الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطبقة الثانية (من أرباب الوظائف الديوانية بالحضرة السلطانية أصحاب التواقيع، وهم على ثلاث درجات)
الدرجة الأولى (ما يكتب في قطع النصف ب «المجلس العالي» وكلّها مفتتحة ب «الحمد لله» )
وتشتمل على ثلاث وظائف سوى ما تقدّم أنه نقل إلى رتبة التقاليد، وهو كتابة السرّ.
الوظيفة الأولى (نظر الخاصّ)
وقد تقدّم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أنّها وظيفة محدثة، أحدثها السلطان الملك الناصر «محمد بن قلاوون» حين أبطل الوزارة، وأنّ أصل موضوعها التحدّث فيما هو خاصّ بمال السلطان، وأنّ صاحبها صار كالوزير لقربه من السلطان وتصرّفه في تدبير جملة الأمور، وتعيين المباشرين، إلا أنّه لا يقدر على الاستقلال بأمر، بلا لا بدّ له من مراجعة السلطان. وقد تقدّم ذكر ألقابه في الكلام على مقدّمة الولايات من هذا الفصل، وعلى طرّة توقيعه في الكلام على التواقيع.
وهذه نسخة توقيع بنظر الخاصّ، كتب به للقاضي شمس الدين موسى بن عبد الوهّاب في الأيام الناصرية «محمد بن قلاوون» وهي:
الحمد لله الذي جعل كلّ جرح بنا يوسى، وعجّل كلّ نعمة تبدّل بوسا، وتغيّر بالسّرور من المساءة لبوسا.
نحمده حمدا يشرح صدورا ويسرّ نفوسا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة ترفع لقائلها رؤوسا، وتطلع في آفاق ممالكنا الشريفة شموسا، وتنشيء في أيّامنا الزاهرة غروسا، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بشّر به
موسى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة تملأ طروسا، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن العمل بالسنّة أولى ما يتمسك به المتمسّك، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«ابدأ بنفسك» ؛ وكانت الخواصّ الشريفة هي المصلحة الخاصّة بنا، المتعلّقة دون كل شيء بأنفسنا، لأن من خزائنها العالية تتفرّق مواهبنا الشريفة في الوجود، وتتحلّى معاطف الأمراء والجنود، وكان فيها من لم يزل هو وبنوه قائمين بها أحسن قيام، وفيها من ممالكنا الشريفة ما يضاهي بمدده الغمام، من حضر منهم لا يتفقّد معه من غاب، ومن كتب منهم في شيء من مصالحها قال الذي عنده علم من الكتاب؛ كم أجرت صدقاتنا الشريفة بأقلامهم من إنعام، وتقسّموا في مصالحنا الشريفة هذا في الخاص وهذا في العامّ؛ طالما انقطع والدهم رحمه الله تعالى بعذر فمشّوا الأمور على أكمل سداد، وأجمل اعتماد، وأتمّ مالو حضر أبوهم وكان هو المتولّي لما زاد؛ فما خلت في وقت منه، أو من أحد منهم لمّا غاب من بقي يسدّ عنه؛ فلم يزل منهم ربعها مأنوسا، ولا سئل فيها عن قصّة إلا وأنبأت بها صحف إبراهيم وموسى.
وكان المجلس العالي فلان هو الذي تفرّد آخرا بهذه الوظيفة، واستقلّ فيها بين أيدينا الشريفة، وسافر فيها إلى ثغر الإسكندرية- حرسها الله تعالى- فافترّ بيمن تصرّفه، وحسن تعفّفه، وعدم فيها المضاهي لأنه لا شيء يضاهى الشمس إذا حلّ سرّها في منازل شرفه؛ كم كفت له كفاية، وبدت بداية، وكم بلغ من غاية، كم له من همم، وكم تقدّمت له قدم، وكم اعترف السيف ببزّ القلم؛ كم له في خدمة المقامات العالية أولادنا أثر جميل، وفعل جليّ جليل، وسلوك فلا يحتاج في الشمس إلى دليل؛ كم أحسن في مرّة، كم رددناه إلى الكرك كرّة؛ كم غلب على السحاب فرقى إليها، وبلغ النّجوم وله قدوم عليها؛ فلما انتقل والده القاضي تاج الدين عبد الوهاب إلى رحمة الله تعالى، احتاج إلى توقيع شريف بالاستقلال في وظيفة نظر الخاصّ الشريف التي خلت عن أبيه، ليعلم كلّ متطاول إليها أنه لا يصل إليها مع وجود بنيه؛ فما عاد إلا وعاد
بعين العناية محروسا، ولا أقبل على كرمنا إلا قال قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى
«1» فلذلك رسم بالأمر الشريف- زاد الله شرفه، ومكّن في الأرض تصرّفه- أن يفوّض إليه نظر الخاصّ الشريف بالممالك الإسلامية المحروسة، على عادة والده رحمه الله في هذه الوظيفة، وقاعدته في رتبتها المنيفة، ليقضي ما كان في خاطر أبيه من الوطر، ولأنه في أمثاله عين الأعيان والعين أولى بالنظر.
