الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(معاوية بن أبي سفيان) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضا، فبقي إلى أن سلّم الحسن إليه الأمر ونزل له عن الخلافة في سنة إحدى وأربعين من الهجرة، وتوالت عليه خلفاء بني أميّة، واختاروه دارا لخلافتهم من لدن معاوية وإلى انقراض دولتهم بقتل (مروان بن محمد) آخر خلفائهم على ما تقدّم ذكره في الكلام على من ولي الخلافة.
ثم كانت دولة بني العباس فوليها في خلافة السّفّاح عمّه (عبد الله بن عليّ ابن عبد الله بن عباس) في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فبقي أيام السفّاح وبعض أيام المنصور بعده، ثم صرفه المنصور بولاية (أبي مسلم الخراساني) الشام ومصر في سنة سبع وثلاثين ومائة، ثم قتله المنصور بعد ذلك في السنة المذكورة. وتوالى عليه بعد ذلك عمّال خلفاء بني العباس إلى أن وليها (عبد الصمد)«1» بن عليّ، ثم عزله الرشيد «2» وولّى مكانه (إبراهيم بن صالح بن عليّ) ثم توالت عليه العمّال إلى أن غلب عليه (أحمد بن طولون) مع مصر على ما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
الضرب الثاني من وليها ملكا
قد تقدّم أن القواعد العظام بالشأم ستّ قواعد: وهي دمشق، وحلب، وحماة، وأطرابلس، وصفد، والكرك. وكل قاعدة من القواعد الست تشتمل على مملكة.
فأما (دمشق) فأول ملوكها (أحمد بن طولون) صاحب مصر بعد موت مقطعها أماجور في سنة أربع وستين ومائتين؛ وذلك أول اجتماع مصر والشأم
لملك واحد في الإسلام؛ ثم ملكها بعده مع مصر ابنه (خمارويه) ؛ ثم (هارون «1» بن خمارويه) ، وكان طغج بن جف نائبا عنهما بها، وفي أيام هارون تغلبت القرامطة على دمشق؛ ثم انتزعها منهم (المكتفي بالله) خليفة بغداد في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وأقام عليها (أحمد بن كيغلغ) أميرا، فبقي بها بقية أيام المكتفي، ثم أيام المقتدر، ثم أيام الظاهر. فلما ولي الراضي الخلافة، عزله عنها في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، وولّى عليها (الأخشيد) وهو محمد بن طغج بن جف، وذلك قبل أن يلي مصر في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة فاستناب على دمشق بدرا الأخشيديّ، فانتزعها منه (محمد بن رائق) في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، واستخلف عليها (أبا الحسين أحمد بن عليّ بن مقاتل) في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، ثم انتزعها منه (الأخشيد) المقدّم ذكره بعد ذلك وبقيت معه حتّى مات في سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، فوليها بعده ابنه (أنوجور) وهو صغير، وقام بتدبير دولته كافور الأخشيديّ الخادم، ثم انتزعها منه (سيف الدولة بن حمدان) صاحب حلب الآتي ذكره، ثم انتزعها منه (كافور الأخشيديّ) المقدّم ذكره وولّى عليها بدرا الأخشيديّ الذي كان بها أولا، فأقام بها سنة؛ ثم وليها (أبو المظفّر بن طغج، ثم لما مات أنوجور بن طغج، ملكها مع مصر أخوه (عليّ بن طغج) ثم (كافور) بعده، ثم (أحمد بن عليّ بن الأخشيد) بعده، وهو آخر من ملك منهم على ما تقدّم في الكلام على ملوك مصر.
