الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث الخامس تشبيه التّمثيل وغير التمثيل
أولا: تشبيه التمثيل:
1 - تعريفه:
هو ما كان وجه الشّبه فيه صورة منتزعة من متعدّد، أو هو الذي يكون وجه الشّبه فيه مركّبا.
2 - شروطه:
اشترط البلاغيّون تركيب الصورة فيه، سواء أكانت العناصر التي تتألف منها صورته أو تركيبته حسّية أو معنوية.
وكلّما كانت عناصر الصورة أكثر، كان التشبيه أبعد وأبلغ.
3 - أمثلته:
قال ابن الرومي (المنسرح):
أوّل بدء المشيب واحدة
…
تشعل ما جاورت من الشّعر
مثل الحريق العظيم تبدؤه
…
أوّل صول صغيرة الشّرر
في هذين البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة تلتقي لتكوّن في النهاية وجها واحدا. للأجزاء المكوّنة لكل مشهد قيمة في تجمّعها ولا قيمة لكل جزء منفردا. يتكوّن المشهد الأول من الأجزاء الآتية:
غزا الشيب شعر الشاعر فبدأ بشعرة بيضاء ثم توسّع في هذا الشعر الأسود حتّى قضى عليه قضاء مبرما فاتسعت دائرة البياض وتوارت دائرة السّواد. المشهد الثاني المقابل يتمثّل في حريق عظيم بدأ بشرارة صغيرة ثم أخذت
نيرانه تتوسّع ملتهمة كل ما يقع في طريقها.
لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التمثيل:
فبين المشيب وبقايا النار جامع البياض المشرب بالسواد الخجول.
والمشيب يأتي على الشعر بأكمله تدريجيا والنار تلتهم كل ما يقف بوجهها تدريجيا أيضا.
الشّيب يبدأ بشعرة واحدة والحريق العظيم تبدؤه شرارة صغيرة وهكذا فإن تشبيه التمثيل هذا يتكوّن من:
تشبيه (1) وفيه: مشبه (1) + مشبّه به (1) + وجه شبه (1)
تشبيه (2) وفيه: مشبه (2) + مشبّه به (2) + وجه شبه (2)
تشبيه (3) وفيه: مشبه (3) + مشبّه به (3) + وجه شبه (3)
والخلاصة أن تشبيه التمثيل مكوّن من مشبّه متعدّد+ وجه شبه متعدّد+ مشبّه به متعدّد.
ولهذا كان تشبيه التمثيل محتاجا إلى عمليّات ذهنية متلاحقة لفكّ أجزائه والتعرّف إلى التماثل القائم بين هذه الأجزاء. فالصورة فيه أشبه بالومضات (فلاش) المتلاحقة التي تجسّد في النهاية صورة متكاملة ولهذا كانت الصورة مشهدا متتابعا، ويجب التنبّه إلى أن المعوّل عليه في التعدّد هو وجه الشّبه فقط.
وقال ابن المعتزّ (الوافر):
كأنّ سماءنا لمّا تجلّت
…
خلال نجومها عند الصّباح
رياض بنفسج خضل نداه
…
تفتّح بينه نور الأقاحي
في البيتين مشهدان متفقان في وجوه عديدة. يتكوّن المشهد الأوّل من الأجزاء الآتية.
تجلّت السّماء صباحا وقد انتشرت نجومها فبدت زرقاء بيضاء صفراء.
المشهد الثاني يتكوّن من الأجزاء الآتية: رياض متناثرة يجتمع فيها البنفسج المخضّل بالندى إلى جانب روضة أخرى من الأقاحي التي تفتّح زهرها الأبيض المشوب بصفرة.
لنبحث في هذين المشهدين المتقابلين عن عناصر تشبيه التّمثيل:
بين تجلّي السماء وانتشار نجومها صباحا وبين رياض البنفسج المتناثرة جامع الزرقة البنفسجية.
بين ندى الصبّاح وندى الأزاهير جامع اخضلال ونداوة.
بين روض النجوم المتناثرة ورياض الأرض جامع التناثر في النجوم الذي يقابله تناثر الورود وتفرّقها في المرج الفسيح الذي يشبه رحابة السّماء وتداخل الألوان البنفسجي والأبيض والأصفر، يشبه تداخل ألوان السّماء وقد انحسرت النجوم في مكان منها وتناثرت في مكان آخر.
فوجه الشّبه كما ترى صورة منتزعة من متعدّد، ولو حذفنا شيئا من المشبّه أو المشبّه به لاختلّ التوازن بين أجزاء المشهدين المتقابلين، واختل معه وجه الشّبه الجامع بين أجزاء صورتي المشبّه والمشبّه به.
وقال البحتري في شقائق النعمان (الطويل):
شقائق يحملن النّدى فكأنه
…
دموع التّصابي في خدود الخرائد
عناصر المشهدين متضافرة لتقديم صورة متكاملة. لنبحث عن هذه العناصر
في المشهد الأول: شقائق النعمان+ الندى الذي يكلّلها
في المشهد الثاني: خدود الملاح+ دموع التّصابي المتساقطة
ووجه الشبه مكوّن من قطرات جميلة صافية تلمع فوق سطوح جميلة بيضاء مشوبة بصفرة. ولهذا كان وجه الشّبه منتزعا من متعدّد