الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظهير «1» ، يفتتحونه بلفظ «هذا ظهير» كما تقدّم بيانه في الكلام على ما كان يكتب عن خلفاء المغرب.
ثم هي على ثلاثة أضرب:
الضرب الأوّل (ما يكتب لأرباب الوظائف من أصحاب السّيوف)
وهذه نسخة ظهير بنيابة السلطنة بالحضرة من إنشاء أبي عبد الله بن الخطيب «2» ، وهي:
هذا ظهير كريم، منزلته في الظهائر منزلة المعتمد به من الظّهراء، ومحلّه من الصّكوك، الصادرة عن أعاظم الملوك، محلّ أولي الرايات، الخافقة العذبات، والآراء، فتح على الإسلام، من بعد الإبهام، أبواب السّرّاء، وراق طرازا مذهبا على عاتق الدّولة الغرّاء، وأعمل عوامل الجهاد في طاعة ربّ العباد، شارعة لأهل الكفر والعناد، من باب الإعمال والإغراء- أمر به فلان لصدر صدور أودّائه «3» ، وحسامه المشهور على أعدائه، ووليّه الذي خبر صدق وفائه، وجلّى في مضمار الخلوص له مغبّرا في وجوه أكفائه، شيخ شيوخ المجاهدين، وقائد كتائبه المنصورة لغزو الكافرين والمعتدين، وعدّته التي يدافع بها عن الدّين، وسائق ورده المبرّز في الميادين، الشيخ الأجلّ الأعزّ الأسنى، الأمجد، الأسعد، الأصعد، الأعنى، الأحمى، الأحبّ، الأوصل،
الأفضل، المجاهد، الأقضى، الأرضى، الأمضى، الشهيد المقدّس، المرحوم أبي عبد الله بدر الدين ابن شيخ الشّيوخ وعلم الأعلام، المدافع عن حوزة الإسلام، البعيد الغارة في تخوم عبدة الأصنام، الشيخ الكبير، الجليل الخطير، الرفيع، الصّدر، المعظّم، الموقّر، صاحب الجهاد الأرضى، والعزم الأمضى، المقدّس، المرحوم أبي عمران (موسى) بن أبي زيد رحوبن محيو بن عبد الحق بن محيو، وصل الله سعده، وحرس مجده، وبلّغه من مظاهرة دولته وموازرة خلافته قصده. رفع قبّة العناية والاختيار على عماد، وأشاد بدعوة التعظيم [مسمعا]«1» كلّ حيّ وجماد، وقابل السعي الكريم بإحماد، وأورد من البرّ غير ثماد «2» ، واستظهر بالوفاء الذي لم تستتر ناره برماد، ولا قصّرت جياده عن بلوغ آماد، وقلّد سيف الجهاد عاتق الحسب اللّباب «3» ، وأعلق يدي الاستظهار بأوثق الأسباب، واستغلظ على الأعداء بأحبّ الأحباب. لمّا قامت له البراهين الصادقة على كرم شيمه، ورسوخ قدمه، وجنى منه عند الشّدّة والتمحيص ثمرة ما أولاه من نعمه، قابل بالرّعي كرائم ذممه، وعظائم خدمه، وشدّ اليد على عهده الذي عرفه حين انتكثت العقد وأخلق المعتقد، واستأسد النّقد «4» ، وتنكّر الصديق، وفرق الفريق، وسدّت على النّظرة الطّريق، وتميز المغرق والغريق، فأثقل له ميزان المكافات، وسجّل له رسم المصافات، وجعله يمين الملك الذي به يناضل، ويقاطع ويواصل، وسيف الجهاد، الذي يحمي بمضائه حوزة البلاد، ومرآة النّصح التي تتجلّى بها وجوه الرّشاد، فقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر نعمه، وأسعده فيما يمّمه، ونشر بالنصر علمه- شيخ الغزاة بحضرته العليّة، وسائر بلاده النصرية: ترجع القبائل والأشياخ إلى نظره
