الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث:
غيرة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وأنها بضعة منه
.
82.
[1] قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شُعيب، عن الزهري، قال: حدثني علي بن حسين، أن المسور بن مخرمة، قال: إن علياً خطبَ بنتَ أبي جهل فسَمِعَتْ بذلك فاطمةُ فأتت رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت: يزعم قومُك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا عليٌّ ناكح بنتَ أبي جهل، فقام رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فسمعته حين تشهد، يقول:«أما بعد، أنكحتُ أبا العاص بنَ الربيع، فحدَّثَنِي وصدَقَنِي، وإنَّ فاطمةَ بضعةٌ مِنِّي، وإني أكرَهُ أن يسُوءَها، واللهِ لا تجتمعُ بنتُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وبنتَ عدوِّ اللهِ عندَ رجُلٍ واحِد» .
…
فتَركَ عليٌّ الخِطْبَة.
وزاد محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة، عن ابن شهاب، عن علي بن الحسين، عن مسور سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وذكر صهراً له من بني عبدِ شَمْس، فأثنَى عليه في مُصَاهَرَتِه إيَّاه فأحسن، قال:«حدَّثَنِي فصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوفَى لي» .
[الجامع الصحيح» للبخاري، (ص 712)، كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (3729)]
تخريج الحديث:
ــ أخرجه: البخاري في «صحيحه» ـ كما سبق ـ.
ــ ومسلم في «صحيحه» (ص 993)، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2449) عن عبداللَّه الدارمي.
كلاهما: (البخاري، والدرامي) عن أبي اليمان، عن شعيب.
وأخرجه: البخاري في «صحيحه» (ص 595)، كتاب فرض الخُمُس، باب ما ذُكر من درع النبي صلى الله عليه وسلم، رقم (3110)، وأحمد في «مسنده» (31/ 228) رقم (18913) وعنه: مسلم في «صحيحه» (ص 994)، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2449) من طريق الوليد بن كثير، عن محمد بن عمرو بن حَلْحَلَة.
ــ ومسلم أيضاً في «صحيحه» (ص 994)، كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2449) من طريق النعمان بن راشد.
ثلاثتهم: (شعيب، ومحمد بن عمرو، والنعمان بن راشد) عن الزهري، عن علي بن الحسين.
ـ وأخرجه: البخاري في «صحيحه» (ص 710)، كتاب فضائل الصحابة، بابُ مناقبِ قرابةِ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حديث رقم
…
(3714)، و (ص 717)، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب فاطمة عليها السلام، حديث رقم (3767)، ومسلم في «صحيحه» (ص 993)،
كتاب فضائل الصحابة، حديث رقم (2449) من طريق ابن عيينة، عن عمرو بن دينار.
والبخاري في «صحيحه» (ص 1035)، كتاب النكاح، باب ذبِّ الرجل عن ابنته في الغَيرَة والإنصاف، حديث (5230)، ومسلم في
…
«صحيحه» ـ في الموضع السابق ـ من طريق الليث. كلاهما: (عمرو بن دينار، والليث) عن ابن أبي مليكة.
كلاهما: (علي بن الحسين، وابن أبي مُليكة) عن المسور بن مخرمة رضي الله عنه.
ــ لفظ البخاري من طريق ابن عيينة، مختصراً، ولفظه:«فاطمة بضعة مني، فمَن أغضبها أغضبني» .
ولفظ مسلم من طريق ابن عيينة: «إنما فاطمة بضعة مني، يؤذيني ما آذاها» .
ولفظ حديث الليث، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، حدثه أنه سمع رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول: «إنَّ بني هشام بن المغيرة
(1)
استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليَّ بنَ أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم
…
لا آذن لهم، ثم
(1)
هو الحارث بن هشام، قاله ابن حجر في «هدي الساري» (ص 323)، وذكر بأنه مصرح به في «مصنف ابن أبي شيبة» .
وهو كذلك في «المصنف» (17/ 215) رقم (32940) من مرسل الشعبي.
لا آذن لهم، إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعة مني، يَريبني ما رابها ويُؤذيني ما آذاها». لفظ مسلم، والبخاري بمثله إلا أنه قال: إلا أن يريد أن يُطلِّق
…
وقال: أرَابَها.
