الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجراية عن ذلك في غرّة كلّ شهر من استقبال مباشرته ما يشهد به الديوان المعمور لمن تقدّمه من النّظّار بهذه الجهات، وهي نظر الثغر وما أضيف إليه على ما شرح أعلاه.
المرتبة الثانية (أن تفتتح الولاية بلفظ «أما بعد حمد الله» أو «أما بعد فإن كذا» ويؤتى بما يناسب من ذكر الولاية والمولّى، ثم يذكر ما سنح من الوصايا ثم يقال «وسبيل كل واقف عليه» )
فمن المكتتب لأرباب السّيوف من هذه المرتبة ما كان يكتب لبعض الولاة.
وهذه نسخة بولاية الشرقية «1» ، وهي:
أما بعد، فإنّا لما منحنا الله إيّاه من معجزات النصر المستنطق الألسنة بالتسبيح، وآتاناه من نظر حمى ناضر عيش الأمّة من التّصويح «2» ، وألبسناه من ثياب العظمة المخصوصة بأحسن التوشيع والتوشيح، ووفّقنا له من اصطفاء من نقبل عليه بوجه التأهيل للمهمّات والتشريح، وقوّاه من عزائمنا التي ترجّ بها أرض الكفر وتدوّخ، ووسّعه لنا من الفتوح التي أنباؤها خير ما تصدّر به السّير وتؤرّخ- لا نزال نبالغ فيما صان الحوزة وحاطها، ومدّ رواق الأمنة ومهّد بساطها، وقرّب نوازح المصالح وجمع أشتاتها، وأوجب انصرام حبال اختلال الأمور واقتضى انبتاتها.
ولما كانت الأعمال الشرقية جديرة بمتابعة الاعتناء وموالاته، وإعراق كرم التعهّد فيما يحفظ نظامها بمغالاته، وأحقّها بأن تصرف إلى صونها وجوه الهمم الطّوامح، ويوقف عليها حسن الاحتفال الجامع دواعي تذليل الجامح، إذ كانت
أجدر الأعمال بكلاءة الفروع من أوضاعها والأصول، والباب الذي لا يجب أن يدخله إلّا من أذن له في القدوم إليها والوصول، ويتعيّن التحرّز على الطّرقات التي منها إليها الإفضاء، ويوكّل بما دونها من المياه عيون حفظة لا يلزمها النوم والإغضاء،- وكنت أيّها الأمير أشدّ الأمراء باسا، وأوفاهم لحسن الذكر الجميل لباسا، وأكثرهم لمهج الأعداء اختلاسا، وأجمعهم للمحاسن المختلفة ضروبا وأجناسا، وقد تناصرت على قصودك الحسنة واضحات الدلائل، وتحلّت أجياد خلالك من جواهر المفاخر بقلائد غير قلائل، واستطار لك أجمل سمعة، وفطمت سيوفك أبناء الكفر عن ارتضاعها من الملّة الإسلامية ثدي طمعة، ولا استبهمت طرق السياسة إلا هديت إلى مجاهلها، ولا حلّأ «1» التقصير سواك عن شرائع النّعم إلا غدوت بكفايتك وارد مناهلها، وكم شهدت مقام جلاد، وموقف جهاد، فمزّقت ثوب ما رقّقه نسجا، وأدلت في ليل قسطله عوادي صوارمك شرجا، وقمت فيما وكل إليك من أمور الفاقوسيّة وقلعتي صدر وأيلة «2» حرسهما الله تعالى قياما أحظاك بالثناء والصواب، واستنبت في كلّ منها من أجرى أمورها على الصواب- خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجلّ بتقليدك ولاية الأعمال الشرقية المقدّم ذكرها؛ فاعتمد مباشرتها عاملا بتقوى الله التي مغنمها خير ما اقتاده مستشعروها لأنفسهم واستاقوه. قال الله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ
«3» ، وأبسط العدل على أهل هذه الولاية، واخصص أهل السّلامة بما يسبل عليهم ستر الحياطة والحماية، وتطلّب المفسدين أتمّ تطلّب، واحظر عليهم التّنقّل، في هذه البلاد والتقلّب؛ ومن
ظفرت به منهم فقابله بما يوجبه حكم جريرته، ويقتضيه موقع جريمته، ويجعله مزدجرا لسالكي طريقته، وشدّ من المستخلف على الحكم العزيز شدّا ينصر جانب الشرع ويعزّه، ويكرّ به على الباطل ترويع الحق وأزّه «1» ، وأعن المستخدمين في المال على استيفائه من وجوهه عند وجوبه، وبلّغ كلّا منهم من الإعانة على تحصيله أقصى مطلوبه، وقوّ أيديهم في تخضير البلاد وتعميرها؛ وابعث المزارعين على مباشرة أحوال الزّراعة وتقرير أمورها، وفيما يسترعونه من مصالح الأعمال، ويعود عليهم في موجبات الرجاء بمناحج الآمال، وراع أمر السّبل والطّرقات، واجعل احتراسك عليها الآن موفيا على المتقدم من سالف الأوقات، ولا تن في إنفاذ المتخبّرين «2» إلى بلاد العدوّ، وتحدّيهم في الرّواح والغدوّ، بما يمنعهم من الهدوّ، وكشف أخبارهم، وتتّبع آثارهم، وتسيير الجواسيس إلى ديارهم، حتّى لا تخفى عنك من شؤونهم خافية، ولا يجدوا سبيل غرّة «3» يهتبلونها- والعياذ بالله- بالجملة الكافية، وطالع بما يتجدّد لك وما يرد من الأنباء عليك، وغير ذلك مما يحتاج إلى علمه من جهتك، وما تجري عليه أحكام خدمتك؛ فاعلم هذا واعمل به إن شاء الله تعالى.
