الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البحث الثامن التشبيه الدائري (الاستطرادي)
1 - تعريفه:
هو تشبيه يبدأ ب (ما)، وينتهي ب (الباء) الداخلة على أفعل التفضيل (أفعل). وغالبا ما يكون بين الفاتحة والخاتمة وصف للمشبّه به عادة قد يطول، وقد يقصر، ليعود في النهاية ويفضّل المشبّه على المشبّه به.
وتكمن قيمته في طول نفسه واتساع عبارته حيث يترك الشاعر المشبّه ليسترسل في تصوير المشبّه به وتعظيمه ليعود في البيت الأخير منه فيفضّل المشبه على المشبّه به زيادة في المبالغة والغلوّ.
وأكثر ما ورد بأربعة أبيات، وقد يرد في أقلّ من أربعة.
وربّما سمّي استطراديا لأنّ الشاعر يستطرد فيه إلى تفصيل أجزاء المشبّه به والإحاطة بمناحي الجمال والعظمة فيه ليكون في تفضيل المشبّه عليه إغراق في التعظيم والمفاضلة.
2 - أمثلته:
قال النابغة (البسيط):
1 -
فما الفرات- إذا هبّ الرّياح له
…
ترمي أو اذيّه العبرين بالزّبد
2 -
يمدّه كلّ واد مترع لجب
…
فيه ركام من الينبوت والخضد
3 -
يظلّ من خوفه الملّاح معتصما
…
بالخيزرانة بعد الأين والنّجد
4 -
يوما- بأجود منه سيب نافلة
…
ولا يحول عطاء اليوم دون غد
أراد النابغة أن يبالغ في وصف كرم النعمان فذهب إلى أنّ الفرات في حال فيضانه الأكبر عند ما ترمي أمواجه
بالزّبد على ضفّتيه
ويصبّ فيه كل واد ممتلئ بالماء تصطخب أمواجه فتجرّ كل شيء وتجتاح الركام من طمي ونبات. في هذه الحالة من الهيجان يدخل الخوف إلى قلب الملّاح فيبقى معتصما بمقدّمة السفنية وقد أدركه الخوف وأعياه الجهد. الفرات في حالة فيضانه هذه ليس أجود من النّعمان الذي لا يحول عطاء اليوم عنده دون عطاء الغد في حين يبقى فيضان الفرات موسميّا وعند ذوبان الثلج في المنبع. لقد استطرد الشاعر في وصف المشبّه به ثم استدار فنّيا ليجعل المشبّه أعلى رتبة من المشبّه به في حال كماله هذا.
وقد استخدم الشاعر الواسطة اللفظية وما-
…
بأجود.
وقد سلك الأخطل طريق النابغة فتوكأ عليه في تشبيهه الاستطرادي هذا محدثا تعديلا طفيفا فيها عند ما قال (البسيط):
وما الفرات- إذا جاشت غواربه
…
في حافتيه وفي أوساطه العشر
وزعزعته رياح الصّيف واضطربت
…
فوق الجآجئ من آذيّة غدر
مسحنفر من جبال الروم يستره
…
منها أكافيف فيها دونه زور
يوما- بأجود منه حين تسأله
…
ولا بأجهر منه حين يجتهر
وقد أفرط الأعشى في اعتماد هذا الضرب من التشبيه، وربما كرّره في القصيدة الواحدة. ففي قصيدة مدح بها قيس بن معد يكرب عمد إليه مرّتين وعدّة أبياتها تسعة وستّون بيتا.
والتشبيه الأوّل مؤلّف من أربعة أبيات هي (المتقارب):
- وما رائح روّحته الجنوب
…
يروّي الزروع ويعلو الدّيارا
- يكبّ السّفين لأذقانه
…
ويصرع بالعبر أثلا وزارا
- إذا رهب الموج نوتيّه
…
يحطّ القلاع ويرخي الزيارا
- بأجود منه بأدم العشا
…
ر لطّ العلوق بهنّ احمرارا (1)
ولعلّه من الواضح التّقارب بين هذه المعاني الواردة في أبيات الأعشى وأبيات كلّ من النابغة والأخطل.
وبعد ثلاثة أبيات من هذا التشبيه الاستطرادي أنشأ الأعشى تشبيها استطراديا آخر قوامه ثلاثة أبيات هذه المرة (2).
ومن أطول التشابيه الاستطرادية تشبيه للأعشى وصف فيه الأسد، وعدّته عشرة أبيات (3) من البيت 21 إلى البيت 30، وفي القصيدة نفسها عاد إلى تشبيه استطرادي عدّة أبياته ثلاثة، لكنّه في وصف كرم الممدوح هذه المرّة، من البيت 31 وحتى البيت 33.
وقد أحصيت في ديوان الأعشى ثلاثة عشر تشبيها استطراديا حافظ أكثرها على العدد الشائع من الأبيات وهو أربعة أبيات.
وقد يقصر التشبيه الاستطرادي إذ يقتصر على بيت واحد كقول طفيل الغنوي (الطويل):
فما أمّ أدراص بأرض مطلّة
…
بأغدر من قيس إذا الليل أظلما
وقد أحصى أحد الباحثين (4) ثمانية وخمسين تشبيها استطراديا لاثنين وعشرين شاعرا جاهليا كان نصيب الأعشى وحده منها ثلاثة عشر تشبيها.
(1). ديوان الأعشى الكبير، شرح محمد قاسم، ص 179 - 180.
(2)
. ديوان الأعشى الكبير، شرح محمد قاسم، ص 181.
(3)
. م. ن، ص 97.
(4)
. المجلة العربية للعلوم الإنسانية عدد 7 مجلّد: 5 شتاء 1985 ص 130 وما بعدها، د. عبد القادر الرّباعي.