الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحالة الرابعة (مما يكتب عن ملوك الديار المصرية من الولايات
ما عليه مصطلح كتّاب الزمان بديوان الإنشاء بالديار المصرية مما يكتب عن السلطان لأرباب السيوف والأقلام وغيرهم من التقاليد والمراسيم والتّفاويض والتواقيع، على ما سيأتي بيانه، وفيه [ثلاثة]«1» مقاصد)
المقصد الأوّل (في مقدّمات هذه الولايات، وفيه مهيعان)
المهيع الأوّل (في بيان رجوع هذه الولايات إلى الطريق الشرعيّ)
قد تقدّم في أوّل الكلام على العهود أنّ السلطنة في زماننا دائرة بين إمارة الاستيلاء: وهي أن يقلّده الخليفة الإمارة على بلاد ويفوّض إليه تدبيرها فيستولي عليها بالقوّة، وبين وزارة التفويض: وهي أن يستوزر الخليفة من يفوّض إليه تدبير الأمور برأيه وفصلها على اجتهاده، وأنها بإمارة الاستيلاء أشبه، على ما تقدّم بيانه هناك. وقد صرح الماورديّ في «الأحكام السلطانية» «2» أنه إذا كمل في المستولي على الأمر بالقوّة بعد تولية الخليفة له مع اشتماله على الصفات المعتبرة في المولّى في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة الإسلام، والحرّيّة، والأمانة، وصدق اللهجة، وقلّة الطمع، والسلامة من الميل مع الهوى، والبراءة من الشّحناء، والذّكاء، والفطنة- جاز له ما يجوز للخليفة من تولية وزارة التفويض وغيرها من سائر النّيابات، وجرى على من استوزره أو استنابه
أحكام من استوزره الخليفة أو استنابه؛ وان لم يستكمل الصّفات المعتبرة في الولاية الصادرة عن اختيار الخليفة، استناب له الخليفة لكل ولاية من تتكامل فيه شروطها.
قلت: وقد كانت ملوك بني بويه وبني سلجوق مع غلبتهم على أمر الخلفاء ببغداد واستيلائهم يقتصرون في تصرّفهم على متعلّقات الملك في الجهاد والتصرّف في الأموال، ويكلون أمر الولايات إلى الخليفة يباشرها بنفسه، وتكتب عنه العهود والتقاليد على ما تشهد به نسخها الموجودة من إنشاء الصابي «1» وغيره- وكذلك الخلفاء الفاطميّون بمصر عند غلبة وزرائهم على الأمر من لدن خلافة المستنصر وإلى انقراض خلافتهم من الديار المصرية، كالصالح طلائع بن رزّيك «2» في وزارته للفائز والعاضد، ونحو ذلك: فإنّ الخليفة هو الذي كانت الولايات تصدر عنه تارة بإشارة الوزير، وتارة بغير إشارته، على ما تشهد به نسخ السّجلّات المكتتبة في دولتهم، على ما تقدّم بيانه في الفصل الأوّل من هذا الباب. على أنّ أصحابنا الشافعية وغيرهم من أئمة الفقهاء- رحمهم الله قد صحّحوا الإمامة بغلبة الشوكة والاستيلاء على الأمر بالقهر دون استكمال شروط الإمامة، تصحيحا للأحكام الشرعية الصادرة عن المستولي بالشوكة: من العقود والفسوخ وإقامة الحدود وغيرها، على ما هو مذكور في باب الإمامة، وحينئذ فتكون جميع الولايات الصادرة عن السلطان صحيحة شرعا وإن لم يستنبه عنه الخليفة؛ وكذلك ما يترتب عليها، على ما الأمر جار عليه الآن.