عن تجريده أقلّ نكاية من التسويف، ويمنع الولاة من ظلم الرعايا باعتبار أحوالهم دون أقوالهم فإنّ منهم من يدّعي العدل ويجور ويظهر الرّفق ويحيف؛ وليتتبّع أدواء المحل تتبّع طبيب خبير، ويصرّف الأمور بجميل تدبيره فإنّ البركة معدوقة بحسن
التدبير، ويستقبل ريّ البلاد- إن شاء الله تعالى- بسداد حزم يغتفر به هذا القليل لذلك الكثير، ويستخلف بالرّفق والعدل أضعاف ما فات في أمسه فإنّ ذلك على الله يسير، وليهتمّ ببيوت الأموال فيوالي إتيان الحمول إليها من أبوابها، ويضاعف بها الحواصل التي لا يطّلع بغير حسن التدبير على أسبابها؛ فإنّها معادن الذخائر وموارد الرجال، وإذا أعدّ منها جبالا شوامخ تلا إنفاقنا في سبيل الله:
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ
«1» وكذلك الخزائن التي هي معاقل الإسلام وحصونه، وحماه الذي لا يبتذل بغير أمرنا الشريف في مصالح الملك والملة مصونه، فيجعلها بتدبيره الجميل كالبحار التي لا تنقص بكثرة الورّاد جمامها، ولا تنزحها السّحب على كثرة ما تحمل إلى الآفاق غمامها، وليلاحظ من مصالح كلّ إقليم بما تمثّله له على البعد أفكاره، ويأمر في أحوال من به من الجند بما يؤكّد الطاعة عليهم، ويجدّد الاستطاعة لديهم، ويزيح أعذارهم واعتذارهم بوصول حقوقهم إليهم، ويوفّرهم على إعداد الأهبة للأعداء إذا أتوهم من فورهم، ويكفّهم بإدرار الأرزاق عليهم عن اعتدائهم على الرعايا وجورهم، ويجعل ثغور كل جانب- بتيسير محصولها، وتثمير ذخائرها التي هي من موارد رجالها- مصفّحة بالصّفاح، مشرقة بأسنّة الرّماح، مسدودة من جهة العدوّ عنها مسالك الرياح، ويتفقّد من أحوال مباشريه، وولاة الحكم والتحكّم فيه، ما يعلمون به أنه مناقشهم على الأمور اليسيرة، والهفوات التي يرونها قليلة وهي بالنسبة إلى كثرة الرعايا كثيرة، والأحوال التي إذا عدّدها الكتاب عليهم قالوا: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً
«2» ، ويتعاهد أمور الرّتب الدينية فلا تؤخذ مناصبها بالمناسب، ولا تعدّ رزقها المعدّة لاكتساب العلم في المكاسب، بل يتعيّن أن يرتاد لذلك العلماء الأعلام حيث حلّوا، ويقرّر في مراتبها الأكفاء وإلا اتخذ
الناس رؤوسا جهّالا فضلّوا وأضلّوا؛ وقد جعلنا أمره في ذلك جميعه من أمرنا، فليقل يمتثل، وينشر كلمة عدلنا التي يسير بطريقتها المثلى المثل؛ ولا تمضى ولاية ولا عزل، ولا منع ولا بذل، ولا عقد ولا حلّ، إلا وهو معدوق بآرائه، متلقّى من تلقائه، متوقّف على تنفيذه وإمضائه؛ وقد اختصرنا الوصايا، اكتفاء بما فيه من حسن الشّيم، واقتصرنا على ذكر بعض المزايا، إذ مثله لا يدلّ على صواب ولا يزاد ما فيه من كرم؛ لكنّ تقوى الله أولى ما ذكّر به من لم يزل لربّه ذاكرا، وأحقّ ما شكر على التوفيق من لم يبرح له به شاكرا؛ والله يزيد قدره اعتلاء، ويضاعف للدولة الشريفة احتفالا بشكره واعتناء.
وهذه نسخة تقليد بالوزارة:
الحمد لله الذي شدّ أزر الملك من الوزراء بالمكين الأمين، وأشرك في أمر ملكه من هو على صلاح الجمهور خير معين، وألقى مقاليد حسن تدبيره لمن دلّت عليه بركة الاستخارة، وصوّب أمر دقيقه وجليله لمن هو لجميل الثناء المعنى وإليه ببنان الاجتباء الإشارة، وناول كتابها لمن هو أحقّ بتحمل أعبائه، ورقّى منصبها لمن لا شبهة بأنه الحقيق باستعلائه، وناول قلم إعطائها ومنعها لواضع الإشارة في محلّها، وعدق تثمير أموالها بمن لا يأخذها بمقتضى يبديه إلا من حلّها.
