الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجملة الثانية فيما يدخل في هذه المملكة من الأقاليم العرفية، وهي سبعة أقاليم
الإقليم الأوّل منها ما وراء النهر
قال في «تقويم البلدان» : والذي ظهر لنا في تحديد ما وراء النهر أنه يحيط به من جهة الغرب حدود خوارزم، ومن الجنوب نهر جيحون من لدن بذخشان إلى أن يتصل بحدود خوارزم، فإن جيحون في الجملة يجري من الشرق إلى الغرب، وإن كان يعرض فيه عطفات تجري جنوبا مرة وشمالا أخرى. ثم قال: أما حدوده من الشرق والشّمال فلم تتضح لي. قال صاحب «كتاب أشكال الأرض» : وما وراء النهر من أخصب الأقاليم منزلة، وأنزهها وأكثرها خيرا، وأهلها يرجعون إلى رغبة في الخير، واستجابة لمن دعاهم، مع قلة غائلة، وسلامة ناحية، وسماحة بما ملكت أيديهم؛ مع شدّة شوكة ومنعة وبأس ونجدة وعدّة وعدّة وآلة وكراع وبسالة وعلم وصلاح؛ وليس من إقليم إلا ويقحط أهله مرارا قبل أن يقحط ما وراء النهر مرة واحدة، ثم إن أحسّوا ببرد أو بجراد أو بآفة تأتي على زروعهم وغلاتهم، ففي فضل ما يسلم في عروض بلادهم ما يقوم بأودهم حتّى يستغنوا به عن شيء ينقل إليهم من غير بلدهم، قال: وليس بما وراء النهر مكان يخلو من مدن أو قرى أو مراع لسوائمهم؛ وليس من شيء لا بدّ للناس منه إلا وعندهم منه ما يقيم أودهم ويفضل عنهم لغيرهم؛ ومياههم أعذب المياه وأبردها وأخفّها، وقد عمّت جبالها وضواحيها ومدنها إلى التمكن «1» من الجدّ في جميع أقطارها، والثلوج من جميع نواحيها، والغالب على أهل المال والثروة بها صرف المال في عمل المدارس وبناء الرّبط وعمارة الطرق، والأوقاف على سبل الجهاد ووجوه الخير، وعقد القناطر، إلا القليل من ذوي البطالة.
وفيها من الدّواب الخيل والبغال والحمير والإبل البخت والبقر، والغنم أكثرهم فإنها كما يقال أعوزها للزرائب، وفيها من المباح ما فيه كفايتهم، ولهم من نتاج الغنم الكثير والسائمة المفرطة. وذكر أنه يوجد عند آحاد العامة من عشرين دابة إلى خمسين دابة لا كلفة عليه في اقتنائها لكثرة الماء والمرعى.
وفيها من الحبوب القمح والشّعير والحمّص والأرزّ والدّخن «1» وسائر الحبوب خلا الباقلا، وبها من الفواكه المنوّعة الأجناس العنب، والتّين، والرّمّان والتّفّاح، والكمّثرى، والسّفرجل، والخوخ، والمشمش، والتّوت والبطّيخ الأصفر، والبطّيخ الأخضر، والخيار والقثّاء.
وفيها من البقول اللّفت والجزر والكرنب والباذنجان، والقرع وسائر أنواع البقول.
وفيها من الرياحين الورد والبنفسج والآس واللّينوفر والحبق، ولا يوجد بها الأترجّ والنّارنج واللّيمون والليم «2» ، ولا الموز ولا قصب السّكّر، ولا القلقاس، ولا الملوخيا، فإنها من ذلك عارية الحدائق، خالية المروج، إلا ما أتي به إليها من المحمضات مجلوبا.
وفيها أصناف الملبوس: من القزّ والصّوف وطرائف البزّ.
وفيها من المعادن معدن زئبق لا يعادله معدن في الغزارة.