وهذه نسخة بولاية الغربية من هذه المرتبة، وهي:
أما بعد، فإنّا- لما آتانا الله من سعادة لطرق الإرادات فيها تعبيد، وأسبغه بنا من نعم لا يعدّها التحديد، ولا يحدّها التعديد، وأنهجنا به من اكتناف المطالب بنجاح لا يعقّبه تعسير ولا يعسّره تعقيد، وأمضاه من عزائمنا التي ما فتكت قطّ بالأعداء فقيد منهم فقيد، ولقّاه الأمنة بنظرنا من نضرة عيش جانب الجفاف دوحه المخضلّ، وأهداه بتبصيرنا من أنوار الهدى المتقدّمة كلّ ذي جهل ظلّ ممن ضلّ- لا نزال نستوضح أمور أمراء دولتنا متصفّحين، ونبلو أخبار
المؤهّلين منهم لسياسة الرعيّة المرشّحين، ونكشف شؤونهم غير متجوّرين ولا متسمّحين، ونظهر في أحوالهم آثار الإيثار لرفع درجاتهم، وأمارات الرفع منهم مقابلة على حياطة أموال من نكون عليه وصون منجاتهم، ونبوّئهم مبوّأ صدق من تصديق آمالهم وتحقيقها، ونزفّ إليهم عقائل المنح المانع شكرهم من تسيّب سيبها وتطرّق تطليقها، ونحمل لكلّ منهم ما يؤمّله من اجتهاده ويؤثره، ولا نلغي الاهتمام بما يوطّيء لهم مهاد الطّول الجزيل ويؤثّره، عملا بآداب الله سبحانه في إجزال حظوظ المحسنين من إحسان المجازاة، وإيلائهم المزيد الحاكم بنقص اعتدادهم عن الموازنة له والموازاة، كما قال سبحانه، وقوله هدى ونور وشفاء لما في الصدور: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ
«1» ولما كان الأمير (والنعوت والدعاء) من أنجحهم فالا، وأرجحهم مقالا، وأصلحهم أعمالا، وأوضحهم كمالا؛ وما زالت أغصان نهاه متتابعة في بسوقها، وضرائبه نافقة أعلاق المحامد بسوقها، وعزائمه في إذلال الفرق المبالغة في فسوقها، مشمّرة عن سوقها، وما برح في شوط الفخر راكضا، ولعقود مكروه الأمور التي تزيغ الأمانة رافضا، وبأعباء القيام بفرائض الآلاء ناهضا، وما انفكّت مناقبه تعيي بيان الواصف وبنان العادّ، ومساعيه مدركة وهي وادعة ما يعجز عن أقلّه جدّ الجادّ، ورأيه [يرتق]«2» كلّ متفتّق ومنبثق من الأمور المهمّة بسداد الراتق السادّ، وجميل ذكره يفوح بما يفوق المسك فيثوب إليه من الثّواب بالنائي النادّ «3» ؛ وما فتيء دأب شيمته الإعراض، عن الموبق من الأعراض، واختيار الرّفق، والإغراق فيما يديمه إلى فكّ أعناق أسرى المسلمين من سرى العتق- خرج أمر الملك الناصر بكتب هذا السجلّ له بتقليده ولاية