في السّكنات، وتستدرّ على يده من مقامه الكريم غيوم البركات، وتقرّر وسائلها بوساطة حظوته، وتقصّر خطاها اعترافا بحقّه الواجب عن خطوته؛ فعليه تدور أفلاك جماعاتهم كلّما اجتمعوا وأتلفوا، وبحجة فضله يزول إشكالهم مهما اختلفوا، وبلسانه المبين يقرّر لهم ما أسلفوا، وفي كنف رعيه ينشأ من أعقبوا من النّشأة وخلّفوا، وبإقدامه تنهض أقدامهم مهما توقّفوا، فهو يعسوب «1» كتائبهم الملتفّة، وفرزان «2» قطعهم المصطفّة، وشهم «3» جوارحهم الفارهة، وعين عيونهم النّابهة، وتأويل أمورهم المتشابهة، عن نظره يردون ويصدرون، وبإشارته يريشون «4» ويبرون وآثاره يقتفون، وبتلعة «5» دوّاره المرينيّ «6» في خدمة مقامه النصريّ يقفون، فهو الذي لا تأنف أشراف القبائل من اقتفاء آثاره، ولا تجهل رفعة مقداره، فلبيته المزيّة بالحق، المستوجبة للفخر بسابقة السعادة لعبد الحقّ «7» ، ولذاته قصب السبق، ولوفائه الشّهرة في الغرب والشّرق. فليتولّ ذلك- تولّاه الله- منشرحا بالعز صدره، مستمدّا «8» من شمس سعادته بدره، معروفا حقّه معظّما قدره؛ فهي خطّة قومه، وفريسة حومه، وطيّة أمسه ويومه، وكفء خطبته، ومرمى رتبته، وحلي جيده، ومظهر توفيقه وتسديده- مطلقا من عنان الثناء، على أهل الغناء، معاملا بصادق الإطراء، لذوي الآراء، متغمّدا بالإغضاء، هفوات أهل المضاء، معرّفا بالقبائل، والعشائر والفصائل، كلّما
وفدوا من الآفاق للاستلحاق، منبّها على مظانّ الاستحقاق، مطبّقا للطباق، مميّزا لجيادها يوم السّباق، حريصا على إنماء الأعداد، مطبّقا مفاصل الشّراد، محتاطا على الأموال التي تمتري «1» بها أكفّ الجباية ضروع العباد، واضعا مال الله حيث وضعه الحق من الورع والاستداد، [لا]«2» سيّما في هذه البلاد، حتّى تعظم المزايا والمزاين، وتتوفّر الكتائب والخزائن، ويبتهج السامع ويسرّ المعاين، ويظهر الفضل على من تقدّم، وأنّ الظّهراءكم غادرت من متردّم «3» ، ويتحسّر من قصّر ويتندم، وعند الله يجد كلّ ما قدّم. فهي قلادة الله التي يضيع من أضاعها «4» ، ويرضى عمن أعمل فيها أوامره وأطاعها. وهو- وصل الله سعادته! وحرس مجادته «5» - أولى من لاحظ ضرائرها، واستطلع من ثنايا التوكل على الله بشائرها: نسبا وحسبا، وجدّا وأبا؛ وحدّا وشبا، ونجدة وضحت مذهبا.
وعلى الغزاة «6» - وفّر الله جموعهم! وأنجد تابعهم ومتبوعهم! - أن يعرفوا قدر هذا التعظيم الذي خفقت أعلامه، ووضحت أحكامه، والاختصاص الذي لطف محلّه، والاعتناء الكريم الذي ضفا ظلّه، فيكونوا من إيجاب حقّه حيث حدّ ورسم، وميّز ووسم؛ لا يتخلّف أحد منهم [في خدمته]«7» أيده الله عن إشارته الموفّقة، ولا يشذّ عن رياسته المطلقة، بحول الله تعالى وقوّته.
