الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الثالث (من الوظائف التي يكتب بها بثغر الإسكندريّة المحروس، الوظائف الدّيوانية، وهي على طبقتين)
الطبقة الأولى (من يكتب له في قطع الثلث ب «المجلس الساميّ» بالياء
وهو ناظر المباشرة بها، وعنه يعبّر بناظر الإسكندرية، دون ناظر الأصل «1» المقدّم ذكره في جملة الوظائف الديوانية بالحضرة) وموضوع هذه الوظيفة التحدّث في الأموال السلطانية بالإسكندريّة مما يتحصّل من المأخوذ من تجار الفرنج، وسائر المتاجر الواصلة برّا وبحرا بالقبض والصّرف والحمل إلى الأبواب السلطانية.
وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية، كتب به للقاضي «جمال الدين ابن بصّاصة» وهي «2» :
الحمد لله الذي أضحك الثّغور بعد عبوسها، وردّ إليها جمالها وأنار أفقها بطلوع شموسها، وأحيا معالم الخير فيها وقد كادت أن تشرف على دروسها، وأقام لمصالح الأمّة من يشرق وجه الحق ببياض آرائه، وتلتذّ الأسماع بتلاوة أوصافه الجميلة وأنبائه.
نحمده حمد من أسبغت عليه النّعماء، وتهادت إليه الآلاء، وخطبته لنفسها العلياء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع قدر قائلها وتعليه، وتعزّ جانب منتحلها وتدنيه، وأن محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ رابط وجاهد، وأكرم رسول جنح للسّلم بأمر ربّه فهادن وعاهد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وأشياعه وحزبه.
وبعد، فأحقّ من ماس في أردية الرياسة عطفا، واستجلى وجوه السعادة من حجب عزّها فأبدت له جمالا ولطفا؛ واصطفته الدولة القاهرة لمهمّاتها لمّا رأته خير كافل، وتنقّل في مراتبها السنيّة تنقّل النيّرين في المنازل «1» .
ولما كان فلان أدام الله رفعته ممن أشارت إليه هذه المناقب الجليلة، وصارت له إلى كل سؤال نعم الوسيلة، رسم بالأمر الشريف- لا زال......
أن يستقرّ في نظر ثغر الإسكندرية المحروس ويباشر هذا المنصب المبارك بعزماته الماضية، وهممه العالية، برأي لا يساهم فيه ولا يشارك: ليصبح هذا الثغر بمباشرته باسما حاليا، وتعود بهجته له بجميل نظره ثانيا، وينتصب لتدبير أحواله على عادته، ويقرّر قواعده بعالي همّته، ويجتهد في تحصيل أمواله وتحصين ذخائره، واستخراج زكاته وتنمية متاجره، ومعاملة التّجار الواردين إليه بالعدل الذي كانوا ألفوه منه، والرّفق الذي نقلوا أخباره السارّة عنه؛ فإنهم هدايا البحور، ودوالبة الثغور، ومن ألسنتهم يطّلع على ما تجنّه الصدور، وإذا بذر لهم حبّ الإحسان نشروا له أجنحة مراكبهم كالطّيور؛ وليعتمد معهم ما تضمّنته المراسيم الشريفة المستمرّة الحكم إلى آخر وقت، ولا يسلك معهم حالة توجب لهم القلق والتّظلّم والمقت، وليواصل بالحمول إلى بيت المال المعمور، وليملأ الخزائن السلطانية من مستعملات الثغر وأمتعته وأصنافه بكل ما تستغني به عن الواصل في البرور والبحور، وليصرف همّته العالية إلى تدبير أحوال [المتاجر بهذا الثغر بحيث ترتفع رؤوس أموالها وتنمي، وتجود سحائب فوائدها وتهمي، وليراع أحوال]«2» المستخدمين في مباشراتهم، ويكشف عن باطن سيرهم في جهاتهم، ليتحقّقوا أنه مهيمن عليهم، وناظر بعين الرأفة إليهم؛ فتنكفّ يد الخائن منهم عن الخيانة، وتتحلّى أنامل الأمين بمحاسن الصّيانة؛ وليطالع بالمتجدّدات في الثغر المحروس، ليرد الجواب عليه منا بما يشرح
الصّدور [ويطيّب النفوس] وليتناول من المعلوم على ذلك في غرّة كل شهر ما يشهد به الديوان المعمور؛ والله تعالى يتولّاه ويعضّده، ويؤيده ويسدّده، بمنّه وكرمه!.
