الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه وصية لبطرك اليعاقبة أوردها في «التعريف» قال:
ويقال في وصيّة بطرك اليعاقبة مثل ما في وصيّة بطرك الملكيّه، إلا فيما ينبّه عليه. ويسقط منه قولنا:«واعلم بأنّك في المدخل إلى شريعتك طريق إلى الباب» إذ كان لا يدين بطاعة الباب «1» الذي هو رأس الملكانيّين، وإنما هو رأس اليعاقبة نظيره للملكانيّين، ويقال مكان هذه الكلمة «واعلم بأنك في المدخل إلى شريعتك قسيم الباب وأنتما سواء في الأتباع، ومتساويان فإنّه لا يزداد مصراع على مصراع» . ويسقط منه قولنا: «وليتجنّب البحر «2» وإيّاه من اقتحامه فإنّه يغرق» وثانية هذه الكلمة إذا كان ملك اليعاقبة مغلغلا [في الجنوب]«3» ولا بحر، ويبدل بقولنا:«وليتجنّب ما لعلّه ينوب، وليتوقّ ما يأتيه سرّا «4» من تلقاء الحبشة حتّى إذا قدر فلا يشمّ أنفاس الجنوب؛ وليعلم أنّ تلك المادّة وإن كثرت مقصّرة، ولا يحفل بسؤدد السّودان فإنّ الله جعل آلة الليل مظلمة وآية النهار مبصرة» ثم يختم بالوصية بالتقوى كما تقدّم، ونحو هذا والله أعلم.
النوع الثاني (ما هو خارج عن حاضرتي مصر والقاهرة: من وظائف الديار المصريّة مما يكتب لأربابها. وهي ثلاث جهات)
الجهة الأولى (ثغر الإسكندريّة، والوظائف فيها على ثلاثة أصناف)
الصنف الأوّل (وظائف أرباب السّيوف وبها وظيفة واحدة وهي النّيابة)
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّها كانت أوّلا
ولاية، إلى أن طرقها الفرنج في سنة سبع وستّين وسبعمائة، فاستقرّت من حينئذ نيابة، يكتب لنائبها تقليد في قطع الثلثين ب «الجناب العالي» مع الدّعاء بمضاعفة النّعمة.
وهذه نسخة تقليد بنيابة ثغر الإسكندريّة:
الحمد لله على نعم باسمة الثّغر، مسفرة الفجر، رافعة القدر.
نحمده حمدا يشرح الصّدر، ويطلع طلوع البدر، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحالف من يحالفها، وتخالف من يخالفها، ونشهد أنّ محمدا عبده ورسوله أفضل نبيّ رابط في سبيل الله وجاهد، وكابد في الجهاد أعداء الدّين وكايد، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين خاضوا في غمرات الدّجى كلّ غمر؛ وندبوا لحماية الدّين [فكانوا ليوم]«1» كريهة وسداد ثغر.
أمّا بعد، فإنّ الاهتمام بالثّغور هو أولى ما إليه حمد، وعلى مصالحها اعتمد؛ وكان ثغر الإسكندريّة المحروس هو المفترّ عن أحسن الثّنايا، والمخصوص من الحياطة بأتمّ المزايا، والذي كم شفت «2» شفاهه من سقم عند ارتشاف، والذي المثاغر به والمرابط كم له بالحسنات من ائتلاف، وكانت المصلحة تقتضي أن لا يختار له إلا كلّ كامل الأوصاف، كافل بما تستدعيه مصلحة أهله من إنصاف، ذو عزم يمضي والسّهام مستودعة في الكنائن، ويقضي بالعدل المزيل للشّوائب والشّوائن، ومن له حزم يسدّ ثغر المعايب دون كلّ ملاحظ ومعاين، وله سياسة تحفظ بمثلها الثّغور، وتصان الأمور، وله بشاشة تستجلب النّفور، وتوفّق ما بين الألسنة من أولي الودّ والصّدور، وله حياطة بينما يقال: هذا جانبه دمث إذ يقال: هذا جانبه صعب ممتنع، وبينما يقال ليقظته للمصلحة: هذا سحاب [جهام]«3» إذ يقال هذا سيل مندفع.
ولما كان فلان هو مستوعب هذه الصّفات، ومستودع هذه الأسماء والسّمات، وإليه بهذه المناقب يشار، وهو ساحب أذيال هذا الفخار- اقتضى حسن الرأي الشريف أن تفوّض إليه السلطنة الشريفة بثغر الإسكندرية المحروس، تفويضا يمضي في مصالحه لسانه وقلمه، ويصرّف بين الأوامر والنّواهي إشاراته وكلمه، ويزيّن مواكبه بطلعته، ويزيد مهابته ببعد صيته واشتهار سمعته.
فليباشر هذه الوظيفة مجمّلا مواكبها، مكمّلا مراتبها، موثّلا «1» بقواعد الأمن أرجاءها وجوانبها، ناشرا لواء العدل على عوالمها، قابضا بالإنصاف لمظلوم رعيّتها على يد ظالمها، معليا منار الشرع الشريف بمعاضدة حكّامه والانقياد إلى أحكامه، والوقوف في كل أمر مع نقضه وإبرامه، وليحرس جوانب هذا الثغر ويحميها، وليصن عوارضه وما فيها ومن فيها، وليكلأه برّا وبحرا، وليرخ عليه من ذبّه «2» سترا فسترا، ولينجح لسافرته «3» طلبا، وليبلّغهم من العدل والإحسان أربا، ويجمل معاملة من وجد منهم في سفره نصبا، واتخذ سبيله في البحر عجبا. والرعيّة فهم طراز الممالك، وعنوان العمارة الذي من شاهده في هذا الثغر علم ما وراء ذلك؛ وأحسن إليهم وارأف بهم، وبلّغهم من عدل هذه الدولة غاية أربهم؛ وأمور الخمس والديوان فلها قواعد مستقرّة، وقوانين مستمرّة؛ فاسلك منها جددا واضحا؛ وابتغ لها علما لائحا؛ وغير ذلك فلا يكاد على فهمك يخفى، من تقوى الله التي بها تكفّ عين المضارّ وتكفى؛ والله تعالى يلهمك صوابا، ولا يجعل بين حجاك وبين المصالح حجابا، بمنّه وكرمه!.