وهذا نسخة ظهير بنيابة السلطنة ببعض الأعمال، وهي:
هذا ظهير كريم، مضمّنه استجلاء لأمور الرّعايا واستطلاع ورعاية كرمت
منها أجناس وأنواع، وعدل بهر منه شعاع، ووصايا يجب لها إهطاع «1» ، أصدرناه للفقيه أبي فلان، لمّا تقرّر لدينا دينه وعدله وفضله رأينا أنّه أحقّ من نقلّده المهمّ الأكيد، ونرمي [به] من أغراض البرّ الغرض البعيد، ونستكشف به أحوال الرّعايا حتّى لا يغيب عنا شيء من أحوالها، ولا يتطرّق إليها طارق من إهمالها، وينهي إلينا الحوادث التي تنشأ فيها إنهاء يتكفل بحياطة أبشارها وأموالها. وأمرناه أن يتوجه إلى جهة كذا- حاطها الله- فيجمع الناس في مساجدهم، ويندبهم من مشاهدهم، ويبدأ بتقرير غرضنا في صلاح أحوالهم، وإحساب «2» آمالهم، ومكابدتنا المشقّة في مداراة عدوّهم الذي يعلم من أحوالهم ما غاب عنهم- دفعه الله بقدرته، ووقى نفوسهم وحريمهم من معرّته- وبما رأينا من انبتات الأسباب التي فيك تؤمّل، وعجز الحيل التي كانت تعمل، ويستدعي إنجادهم بالدعاء، وإخلاصهم فيه إلى ربّ السماء، ويسأل عن سيرة القوّاد، وولاة الأحكام بالبلاد: فمن نالته مظلمة فليرفعها إليه، ويقصّها عليه:
ليبلّغها إلينا، ويوفدها مقرّرة الموجبات علينا، ويختبر ما افترض صدقة للجبل، وما فضل عن كريم ذلك العمل: ليعيّن لبناء الحصن بجبل قارة «3» يسّر الله لهم في إتمامه، وجعل صدقتهم تلك مسك ختامه، وغيره مما افترض إعانة للمسافرين، وإنجادا لجهاد الكافرين، فيعلم مقداره، ويتولّى اختباره، حتّى لا يجعل منه شيء على ضعيف، ولا يعدل به لمشروف عن شريف، ولا تقع فيه مضايقة ذي الجاه، ولا مخادعة غير المراقب لله. ومتى تحقّق أن غنيّا قصّر به فيه
عن حقه، أو ضعيفا كلّف منه فوق طوقه، فيجير الفقير من الغنيّ، ويجري من العدل على السّنن السويّ، ويعلم الناس أن هذه المعونة وإن كانت بالنسبة إلى محلّ ضرورتها يسيرة، وأن الله يضاعفها لهم أضعافا كثيرة، ليست مما يلزم، ولا من المعاون التي بتكريرها يجزم، وينظر في عهود المتوفين فيصرفها في مصارفها المتعيّنة، وطرقها الواضحة البيّنة، ويتفقّد المساجد تفقّدا يكسو عاريها، ويتمّم منها المآرب [تتميما]«1» يرضي باريها، ويندب الناس إلى تعليم القرآن لصبيانهم، فذلك أصل أديانهم، ويحذّرهم المغيب عن كلّ شيء من أعشارهم فالزكاة أخت الصلاة وهما من قواعد الإسلام، وقد اخترنا لهم بأقصى الجدّ والاعتزام، ورفعنا عنهم رسم التعريف نظرا إليهم بعين الاهتمام، وقدّمنا الثّقات لهذه الأحكام، وجعلنا الخرص «2» شرعيّا في هذا العام، وفيما بعده إن شاء الله من الأعوام.
ومن أهمّ ما أسندناه إليه، وعوّلنا فيه عليه، البحث بتلك الأحواز عن أهل البدع والأهواء، والسائرين من السبيل على غير السّواء، ومن ينبز «3» بفساد العقد، وتحريف القصد، والتلبّس بالصوفيّة وهو في الباطن من أهل الفساد، والذاهبين إلى الإباحة وتأويل المعاد، والمؤلّفين بين النساء والرجال، والمتتبّعين لمذاهب الضّلال؛ فمهما عثر على مطوّق بالتهمة، منبّز بشيء من ذلك من هذه الأمّة، فليشدّ وثاقه شدّا، وليسدّ عليه سبيل الخلاص سدّا، ويسترع في شأنه الموجبات، ويستوعب الشهادات، حتّى ننظر في حسم دائه، ونعالج المرض بدوائه؛ فليتولّ ما ذكرنا نائبا بأحسن المناب، ويقصد وجه الله راجيا منه جزيل الثواب، ويعمل عمل من لا يخاف في الله لومة لائم ليجد ذلك
في مواقف الحساب.
