الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فليقابل هذا الإنعام من الشكر بمثله، ويواز هذا الإفضال من حسن القبول بعدله، وليرتبط نعم الله عنده بالشّكر الوافي الوافر، فالسعيد من اطّرح خلّة الشاكي وادّرع حلّة الشاكر؛ وليدمن التحدّث بها، فالتحدّث بالنّعم من الشكر، ويستجذب موادّها بإيضاح سبل البر، ويجعل التقوى شعاره ودثاره، ويخلص الطاعة لله إيراده وإصداره؛ وليكن العدل ربيئته «1» ورائده، والأمر بالمعروف دليله وقائده، وليقم فيما نيط به حقّ القيام، ويشمّر في حفظ ما استرعيناه عن ساق الاهتمام، ويعلم أن منزلته عندنا أسنى المنازل وأعلاها، ومرتبته لدينا أبهج المراتب وأبهاها، ومحلّه عندنا السامي الذي لا يضاهيه سامي، ومكانه المكان الذي ليس له في الممكن أن يفترع علمه سامي؛ فسبيله علم ذلك وتحقيقه، وتيقّنه وتصديقه، وسبيل كلّ واقف على هذا المثال، [أن]«2» يقابله بالامتثال، من سائر العمّال، وأرباب الولايات والأعمال. والاعتماد على العلامة الشريفة في أعلاه، إن شاء الله تعالى.
الصنف الثاني- أرباب الوظائف الدينية
.
وهذه نسخة توقيع بتدريس مدرسة والنظر عليها، والتحدّث على أوقافها وسائر تعلّقاتها، وهي:
الحمد لله الظاهر إحسانه، الباهر برهانه، القاهر سلطانه، المتظاهر امتنانه، نحمده على إنعامه حمدا يدوم به من حلب غزارته وحلي نضارته ازدياده وازديانه، ونسأله أن يصلّي على سيدنا محمد نبيّه الشارع الشارح بيانه، وعلى آله وصحبه الذين هم أعضاد شرعه وأركانه.
أما بعد، فإنّا لما نراه من تشييد بيوت ذوي البيوتات، وإمضاء حكم المروءة في أهل المروءات، وإرعاء مواتّ «3» ذوي الحقوق الحقيقة بالمراعاة وإحياء
الموات، وموالاة النّعم الشامل عمومها لأولي الخصوص والخلوص في الموالات، ما نزال نلحق درجات الأخلاف منهم في الاختصاص بالاستخلاص بالأسلاف، فنوردهم من مشارع دولتنا ومشارب نعمتنا في الاصطفاء والاصطناع أعذب النّطاف «1» ، ونجنيهم من مغارس الرجاء، ومجاري النّماء، في الإدناء والاجتباء، ثمرات النّعم الدانية القطاف، ونفيض عليهم من مدارع البهجة والبهاء، وحلل الثّناء والسّناء، في الاكرام، بالاحترام، ما يضفو على الأعطاف.
ولما كان الشيخ فلان متوحّدا بالنسب الأثير الأثيل، والحسب الجليّ الجليل، والمحتد الأكيد الأصيل، والفضل الموروث والمكتسب، والزّكاء في المنتمى والمنتسب، والذّكاء الذي أنارت في أفق التوفيق ذكاؤه «2» ، والولاء الذي بان في شرعة الإخلاص صفاؤه، والدّين الذي علا سنا سنّته، في منار التحميد، والخلوص الذي حلا جنى جنّته، في مذاق التوحيد، والرّياسة التي تضوّع ريّا رياضها المونقة، والسماحة التي تنوّح حيا حياضها المغدقة، والأمانة التي نهضت بها فضائله، والموالاة التي نجحت بها عندنا وسائله- رأينا إجراءه على عادة والده في تولّي المدرسة المعمورة التي أنشأها جدّه للشافعية بحلب، وأوقافها، وأسبابها، وتدريسها، وإعادتها، واستنابة من يراه ويختاره في ذلك كله، والنظر في جميع ما يتعلّق بها كثره وقلّه، وترتيب الفقهاء فيها، وتقرير مشاهراتهم «3» على ما يراه من تفضيل وتقديم، وتفصيل وتقسيم، وتخصيص وتعميم، ونقص وتكميل وتتميم، وحفظ الوقوف بالاحتياط في مصارفها، والعمل فيها، بشروط محبّسيها، وإطلاقها بقيود واقفيها، بالابتداء بالعمارات، التي تؤذن بتوفير الارتفاعات، وتكثير المغلّات، وتنمية الثمرات، مستشعرا تقوى الله التي هي حلية الأعمال الصالحات، والعصمة الباقية والجنّة الواقية عند
النائبات. وفوّضنا ذلك إلى أمانته، وبعده إلى من يقوم مقامه من إخوته، تشييدا لبيتهم الكريم، وتجديدا لمجدهم القديم، ورفعا لمكانتهم المكينة، وحفظا لمرتبتهم المصونة، وأمرنا بإعفاء جميع أوقاف المدرسة وسائر أوقافهم، وأملاكه وأملاك إخوته وحمايتهم من جميع المظالم والمطالب، والنّوائب والشّوائب، والعوارض والعراض واللّوازم والكلف، والمؤن والسّخر، والتّبن والحطب، والأطباق والأنزال، وسائر التوزيعات والتقسيطات والأنفال، وإعفاء فلّاحيها ومزارعيها من جميع ذلك، وإطلاق كلّ ما يصل من مغلّات الأوقاف والأملاك المذكورة إلى مدينة حلب من جميع المؤن على الإطلاق، وكذلك جميع ما لهم من البضاعات والبياعات والتّجارات معفاة مطلقة لا اعتراض عليها لأحد، ولا تمدّ إلى شيء منها يد ذي يد، وليتولّ ذلك على عادته المشكورة، وأمانته المشهورة، بنظر كاف شاف، وكرم وافر واف، وورع من الشوائب صاف، وعزوف عن الدّنيّات بالدّينيّات متجاف، وسداد لركن المصالح شائد، وتذكر لترقي موادّ المناجح رائد، ورأي في ذمّة الصواب راجح، وسعي برتبة الرّشاد ناجح، وهمّة عالية في نشر العلم بالمدرسة وإعلاء مناره، وإلزام الفقهاء والطلبة بتدريسه وإعادته وحفظه وتكراره، ومروءة تامة في الاشتمال على إخوته ومخلّفي أبيه بما يصل به الرّحم، ويظهر به الكرم، ويحيي من مفاخر آبائه الرّمم، ويقوّي لهم من معاقد مكارمه العصم. وسبيل الولاة والنوّاب وكل واقف على هذا المثال إمضاء ذلك كلّه على سبيل الاستمرار، وتصرّم الأعمار، وتصرّف الأعصار، وتقلّب الأحوال والأدوار، وحفظه فيهم وفي أعقابهم على العصور والأحقاب، ووصل أسبابه عند انقطاع الأسباب، من فسخ ينقض مبرم معاقده، أو نسخ يقوّض محكم مقاعده، أو تبديل يكدّر صافي موارده ومشارعه، أو تحويل يقلّص ضافي ملابسه ومدارعه، وليبذل لهم المساعدة في كلّ ما يعود له ولجماعته بصلاح الحال، وفراغ البال ونجاح الآمال، وإقامة الجاه في جميع الأحوال. والعمل بالأمر العالي وبمقتضاه والاعتماد على التوقيع الأشرف به إن شاء الله تعالى.