نحمده على حسن إلهامه، وشريف إفهامه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبد مخلص في أدائها، محقّ في إعادتها وإبدائها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله خير من هو بالحق مبعوث وبالصدق منعوت، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة لا تزال مستمرّة في كل وقت موقوت، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ يد الوزارة هي اليد الباسطة فيما قلّ وجلّ، والمتحكّمة فيما عدق بالملك من كلّ عقد وحلّ، والموقوف عند إشارة بنانها وإليها التحكّم في
كل إعطاء ومنع، وتفريق وجمع، وعزل وولاية، ونهاية كل نهي وأمر وما لها من غاية، وربّها من الملك كالرّوح الباصرة من العين، واللسان المعبّر عن كلّ زين وشين؛ وحسبه أنه في المحلّ من ذات اليمين، ومن مكانة التمكّن في الحرز الحصين؛ ولهذا لا يؤهّل لها إلا من انعقد على سؤدده الإجماع، وانقطعت دون لحاق شرفه الأطماع، وتأصّل في فخارها وتفرّع، وقام بفروض كفاية كفالتها وتطوّع، وسار حديث مناقبه في الآفاق، وجاء بالاختيار والاختبار بالوفاق، وحسن صورة ومعنى، وتعدّدت مناقبه فدلّت على أنه الفرد إذا اتّسقت عقوده مثنى مثنى. وكان المجلس العاليّ الفلانيّ ربّ حوزتها وسريرها، وروح بصر مرتمق هذه المحامد وإليه أمر مصيرها، والذي حكمت له السيادة بمنالها وحكّمته، وأوضحت بأصالتها وجه الصواب في اختياره لها وأحكمته، وقد حاز من متفرّق لوازمها ما تفرّق فيمن سواه، وحوى من أدواتها ما دلّ على أنّ الله خلقه فسوّاه؛ إن قال فالصواب موكّل بمنطقه، أو صمت فعظم مهابته قائم مقامه بجميل الخلق لا تخلّقه؛ قد جمع إلى التواضع فرط المهابة، وإلى الابتداء بالمعروف حسن الإجابة؛ إن ذكرت الصّدارة فهو مالك زمامها، أو الرّياسة فهو غرّة لثامها، أو الكفالة فهو مصرّف عنانها، أو الوزارة فهو عين أعيانها؛ لم تزل رتبتها متشوّقة لحلوله، ممهّدة لشريف تأهيله.
ولما تحلّى منها بهذه الحلى، وسار حديث ملاءته بتخويلها في الملا، وتلا لسان القلم سور هذه المحاسن وتلا الثاني بالأوّل منها إذا تلا، رسم بالأمر العاليّ- أمتعه الله بما وهبه من حسن مؤازرته، وشدّ عضد مملكته بالإمتاع بربح حسن معاملته لله وله ولمتاجرته- أن تفوّض الوزارة المفخّمة، المكرّمة المبجّلة المعظّمة، للمشار إليه: تفويضا عامّا للقريب من مصالحها والبعيد، والطارف والتليد، والمقيم والنازح، والغادي والرائح، والسانح والبارح، والباغم والصادح «1»
فليباشر ما فوّض إليه منها مباشرة مثله لمثلها، وليعطها من نيله مناسب نيلها، وليأخذ أمرها بكلتا يديه، وليعرها جانبا من احتفاله ليظهر عليها آثار سؤدده كما ظهر شريف تخويلها عليه، وليطلق فيها لسان نهيه وأمره، وليعمل في مصالحها صالح فكره؛ فقد عدقت به مهامّها: جليلها وحقيرها، وقليلها وكثيرها، وأميرها ومأمورها، وخليلها وضريرها، وناعقها وناعبها، وكاسيها وكاسبها، ودانيها وقاصيها، وطائعها وعاصيها، ومستقبلها وحالها وماضيها، وواليها وقاضيها، ثقة بتمام تدبيره، وحميد تأثيره، وأنّه إن حكم فصل، وإن قطع أو وصل كان الحزم فيما قطع ووصل؛ إذ هو الوزير الذي قد صرف عن عمل الأوزار وسار، إلا أنه في كل منهج