ثم كانت الدولة الفاطمية بمصر: فملكها «2» (جوهر) قائد المعزّ الفاطميّ وخطب بها لمولاه المعز وأذّن بحيّ على خير العمل في سنة تسع وخمسين
وثلاثمائة، وقطعت الخطبة العباسية منها، وأقام بها جعفر بن فلاح نائبا، ثم تغلبت القرامطة عليها في سنة ستين وثلاثمائة، ثم اقتلعها منهم (المعزّ) وولّى عليها ريّان الخادم؛ ثم غلب عليها (افتكين)«1» مولى معز الدولة بن بويه الدّيلميّ، وقطع الخطبة منها للمعزّ الفاطميّ، وخطب لخليفة بغداد في سنة أربع وستين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها (المعز الفاطميّ) يعد ذلك وقبض عليه وأحضره معه إلى مصر؛ ثم بعد موت المعز وولاية ابنه العزيز تغلب عليها شخص اسمه (قسام)«2» إلا أنه كان يخطب فيها للعزيز؛ ثم انتزعها منه (العزيز) وقرر فيها (بكتكين)«3» في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها منه (بكجور)«4» مولى قرعويه صاحب حلب بأمر العزيز الفاطميّ صاحب مصر في سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة؛ ثم انتزعها منه وقرر فيها (منيرا الخادم) »
في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة؛ ثم استعمل الحاكم بن العزيز الفاطميّ عليها (أبا محمد الأسود) في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، ثم انتزعها منه (أنوش تكين) الدّزبريّ «6» بأمر المستنصر الفاطميّ في سنة تسع وعشرين وأربعمائة، ثم أمر «7» بالخروج عن
طاعته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ فخرج عنها وفسد أمرها بذلك؛ ثم تغلب عليها (أتسز بن أرتق) الخوارزميّ أحد أمراء السلطان ملكشاه السّلجوقيّ في سنة ثمان وستين وأربعمائة، وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطميّ وخطب للمقتدي العباسيّ، ومنع من الأذان بحيّ على خير العمل، ولم يخطب بعد ذلك بالشام لأحد من الفاطميين «1» ، ثم غلب عليها (تتش بن ألب أرسلان) بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، وملكها في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتوفي؛ فملكها بعده ابنه (دقاق) وأشرك معه في الخطبة أخاه رضوان صاحب حلب مقدّما لرضوان في الذكر في الخطبة بعد حرب جرت بينهما، وتوفي دقاق سنة تسع وتسعين وأربعمائة، فخطب طغتكين أتابك دولته لابن دقاق، وهو طفل عمره سنة واحدة، ثم قطع الخطبة له وخطب لعمه بلتاش بن تتش، ثم قطع الخطبة لبلتاش وأعاد الخطبة للطفل، وهو آخر من خطب له بدمشق من بني سلجوق؛ ثم استقر (طغتكين) المقدّم ذكره في ملك دمشق بنفسه، وبقي حتّى توفي في سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وملك بعده ابنه (تاج الملوك توري) بعهد من أبيه، وتوفي سنة ست وعشرين وخمسمائة؛ وملك بعده ابنه (شمس الملوك إسماعيل) بعهد من أبيه.
ثم ملك بعده أخوه (شهاب الدين محمود بن توري) فبقي حتّى قتل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وملك بعده ابنه (مجير الدين أرتق) وفي أيامه تغلبت الفرنج على ناحية دمشق.
ثم انتزعها منهم الملك العادل (نور الدين محمود بن زنكي) المعروف بنور الدين الشهيد وملكها في سنة تسع وأربعين وخمسمائة، واجتمع له ملك سائر الشام معها، وهو الذي بنى أسوار مدن الشام حين وقعت بالزلازل كدمشق وحماة وحمص وحلب وشيزر وبعلبكّ وغيرها؛ وتوفي فملك بعده ابنه (الملك الصالح إسماعيل) وعمره إحدى عشرة سنة، وبقي بها حتّى انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) صاحب مصر في سنة سبعين وخمسمائة، وقرر فيها أخاه سيف الإسلام طغتكين بن أيوب؛ ثم استخلف عليها السلطان صلاح الدين بعد ذلك ابن أخيه عزّ الدين (فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب) في سنة ست وسبعين وخمسمائة؛ ثم صرفه عنها وقرّر فيها ابنه الملك الأفضل (نور الدين عليّا) ؛ وهو الذي وزّر له الوزير ضياء الدين بن الأثير صاحب «المثل السائر» .