وقد اشتمل ما وراء النهر على عدة كور:
(منها) السّغد. قال في «اللّباب» : بضم السين المهملة وسكون الغين المعجمة ودال مهملة في الآخر، ويقال الصّغد بالصاد بدل السين، ويضاف إلى سمرقند، فيقال سغد سمرقند، وهو أحد منتزهات الدّنيا الأربعة التي هي غوطة
دمشق، ونهر الأبلّة، وشعب بوّان وسغد سمرقند. قال ابن حوقل: وهو أنزه الأربعة لأنه ممتدّ نحو ثمانية أيام، مشتبك الخضرة والبساتين، لا ينقطع ذلك في موضع منه، وقد حفّت تلك البساتين بالأنهار الدائم جريها، ومن وراء الخضرة من الجانبين مزارع، ومن وراء المزارع مراعي السوائم ثم قال: وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجارا.
ومنها أسروشنة. قال في «اللباب» : بضم الألف وسكون السين وضم الراء المهملتين وسكون الواو وفتح الشين المعجمة «1» ثم نون. قال ابن حوقل:
والغالب عليها الجبال، ويحيط بها من الشرق بعض فرغانة، ومن الغرب حدود سمرقند، ومن الشّمال بعض فرغانة أيضا، ومن الجنوب بعض حدود كشّ والصّغانيان. قال أحمد الكاتب: ولها عدّة مدن، ويقال إن بها أربعمائة حصن.
(ومنها) فرغانة. قال في «المشترك» : بفتح الفاء وسكون الراء المهملة وفتح الغين المعجمة وألف ونون. قال ابن حوقل: وفيها مدن وكور. وإليها ينسب جماعة من العلماء، منهم أبو سعيد الفرغانيّ «2» شارح «تائية ابن الفارض» «3» قال ابن حوقل: وبجبال فرغانة معادن الذهب والفضة والفيروزج والحديد.
وقاعدتها بخارا «4» . قال في «اللباب» : بضم الباء الموحدة وفتح الخاء المعجمة ثم ألف وراء مهملة مفتوحة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول سبع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة خارجها
نزه كثير البساتين. قال: وليس بتلك البلدان بلد أهلها أحسن قياما على عمارة قراهم منهم. ويحيط بها وبقراها ومزارعها سور واحد اثنا عشر فرسخا، ولها كورة عظيمة تصاقب جيحون على معبر خراسان وبها يتصل سغد سمرقند. قال في «مسالك الأبصار» : وهي أم الأقاليم ويمّ التقاسيم وقد كانت [مستقرّا] للدولة السامانية ومركز أفلاكهم الدائرة، وكانت تلك الممالك كلها تبعا لها، قال صاحب «أشكال الأرض» «1» : ثم لم أر ولم أسمع بظاهر بلد أحسن من بخارا، لأنك إذا علوت لم يقع نظرك من جميع النواحي إلا على خضرة تتصل خضرتها بلون السماء، مكبة زرقاء على بساط أخضر، تلوح القصور فيما بين ذلك كالتّراس التبنية، أو الجحف اللمطيّة «2» ، أو الكواكب العلوية، بين أراض وضياع مقسومة بالاستواء، ممهدة كوجه المرآة في غاية الهندسة، ولها سبعة أبواب حديد: وهي باب المدينة، وباب يون، وباب خضرة، وباب الحديد، وباب قهندر، وباب بني أسد، وباب بني سعد، وليس فيها ماء جار لارتفاعها، ومياههم من النهر الأعظم الجاري من سمرقند وإليها ينسب الإمام الحافظ (أبو عبد الله البخاريّ) صاحب الجامع الصحيح في الحديث.
ولها عدّة مدن:
(منها) الطّواويس. قال في «اللباب» : بفتح الطاء المهملة والواو وبعد الألف واو ثانية مكسورة ومثناة تحت ساكنة وسين مهملة في الآخر- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول سبع وثمانون درجة وأربعون دقيقة، والعرض سبع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة من مضافات بخارا داخل الحائط الدائر على أعمال بخارا، كثيرة البساتين والماء الجاري. قال: وقد خربت الآن. وقال في «اللباب» : هي
قرية من قرى بخارا خرج منها جماعة من العلماء، وبينها وبين بخارا سبعة فراسخ، وإليها ينسب الطاووسي «1» صاحب «المصباح على الحاوي الصغير» في فقه الشافعية، ردّا لها في النسب إلى المفرد وهو الطاوس.
