الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثله قول السموءل (الطويل):
تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا
…
وليس على غير الظّبات تسيل.
فالذي يسيل على حدّ الظّبات هو الدماء لا النفوس، ولكن لمّا كان وجود النّفس في الجسد سببا في وجود الدم فيه استطاع الشاعر إحلال كلمة النفوس محل الدماء لأن النفس سبب لوجود الدم. فالعلاقة بين النفوس والدّماء سببّية والقرينة المانعة من إرادة المعنى الحقيقي للنفوس مذكورة (على حدّ الظبات) فالنفس الحقيقية لا تسيل على حدّ الظبات.
وقد قسم البلاغيون علاقة السببّية أقساما هي:
أ. السببيّة القابلية، أي تسمية الشيء باسم قابله، نحو: سال الوادي، أي الماء.
ب. السببيّة الصورية، نحو تسمية اليد بالقدرة، لأنّ القدرة صورة اليد لحلولها منها حلول الصورة في المادّة.
ج. السببيّة الفاعليّة، نحو: نزل السّحاب، أي المطر بإطلاق اسم فاعل الشيء على الشيء، فالمطر يصدر عن السّحاب.
د. السببيّة الغائية، نحو: شرب عنبا، والمقصود شرب خمرا لأن الخمر غاية العنب.
وقد خالف الأصوليون هذه التسميات الأربع لأسباب عقليّة حملتهم على تعليلات تخالف تعليلات البلاغيين.
1 - ب. المسبّبيّة:
يرد اللفظ الدال على المسبب ويراد به سببه.
وتذكر فيها النتيجة أو المسبّب ونحن نريد السبب الذي أدّى اليه، نحو:
أمطرت السّماء ذهبا.
فالقائل يريد المطر وهو سبب اكتساب الرّزق، فالذّهب مسبّب عن المطر، والقائل استغنى بذكر المسبّب عن ذكر
السبب. ولهذا كان في كلامه مجاز مرسل علاقته مسبّبية والقرينة: أمطرت السماء.
ومثالها أيضا قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النساء: 10.
والآية في آكلي اموال اليتامى. ووردت النار لأن مآل آكلي اموال اليتامى الى النار وهي المسبّبية عن أكلهم هذه الأموال، فذكرت المسبّب (النار) وأرادت السّبب (أموال اليتامى المأكولة) ففي الآية مجاز مرسل علاقته تبعا لما ذكر المسبّبية لأنّ الإنسان لا يأكل نارا، لكنّه يأكل الطعام الحرام الذي يسبّب لصاحبه النار، فالنار مسبّبة عن اكل الحرام.
ومثالها قول للشاعر يصف غيثا:
أقبل في المستنّ من ربابه
…
أسنمة الآبال في سحابه.
(المستن: الواضح. الرّباب: السّحاب الأبيض. الآبال: جمع إبل، أسنمة: ج سنام)
فهذا الغيث هو سبب نماء أسنمة الإبل.
وهكذا يكون الشاعر قد ذكر المسبّب وهو يريد السبب.
فالرّباب سبب، ونماء الأسنمة مسبّب عنه.