ثم انتزعها منه أخوه الملك العزيز (عثمان ابن السلطان صلاح الدين) صاحب مصر بعد وفاة أبيه بمعاضدة عمه العادل أبي بكر في سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة، والخليفة يومئذ ببغداد الناصر لدين الله، وكان يميل إلى التشيّع، فكتب إليه الأفضل عليّ يستجيشه على أخيه العزيز عثمان وعمه العادل أبي بكر؛ من شعره:
مولاي! إنّ أبا بكر وصاحبه
…
عثمان قد غصبا بالسّيف حقّ علي
فانظر إلى حظّ هذا الاسم كيف لقي
…
من الأواخر ما لاقى من الأول
فكتب إليه الناصر لدين الله في جوابه:
غصبوا عليّا حقّه إذ لم يكن
…
بعد النبيّ له بيثرب ناصر
فاصبر فإنّ غدا عليك حسابهم
…
وابشر فناصرك الإمام النّاصر
ولكنه لم يجاوز القول إلى الفعل؛ ثم سلمها العزيز بعد ذلك لعمه (العادل أبي بكر) فقرّر فيها ابنه الملك المعظم عيسى مضافة إلى ما بيده من الكرك والشّوبك، وكان يخطب فيها لأبيه العادل، ثم لأخيه الكامل محمد صاحب مصر، وبقي حتّى توفي في سنة أربع وعشرين وستمائة، وملك بعده ابنه (الملك الناصر
صلاح الدين داود) ، وهو صغير.
ثم انتزعها منه الملك الناصر (محمد بن العادل أبي بكر) صاحب مصر واستخلف فيها أخاه الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن العادل أبي بكر، فبقي حتّى توفي في سنة خمس وثلاثين وستمائة.
وملكها بعده أخوه (الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر) بعهد منه [فانتزعها منه الملك الكامل بن العادل أبي بكر]«1» في جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة وتوفي «2» في السنة المذكورة.
فملك بعده الملك الجواد (يونس بن مودود)«3» بن العادل أبي بكر.
ثم انتزعها منه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن العادل أبي بكر في سنة ست وثلاثين وستمائة، ثم أقام فيها الملك المغيث فتح الدين عمر نائبا عنه.
ثم انتزعها منه (الملك الصالح إسماعيل بن العادل أبي بكر) صاحب بعلبكّ في سنة سبع وثلاثين وستمائة.
ثم انتزعها منه الملك الصالح (نجم الدين أيوب) بن الكامل محمد صاحب مصر وتسلمها له (معين الدين بن الشيخ) في سنة ثلاث وأربعين وستمائة وتوفي قبل أن يتسلمها فتسلّمها له حسام الدين بن أبي عليّ في السنة المذكورة، ولم تزل بيد نوّاب الصالح أيوب حتّى مات في سنة سبع وأربعين وستمائة.
ثم ملكها بعد وفاته (الملك الناصر يوسف) بن العزيز محمد صاحب حلب في سنة ثمان وأربعين وستمائة، فبقي بها إلى أن غلب عليها هولاكو في سنة
ثمان وخمسين وستمائة، وكان آخر أمر الناصر المذكور أنه لحق «1» بهولاكو المذكور فأقام عنده مدّة ثم قتله.
ثم كانت الدولة التركية فملكها منهم (الملك المظفّر قطز) صاحب مصر حين غلبته التتار على عين جالوت، ثم توالى عليها نوّاب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى سلطنة (الناصر فرج) بن الظاهر برقوق في زماننا على ما تقدّم ذكره في الكلام على ملوك الديار المصرية؛ ولم أقف على أسماء نوّابها لطول المدة وقلة اعتناء المؤرّخين بذكر أسمائهم.
وأما حلب فقد تقدّم أن منزل الجند في ابتداء الإسلام كان بقنّسرين، ثم طرأت عليها حلب بعد ذلك وأضعفتها. ولعل ابتداء أمرها كان في ابتداء الدولة الطّولونية، وقد كان أحمد بن طولون استولى عليها حين استيلائه على دمشق وصارت في ملكه تبعا للديار المصرية كدمشق. وكان بها نوّابه ثم نوّاب ابنه خمارويه، ثم نواب جيش بن خمارويه، ثم هارون بن خمارويه في نيابة طغج ابن جفّ عن هارون وجيش المذكورين؛ ثم كانت مع دمشق في نيابة أحمد بن كيغلغ، ثم في نيابة الأخشيد محمد بن طغج بن جف قبل أن يلي مصر، ثم في نيابة بدر الأخشيدي على ما تقدّم في الكلام على مملكة دمشق.
ثم انتزعها من بدر الأخشيدي (سيف الدولة بن حمدون) التغلبي الربعيّ؛ وملكها في سنة ثلاث وثلاثمائة، وبقي بها حتّى توفي في سنة ست وخمسين وثلاثمائة؛ وملكها بعده ابنه (سعد الدولة أبو المعالي شريف) .
ثم انتزعها منه (قرعويه) غلام أبيه في سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة، ثم غلب عليها (بكجور) غلام قرعويه المذكور بعد ذلك واقتلعها منه.
