الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاع البزوة «1» ، ومن الصفراء إلى الجحفة ورابغ لزبيد، ومن الجحفة على قديد وما حولها إلى الثّنيّة المعروفة بعقبة السّويق لسليم، ومن الثّنيّة على خليص إلى «2» الثّنيّة المشرفة على عسفان إلى الفجّ المسمّى بالمحاطب لبني جابر؛ وهم في طاعة صاحب مكة، ومن المحاطب إلى مكة المعظمة لصاحب مكة وبني الحسن.
القاعدة الثانية المدينة الشريفة النبوية، على ساكنها أشرف الخلق محمد أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام؛ وفيها ثلاث جمل
الجملة الأولى في حاضرتها
المدينة ضبطها معروف، وهو اسم غلب عليها، وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعالى: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ
«3» .
وقوله: وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
«4» . واسمها القديم يثرب وبه نطق القرآن في قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ
«5» .
قال الزجاجيّ: وهو يثرب، بن قانية، بن مهلائيل، بن إرم، بن عبيل، بن عوص، بن إرم، بن سام، بن نوح؛ هو الذي بناها، وورد ذكره في الحديث أيضا. قال الشيخ عماد الدين بن كثير في «تفسيره» : وحديث النهي عن تسميتها بذلك ضعيف؛ وسمّاها الله تعالى الدار بقوله: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ
«6» . وسماها النبيّ صلى الله عليه وسلم طيبة (بفتح الطاء المهملة وسكون الياء وفتح الباء
الموحدة بعدها هاء) وطابة بإبدال الياء بعد الطاء بألف. قال النوويّ: وهما من الطيب وهو الرائحة الحسنة، وقيل من الطيب خلاف الرديء، وقيل من الطيب بمعنى الطاهر؛ وقيل من طيب العيش. وزاد السهيليّ في أسمائها الجابرة بالجيم والباء الموحدة، والمحبّة، والمحبوبة، والقاصمة، والمجبورة، والعذراء، والمرحومة؛ وكانت تدعى في الجاهلية غلبة لأن اليهود غلبوا عليها العماليق، والأوس والخزرج غلبوا عليها اليهود. قال صاحب حماة: وهي من الحجاز، وقيل من نجد، وموقعها قريب من وسط الإقليم الثاني من الأقاليم السبعة. قال في كتاب «الأطوال» : وطولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها إحدى وعشرون درجة. وقال في «القانون» : طولها سبع وستون درجة ونصف، وعرضها إحدى وعشرون درجة وثلث. وقال ابن سعيد: طولها خمس وستون درجة وثلث، وعرضها خمس وعشرون درجة وإحدى وثلاثون دقيقة. وقال في «رسم المعمور» : طولها خمس وستون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها خمس وعشرون درجة.
وقد ذكر صاحب «الهناء الدائم، بمولد أبي القاسم» «1» أن أوّل من بناها تبّع الأوّل، وذكر أنه مرّ بمكانها وهي يومئذ منزلة بها أعين ماء، فأخبره أربعمائة عالم من علماء أهل الكتاب لهم عالم يرجعون إليه أن هذا موضع مهاجر نبيّ يخرج في آخر الزمان من مكة اسمه محمد، وهو إمام الحق؛ فآمن بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وبنى المدينة، وأنزلهم بها وأعطى كلّا منهم مالا يكفيه وكتب كتابا فيه:
وختم الكتاب ونقش عليه: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ
الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ
«1» .
وكتب عنوانه:
ودفع الكتاب إلى رئيس العلماء المذكورين، وتداوله بنوه بعده إلى أن هاجر النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتلقاه به بعض أولاد ذلك العالم بين مكّة والمدينة، وتاريخ الكتاب يومئذ ألف سنة بغير زيادة ولا نقص. وقيل في بنائها غير ذلك، وهي مدينة متوسطة في مستو من الأرض، والغالب على أرضها السباخ، وفي شماليّها جبل أحد، وفي جنوبها جبل عير؛ وكان عليها سور قديم وبخارجها خندق محفور؛ وهو الذي حفره النبيّ صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب.
وفي سنة ست وثلاثين ومائتين بنى عليها إسحاق بن محمد الجعديّ سورا منيعا، وجدّده عضد الدولة بن بويه الديلميّ في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، وهو باق عليها إلى الآن؛ ولها أربعة أبواب: باب في الشرق يخرج منه إلى البقيع؛ وباب في الغرب يخرج منه إلى العقيق وقباء، وبين يدي هذا الباب جداول ماء جارية، وبوسطها مسجد النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو مسجد متسع إلا أنه لم يبلغ في القدر مبلغ مسجد مكة.
قال ابن قتيبة في «كتاب المعارف» : وكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيّا باللّبن وسقفه الجريد وعمده النخل، ولم يزد فيه أبو بكر شيئا، وزاد فيه عمر، ثم غيّره عثمان وزاد فيه عثمان زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وبالقصّة «2» ، وجعل عمده من حجارة منقوشة؛ ووسعه المهدي سنة ستين ومائة؛ وزاد فيه المأمون زيادة كبيرة في سنة اثنتين ومائتين؛ ولم تزل الملوك تتداوله بالعمارة إلى زماننا.
وبه الحجرة الشريفة التي بها قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما بحجرته الشريفة دائر عليه مقصورة مرتفعة إلى نحو السقف، عليه ستر من حرير أسود؛ وخارج المقصورة بين القبر والمنبر الروضة التي أخبر صلى الله عليه وسلم أنها روضة من رياض الجنة.
وقد ذكر أهل الأثر: أن المنبر كان في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ثلاث درجات بالمقعد، وارتفاعه ذراعان وثلاث أصابع، وعرضه ذراع راجح، وارتفاع صدره وهو الذي يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع، وارتفاع رمّانتيه اللتين كان يمسكهما صلى الله عليه وسلم بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وأصبعان، وفيه خمسة أعواد من جوانبه الثلاثة؛ وبقي على ذلك إلى أيام معاوية فكتب إلى مروان عامله على المدينة أن ارفعه عن الأرض فزاد من أسفله ست درجات ورفعه عليها فصار له تسع درجات بالمجلس. قيل: وصار طوله أربعة أذرع وشبرا.
ولما حج المهديّ بن المنصور العباسيّ سنة إحدى وستين ومائة، أراد أن يعيده إلى ما كان عليه فأشار عليه الإمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه؛ ويقال:
إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم عليه، تهافت على طول الزمان، وجدّده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أمشاطا للتبرك، ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهلّ رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله، وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار، فعمل المظفّر صاحب اليمن المنبر، وبعث به إلى المدينة سنة ست وخمسين وستمائة، فنصب في موضع منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة، فأرسل الملك الظاهر بيبرس صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع، ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع تزيد قليلا، ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن.