الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتردّد إليه بالإمضاء؛ فليكن مستحضرا لهذه المسائل ليبتّ الحكم في وقته، ويسارع السيف المصلت في ذلك الموقف ببتّه، وليعلم أن العسكر المنصور هم في ذلك الموطن أهل الشهادة، وفيهم من يكون جرحه تعديلا له وزيادة؛ فليقبل منهم من لا تخفى عليه سيما القبول، ولا يردّ منهم من لا يضرّه أن يردّه هو وهو عند الله مقبول، وليجعل له مستقرّا معروفا في المعسكر يقصد فيه إذا نصبت الخيام، وموضعا يمشي فيه ليقضي فيه وهو سائر وأشهر ما كان على يمين الأعلام؛ وليلزم ذلك طول سفره وفي مدد المقام، ولا يخالفه ليبهم على ذوي الحوائج فما هو بالصالحيّة «1» بمصر ولا بالعادليّة الشام، وليتّخذ معه كتّابا تكتب للناس وإلا فمن أين يوجد مركز الشهود، وليسجّل لذي الحق بحقه وإلا فما انسدّ باب الجحود؛ وتقوى الله هي التي بها تنصر الجنود، وما لم تكن أعلى ما يكون على أعلام الحرب وإلا فما الحاجة إلى نشر البنود.
الوظيفة الثانية (إفتاء دار العدل)
وموضوعها الجلوس بدار العدل حيث يجلس السلطان لفصل الحكومات، والإفتاء فيما لعلّه يطرأ من الأحكام بدار العدل. وهي وظيفة جليلة، لصاحبها مجلس بدار العدل يجلسه مع القضاة الأربعة ومن في معناهم.
وهذه نسخة توقيع لمن لقبه «جمال الدين» ينسج على منوالها، وهي:
الحمد لله جاعل العلم للدّين جمالا، وللدنيا عصمة وثمالا «2» ، ولأسباب
النّجاة والنّجاح شارة إذا تحلّى بها ذو التمييز كان أحسن ذوي المراتب حالا، وأجلّهم في الدارين مبدأ ومالا، وأحقّهم برتبة التفضيل التي ضربت لها السنّة المطهّرة فضل البدر على الكواكب مثالا.
نحمده على نعمه التي خصّت دار عدلنا الشريف من العلماء بأكفائها، واصطفت لما قرب من مجلسنا المعظّم من دلّ على أن التأييد قرين اصطفائها.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يفترّ عن شنب الصواب، ثغرها، ويتفتّح عن فصل الخطاب، زهرها؛ ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المخصوص بمحكم التنزيل، المنصوص في الصّحف المنزّلة على ذكر أمّته الذين علماؤهم كأنبياء بني إسرائيل، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم كالنّجوم المشرقة، من اقتدى بهم أهتدى، وكالرّجوم المحرقة، من اعتدى وجد منها شهابا رصدا؛ وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ أولى ما ارتدنا له من رياض العلم من سما فيه فرعه، ورحب بتلقّي أنواع العلوم ذرعه، وبسقت في فنون الفضائل أفنانه، ونسقت فرائد الفوائد في سلك الطّروس بنانه- فتيا دار عدلنا الشريف التي أحكامنا لها تابعة، وأغصان العدل بثمار فتاويها مورقة يانعة، وأعيننا إلى أفواه مفتيها رامقة وآذاننا لمقالاتهم سامعة.
ولما كان فلان هو ثمرة هذا الارتياد، ونخبة هذا الانتقاد، المعقود عليه في اختيار العلماء بالخناصر، والعريق في أصالة العلوم بأصالة ثابتة الأواصر، والذي إذا أجاب تدفّقت أنواء الفوائد، وتألّقت أضواء الفرائد، واتّخذت مسائل فقهه قواعد تترتّب الأحكام الشرعية عليها ومصادر وحيه موارد- اقتضت آراؤنا الشريفة أن نزيّن بهجة هذه الوظيفة بجماله، وننزّه إشراقها بنور فضائله التي لو قابلها بدر الأفق نازعته حلّة كماله.
فلذلك رسم بالأمر الشريف- لا زالت أحكامه مع أوامر الشرع الشريف واقفة، ومعدلته الشريفة باقتفاء آثار الحق لمشتكيات الظّلم كاشفة- أن يفوّض إليه