ثم انتزعها منه (سعد الدولة) المقدّم ذكره، ثم تقلد بها أبو عليّ بن مروان من الخليفة الفاطميّ يومئذ بمصر في سنة ثمانين وثلاثمائة ولم يدخلها، وبقيت بيد سعد الدولة المذكور حتّى توفي بالفالج في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة.
ثم ملك بعده ابنه (أبو الفضل) مكانه.
ثم انتزعها منه (أبو نصر بن لؤلؤ) وخطب بها للحاكم الفاطميّ، ثم أمره الحاكم بتسليمها إلى نوابه بها فتسلموها منه واستقرّت بأيديهم حتّى انتهت إلى نائب من نوابه اسمه (عزيز الملك) فبقي بها بقية أيام الحاكم وبعض أيام ابنه الظاهر؛ ثم وليها عن الظاهر رجل يقال له (ابن شعبان) ثم تغلب عليها (صالح بن مرداس) أمير بني كلاب في سنة أربع وعشرين وأربعمائة؛ ثم قتل في أيام الظاهر الفاطميّ فملكها بعده (شبل الدولة نصر بن صالح) .
ثم انتزعها منه (أنوش تكين الدّزبريّ) بأمر المستنصر العلويّ في شعبان سنة تسع وعشرين وأربعمائة، وبقي حتى توفي في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ وملكها بعده (معز الدولة ثمال بن صالح بن مرداس) ثم ملك قلعتها بعد ذلك في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة؛ ثم تسلمها منه مكين الدولة (الحسن بن عليّ بن ملهم) في سنة تسع وأربعين وأربعمائة بصلح وقع بينه وبين الفاطميين على ذلك.
ثم انتزعها منه (محمود بن شبل الدولة) بن صالح المقدّم ذكره، وملك قلعتها في سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
ثم انتزعها منه (معز الدولة ثمال بن صالح) في ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة، وبقي بها حتّى توفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة.
وملكها بعده أخوه (عطية بن صالح) في السنة المذكورة.
ثم انتزعها منه ابن اخيه (محمود بن شبل الدولة) المقدّم ذكره في رمضان
سنة أربع وخمسين وأربعمائة، وبقي بها حتّى توفي في ذي الحجّة سنة ثمان وستين وأربعمائة.
وملكها بعده ابنه (نصر بن محمود) ثم قتله التّركمان.
وملكها بعده أخوه (سابق بن محمود) .
ثم انتزعها منه شرف الدولة (مسلم بن قريش) صاحب الموصل، وقتل في صفر سنة سبع وسبعين وأربعمائة.
وملكها بعده أخوه (إبراهيم بن قريش) .
ثم انتزعها منه (تتش بن ألب أرسلان) السّلجوقيّ صاحب دمشق في السنة المذكورة.
ثم انتزعها منه (السلطان ملكشاه السلجوقيّ) وسلمها إلى قسيم الدولة آقسنقر؛ ثم استعادها (تتش بن ألب أرسلان) المقدّم ذكره بعد موت ملكشاه واستضافها إلى دمشق، وانبسط ملكه حتّى ملك بعد ذلك أذربيجان، وبقي حتّى قتل في صفر سنة ثمان وثمانين وأربعمائة.
وملكها بعده ابنه (رضوان)«1» في سنة ثمان وثمانين وأربعمائة، وبقي حتّى توفي في سنة سبع وخمسمائة.
وملكها بعده ابنه (سلطان شاه بن رضوان) .
ثم انتزعها منه (ايلغازي بن أرتق) صاحب مادرين وسلمها إلى ولده حسام
الدين تمرتاش؛ ثم غلب عليها (سليمان بن أرتق) وعصى بها على أبيه فانتزعها أبوه منه وسلّمها إلى ابن أخيه (سليمان بن عبد الجبّار بن أرتق) في رمضان سنة ست عشرة وخمسمائة.
ثم انتزعها منه عمه (بلك بن بهرام بن أرتق) ، وبقي بها حتّى قتل في سنة سبع عشرة وخمسمائة؛ وملكها بعده ابن عمه (تمرتاش بن ايلغازي) في ربيع الأول من السنة المذكورة؛ ثم حاصرها الفرنج، وهي في يده فخلصها منهم آقسنقر البرسقيّ صاحب الموصل، وملكها مع ماردين في السنة المذكورة، وبقي حتّى قتلته الباطنية في سنة عشرين وخمسمائة.