وعلى من يقف عليه من القوّاد والأشياخ والحكّام أن يكونوا معه يدا واحدة على ما قرّرناه في هذه الفصول: من العمل المقبول والعدل المبذول؛ ومن قصّر عن غاية من غاياته، أو خالف مقتضى من مقتضياته، فعقابه عقاب من عصى أمر الله وأمرنا فلا يلومنّ إلا نفسه التي غرّته وإلى مصرع النكير جرّته، والله المستعان.
وهذه نسخة ظهير بالإمرة على الجهاد، وهي:
هذا ظهير كريم بلغ فيه الاختيار، الذي عضّده الاختبار «1» ، الى أقصى الغاية، وجمع له الوفاق، الذي خدمه البخت والاتفاق، والأهليّة التي شهدت بها الآفاق، بين نجح الرأي ونصر الراية، وأنتجت به مقدّمات الولاء نتيجة هذه الرتبة السامية العلاء والولاية، واستظهر من المعتمد به، على قصده الكريم في سبيل الله ومذهبه، بليث من ليوث أوليائه، شديد الوطأة على أعدائه والنّكاية، وفرع من فروع الملك الأصيل معروف الأبوّة والإباية، لتتضح حجة النصر العزيز والفتح المبين ذي القوّة المتين محكمة الآية، وتدل بداية هذه الدولة الرافعة لمعالم الدين، المؤيّدة في الأقوال والأفعال بمدد الرّوح الأمين، على شرف النّهاية.
أصدر حكمته وأبرز حكمه، وقرّر حدّه الماضي ورسمه، عبد الله، الغنيّ بالله [محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر]«2» - عضّد الله كتائبه وشدّ عضده، ويسّر في الظهور على أعداء الله قصده- لوليّه المستولي على
ميادين حظوته وإيثاره، الفائز بالقدح المعلّى «1» من إجلاله وإكباره، ظهير استنصاره، وسيف جهاده المعدّ لصدق ضريبته ويوم افتخاره، ويعسوب قبائل الغزاة بأصقاعه الجهاديّة وأقطاره، الأمير أبي عبد الرحمن، ابن الأمير أبي عليّ، ابن السلطان أمير المسلمين أبي سعيد، ابن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق- وصل الله له أسباب سعده، وأنجز للمسلمين بمظاهرته إيّاه على الكافرين سابق وعده، لمّا وفد على بابه الكريم مؤثرا على ما كان بسبيله عن جواره «2» ، ملقيا بمحلّة الجهاد عصا تسياره، مفضّلا ما عند الله على رحب أوطانه وأقطاره، شيمة من أسرع إلى خير الآخرة ببداره، قبل اكتمال هلاله وإبداره، وعلى انبعاث أمله وترامي هممه واستقامة مداره- قابل، أيده الله، وفادته بالقبول الممدوح، والصّدر المشروح، والعناية العالية المظاهر والصّروح، وجعل له الشّرب المهنّى في مناهل الصنائع التي صنع الله لملكه والفتوح، ولم يدّخر عنه تقريبا يقف الأولياء دون مداه، وترفيعا تشهد به محافل الملك ومنتداه، إلى أن ظفرت بحقيقة الموالاة الكريمة يداه، ثم استظهر به على أعداء الله وعداه، فوفّى النّصح لله وأدّاه، وأضمره وأبداه، وتحلّى بالبسالة والجلالة والطّهارة، اللائقة بمنصب الإمارة في رواحه ومغداه، حتّى اتفقت الأهواء على فضله وعفافه، وكمال أوصافه وظهرت عليه مخايل أسلافه. ثم رأى الآن- سدّد الله رأيه، وشكر عن الإسلام والمسلمين سعيه- أن يوفد ركائب الاعتقاد الجميل على جنابه، ويفسّح ميدان الاستظهار بحسن منابه، ويصل أسبابه بأسبابه، ويضاعف بولائه الصادق اهتمامه، ويقيمه في قود عساكره لجهاد البرّ مقامه، فأضفى ملابس ودّه عليه وجعله فاتح أبواب الجنة بفضل الله بين يديه، وأجراه مجرى عضده الذي تصدق عنه الضريبة في المجال، وسيفه الذي يفرّج به مضايق الأهوال، ونصبه للقبائل الجهادية قبلة في مناصحة الله ومناصحة
مشروعه، وراية سعيدة في مظاهرة متبوعه، وعقد له الولاية الجهاديّة التي لا تعدل بولاية، ولا توازن عناية المعتمد بها بعناية، يشهد بصراحة نسبها الدين، وتتحلّى بحلى غرّتها الميادين. فالجهاد في سبيل الله نحلة نبي الأمّة، ومن بعده من الأيمّة، لا سيّما في هذا القطر المتأكّد فيه ذلك لأولي الدّين والهمّة.