(1)
ــ ولفظ حديث محمد بن عمرو بن حلحلة الدؤلي، أن ابن شهاب، حدثه أن علي بن الحسين، حدثه أنهم حين قدموا المدينة، من عند يزيد بن معاوية، مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما لقيه المسور بن مخرمة رضي الله عنه فقال له: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال فقلت له: لا، قال له: هل أنت معطي سيف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟
(2)
فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وأيمُ اللَّهِ لئن أعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً، حتى تبلغ نفسي، إنَّ علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل
(3)
على فاطمة، فسمعتُ رسول اللَّه
(1)
قال ابن حجر في «فتح الباري» (9/ 329): (قوله: «يَريبني ما أرابها» كذا هنا من أراب رباعياً، وفي رواية مسلم: «ما رابَها» من راب ثلاثياً).
(2)
ذكر ابن حجر في «فتح الباري» (6/ 214) أن السيف هو ذو الفقار، الذي تنفله يوم بدر، ورأى فيه الرؤيا يوم أحد
…
ثم نقل من الكرماني مناسبة ذكر المسور قصة خطبة علي على فاطمة، عند طلبه السيف
…
أورد بعض الاحتمالات، آخرُها: (
…
كما أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهيةَ خاطِرِ فاطمة عليها السلام؛ فأنا أيضاً أحبُّ رفاهيةَ خاطِرِكَ، لِكَونِكَ ابنَ ابنِهَا، فأعطِنِي السيفَ حتَّى أحفظه لك.
قال ابن حجر: وهذا الأخير هو المعتمد، وما قبله ظاهر التكلف).
(3)
قال ابن حجر في «فتح الباري» (7/ 86): (واختُلِف في اسم ابنة أبي جهل:
فروى الحاكم في «الإكليل» : جويرية، وهو الأشهر. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وفي بعض الطرق اسمها: العوراء، أخرجه: ابن طاهر في «المبهمات» .
وقيل: اسمها الحنفاء، ذكره ابن جرير الطبري.
وقيل: جرهَمَة، حكاه السهيلي.
وقيل: اسمها جميلة، ذكره شيخنا ابن الملقن في شرحه.
وكان لأبي جهل بنت تُسمَّى صفية، تزوجها سهل بن عَمرو، سماها ابن السِّكِّيت، وغيره، وقال: هي الحنفاء المذكورة).
وذكر ابن حجر في «الإصابة» (8/ 68): في ترجمة: جميلة بنت أبي جهل رضي الله عنها: قيل: إنها التي خطبها علي، والمحفوظ أنها جويرية.
وفيه أيضاً (8/ 72) في ترجمة: جويرية بنت أبي جهل رضي الله عنها: التي خطبها علي، فترك الخطبة، فتزوجها عتَّاب بن أسيد أمير مكة، فولدت له عبدالرحمن فقُتِل يوم الجمل.
وفيه أيضاً (8/ 253) في ترجمة: العوراء بنت أبي جهل رضي الله عنها قال: خطبها علي .... وقد تقدَّم أن اسمها جويرية، فلعل العوراء لقبُها.
وجزم في «هدي الساري» (ص 323) بأنها العوراء.
كما جزم بذلك: عبدالغني بن سعيد، وابن بشكوال، وابن العراقي أنها العوراء.
وذكر سبط ابن العَجَمي: قيل: العوراء، وقيل: جويرية، وقيل: جرهَمَة.
ينظر: «الغوامض والمبهمات» لعبدالغني بن سعيد (ص 152) رقم (49)، «الغوامض والمبهمات» لابن بشكوال ـ ط. الأندلس ـ (1/ 368) رقم (327 و 328 و 329)،
…
«المستفاد من مبهمات المتن والإسناد» (2/ 939) رقم (362)، «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» لابن الملقن (20/ 332)، «تنبيه المعلم بمبهمات صحيح مسلم» لسبط ابن العَجَمي (ص 413) رقم (1009).
- صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك، على منبره هذا، ـ وأنا يومئذ محتلم ـ فقال:«إن فاطمة منِّي، وإني أتخوف أن تفتن في دينها» .
