الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال آخر (الرّمل):
لا تعاشر معشرا ضلّوا الهدى
…
فسواء أقبلوا أو أدبروا
بدت البغضاء من أفواههم
…
والذي يخفون منها أكبر
فالشاعر اقتبس في البيت الثاني جزءا من الآية 118 من سورة آل عمران التي جاء فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ، واضح أنّ الشاعر غيّر شيئا في الآية ليناسب الكلام الوزن. وهذا التغيير اليسير في الشعر خاصة مسموح به عند البلاغيين.
أمّا الاقتباس من الحديث الشريف فكقول الحريري «وكتمان الفقر زهادة، وانتظار الفرج بالصبر عبادة» فقد اقتبس من لفظ الحديث «انتظار الفرج بالصبر عبادة» .
واقتبس الشعراء أيضا من الحديث الشّريف كما في قول ابن عبّاد (م الرمّل):
قال لي إنّ رقيبي
…
سيّء الخلق فداره
قلت دعني وجهك الجن
…
نة حفّت بالمكاره
فلقد اقتبس الشاعر في البيت الثاني جزءا من الحديث الشريف وقد جاء فيه «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار
بالشهوات» وقد أدخل تعديلا طفيفا في الحديث ليتناسب مع قواعد العروض. وهذا مقبول عند البلاغيين أيضا.
4 - أنواع الاقتباس:
والاقتباس أنواع منها:
أ- اقتباس لا ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي إلى معنى آخر.
وما تقدّم من أمثلة ينطبق عليه.
ب- اقتباس ينقل فيه المقتبس عن معناه الأصلي. ومنه قول ابن الرومي (الهزج):
لئن أخطأت في مدح
…
ك ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي
…
بواد غير ذي زرع
اقتبس ابن الرومي جزءا من الآية 37 من سورة ابراهيم التي جاء فيها رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فابن الرومي نقل معنى (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) والمقصود بها مكّة في القرآن الكريم إلى ممدوح لا يرجى نفعه، ولا خير يرجى منه.
ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان لا يرجى نفعه، ولا خير يرجى منه. ولكنّ الشاعر أراد تصوير معاناته من الحرمان والصبّر عليه وما امتحن الله تعالى به أنبياءه ليخبر صبرهم فكان ابن الرومي يتوسّل قصّة ابراهيم الخليل بأبعادها الدينية يشبّه بها قصّته مع ممدوح بخيل هو أشبه ما يكون بواد غير ذي زرع يعطي ساكنيه القدرة على الإقامة. والمعادلة في التشبيه قائمة على وحدة النتيجة وقوامها ما يأتي:
أسكنت ذريّتي بواد غير ذي زرع- أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع، والمراقب إذا أنعم النّظر في المعادلة يجد التغيير في الاقتباس واضحا.
وقد تكلّم البلاغيون على ثلاثة أقسام من الاقتباس، هي:
1 -
اقتباس مقبول، وهذا الضرب كثير في الخطب والمواعظ كما جاء في خطبة أحدهم مخاطبا جماهير مستقبليه وهو العائد ممّا يشبه المنفى «دعوني- قبل كل شيء- أقبّل يد من جعل الله الجنة تحت قدميها» يريد تقبيل يد أمّه قبل كل شيء في إشارة إلى الحديث
الشريف «الزم رجلها فثمّ الجنّة» وفي رواية «الجنّة تحت أقدام الأمّهات» .
2 -
اقتباس مباح، ويكون في الغزل والرسائل والقصص. مثال ذلك قول أحدهم (السريع):
إن كنت أزمعت على هجرنا
…
من غير ما جرم فصبر جميل
وإن تبدّلت بنا غيرنا
…
فحسبنا الله ونعم الوكيل
فالشاعر اقتبس في البيت الأوّل جزءا من الآية 18 من سورة يوسف التي جاء فيها .. قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ واقتبس من الآية 173 من سورة آل عمران في البيت الثاني وفيها [فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ].
3 -
اقتباس مردود، كأن يقتبس هازل من القرآن الكريم والحديث الشريف. من هذا الاقتباس المردود نكتفي بهذا المثال:
أوحى إلى عشّاقه طرفه
…
«هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ»
وردف ينطق من خلفه
…
«لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ»
فقد اقتبس الشاعر عجز البيت الأول من الآية 36 من سورة (المؤمنون) فاقتبس الآية بتمامها كما وردت في القرآن الكريم. وفعل مثل ذلك في البيت الثاني فاقتبس عجزه من الآية 61 من سورة الصافات إذ اقتبسها كاملة. وقد ردّ هذا الاقتباس لأنّه من غير الجائز العبث بكلام الله ورسوله، واستعماله في مقام الهزل والدعابة والمجون.