الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في حاجتهم، وترجمان معرب عن شكايتهم، وكاشف أحسن ناشر عن ظلامتهم، جالس على بساط الأنس بقرب الحضرة، منفّذ نهي مليكه وأمره، مبلّغ ذا الحاجة من إنعامه جوده وبرّه- تعين أن يندب رئيس وابن رئيس، وجوهر بحر نفيس، ذو أصل في السّؤدد عريق، ولسان في الفضائل طليق، وقلم حلّى الطّروس بما يفوق زهر الرياض وهو لها شقيق، وفاضل لا يقاس بغيره لأنه الفاضل على التحقيق؛ وكان المقرّ العالي الفلانيّ هو المشار إليه بهذه الأولويّه، والمراد من سطور هذه المحامد اللّؤلؤيّة؛ فلذلك رسم بالأمر العالي أن يستقرّ المشار إليه في وظيفة توقيع الدّست الشريف عوضا عن فلان بحكم وفاته.
فليباشر ذلك مباشرة تشكر مدى الزمان، وتحمد في كلّ وقت وأوان، وليدبّج المهارق بوشي يفوق قلائد العقيان «1» ، وليملأ بالأجور لنا صحفا بما يوحيه عنا من خيرات حسان، ونحن فلا نطيل له الوصايا، ولا نحلّيه بها فهي له سجايا؛ مع ما أدّبه به علمه الجمّ، وعمله الذي ما انصرف إلى شيء إلا تمّ، ويجمعها تقوى الله تعالى وهي عقد ضميره، وملاك أموره؛ وما برح هو وبيته الكريم مصابيح أفقها ومفاتيح مغلقها، ولهم جدد ملابسها وللناس فواضل مخلقها؛ والله تعالى يزيده من إحسانه الجزيل، ونعمه التي يرتدي منها كلّ رداء جميل، ويمتّعه بإمارته التي ما شكر بها إلا قال أدبا: حسبنا الله ونعم الوكيل؛ والاعتماد في مسعاه، على الخط الكريم أعلاه.
الوظيفة الثانية (نظر الخزانة الكبرى)
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصريّة أنّ هذه الوظيفة كانت كبيرة الموضع من حيث إنها مستودع أموال المملكة، إلى أن حدثت عليها خزانة الخاصّ فانحطّت رتبتها حينئذ، وسمّيت الخزانة الكبرى باسم هو أعلى
منها، وأنه لم يبق فيها سوى خلع تخلع وتصرف أوّلا فأوّلا. وقد تقدّم ما يكتب في طرة توقيع ناظرها.
وهذه نسخة توقيع بنظر الخزانة:
الحمد لله الذي جعل الخزائن لذخائرنا كهوفا، وملابس إقبالنا شنوفا «1» ومواهبنا تجزل عطاء ومعروفا، وإقبالنا على محسن التدبير ومجمل التأثير عطوفا، وأيادينا في إسكان جنّتها قطوفا.
نحمده حمدا مألوفا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أوضحت معروفا، ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي أزال مخوفا، وأقام الصلاة والجهاد صفوفا، وشهر على العدا عند تأييد الهدى سيوفا، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه ما سدل الليل سجوفا، وسلّم تسليما.
وبعد، فإن الملك الشريف له تحف مصونة، وذخائر مكنونة، وأصناف حسان في خزائننا مخزونة، وجواهر عالية القيمة ثمينة [لا يقوم عليها إلا من]«2» لا يمدّ عين عفافه إلى المال وإن كثرت آلافه، وولج لجّة هذه الذخائر ولم تلمّ بالبلل أطرافه؛ وهو فلان: العريق في انتسابه، الوثيق انتماؤه إلى فضل الله وجنابه؛ النقيّ ثوب عرضه، التّقيّ بتمسّكه بسنّته وفرضه، الوفيّ نظره بغضّه، المستمسك بجميع الخير دون بعضه، من بيت السيادة ومن هو من بيت السّيادة فالسّؤدد نجم سمائه وطود أرضه. فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يستقرّ.....