قلت: وربما كتب لناظرها توقيع مفتتح ب «أما بعد حمد الله» في قطع الثلث.
وهذه نسخة توقيع بنظر ثغر الإسكندرية، وهي:
أما بعد حمد الله مفيض حلل إنعامنا على من أخلص في طاعتنا الشريفة قلبه ولسانه، ومولي فضل آلائنا العميمة على من أرهف في مصالحنا عزمه وبنانه، ومحلّي رتب عليائنا الشريفة بمن أشرق في سماء المعالي بدره وإنسانه، وأينعت في غصون الأمانيّ قطوفه وأفنانه، ومبلّغ أقصى غاية المجد في أيامنا الزاهرة بمن تبتسم بجميل نظره الثغور، وتعتصم بحميد خبره وخبرته الأمور، وتشرق من جميل تدبيره البدور، وتعتمد على هممه الأيام والدهور، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، والناشر لواء العدل بسننه الواضح وشرعه القويم، والمنجز لمن اقتفى سبله أوفى تكريم، وأوفر حظّ عظيم، وعلى آله وأصحابه ما اهتدى بهديهم ذوو البصائر والأبصار، وارتدى بأرديتهم المعلمة مقتفي الآثار- فإنّ أولى من أسندنا إلى نظره الجميل رتبة عزّ ما زالت طيور الآمال عليها تحوم، وعدقنا بتدبيره الجليل منصب سيادة ما برحت الأمانيّ له تروم، واعتمدنا على همّته العلية فصدّق الخبر الخبر، وركنّا إلى حميد رأيه فشهد السمع وأدّى النظر «1» .
ولما كان فلان هو الذي اتّسق في ذروة هذه المعالي، وانتظم به عقد هذه
اللّآلي، وحوى بفضيلة اللسان والبيان ما لم تدركه المرهفات والعوالي؛ فما حل ذروة عزّ إلا وحلّاها بنظره الجليل، ولا رقي رتبة سيادة إلا وأسفر في ذروتها وجه صبحه الجميل، ولا عدق بنظره كفاية رتبة إلا وكان لها خير كفيل.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زال ينتصي «1» للرتب العلية خير منجد وممير «2» ، ويمتطي للمناصب السنيّة نعم المولى ونعم النصير- أن يستقرّ
…
... فإنه القويّ الأمين، والمتمسّك من تقوى الله تعالى ومراقبته بالسبب المتين، والمستند بجميل كفايته، وحميد ديانته، إلى حصن حصين، والمستذري «3» بأصالته وإصابته إلى الجنّة الواقية والحرم الأمين؛ فليقدّم خيرة الله تعالى في مباشرة الوظيفة المذكورة بعزم لا ينبو، وهمّة لا تخبو، وتدبير يتضاعف على ممرّ الأيام ويربو، ونظر لا يعزب عن مباشرته فيه مثقال ذرّة إلا وهي من خاطره في قرار مكين، وضبط لا تمتدّ معه يد لامس [إليها]«4» إلا ويجد من مرهفه ما يكفّ كفّها عن الخيانة بالحقّ المبين، وليضاعف همّته في مصالح هذه الجهة التي عدقناها بنظره السعيد، وليوفّر عزمته فإن الحازم من ألقى السمع وهو شهيد؛ والوصايا كثيرة ومثله لا يدلّ عليها، والتنبيهات واضحة وهو- وفقه الله- أهدى أن يرشد إليها؛ والله تعالى يوفّقه في القول والعمل، ويصلح بجميل تدبيره وحميد تأتّيه كلّ خلل، بمنّه وكرمه!.