الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع من المقالة الثانية في الممالك والبلدان المحيطة بمملكة الديار المصرية؛ وفيه أربعة فصول
الفصل الأوّل في الممالك والبلدان الشرقية عنها، وما ينخرط في سلكها من شمال أو جنوب؛ وفيه أربعة مقاصد
المقصد الأوّل في الممالك الصائرة إلى بيت جنكز خان؛ وفيه جملتان
الجملة الأولى في التعريف باسم جنكزخان ومصير الملك إليه، وما كان له من الأولاد، وتقسيمه الملك فيهم
أما اسمه فقد ذكر في «مسالك الأبصار» : عن الشيخ شمس الدين الأصفهانيّ أن اسمه في الأصل تمرجين «1» ، وأنه لما عظم شأنه سمي جنكزخان.
وقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن بعضهم: أن الصواب في النطق به جنكص
خان بالصاد بدل الزاي.
وأما نسبه فقد ذكر في «مسالك الأبصار» أيضا أنه جنكزخان، بن بيسوكي «1» ، بن بهادر، بن تومان، بن برتيل خان، بن تومنيه، بن بادسنقر، بن تيدوان ديوم، بن بغا، بن بودنجه، بن ألان قوا، وألان قوا هذه امرأة من قبيلة من التتر تسمّى قبات من أعظم قبائلهم شهرة، كانت متزوّجة بزوج أولدها ولدين اسم أحدهما بكتوت، والآخر بلكتوت؛ ومن عقبهما الطائفة المعروفة في قبائل التتر بالدلوكة إلى الآن؛ ثم مات زوج ألان قوا أبو هذين الاثنين وبقيت ألان قوا أيّما فحملت فأنكر عليها الحمل، وحملت إلى وليّ أمرهم حينئذ فسألها ممن حملت؟
فقالت: إني كنت جالسة وفرجي مكشوف، فنزل نور ودخل في فرجي ثلاث مرات فحملت منه هذا الحمل، وأنا حامل بثلاثة ذكور، كل مرة من دخول ذلك النور بذكر، فأمهلوني حتّى أضع، فإن وضعت ثلاثة ذكور فاعلموا صدقي، وإلا فدونكم وما ترون؛ فأمهلوها حتّى ولدت فأتت بثلاثة ذكور، فسمّت أحدهم يوقن «2» قوتاغي، والثاني بوسن ساغي، والثالث بودنجر، وهو جدّ جنكزخان. وأولاد هذه الثلاثة يعرفون بين التتر بالنورانيين نسبة إلى النور الذي زعمت أنه دخل فرجها فحملت منه. قال في «مسالك الأبصار» :«وهذه أكذوبة قبيحة، وأحدوثة غير صحيحة؛ وإن صحت عن المرأة فلعلها كانت قد سمعت بقصة مريم البتول عليها السلام، فاحتالت لسلامة نفسها بالتشبه بشأنها» .
وأما مصير الملك إليه فقد اختلف فيه على مذهبين:
أحدهما- ما حكاه في «مسالك الأبصار» عن الصاحب علاء الدين بن عطاء ملك الجويني: أنه كان يملك الترك ملك من عظماء الملوك يدعى أزبك خان، فتردّد إليه جنكزخان في حال صغره وخدمه، فتوسم فيه النجابة فقرّبه وأدناه وزاده في الارتقاء على أقاربه، فحسدوه فوشوا به إلى الملك حتّى غيروه عليه فأضمر له المكايد؛ وكان بالقرب من أزبك خان ملكهم صغيران يخدمانه فاطلعا على ما
أضمره الملك لجنكزخان وعرّفاه ما أضمره الملك له وحذّراه؛ وكان جنكزخان قد لفّ لفيفا عظيما فجمع لفيفه من قبائل التتر وقصد ذلك الملك في جيوشه، وكان من أعظم القبائل المجيبة لدعوته قبيلتان: إحداهما تدعى إديرات والأخرى فيقورات مع قبيلته قبات المقدّم ذكرها، فجرّد العساكر لأزبك خان وجرت الحرب بينهما فقتل أزبك خان وملك جنكزخان وقرب كلّا من الصغيرين وجعل كلّا منهما ترخانا، وكتب لهما بفراغهما من جميع المؤن والكلف إلى سبعة أبطن من أولادهما.
والثاني- ما حكاه السلطان عماد الدين صاحب حماة في «تاريخه» عن محمد بن أحمد بن على المنشئي: كاتب إنشاء السلطان جلال الدين محمد بن خوارزم شاه: أن مملكة الصّين كانت منقسمة من قديم الزمان إلى ستة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر، يتولّى أمر كل جزء منها خان نيابة عن خانهم الأعظم بطمغاج قاعدة الصين «1» . إلى أن كان خانهم الأكبر في زمان السلطان خوارزم شاه يسمّى الطرخان، وكان من جملة الخانات الستة الذين ينوبون عنه شخص يسمّى دوشي خان، وكان متزوجا بعمة جنكزخان فمات دوشي خان زوج عمة جنكزخان، فحضر جنكزخان إلى عمته معزّيا، وكان يجاور دوشي خان خان من الخانات الستة يسمّى أحدهما كشلوخان والآخر قلان؛ فأرسلت زوجة دوشي خان إليهما بنعي زوجها إليهما وتلاطفهما في استقرار جنكزخان ابن أخيها مكانه في الخانية على أن يكونا معاضدين له، فأجاباها إلى ذلك. فاستقر جنكزخان في الخانية مكان دوشي خان زوج عمته، فبلغ ذلك الخان الأعظم الطرخان فأنكر ذلك على كشلوخان وقلان المذكورين، فاتصل ذلك بهما فاجتمعا هما وجنكزخان وخلعوا طاعة الطرخان، ثم مات أحد الخانين وخلف ابنا اسمه كشلوخان فغلب جنكزخان على ملكه، ثم مات الخان الآخر واستقل جنكزخان بالملك، ثم غلب على خوارزم شاه، ثم على ابنه جلال الدين واستقل بما وراء النهر «2» .