قال ثمَّ ذكرَ صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إيَّاه فأحسن، قال:«حدَّثني فصدَقَني، ووعدَني فأوْفَى لي، وإني لستُ أحرِّم حلالاً، ولا أُحِلُّ حرَامَاً، ولكِنْ واللَّهِ لا تجتمعُ بنتُ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وبنتُ عدوِّ اللَّهِ مَكاناً واحِدَاً أبداً» . لفظ مسلم، ولفظ البخاري مثله.
(1)
(1)
وانظر: «مسند الإمام أحمد» (31/ 240) رقم (18926) من حديث الليث.
…
و (26/ 46) رقم (16123) من طريق أيوب، عن ابن أبي مليكة. و (31/ 226) رقم (18911) من طريق النعمان، عن الزهري.
وانظر: «المسند المصنف المعلل» (11/ 222) رقم (5315)، و (24/ 345) رقم
…
(10919)، و «الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة» د. سعود الصاعدي
…
(11/ 281 ـ 294).
وذكر الحاكم في «فضائل فاطمة» (ص 37) رقم (1) بأن للحديث طرقاً كثيرة، قال:
…
(خرجت طرقها في «الرسالة الذابة عن حَريم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم»).
قلت: الرسالة غير مطبوعة.
غريب الحديث:
ــ (بَضْعَة): قال عياض: بفتح الباء لا غير، وذكر ابن الأثير أنها قد تُكسر.
والبَضعة: القطعة من اللحم، ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم أنها: جزء مني، كما أن القطعة من اللحم جزء من اللحم.
(1)
ــ (الصِّهْر): قرابة النكاح، وهو الخَتَن. قال الخليل: لا يقال لأهل بيت الرجل إلا أختان، ولا لأهل بيت المرأة إلا أصهار. ومن العرب من يجعلهم أصهاراً كلَّهم.
وفي «النهاية» : (الصهر: حرمة التزويج. والفرق بينه وبين النسَب أن النسَب ما رجع إلى ولادة قريبة من جهة الآباء، والصهر ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج).
(2)
* * *
(1)
ينظر: «مقاييس اللغة» (1/ 254)، «مشارق الأنوار» (1/ 96)، «النهاية»
…
(1/ 133).
(2)
ينظر: «غريب الحديث» لابن قتيبة (2/ 332)، «مقاييس اللغة» (3/ 315)، «النهاية» (3/ 63)، «لسان العرب» (4/ 471).
الدراسة الموضوعية:
سبق الحديث في المبحث الأول من هذا الفصل عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأولاده، والغَيرة تتبع المحبة، وقد بوَّب البخاري في
…
«صحيحه» على الحديث في كتاب النكاح ـ كما سبق في التخريج ـ: باب ذبِّ الرجل عن ابنته في الغَيرَة والإنصاف
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم يغار لبناته غيرة شديدة، فأخرج ابنُ إسحاق في «السيرة» (ص 253)، ومن طريقه:[الدولابي في «الذرية الطاهرة» للدولابي (ص 48) رقم (57)، وذكره ابن الأثير في «أسد الغابة» (6/ 222)] قال ابن إسحاق: (حدثني مَن لا أتَّهِم أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يغارُ لبناتِه غيرةً شديدة، وكان لا يُنكِح بناتِه على ضرَّة).
وما دام أنَّ الضرَّة على بناته تؤذي ابنته، فإنه يتأذى مما تتأذى منه بناته، لذلك يَخشى عليهن، ويكره مساءتهن، مع تصريحه صلى الله عليه وسلم بأنه لا يحرِّم حلالاً.
قال النووي رحمه الله: (قال العلماء في هذا الحديث: تحريم إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم بكلِّ حالٍ، وعلى كلِّ وجْهٍ، وإن تولَّد ذلك الإيذاءُ مما كان أصلُه مباحاً وهو حيٌّ، وهذا بخلاف غيره.