وملكها بعده ابنه (عز الدين مسعود) واستخلف بها أميرا من أمرائه اسمه قايماز، ثم استخلف عليها بعده رجلا اسمه كيغلغ.
ثم انتزعها منه (سليمان بن عبد الجبار) بن أرتق المقدّم ذكره.
ثم انتزعها منه (عماد الدين زنكي) صاحب الموصل في المحرّم سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، وملك معها حماة وحمص وبعلبكّ، وبقي حتّى قتله غلمانه في ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وخمسمائة.
ثم ملك بعده ابنه الملك العادل (نور الدين محمود) وبقي إلى أن توفّي.
وملك بعده ابنه (الصالح إسماعيل) فبقي بها بعد ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب دمشق حتّى توفّي بها في سنة سبع وسبعين وخمسمائة.
وملكها بعده بوصية منه ابن عمه (عز الدين مسعود) بن مودود بن زنكي بن مودود في السنة المذكورة.
ثم انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة تسع وسبعين وخمسمائة، وقرّر فيها ابنه الظاهر غياث الدين غازي.
ثم انتزعها منه وسلمها لأخيه (العادل أبي بكر بن أيوب) في السنة المذكورة، ثم أعاد إليها ابنه الظاهر غازي المقدّم ذكره في سنة اثنتين وثمانين
وخمسمائة، فبقي بها حتّى توفّي في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وستمائة.
وملكها بعده ابنه (الملك العزيز محمد) فبقي بها حتّى توفّي في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وستمائة.
ثم ملكها بعده ابنه الملك (الناصر يوسف) وعمره سبع سنين ولم تزل بيده حتّى استولت عليها التتار في سنة ثمان وخمسين وستمائة.
ثم كانت الدولة التركية. فكان أول من ملكها من ملوك الترك (المظفّر قطز) حين كسر التتار على عين جالوت على ما تقدّم ذكره في الكلام على مملكة دمشق، ثم توالى عليها نواب ملوك الترك من لدن المظفر قطز وإلى زماننا في سلطنة الناصر فرج بن الظاهر برقوق على ما تقدّم ذكره في الكلام على مملكة الديار المصرية.
وأما حماة. فقد تقدّم في الكلام على قواعد الشام أن الذكر في القديم إنما كان لحمص، وإنما تنبّهت حماة في الذكر في الدولة الأتابكية: عماد الدين زنكي. وذلك أن حماة كانت تبعا لغيرها من الممالك، تارة تضاف إلى دمشق، وتارة إلى حلب.
فكانت مع دمشق بيد (طغتكين) أتابك دولة رضوان بن تتش السلجوقيّ في سنة تسع وخمسمائة.
ثم انتزعها منه السلطان (محمد بن ملكشاه السلجوقيّ) في السنة المذكورة، وسلمها للأمير (فيرخان بن قراجا) .
ثم ملكها (توري بن طغتكين) وقرر بها ابنه سونج فبقيت بيده حتّى انتزعها منه عماد الدين زنكي في سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة.
ثم انتزعها منه بعد ذلك (تاج الملوك إسماعيل بن توري) بن طغتكين السلجوقيّ في سنة سبع وعشرين وخمسمائة.
ثم ملكها (العادل نور الدين محمود بن زنكي) مع دمشق وحلب وغيرهما
في سنة إحدى وأربعين وخمسمائة؛ ثم صارت بعده مع غيرها من البلاد الشامية إلى ابنه (الصالح إسماعيل) فبقيت بيده حتّى انتزعها منه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة سبعين وخمسمائة، وقرّر فيها خاله شهاب الدين الحارمي، ثم قرّر فيها أخاه تقيّ الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب في سنة أربع وسبعين وخمسمائة، فبقيت بيده حتّى توفّي في سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
فوليها بعده ابنه الملك المنصور (ناصر الدين محمد) فبقي بها حتّى انتزعها منه أخوه (الملك المظفر محمود) في سنة ست وعشرين وستمائة، فبقي بها حتّى توفي في سنة ثلاث وأربعين وستمائة.
ووليها بعده ابنه (الملك المنصور محمد) فبقي حتّى غلب عليها هولاكو ملك التتار مع دمشق وحلب وغيرهما، فقرّر «1» بها المظفر قطز صاحب مصر بعد هزيمة التتار، فبقي بها حتّى توفي في سنة ثلاث وثمانين وستمائة.