فليتولّ ذلك تولّي مثله وإن قلّ وجود مثله، جاريا على سنن مجده وفضله، سائرا من رضا الله على أوضح سبله، معتمدا عليه في الأمر كلّه.
وليعلم أن الذي يخلق ما يشاء ويختار قد هيّأ له من أمره رشدا، وسلك به طريقا سددا «1» ، واستعمله اليوم فيما يحظيه غدا، وجعل حظّه الذي عوّضه نورا وهدى، وأبعد له في الصالحات مدى- ولينظر فيما لديه من القبائل الموفورة، والجموع المؤيّدة المنصورة، نظرا يزيح العلل، ويبلّغ الأمل، ويرعى الهمل «2» ، ويحسن القول وينجح العمل، منبّها على أهل الغناء والاستحقاق، مستدرّا للعوائد والأرزاق، معرّفا بالغرباء الواردين من الآفاق، مطبقا منهم للطباق، متغمّدا للهفوات بحسن الأخلاق، مستجيدا للأسلحة والكراع «3» ، مبادرا هيعات «4» الصّريخ بالإسراع، مسترعيا للمشورة التي يقع الحكم فيها عن حصول الإجماع، رفيقا بمن ضعف عن طول الباع، محتاطا على الإسلام في مواقف الدّفاع، مقدما عند اتّجاه الأطماع، صابرا في المضايق على القراع، متقدّما للأبطال بالاصطناع، مقابلا نصائح أولي الخبرة بحسن الاستماع، مستعملا في الحروب ما أجازه الشرع من وجوه الخداع حتّى يكون عمله وفق شهرته البعيدة المطار، وسيرته فيما أسند إليه مثلا في الأقطار، واستقامة التدبير على يديه ذريعة إلى إرغام أنوف الكفّار، بقوّة الله وحوله وعزّته وطوله.
وعلى الغزاة بالحضرة العليّة، وسائر البلاد النّصرية، ومن بني مرين وسائر القبائل المجاهدين، أن يعرفوا قدره، ويمتثلوا في مرضاتنا أمره، ويكونوا معه روحا ويدا وجسدا، وساعدا وعضدا؛ فبذلك يشمله من الله ومن مقامنا الرضا والقبول، والعزّ الموصول، ويمضي في عدوّ الله النّصول، ويتأتّى على خير الدنيا والآخرة الحصول، إن شاء الله. ومن وقف عليه، فليعرف ما لديه، بحول الله تعالى.
