الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجاهل العارف
1 - تعريفه:
جاء في كتاب الصناعتين (1): «هو إخراج ما يعرف صحّته مخرج ما يشكّ فيه ليزيد بذلك تأكيدا» .
وفي الإيضاح (2)«هو- كما سمّاه السكّاكي- سوق المعلوم مساق غيره لنكتة» .
2 - مظاهره:
يتجلّى تجاهل العارف في كثير من مواقف القول، ويأخذ مظاهر عدّة، يصطنع فيها القائل موقفا غير الموقف الحقيقي في الظاهر، ويوهم بأن السؤال للاستفسار والحقيقة أن السؤال تظاهر بالجهل أو بالاستفهام عن حقيقة يجهلها، وواقع الحال أنه يعرف الحقيقة ويستنكر حينا تجاهلها ويقرّر واقعا ما كان ينبغي له أن يكون قائما.
ففي معرض التوبيخ قالت ليلى بنت طريف:
أيا شجر الخابور مالك مورقا
…
كأنّك لم تجزغ على ابن طريف؟!
فالشاعرة تتساءل مضخّمة الحدث وكأنّها تريد أن توقف دورة الزمن بعد وفاة ابن طريف؟ وتستنكر نضرة الشجر واخضراره إذ كان عليه أن يموت ويضرب عن الاخضرار حزنا عليه.
(1). كتاب الصناعتين، أبو هلال العسكري، ص 412.
(2)
. كتاب الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص 530.
فهي تشخّص الشجر فتخاطبه وتنسب إليه الجزع وهما من صفات الإنسان، وتوبّخه على فعلته وكأنها تجهل أن الشّجر لن يكفّ عن الاخضرار حزنا على أحد.
ومن مظاهره أيضا المبالغة في القدح والذّم كما في قول زهير:
وما أدري، وسوف إخال أدري
…
أقوم آل حصن أم نساء؟
فهل يجهل الفرق بين النساء والرّجال؟ هل التبس عليه الأمر؟
أم أنّه يبالغ في الذمّ فيجرّد آل حصن من كل صفات الرجال، ويجعلهم نساء خائفات منزويات متقاعسات عن التصدّي للعدوان والثأر للكرامة.
ومنه أيضا التولّه في الحبّ كما في قول أحدهم:
بالله يا ظبيات القاع قلن لنا
…
ليلاي منكنّ أم ليلى من البشر؟
فالشاعر يشبّه ليلاه بالظبية وهذا وجه متداول في التشبيه لكنّه بعد أن خبله الحبّ بات عاجزا عن تمييز ليلاه عن الظباء فيسألها هل ليلى منكن؟ أم هي من البشر؟ ترى هذا السؤال عن الحقيقة المجهولة أو المتجاهلة؟ أليس المقصود من السؤال إظهار جموح الحبّ الذي ذهب ببصره وبصيرته فبات غير قادر على التمييز بين الظبية الحقيقية والظبية الموهومة؟
وهناك مظاهر أخرى يمكن شرحها والتعرّف إلى أسرارها قياسا على ما حلّلناه لك من أمثلة وشواهد.