(ومنها) نخشب. قال في «اللباب» : بفتح النون وسكون الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم باء موحدة. قال في «تقويم البلدان» : فلما عربت قيل نسف- يعني بفتح النون والسين المهملة وفاء في الآخر. قال ابن حوقل: وهي في مستو من الأرض، والجبال منها على نحو مرحلتين مما يلي كشّ، وبينها وبين جيحون مفازة، ولها نهر يجري في المدينة وينقطع في بعض السنة، والغالب عليها الخصب. قال المهلبيّ: وهي وبيّة.
(ومنها) كشّ. قال في «المشترك» : بفتح الكاف ثم شين معجمة مشدّدة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسع وثمانون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض تسع وثلاثون درجة وثلاثون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي مدينة قدرها ثلث فرسخ في مثله، وهي خصبة وفواكهها تدرك قبل فواكه غيرها من بلاد ما وراء النهر؛ وطول عملها أربعة أيام في نحوها. قال المهلبيّ: ولها رستاق جليل، ولها نهران، وإليها ينسب جماعة من العلماء.
(ومنها) سمرقند. قال في «تقويم البلدان» : بفتح السين المهملة والميم وسكون الراء المهملة وفتح القاف وسكون النون ثم دال مهملة- وموقعها في الإقليم الخامس. قال في «القانون» حيث الطول ثمان وثمانون درجة وعشرون دقيقة، والعرض أربعون درجة. قال ابن حوقل: وهي قصبة السّغد، وهي مبنية على ضفّة واديه، وهي مرتفعة عن الوادي؛ وحول سورها رسم خندق
عظيم؛ ولها نهر يدخل إليها على حمالات في الخندق معمول بالرّصاص وهو نهر جاهليّ يشقّ السوق بموضع يعرف برأس الطاق. قال ابن حوقل: ورأيت على باب من أبوابها يسمّى باب كشّ صفحة من حديد وعليها كتيّبة يزعم أهلها أنها بالحميريّة وأن الباب من بناء تبّع ملك اليمن، وأن من صنعاء إلى سمرقند ألف فرسخ، وأن ذلك مكتوب من أيام تبّع. قال: ثم وقعت فتنة بها في أيام مقامي بها وأحرق الباب وذهبت الكتابة. ثم أعاد عمارة الباب محمد بن لقمان بن نصر السامانيّ ولم يعد الكتابة. قلت: والمراد تبع المسمّى بأسعد أبا كرب؛ وقد أشرت إلى قضية تبّع في بناء سمرقند في الكتاب الذي أنشأته لأن يكتب عن الأبواب السلطانية بالديار المصرية إلى تمرلنك عند إرساله بالمفاوضة في الصلح بعد واقعة دمشق والقبض على ابن عثمان صاحب برسا من بلاد الروم بقولي بعد الدعاء:
«ولا زال بالنصر تقضي قواضبه، وبالظّفر وحسن الأثر تمضي مقانبه وتشاع مناقبه، وبلسان دولته القاهرة يصاح بتبّع سمرقند لن تبلغ هذه الرتبة حتّى نظّم الجزع ثاقبه» على ما سيأتي ذكره في الكلام على مكاتبة القان صاحب ما وراء النهر، في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة إن شاء الله تعالى.
قال في «مسالك الأبصار» : وسمرقند مدينة مرتفعة يشرف الناظر بها على شجر أخضر، وقصور تزهر، وأنهار تطّرد، وعمارة تتّقد، لا يقع الطّرف بها على مكان إلا ملأه، ولا بستان إلا استحسنه. قال صاحب «أشكال الأرض» : وقد نصصت «1» أسحار السير، وتشبهت بطوائف الحيوان: من الفيلة والإبل والبقر والوحوش المقبل بعضها على بعض. قال: وبها حصن ولها أربعة أبواب: باب مما يلي المشرق يعرف بباب الصّين، مرتفع عن وجه الأرض ينزل إليه «2» بدرج كثيرة، مطل على وادي السّغد، وباب مما يلي المغرب يعرف بباب النّوبهار على نشز من الأرض؛ وباب مما يلي الشّمال يعرف بباب بخارا، وباب مما يلي
الجنوب يعرف بباب كشّ قال: فيها ما في المدن العظام من الأسواق الحسان والحمامات والخانات والمساكن؛ وبناؤها من طين وخشب؛ والبلد كله، طرقه وسككه وأسواقه وأزقّته مفروشة بالحجارة.