وهذه نسخة ظهير بالتّقدمة على الطبقة الأولى من المجاهدين، لولد السلطان، وهي:
هذا ظهير كريم، فاتح بنشر الألوية والبنود، وقود العساكر والجنود، وأجال في ميدان الوجود، جياد البأس والجود، وأضفى ستر الحماية والوقاية بالتّهائم والنّجود «1» ، على الطائفين والعاكفين والرّكّع السّجود- عقد للمعتمد به عقد التشريف والقدر المنيف زاكي الشّهود، وأوجب المنافسة بين مجالس السّروج ومضاجع المهود، وبشّر السيوف في الغمود، وأنشأ ريح النصر آمنة من الخمود، أمضى أحكامه، وأنهد العزّ أمامه، وفتّح عن زهر السّرور والحبور أكمامه، أمير المسلمين عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن مولانا أمير المسلمين أبي الوليد فرج بن نصر- أيد الله أمره، وخلّد ذكره- لكبير ولده، وسابق أمده، وريحانة خلده، وياقوتة الملك على يده، الأمير الكبير، الطاهر الظاهر، الأعلى، واسطة السلك، وهلال سماء الملك، ومصباح الظّلم الحلك، ومظنّة العناية الإلهيّة من مدبّر الفلك ومجرى الفلك، عنوان سعده، وحسام نصره وعضده، وسميّ جدّه، وسلالة فضله ومجده، السعيد المظفّر، الهمام، الأعلى، الأمضى، العالم، العادل، العامل، الأرضى المجاهد، المؤمّل، المعظم، أبي الحجاج يوسف- ألبسه الله من رضاه عنه
حللا لا تخلق جدّتها الأيام، ولا تبلغ كنهها الأفهام؛ وبلغه في خدمه المبالغ التي يسرّ بها الإسلام، وتسبح في البحار صنائعها الأقلام، وحرس معاليه الباهرة بعينه التي لا تنام، وكنفه بركنه الذي لا يضام- فهو الفرع الذي جرى بخصله على أصله، وارتسم نصره في نصله، واشتمل جدّه على فضله، وشهدت ألسن خلاله، برفعة جلاله، وظهرت دلائل سعادته، في بدء كل أمر وإعادته.
ولمّا صرف وجهه إلى ترشيحه لافتراع هضاب المجد البعيد المدى، وتوشيحه بالصّبر والحلم والبأس والنّدى، وأرهف منه سيفا من سيوف الله لضرب هام العدا، وأطلعه في سماء الملك بدر هدى، لمن راح وغدا، وأخذه بالآداب التي تقيم من النفوس أودا، وتبذر في اليوم فتجنى غدا، ورقّاه في رتب المعالي طورا فطورا، ترقّي النبات ورقا ونورا؛ ليجده بحول الله يدا باطشة على أعدائه، ولسانه مجيبا عند ندائه، وطرازا على حلّة عليائه، وغماما من غمائم آلائه، وكوكبا وهّاجا بسمائه، وعقد له لواء الجهاد على الكتيبة الأندلسية من جنده، قبل أن ينتقل من مهده، وظلّله بجناح رايته، وهو على كتد «1» دايته، واستركب جيش الإسلام ترحيبا بوفادته، وتنويها بمجادته، وأثبت في غرض الإمارة النصرية سهم سعادته- رأى أن يزيده من عنايته ضروبا وأجناسها، ويتبع أثره ناسا فناسا، قد اختلفوا لسانا ولباسا، واتفقوا ابتغاء لمرضاة الله والتماسا، ممّن كرم انتماؤه، وازّينت بالحسب الغر «2» سماؤه، وعرف غناؤه، وتأسّس على المجادة بناؤه، حتّى لا يدع من العناية فنّا إلا جلبه إليه، ولا مقادة فخر إلا جعلها في يديه، ولا حلّة عز إلا أضفى ملابسها عليه.
وكان جيش الإسلام في هذه البلاد الأندليسة- أمّن الله خلالها، وسكّن زلزالها، وصدّق في رحمة الله التي وسعت كل شيء آمالها- كلف همّته، ومرعى
أذمّته، وميدان جياده، ومتعلّق أمد جهاده، ومعراج إرادته، إلى تحصيل سعادته، وسبيل خلاله، إلى بلوغ كماله؛ فلم يدع له علّة إلا أزاحها، ولا طلبة إلا أجال قداحها، ولا عزيمة إلا أورى اقتداحها، ولا رغبة إلا فسّح ساحها، آخذا مروءته بالتهذيب، ومصافّة بالترتيب، وآماله بالتقريب، وتأنيس المريب، مستنجزا له وبه وعد النصر العزيز والفتح القريب، ورفع عنه لهذا العهد نظر من حكم الأغراض في حماته، واستشعر عروق الحسائف «1» لشريف كماته، واشتغل عن حسن الوساطة لهم بمصلحة ذاته، وجلب جباته، وتثمير ماله وتوفير أقواته، ذاهبا أقصى مذاهب التعمير بأمد حياته؛ فانفرج الضّيق، وخلص إلى حسن نظره الطريق، وساغ الرّيق، ورضي الفريق.