فليباشر ما أنعمت به صدقاتنا العميمة عليه على ما عهد منه بالأمس، وعرف به من حسن السلوك كمن يمشي في ضوء الشمس، وليقدّم تقوى الله والأمانة فهما أفضل ما يقدّم، وأجمل ما يعمل به من تقدّم، والنهضة فإنها هي التي تقوم بها المصالح، والتصدّي لما هو بصدده فإن به يتمّ كلّ عمل صالح، وليحتفظ على الخزائن العالية، وليكن فيها كواحد من رفقته عملا بالعادة [فيها]«2» ، وإلا فنحن نعلم من كفايته [أنه]«3» يكفيها، وليثمّر الجهات التي إليه مرجعها، والأموال التي يدوم إليه من العين تطلّعها، وليستجلب خواطر التّجّار بإيصال حقوقهم إليهم، والقائمين في خدمة أبوابنا الشريفة بتعجيل ما تنعم به صدقاتنا الشريفة عليهم، وليكن إلى ما تبرز به مراسمنا الشريفة مسارعا، ولها في كلّ ما أشكل عليه من الأمور مراجعا؛ وبقيّة هذا من كلّ ما يحتاج أن نوصيه بتعلّمه فقد علم مما جرت به عادتنا الشريفة بأن نقوله في مثله، ولهذا نختصر في الوصايا التي تشرح اكتفاء بما آتاه الله بنا من فضله؛ والله تعالى يأخذ به إلى النّجاح، ويفتتح له بنا أحسن الافتتاح؛ والاعتماد على الخطّ الشريف أعلاه، إن شاء تعالى.
وهذه نسخة توقيع بنظر الخاص:
الحمد لله الذي جعل خواصّ النّعم لملكنا الشريف لأجلّها، ونفائس الذخائر من دولتنا القاهرة بمحلّها، وأخاير المفاخر مبسوطا في أيّامنا ظلّها.
نحمده بمحامده التي لا نملّها، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرق مستهلّها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي ختمت به أنبياؤها ورسلها، وبعثه الله للأرحام يبلّها، وللأولياء يجلّها، وللأعداء يذلّها، ولسيوف النصر من الغمود يسلّها، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما شدّ على مطيّة رحلها، وولي المراتب أهلها، وسلّم تسليما كثيرا.
وبعد، فإنّ خزائن ملكنا الشريف مستودع كلّ ثمين، وممالكنا المعظّمة لا تعدق إلّا بالثّقة الأمين، ومتاجر خواصّنا الشريفة لا يثمّرها إلا من رأيه يعضّد قلمه في اليمين، والمتجر المحروس لا يقوم بنماء محصوله إلا من له حزم سديد وعزم متين، ونظر الخواصّ هو الذّروة العالية فمرتقيها على كل ما يعترضه معين.
ولما كان فلان هو المختار على يقين، والمخطوب لهذا المنصب ليزيده في التحسين والتّحصين، والذي إن نظر في القليل عاد كثيرا بالألوف والمئين؛ فإن دبّر تدبيرا حفظ وحرس وصين، وضبط في حسن الاعتماد بلغ إلى الصّين، وإن توجّه إلى الثغر المحروس تفجّر له عن أمواله الجمّة، وأخرج له من فاخر الحلل ما حسّن راقمه رقمه، وصدر عنه إلى أبوابنا الشريفة بالتّحف المثمنة، والحمول التي أوقرت «1» السّفن في النّيل، والإبل في السبيل، فأزال الغمّة، وأنار الأمور المدلهمّة، ونشر ما طواه لدينا فشكرنا له ما تقدّم به مما أتمّه.
فلذلك رسم بالأمر الشريف...... فليباشر هذا المنصب الكريم بتدبير يصلح الفاسد، وينفّق الكاسد، ويكبت الحاسد، ويكثّر الأموال، ويسعد