فوليها بعده ابنه (المظفر شادي) عن المنصور قلاوون صاحب مصر بعهد منه، وبقي بها حتّى توفي في سنة ثمان وتسعين وستمائة في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون في سلطنته الثانية.
فولّى الملك الناصر مكانه (قراسنقر) أحد أمرائه نائبا عليها، وكان العادل كتبغا بعد خلعه من السلطنة قد استقر نائبا بصرخد فنقله الملك الناصر محمد بن قلاوون اليها بعد هزيمة غازان ملك التتار، وجعله نائبا بها في سنة اثنتين وسبعمائة، ومات بعد ذلك.
فولّى الملك الناصر مكانه في نيابتها (قبجق) أحد أمرائه ثم صرفه عنها وولّى مكانه (أستدمر الكرجي) ثم صرفه عنها بعد عوده من الكرك.
وولّى فيها الملك المؤيد (عماد الدين إسماعيل) بن الأفضل عليّ، بن المظفر عمر سلطنة على عادة من تقدّمه فيها من الملوك الأيوبية، وكتب له بذلك عهدا عنه، فبقي بها إلى أن توفّي في سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
فولّى السلطان الملك الناصر مكانه ابنه (الملك الأفضل محمد) وكتب له بذلك عهدا أيضا، فبقي بها حتّى أزاله قوصون أتابك العساكر في سلطنة المنصور أبي بكر بن الناصر محمد بن قلاوون في سنة إحدى وأربعين وسبعمائة.
وولّى مكانه الأمير (طقزدمر) نائبا بها، واستقرت نيابة إلى الآن، يتوالى عليها نواب ملوك مصر نائبا بعد نائب إلى زماننا كغيرها من الممالك الشامية، وانقطعت مملكة بني أيوب من الشام بذلك.
وأما أطرابلس، فكان قد تغلب عليها قاضيها أبو عليّ بن عمّار وملكها وطالت مدّته فيها.
ثم انتزعها منه (المستنصر الفاطميّ) خليفة مصر مع غيرها من السواحل الشامية، فبقيت بيده حتّى غلب عليها القومص «1» فملكها في سنة ثلاث وخمسمائة، فبقيت في أيدي الفرنج من حينئذ إلى أن فتحها «الملك المنصور قلاوون» أحد ملوك الديار المصرية في سنة ثمان وثمانين وستمائة بعد أن مضى عليها في يد الفرنج مائة وخمس وثمانون سنة وأعجز فتحها من مضى من ملوك بني أيوب فمن بعدهم. ومن حين فتحها جعلت نيابة، وتوالى عليها نواب ملوك مصر من لدنه إلى زماننا.
وأما صفد، فقد تقدّم في الكلام على قواعد الممالك الشامية أنها كانت في القديم قرية وأن الفرنج الدّموية بنتها واستحدثت حصنها في سنة خمس وسبعين وأربعمائة.
ثم فتحها (الظاهر بيبرس) بعد ذلك في رابع عشر شوال سنة أربع وستين وستمائة، وقرّر بها الأمير كيغلدي العلائيّ نائبا، وتوالى عليها بعد ذلك نواب ملوك مصر من لدن الظاهر بيبرس وإلى زماننا في سلطنة الملك الناصر فرج بن الظاهر برقوق.
وأما الكرك، فقد تقدّم أن قلعتها كانت ديرا لرهبان، وكانت بيد الفرنج، وأن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فتحها، وقرّر فيها أخاه (الملك العادل أبا بكر بن أيوب) فبقيت بيده إلى أن مات السلطان صلاح الدين، فقرّر فيها ابنه (الملك المعظم عيسى) فبقيت في يده إلى أن استضاف إليها دمشق، وتوفّي في سنة أربع وعشرين وستمائة.
وملكها بعده ابنه (الملك الناصر صلاح الدين داود) في سنة ست وعشرين وستمائة، وبقي إلى سنة سبع وأربعين وستمائة، فاستخلف عليها ابنه (الملك المعظم عيسى) بعد أن أخذ منه غالب بلاده وفرّ بنفسه «1» .