فليباشر هذه الوظيفة بعمل ونيّة، متسلّما ذخائر هذا الخزانة العليّة، وأمورها وأحوالها، وتفصيلها وإجمالها، وحمولها وأحمالها وحللها المرقومة، وذخائرها المعلومة، وجواهرها المنظومة، وأكياسها المختومة،
وصناديقها المركومة، ما عن علمه فيها شيء خاف، وصونه لها كاف، وأمر الله بين النّون والكاف «1» .
وليعلم أن خزائننا تصبّ فيها سحائب التّحف والأموال والأصناف، من سائر الممالك والمدن والثّغور والأطراف، ومنها يخرج بجهاز مواهبنا وإنعامنا للأولياء الأشراف، وإنما هي لمصالح المسلمين في الجمع والائتلاف، وتقوية أهل الطاعة على أهل الاختلاف؛ فليضبط ما تطلقه وإن كانت الأقلام لا تستطيع ذلك لكثرة الإسعاف، ولتكن التشاريف «2» المثمنة الكاملة، حاصلة بمناطقها «3» المجوهرة الهائلة، وطرزها الطائلة، وتعابيها الفاضلة، حتّى إذا أنعمنا منها على أحد بشيء يأتي بحموله وقد حمد فاعله. والوصايا كثيرة وتقوى الله نظام عقدها، وغمام رفدها، وزمام مجدها، وتمام سعدها؛ فليكن متلفّعا ببردها، متضوّعا بندّها «4» ، وهو غنيّ عن الوصايا ومدّها، والله تعالى يؤيّد حركاته في قصدها؛ والخطّ الشريف أعلاه، حجة بمقتضاه، إن شاء الله تعالى.
وهذه وصية لناظر الخزانة، أوردها في «التعريف» .
وليملأ بنظره صدور الخزائن، وليجمع فيها أشتات المحاسن، وليعدّ فيها كلّ ما يدّخر للإنفاق، ويحتفظ به للإطلاق، ويحصّل ما يضاهي البحر بالتفريع والتأصيل، والجمل والتّفاصيل، وما لا يوزن إلا بالقناطير، ولا يحصي منّه ملء
الأساطير، وما يهيّأ من التشاريف الشريفة التي تباهي أشعّة الشّموس بلمعها، وتحاسن وشائع «1» الروض بخلعها، وما فيها من مخلّقات ألوان لا تماثل بتصوير، ولا يظنّها الأولياء إلا الجنة ولباسهم فيها حرير، وما تحتوي عليه من عتّابيّ وأطلس، ومشربش ومقندس «2» ؛ وكلّ طراز مذهب وباهي، وما هو من ذهب أو له يضاهي، وكلّ ما يتشرّف به صاحب سيف وقلم، ويعطى إنعاما أو عند أوّل استخدام في خدم، وما هو مع هذا من أنواع المستعملات، والنواقص والمكمّلات، وما يحمل من دار الطّراز «3» ، ويحمد مما يأتي من المبتاع من بزّ وبزاز، وما هو مرصد للخزانة العالية من الجهات، التي يحمل إليها متحصّلها لينفق في أثمان المبيعات، وما يستعمل، وما يعلّم منه بالطّرز ويعمل، وبقية ما يدّخر في حواصلها من مال بيت المال الذي يحمل؛ وذلك كلّه فهو الناظر عليه، والمناظر عنه مما خرج من عنده ووصل إليه، والمحاجج عنه بالمراسيم التي تشك للحفظ وتنزل لديه؛ فليراع ذلك جميعه حقّ المراعاة، وليحرّر قدر ما ينفق من الأثمان وقيمة المبيعات، وليحترز فيما يزكّي بعضه بعضا من شهادة الرسائل المكتتبة إليه بالحمول وما يكتب بها من الرّجعات، وليعر المعاملين من نظره ما لا يجدون معه سبيلا، ولا يقدرون معه على أن يأخذوا فوق قدر استحقاقهم كثيرا ولا قليلا، وليقدّم تحصيل كل شيء قبل الاحتياج إليه ويدعه لوقته، ولا يمثل لديه إلا سرعة الطلب الذي متى تأخرّ أخّر لوقته؛ والأمانة الأمانة والعفاف العفاف فما كان منهما واحد رداء امريء إلّا زانه، ولولا هما لما قال