رأى- والله الكفيل بنجح رأيه، وشكر سعيه، وصلة حفظه ورعيه- أن يحمد لهم اختياره، ويحسن لديهم آثاره، ويستنيب فيما بينه وبين سيوف جهاده، وأبطال جلاده، وحماة أحوازه، وآلات اعتزازه، من يجري مجرى نفسه النفيسة في كل معنى، ومن يكون له لفظ الولاية وله- أيده الله- المعنى، فقدّمة على الجماعة الأولى كبرى الكتائب، ومقاد الجنائب «2» ، وأجمة الأبطال، ومزنة الودق «3» الهطّال، المشتملة من الغزاة على مشيخة آل يعقوب نسباء الملوك الكرام، وأعلام الإسلام، وسائر قبائل بني مرين، ليوث العرين، وغيرهم من أصناف القبائل، وأولي الوسائل، ليحوط جماعتهم، ويرفع بتفقّده إضاعتهم، ويستخلص لله ولأبيه- أيده الله- طاعتهم، ويشرّف بإمارته مواكبهم، ويزيّن بهلاله الناهض إلى الإبرار، على فلك سعادة الأقدار، كواكبهم، تقديما أشرق له وجه الدّين الحنيف وتهلّل، وأحسّ باقتراب ما أمّل؛ فللخيل اختيال ومراح،
وللأسل «1» السّمر اهتزاز وارتياح، وللصّدور انشراح، وللأمل مغدى في فضل الله ومراح.
فليتولّ ذلك- أسعده الله- تولّي مثله ممن أسرّة الملك أسرّته، وأسرة النبي صلى الله عليه وسلم أسرته، والملك الكريم أصل لفرعه، والنسب العربيّ مفخر «2» لطيب طبعه، آخذا أشرافهم بترفيع المجالس بنسبة أقدارهم، مقرّبا حسن اللقاء بإيثارهم، شاكرا غناءهم، مستديما ثناءهم، مستدرا لأرزاقهم، موجبا للمزيّة بحسب استحقاقهم، شافعا لديه في رغباتهم المؤمّلة، ووسائلهم المتحمّلة، مسهلا الإذن لوفودهم المتلاحقة، منفّقا لبضائعهم النافقة، مؤنسا لغربائهم، مستجليا أحوال أهليهم وآبائهم، مميزا بين أغفالهم ونبهائهم.
وعلى جماعتهم- رعى الله جهادهم، ووفّر أعدادهم- أن يطيعوه في طاعة الله وطاعة أبيه، ويكونوا يدا واحدة على دفاع أعادي الله وأعاديه، ويشدّوا في المواقف الكريهة أزره، ويمتثلوا نهيه وأمره، حتّى يعظم الانتفاع، ويثمر الدّفاع، ويخلص القصد لله والمطاع؛ فلو وجد- أيده الله- غاية في تشريفهم لبلّغها، أو موهبة لسوّغها؛ لكن ما بعد ولده العزيز عليه مذهب، ولا وراء مباشرتهم بنفسه مرغب؛ والله منجح الأعمال، ومبلّغ الآمال، والكفيل بسعادة المال.
فمن وقف على هذا الظّهير الكريم فليعلم مقدار ما تضمّنه من أمر مطاع، وفخر مستند إلى إجماع، ووجوب اتّباع، وليكن خير مرعيّ لخير راع، بحول الله.
وأقطعه- أيده الله- ليكون بعض المدد لأزواد سفره، وسماط قفره، في جملة ما أولاه من نعمه، وسوّغه من موادّ كرمه- جميع القرية المنسوبة إلى عرب
غسّان: وهي المحلة الأثيرة، والمنزلة الشهيرة، تنطلق عليها أيدي خدّامه ورجاله، جارية مجرى صالح ماله، محرّرة من كل وظيف لاستغلاله، إن شاء الله فهو المستعان سبحانه، وكتب في كذا.