ثم انتزع (الصالح نجم الدين أيوب) الكرك من المعظم عيسى بن الناصر داود في السنة المذكورة، وأقام بها بدر الدين الصوابي نائبا عنه، وبقي الناصر داود بعد ذلك مشرّدا في البلاد إلى أن مات في سنة خمس وخمسين وستمائة، وكان من أهل العلم والورع، وله شعر رائق، منه:
ألا ليت أمّي أيّم طول دهرها
…
ولم يقضها ربّي لمولى ولا بعل!
ويا ليتها لما قضاها لسيّد
…
لبيب أريب طيّب الفرع والأصل،
قضاها من اللاتي خلقن عواقرا
…
ولا بشّرت يوما بأنثى ولا فحل
ويا ليتها لمّا غدت بي حاملا
…
أصيب من احتفّت عليه من الحمل
ويا ليتني لمّا ولدت وأصبحت
…
تشدّ إليّ الشّدقميّات «1» بالرّحل،
لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم
…
ولم أر في الإسلام ما فيه من ثكل
وكان الملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب معتقلا بالشّوبك، فأخرجه الصوابي نائب الملك الصالح وملّكه الكرك فبقي بها حتّى قبض عليه الملك الظاهر بيبرس وقتله في سنة إحدى وسبعين وستمائة، وهو آخر من ملكها من بني أيوب.
قلت: وأما غير هذه الممالك كحمص وبعلبكّ فإنما كانت في الغالب تبعا لغيرها حتّى إن حمص وبعلبكّ حين استولت التتار على الشام في آخر الدولة الايوبية كانتا مضافتين إلى دمشق.
واعلم أن غالب أطراف البلاد الشامية ومضافاتها كانت بأيدي ملوك متفرّقة من قديم الزمان وبعضها حدث انفراده، ثم تنقلت بها الأحوال حتّى استولى على كثير منها أهل الكفر، وصارت بأيديهم إلى أن قيّض الله تعالى لها من فتحها؛ ثم استعاد أهل الكفر منها ما استعادوا، ثم فتح ثانيا على ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
من ذلك القدس «2» - كانت بيد تتش بن ألب أرسلان السّلجوقيّ صاحب دمشق المتقدّم ذكره. كان قد أقطعها للأمير أرتق جدّ ملوك ماردين الآن. فلما توفّي أرتق المذكور صار القدس لولديه ايلغازي وسقمان، وبقي بيديهما إلى أن انتزعه منهما (المستنصر الفاطميّ) في سنة تسع وثلاثين وأربعمائة، وبقي بيده إلى أن ملكه الفرنج منه في سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، بعد أن بذلوا السيف في المسلمين نحو سبعة أيام وقتلوا في المسجد الأقصى ما يزيد على تسعين ألف
نفس، وبقي بيديهم حتّى فتحه السلطان (صلاح الدين يوسف بن أيوب) في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، ثم استعاده الفرنج من الملك الكامل محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب بمهادنة جرت بينهم في سنة ست وعشرين وستمائة.
ثم انتزعه منهم (الملك الناصر داود) صاحب الكرك في سنة سبع وثلاثين وستمائة.
ثم سلمه (الصالح إسماعيل) صاحب دمشق (والناصر داود) صاحب الكرك المتقدّم ذكره للفرنج بعد ذلك ليكونوا عونا لهما على الصالح نجم الدين أيوب صاحب مصر في سنة إحدى وأربعين وستمائة.
ثم فتحه الصالح (نجم الدين أيوب) صاحب مصر واقتلعه من أيديهم في سنة اثنتين وأربعين وستمائة؛ فاستمر بأيدي المسلمين إلى الآن.
ومن ذلك بلاد السواحل الشامية كانت بأيدي أناس متفرّقة.
فأما أطرابلس وصفد، فقد تقدّم الكلام عليهما في الكلام على ملوك الممالك الشامية. وأما غيرهما من بلاد السواحل وما والاها، فإن غالبها كان بيد الفاطميين خلفاء مصر إلى أن ضعفت دولتهم في أيام المستنصر أحد خلفائهم، فقصدت الفرنج هذه السواحل من كل جهة واستولوا على بلادها شيئا فشيئا.
فاستولوا على عكّا وجبيل في سنة تسع وتسعين وأربعمائة، وعلى صيدا في سنة أربع وخمسمائة، واستشرى فسادهم حتّى ملكوا بيروت وعسقلان وصور وأنطرسوس والمرقب وأرسوف واللاذقيّة ولداّ والرملة ويافا ونابلس وغزّة وبيت لحم وبيت جبريل، وغير ذلك من بلاد السواحل وما جاورها، فبقيت في أيديهم حتّى فتحها السلطان «صلاح الدين يوسف بن أيوب» فيما بين الثلاث والثمانين والخمسمائة إلى الثمان والثمانين والخمسمائة.