(ومنها) بنكث «1» . قال في «اللباب» : بكسر الباء الموحدة وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة- وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول تسعون درجة، والعرض إحدى وأربعون درجة وعشرون دقيقة، ولها سور وربض وبساتين كثيرة.
(ومنها) نوبكت- بنون وواو وباء موحدة ثم كاف ومثناة من فوق. قال ابن حوقل: وهي قصبة «2» ناحية إيلاق، وعليها سور ولها عدّة أبواب، وفيها مياه وبساتين كثيرة.
(ومنها) خجندة. قال في «اللباب» : بضم الخاء المعجمة وفتح الجيم وسكون النون ثم دال مهملة- وهي مدينة على طرف سيحون مضمومة إلى فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول تسعون درجة، والعرض أربعون درجة وخمسون دقيقة. قال في «اللباب» : وهي مدينة كبيرة، وهي في مستو من الأرض، ولها بساتين كثيرة، قال أحمد الكاتب: ومنها إلى سمرقند سبع مراحل، ومنها إلى الشاش كذلك.
(ومنها) تنكت. قال في «اللباب» : بضم المثناة من فوق وسكون النون وفتح الكاف وفي آخرها تاء ثانية- وهي مدينة من مدن الساحل، وقيل هي قصبة إيلاق؛ وموقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة. قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وتسعون درجة، والعرض ثلاث وأربعون درجة، قال في
«اللباب» : ولها نهر ودار إمارة، وخرج منها جماعة من العلماء.
(ومنها) أخسيكث. قال في «اللباب» : بفتح الألف وسكون الخاء المعجمة وكسر السين المهملة وسكون المثناة من تحتها وفتح الكاف وفي آخرها ثاء مثلثة. وهي مدينة من بلاد فرغانة، واقعة في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة، قال في «الأطوال» حيث الطول إحدى وتسعون درجة وعشرون دقيقة، والعرض اثنتان وأربعون درجة وخمس وعشرون دقيقة. قال ابن حوقل: وهي على شطّ نهر الشاش في أرض مستوية بينها وبين الجبال نحو فرسخ.
(ومنها) ترمذ. قال في «اللباب» : قيل بفتح التاء ثالثة الحروف وقيل بضمها وقيل بكسرها قال: والمتداول على لسان أهلها فتح التاء وكسر الميم، والمشهور في القديم كسر التاء والميم جميعا؛ وقيل بضم التاء والميم وبينهما راء ساكنة وفي آخرها ذال معجمة- وهي مدينة على شطّ جيحون، واقعة في الإقليم الرابع من الأقاليم السبعة. قال في «القانون» حيث الطول إحدى وتسعون درجة وخمس وخمسون دقيقة، والعرض ست وثلاثون درجة وخمس وثلاثون دقيقة، قال ابن حوقل: ومعظم مساكنها وأسواقها مفروشة بالآجرّ، وهي قصبة تلك النواحي، وأقرب الجبال إليها على مرحلة، وليس لقراها شرب من جيحون بل من نهر الصّغانيان. قال: ولها مدن كثيرة وكور مضافة إليها. قال في «اللباب» : وهي مدينة قديمة.
(ومنها) الصّغانيان. قال في «اللباب» : بفتح الصاد المهملة والغين المعجمة وألف ونون ومثناة تحتية ونون في الآخر، جميع ذلك بالتخفيف. قال:
ويقال لها بالعجمية جغانيان- وهي مدينة موقعها في الإقليم الخامس من الأقاليم السبعة.
قال في «الأطوال» حيث الطول تسعون درجة وثلاثون دقيقة، والعرض ثلاث وأربعون درجة وثلاث عشرة دقيقة. قال ابن حوقل: وهي أكبر من ترمذ إلا