قالوا: وقد أعلمَ صلى الله عليه وسلم بإباحة نكاح بنت أبي جهل لعليٍّ بقولِه
- صلى الله عليه وسلم: «لستُ أحرِّم حلالاً» . ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلَّتَين منصوصتين:
إحداهما: أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة؛ فيتأذَّى حينئذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فيهلك مَن آذاه، فنهى عن ذلك، لكمال شفقتِه على عليٍّ، وعلَى فاطمة.
والثانية: خوف الفتنة عليها؛ بسبب الغيرة.
(1)
وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلمُ مِن فضل اللَّه أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النَّضْر:«واللَّه لا تُكسَرُ ثَنِيَّة الرُّبَيِّع» .
(2)
ويُحتَمَلُ أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى:«لا أحرِّمُ حلالاً» أي: لا أقولُ شيئاً يخالِفُ حُكمَ اللَّه، فإذا أحلَّ شيئاً، لمْ أحرِّمْهُ، وإذا حرَّمَهُ، لم أحَلِّلْهُ، ولم أسكُتْ عن تحريمه، لأن سكوتي تحليلٌ له؛ ويكون من جملة محرمات النكاح: الجمعُ بين بنتِ نبيِّ اللَّه، وبنتِ عَدوِّ اللَّهِ.
قوله: «ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس» ، هو: أبو العاص بن
(1)
عبارة القاضي عياض: كراهة فتنتها فى دينها؛ لفرط ما تحملها الغيرة عليه، وعداوة بنت عدو أبيها ومشاركتها لها.
(2)
حديث أنس بن النضر، في:«صحيح البخاري» رقم (2703)، و «صحيح مسلم» رقم (1675).
الربيع زوج زينب رضي الله عنها بنت رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والصِّهْرُ يُطْلَقُ على: الزوج وأقاربه، وأقارب المرأة، وهو مشتَقٌّ من صهَرتُ الشئَ وأصْهَرْتُهُ: إذا قرَّبْتُهُ. والمصاهرة: مقارَبَةٌ بين الأجانب والمتباعدين).
(1)
انتهى.
وقال ابن حجر: (قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم علَى علِيٍّ أن يجمع بين ابنته، وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه علَّل بأن ذلك يؤذيه، وأذيته حرامٌ بالاتفاق.
ومعنى قوله: لا أحرِّم حلالاً: أي هي له حلال، لو لم تكن عنده فاطمة.
وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به؛ فلا.
وزعم غيرُه أن السياق يُشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي، لكنه منعَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم رِعايةً لخاطرِ فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك؛ امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يظهر لي أنه لا يبْعُد أنْ يُعَدَّ في خصائصِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن
(1)
«شرح النووي على مسلم» (16/ 2 ـ 4).
وانظر: «إكمال المعلم بفوائد مسلم» للقاضي عياض (7/ 472 ـ 474)، و «مشكل الآثار» للطحاوي (12/ 516)، وفي ثنايا حديثه: سبب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أبا العاص دون عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وملخصه: أنَّ له نظيرَ ما لعليِّ من السوابق بخلاف أبي العاص، فكان فيه تنبيهاً لعليٍّ وحثاً له على الامتثال
…
إلخ.
لا يُتزوَّج على بناتِه، ويُحتمَل أن يكون ذلك خاصَّاً بفاطمة عليها السلام).
(1)
بوَّبَ ابنُ حبان على الحديث في «صحيحه» (15/ 407) بقوله:
…
(ذِكْرُ البيان بأن هذا الفعلَ لو فعلَه عليٌّ كان ذلك جائزاً، وإنما كرِهَهُ صلى الله عليه وسلم تَعظيماً لفاطمة لا تحريماً لهذا الفعل).
قال ابن القيم رحمه الله عن هذا الحديث: (فتضمن هذا الحكم أموراً:
أحدها: أن الرجل إذا شرط لزوجته أن لا يتزوج عليها؛ لزمه الوفاء بالشرط، ومتى تزوج عليها فلها الفسخ، ووجْهُ تضمُّنِ الحديث لذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن ذلك يُؤذي فاطمة ويَريْبُهَا، وأنه يؤذيهِ صلى الله عليه وسلم ويَرِيْبُهُ، ومعلومٌ قطعاً أنه صلى الله عليه وسلم إنما زوَّجَهُ فاطمةَ رضي الله عنها على أن لا يُؤذِيها ولا يَريبُهَا، ولا يُؤذِي أباها صلى الله عليه وسلم ولا يَرِيْبُهُ، وإن لم يكن هذا مشترَطاً في صُلْبِ العَقْدِ، فإنه من المعلومِ بالضرورةِ أنه إنما دخلَ عليه.