سار، تقطر السيادة من معاطفه، وتجني ثمر المنى من أغصان قلمه يد قاطفه؛ لا شيء يخرج عن حكمه، ولا مصلحة تعزب عن علمه؛ فولاية الحكّام معدوقة بإشارته، موقوفة على ما يثبته ببليغ عبارته. ومع جلالة قدره لا يحتاج إلى التأكيد في الأموال واستدرار أخلافها، والرّعايا والاستدامة بالإحسان ودّ أحلافها، وبيوت الأموال واستيداء حقوقها، ومراعاة جانبها إذ هي الأمّ الحنونة بتجنّب عقوقها، والخزائن فهو أدرى بما يجب من تضييق صدرها بالمناقيص عن الانشراح، والاهتمام بحواصل تشريفها المستجلبة إفاضة ملابسها قلب من غدا وراح؛ وثمّ دقائق، هو أدرى بمالها من طرائق، وحقائق، هو أعرف إذ كان فيها الفاتق الراتق؛ فهو- أجلّه الله- غنيّ عن تفصيلها، وذهنه أشرف عن الوصايا المندوبة لتوصيلها؛ والله تعالى يقدّر له وبه الخير، ويمتّع بحسن تدبيره المقرون بجميل السريرة والسّير؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجّة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه وصية وزير أوردها في «التعريف» وهي:
يوصى بتقوى الله فإنه عليه رقيب، وإليه أقرب من كلّ قريب؛ فليجعله أمامه، وليطلب منه لكل ما شرع فيه تمامه، وليجل رأيه في كلّ ما تشدّ به الدولة أزرها،
وتسند إليه ظهرها، وليجعل العدل أصلا يبني على أسّه، والعمل في أموره كلّها لسلطانه لا لنفسه، وليدع منه الغرض جانبا، وحظّ النفس الذي لا يبدو إلا من العدوّ ليصدق من دعاه صاحبا، وليبصر كيف يثمّر الأموال من جهاتها، وكيف يخلّص بيوت الأموال بالاقتصار على الدّراهم الحلال من شبهاتها، ولينزّه مطاعم العساكر المنصورة عن أكل الحرام فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يرى به من العين إلا ما يحرّم الهجوع، وليحذر من هذا فإن المفاجيء به كالمخاتل، وليتجنّب إطعام الجند منه فإن [آكل]«1» الدراهم الحرام ما يقاتل، وليحسن كيف يولّي ويعزل، ويسمّن ويهزل؛ وعليه بالكفاة الأمناء، وتجنّب الخونة وإن كانوا ذوي غناء؛ وإيّاه والعاجز، ومن لو رأى المصلحة بين عينيه ألفى بينه وبينها ألف حاجز؛ وليطهّر بابه، ويسهّل حجابه، ويفكّر فيما بعد أكثر مما قرب: مقدّما للأهمّ فالأهمّ من المصالح، وينظر إلى ما غاب عنه وحضر نظر المماسي والمصابح، ولا يستبدل إلا بمن ظهر لديه عجزه أو ثبتت عنده خيانته، ولا يدع من جميل نظره من صحّت لديه كفايته، أو تحقّقت عنده أمانته، وليسلك أقصد الطّرق في أمر الرواتب التي هي من صدقاتنا الشريفة وصدقات من تقدّم من الملوك، وهي إمّا لمن وجب له حقّ وإن كان غنيّا أو عرف صلاحه وهو صعلوك؛ وكذلك ما هو لأيتام الجند الذين ماتوا على الطاعة، وأمثالهم ممن خدم دولتنا القاهرة بما استطاعه؛ فإن غالب من مات منهم لم يخلّف لهم إلا ما نسمح لهم به من معروف، ونجريه لهم من جار هو أنفع من كثير مما يخلّفه الآباء للأبناء من المال المتملّك والوقف الموقوف؛ وليصرف اهتمامه إلى استخلاص مال الله الذي نحن أمناؤه، وبه يشغل أوقاته وتمتليء كالإناء آناؤه؛ فلا يدع شيئا يجب لبيت المال المعمور من مستحقه، ولا يتسمّح في تخلية شيء منه كما أننا نوصيه أنه لا يأخذ شيئا إلا بحقّه؛ وليبق لأيّامنا الزاهرة بتواقيعه ذكرا لا يفنى، وبرّا لا