وهذه نسخة ظهير لمشيخة الغزاة بمدينة مالقة «1» ، وهو:
هذا ظهير كريم أطلع الرّضا والقبول صباحا، وأنشأ للعناية في جوّ الوجود، من بعد الرّكود، رياحا، وأوسع العيون قرّة [وإبصارا]«2» والصّدور انشراحا، وهيّأ للمعتمد به مغدى في السعادة ومراحا، وهزّ منه سيفا عتيقا يفوق اختيارا ويروق التماحا، وولّاه رياسة الجهاد في القطر الذي تقدّمت الولاية فيه لسلفه فنال عزّا شهيرا وازداد فخرا صراحا، وكان [له]«3» ذلك إلى أبواب السعادة مفتاحا.
أمر به وأمضاه، وأوجب العمل بحسبه ومقتضاه، الأمير عبد الله محمد ابن مولانا أمير المسلمين، والمجاهد في سبيل رب العالمين، أبي الحجّاج [يوسف]«4» ابن مولانا أمير المسلمين، أبي الوليد إسماعيل بن فرج بن نصر- أيد الله أمره وأعز نصره، وأسعد زمانه وعصره- لوليه في الله الذي كساه مولاه من جميل اعتقاده حللا، وأورده من عذب رضاه منهلا، وعرّفه عوارف قبوله مفصّلا خطابها ومجملا، الشيخ أبي العلا، إدريس، ابن الشيخ أبي سعيد عثمان، بن أبى العلا، وصل الله أسباب سعادته، وحرس عليّ «5» مجادته، وأجراه من ترفيع المكانة لديه على [أحمد عادة سلفه]«6» وعادته.
ولمّا كان له القدر الجليل، والمجد الأثيل، والذكر الجميل، والفضائل
التي كرم منها الإجمال والتفصيل، وأحرز قصب السّبق بذاته وسلفه إذا ذكر المجد العريض الطويل، وكان قد أعمل الرّحلة إليه يحدوه إلى خدمته التأميل، ويهوي به الحبّ الذي وضح منه السبيل، وعاق عنه الواقع الذي تبيّن فيه عذره الجميل، ثم خلّصه الله من ملكة الكفر الخلاص الذي قام به على عنايته الدليل- قابله بالقبول والإقبال، وفسّح له ميدان الرضا رحب المجال، وصرف إليه وجه الاعتداد بمضائه رائق الجمال، سافرا عن بلوغ الآمال، وآواه من خدمته إلى ربوة متّسعة الأرجاء وارفة الظّلال، وقطع عنه الأطماع بمقتضى همته البعيدة المنال؛ ثم رأى- والله ينجح رأيه، ويشكر في سبيل الله عن الجهاد سعيه- أن يستظهر بمضائه، ويرسل عليه عوارف آلائه، ويعمر به رتب آبائه، فقدّمه- أعلى الله قدمه، وشكر [آلاءه]«1» ونعمه- شيخ الغزاة والمجاهدين، وكبير أولي الدّفاع عن الدين؛ بمدينة (مالقة) حرسها الله أخت حضرة [دار]«2» ملكه، وثانية الدّرّة الثمينة من سلكه، ودار سلفه وقرارة مجده، والأفق الذي تألّق منه نور سعده، راجعا إليه نظر القواعد الغربية رندة وركوان «3» وما إليه رجوع الاستغلال والاستيراد، والعزّ الفسيح المجال البعيد الآماد، يقود جميعها إلى الجهاد، عاملا على شاكلة مجده في الإصدار والإيراد، حتّى يظهر على تلك الجهات المباركة آثار الحماية والبسالة، ويعود لها عهد المجادة والجلالة، وتتزيّن ملابس الإيالة. وهو يعمل في ذلك الأعمال التي تليق بالمجد الكريم، والحسب الصميم، حتّى ينمو عدد الحماة، ويكفّ البأس أكفّ الغزاة ويعظم أثر الأبطال الكماة؛ وتظهر ثمرة الاختيار، ويشمل الأمن جميع الأقطار، وتنحسم عنه أطماع الكفّار؛ وعلى من يقف عليه من الفرسان- وفّر الله أعدادهم، وأعزّ