وأما أولاد جنكز خان فقد ذكر في «مسالك الأبصار» عن الصاحب علاء الدين الجويني المقدّم ذكره أنه كان له عدة أولاد ذكور وإناث من الخواتين والسراري، وكان أعظم نسائه أو بولي، من تيكي «1» ، ومن رسم المغل تعظيم الولد بنسب والدته، وكان له من هذه أربعة أولاد معدّين للأولاد «2» الخطيرة، هم لتخت ملكه بمنزلة أربع قوائم؛ وهم توشي «3» وجفطاي «4» ، وهو أصغرهم، وأوكداي «5» ، وأوتكين نويان «6» ، وأنه جعل موضعه نقطة دائرة ملكه وبنيه حوله كمحيط الدائرة، فجعل ابنه أوكداي «7» وليّ عهده ورتّبه لما يتعلق بالعقل والرأي والتدبير والولاية والعزل واختيار الرجال والأعمال وعرض الجيوش وتجهيزها، وكان موضعه في حياة أبيه حدود ايمك وقراباق. فلما جلس بعد أبيه على تخت الملك، انتقل إلى الموضع الأصلي بين الخطا وبلاد الايغور، وأعطى ذلك الموضع لولده كيوك.
وجعل لابنه أوتكين «8» حدود بلاد الخطا «9» ؛ وعين لابنه الكبير توشي «10» حدود قيالق (؟) إلى أقصى سفسفين (؟) وبلغار، ورتبه على الصيد والقنص؛ وجعل لابنه جفطاي حدود بلاد الأيغور إلى سمرقند وبخارا، ورتبه لتنفيذ النائبات والأمور والمقابلات وما أشبه ذلك. قال ابن عطاء ملك: وكانت أولاده وأحفاده تزيد على عشرة آلاف.
وذكر عن الشيخ شمس الدين الأصفهاني أن جنكز خان أولد أربعة أولاد، وهم جوجي: وهو أكبرهم، وكداي، وطولي، وأوكداي، فقتل جوجي في حياة أبيه وخلف أولادا. قال ابن الحكيم الطياري: وهم باتو ويقال باطو، وأورده، وبركه، وتولي، وحمتي. قال الشيخ شمس الدين المذكور: والمشهور باتو وبركة،
وأوصى بأن يكون تخته لولده الصغير أوكداي وأن تكون مملكة ما وراء النهر وما معه لولده الآخر كداي، وجعل لابنه جوجي دشت القبجاق وما معه وأضاف إليه إيران وتبريز وهمذان ومراغة، ولم يحصل لطولي شيء. فلما مات جنكز خان استقل أوكداي بتخت أبيه، واستقل جوجي بدشت القبجاق وما معه، واستقل باتو ابن جوجي فيما جعله جدّه جنكز خان لأبيه جوجي من إيران وتبريز وما مع ذلك، ولم يتمكن كداي من مملكة ما وراء النهر، ثم مات أوكداي مالك التخت وملك بعده ولده كيوك، وكان جبارا قويّ النفس فحكم على بني أبيه فقهرهم وانتزع ما بيد باتو بن جوجي من إيران وسائر ما معها، وأقام بها أميرا اسمه الجكراي. ثم جرى بينهم اختلاف كان آخر الأمر فيه أن أمسك الجكراي وقتل وحمل إلى باتو بن جوجي وطبخه وأكله، فبلغ ذلك كيوك صاحب التخت فشق عليه وجمع ستمائة ألف فارس، وجمع باتو للقائه وسار كل منهما لمحاربة الآخر حتّى كان بينهما عشرة أيام مات كيوك فكتب خواتينه إلى باتو يعلمونه بموته ويسألونه في أن يكون عوضه على تخت جنكز خان، فلم يرض ذلك وميزله منكوتان بن تولي بن جوجي بن جنكز خان، وجهز معه إخوته قبلاي خان وهولاكو: ولدا تولي، ووجّه معهم باتو أخاه بركة بن جوجي في مائة ألف فارس للجلسة على التخت ثم يعود، فتوجه بركة بمنكوتان فأجلسه على التخت، ثم عاد فمرّ في طريقه ببخارا، فاجتمع فيها بالشيخ شمس الدين الباخرزيّ من أصحاب شيخ الطريقة نجم الدين كيزي وحادثه فحسن موقع كلامه منه فأسلم على يده، وهو أول من أسلم من بيت جنكز خان، وأشار الباخرزي على بركة بموالاة المستعصم خليفة بني العباس ببغداد يومئذ، فكاتبه وهاداه وتردّدت الرسل والمكاتبات بينهما. ثم إن منكوتان بعد استقلاله بتخت جدّه جنكز خان ملّك أولاد جفطاي مملكة ما وراء النهر تنفيذا لما كان جنكز خان أوصى به لأبيهم جفطاي كما تقدّم ومات دونه، وعلت كلمة منكوتان صاحب التخت ووصلت إليه كتب أهل قزوين وبلاد الجبال يشكون من سوء مجاورة الملاحدة: وهم الإسماعيلية فجهز إليهم منكوتان أخاه مكوقان «1» لقتال