وفي ذكره صلى الله عليه وسلم صهرَه الآخر، وثنائِه عليه بأنه حدَّثه فصدَقَه،
(1)
«فتح الباري» (9/ 328 ـ 329).
في «الخصائص الكبرى» للسيوطي (2/ 255): (باب اختصاصه صلى الله عليه وسلم بأن بناته لا يُتزوَّج عليهن). وأورد أحاديث خطبة علي بنتَ أبي جهل.
وذكر ذلك: الخيضري (ت 894 هـ) في «اللفظ المكرم بخصائص النبي صلى الله عليه وسلم» (ص 482 ـ 483)، وموسى العازمي في ««الجامع في الخصائص» (ص 259).
ووعدَه فوفَى له، تعريضٌ بعَليٍّ رضي الله عنه، وتَهييجٌ لهُ عَلى الاقتداء به، وهذا يُشعِرُ بأنَّه جرَى منهُ وعْدٌ لهُ بأنَّه لا يَريبُهَا ولا يُؤذِيها، فهيَّجَهُ عَلى الوفَاءِ لَهُ، كمَا وفَى لَهُ صِهْرَهُ الآخَر.
فيُؤخَذُ من هذا: أن المشروط عُرْفَاً كالمشروطِ لفظَاً، وأنَّ عدَمَه يملِكُ الفَسْخَ لمشْتَرِطِه، فلَو فُرضَ من عادة قَومٍ أنهم لا يُخرِجُون نساءَهم من ديارهم، ولا يُمَكِّنُونَ أزواجهم مِن ذلك البتَّةَ، واستمرَّتْ عادتُهم بذلك كان كالمشروطِ لفظاً، وهُوَ مُطرِّدٌ على قواعد أهل المدينة، وقواعدِ أحمد رحمه الله: أن الشرط العُرفِيَّ كاللفْظِيِّ سواء، ولهذا أوجبوا الأُجْرَةَ على مَنْ دفَعَ ثوبَه إلى غسَّالٍ أو قصَّارٍ، أو عَجِينَهُ إلى خبَّازٍ، أو طعَامَه إلى طبَّاخٍ يعمَلُونَ بالأُجْرَةِ، أو دَخَلَ الحمَّام أو استخدَمَ مَنْ يغسِّلُه ممن عادَته يغسِّلُ بالأجرة، ونحو ذلك، ولم يشرِطْ لهم أجرَةً؛ أنَّه يَلزَمُهُ أجرَةَ المِثْلِ.
وعَلى هذا، فلَو فُرِضَ أنَّ المرأةَ مِنْ بَيتٍ لا يَتزَوَّجُ الرَّجُلُ عَلى نِسَائِهِمْ ضَرَّةً، ولا يُمَكِّنُونَهُ مِن ذلك، وعادَتُهُمْ مُستمِّرَةٌ بذلك؛ كان كالمشروطِ لَفْظَاً.
وكذلكَ لو كانَتْ ممَّنْ يعلَمُ أنها لا تمكِّن إدخَال الضرَّةِ عليها عادَةً؛ لِشَرفِهَا وحَسَبِهَا وجَلالَتِهَا؛ كانَ تَرْكُ التَزَوُّجِ عليها كالمشْرُوْطِ لَفْظَاً سواء.
وعلى هذا فسيِّدَةُ نِسَاءِ العالمَين، وابنَةُ سيِّد ولَدِ آدَم أجمعين، أحَقُّ النِّسَاءِ بِهَذَا، فلَوْ شَرَطَهُ عَليٌّ في صُلْبِ العَقْدِ كانَ تأكِيداً لا تَأسِيسَاً.
وفِي مَنْعِ عَليٍّ مِن الجَمْعِ بين فاطمة رضي الله عنها وبين بنتِ أبي جهل حِكْمَةٌ