ثم عقد الهدنة بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين على أن تكون يافا وأرسوف وعكّا وقيساريّة وأعمالها بيد الفرنج، وأن تكون لدّ والرملة مناصفة بينهم
وبين المسلمين.
ثم استولوا على بيروت في سنة أربع وتسعين وخمسمائة؛ ثم وقعت الهدنة بعد ذلك بين الفرنج وبين العادل أبي بكر بن أيوب في سلطنته في سنة إحدى وستمائة على أن تستقرّ بيد الفرنج يافا وتترك لهم مناصفة لدّ والرملة.
ثم استعاد الفرنج عكّا في سنة أربع عشرة وستمائة في أيام العادل أبي بكر المذكور.
ثم استولوا على صيدا وما معها في أيام ابنه الكامل محمد في سنة ست وعشرين وستمائة قبل تسليمه القدس لهم.
ثم سلمهم الصالح إسماعيل صاحب دمشق صفد والشّقيف على أن يعاونوه على الصالح أيوب صاحب مصر في سنة ثمان وثلاثين وستمائة.
ثم سلمهم الصالح إسماعيل والناصر داود صاحب الكرك عسقلان وطبريّة حين سلماهم القدس في سنة إحدى وأربعين وستمائة.
ثم فتح «الصالح أيوب» صاحب مصر غزّة واستولى عليها في سنة اثنتين وأربعين وستمائة.
ثم فتح (الظاهر بيبرس) في سنة اثنتين وستين وستمائة قيساريّة وأرسوف؛ وصفد ويافا في سنة أربع وستين وستمائة. وفتح صهيون في سنة ست وستين وستمائة، وأطرابلس في سنة ثمان وثمانين.
ثم فتح ابنه (الأشرف خليل) عكّا في سنة تسعين وستمائة، وتتابعت فتوحه ففتح صيدا وبيروت وعثليث في السنة المذكورة. وبفتوحه تكاملت بلاد السواحل بأجمعها. ولما فتحت هدمت جميعها خوفا أن يملكها الفرنج ثانيا وبقيت بأيدي المسلمين إلى الآن.
ومن ذلك أنطاكية- التي هي قاعدة العواصم. فإنها كانت بيد باغي سيان «1» ابن محمد بن ألب أرسلان السلجوقي إلى أن غلب عليها الفرنج في سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وقتلوا باغي سيان المذكور، وقتل فيها ما يزيد على مائة ألف نفس بعد حصار تسعة أشهر، وملكوا معها كفر طاب، وصهيون، والشّغر وبكاس، وسرمين والدّر بساك وغيرها من بلاد حلب، وبالغوا حتّى جاوزوا الفرات إلى بلاد الجزيزة؛ وملكوا الرّها وسروج وغيرهما من بلادها حتّى فتح السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب الشّغر وبكاس وسرمين وغيرها في سنة أربع وثمانين وخمسمائة.
ثم استعادتها الفرنج بعد فتحه؛ ثم فتح أنطاكية «الظاهر بيبرس» في سنة ست وستين وستمائة، فبقيت في أيدي المسلمين إلى الآن.
ومن ذلك- باقي بلاد الثّغور والعواصم كآياس وأذنة والمصّيصة وطرسوس وبغراس وبهسنى والدّر بساك وسيس وغيرها من بلاد الثغور. فإن الأرمن وثبوا عليها قبل الأربعمائة واستولوا على نواحيها ومنعوا ما كانوا يؤدّونه من الإتاوة للمسلمين، واستضافوا إلى ذلك قلعة الروم وما قاربها، فبقيت في أيديهم حتّى فتح الظاهر بيبرس بغراس وبهسنى والدّر بساك وغيرها، وانتزعها من الأرمن في سنة ثمان وستين وستمائة.
وفتح الأشرف «خليل بن قلاوون» قلعة الرّوم، وانتزعها من يد خليفتهم في سنة إحدى وتسعين وستمائة، وسمّاها قلعة المسلمين على ما تقدّم في الكلام على الأعمال الحلبية.
وفتح «الناصر محمد بن قلاوون» في سلطنته الثالثة آياس «2» ، وما والاها