الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقول ابن كثير، مجرد احتمال، ولو قُدِّر أنه رواه عن علي رضي الله عنه، فالصحيح أنه لم يسمع منه
(1)
، فهو منقطع، وغريب تمشية الإسناد على الاحتمالات.
فالحديث ضعيف، لإرساله، ومخالفته الصحيح الثابت من حديث عائشة رضي الله عنها أن فاطمة رضي الله عنها هجرت أبا بكر رضي الله عنه حتى توفيت.
وأما الحديث عن
(مراسيل الشعبي)
، فهي أصح من غيره، مع بقائه في دائرة الضعف
(2)
، وأما قول العجلي:(مرسل الشعبي صحيحٌ لا يكاد يُرسل إلا صحيحاً)، يقول: لا يكاد يرسل، مما يدل على الغالب.
والراجح أن غالبه معتضد بشواهد تدل على أنه له أصلاً، لا أن المرسَل صحيح لذاته، وقد ضعَّفَ مراسيل الشعبي: الترمذيُّ، وغيرُه.
(3)
(1)
كما سبق في ترجمته في الحديث رقم (58).
(2)
قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (1/ 284): (الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يتركُ اسمَه بل يُسمِّيه، فإذا ترك اسمَ الراوي دلَّ إبهامه على أنه غيرُ مَرضِي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيراً، يُكنُّون عن الضعيف ولا يُسمُّونه، بل يقولون: عن رجل، وهذا معنى قول القطان: لو كان فيه إسناد صاحَ به، يعني لو كان أخذه عن ثقة لسمَّاه وأعلن باسمه).
(3)
ينظر: «الثقات» للعجلي (2/ 12) رقم (823)، «الصارم المسلول» لابن تيمية
…
(1/ 127)، «شرح علل الترمذي» لابن رجب (1/ 285)، «تحرير علوم الحديث» للجديع (2/ 936).
ومرسله هذا في فاطمة، لا شك في ضعفه:
أولاً: لأنه مخالف لحديث عائشة في الصحيحين.
ثانياً: أنه دليل فرد ـ حسب البحث ـ لم تحفلْ به ـ مع أهميته وتأثيره ـ دواوينُ الإسلام، وانفردَ بهِ مختصرَاً: ابن سعد، وأطول منه: البيهقيُّ في القرن الخامس الهجري؟ !
ثالثاً: ليس له أصلٌ وشاهد لا في الموقوفات، ولا المراسيل.
(1)
(1)
جاء من مرسل الأوزاعي ذكر المحب الطبري في «الرياض النضرة في مناقب العشرة»
…
(1/ 176): (عن الأوزاعي قال: بلغني أن فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غضبت على أبي بكر، فخرج أبو بكر حتى قام على بابها في يوم حارٍّ، ثم قال: لا أبرح مكاني حتى ترضى عني بنتُ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها عليٌّ فأقسمَ عليها لِتَرْضَى؛ فرضيت». خرَّجَهُ: ابنُ السمَّان في «الموافقة»).
قلت: ومع إرساله وضعفه، وخلوِّ دواوين الإسلام منه، فيه نكارة أيضاً، كيف يعتذر خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ذنب لم يجنه؟ ! ويُجبر عليٌّ فاطمةَ لِترضَى؟
وابن السمَّان هو:
إسماعيل بن علي بن الحسين بن زنجويه، أبو سعد ابن السمان الرازي الحافظ، من أئمة المعتزلة، محدِّث، فقيه حنفي، وكان عابداً زاهداً، مكثراً من الشيوخ، رحَّالة.
قال ابن العديم (ت 660 هـ) في «بغية الطلب» : (وكان في الحفظ والثقة على أجمل حال، وأفسد حُسنَ هذه الأفعال بانتحاله مذهب الاعتزال
…
).
قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» : (وقع لنا من تأليفه «المسلسلات»، و «الموافقة بين أهل البيت والصحابة»، ومع براعته في الحديث ما نفعَهُ اللَّهُ به، فالأمرُ للهَ). وبنحوه في
…
«السير» مع زيادات حسنة.
من مؤلفاته: «معجم الشيوخ» ، و «معجم البلدان» ، وكتابه الشهير:«الموافقة بين أهل البيت والصحابة وما رواه كل فريق في حق الآخر» . طبع جزء منه بتحقيق: فريد الجاخة ط. مبرة الآل والأصحاب في الكويت 1439 هـ، وسبق قبل ذلك أن طُبِع مختَصَرُه للزمخشري (ت 538 هـ)، بحذف أسانيده ومكرراته.
والمحبُّ الطبري ينقل منه كثيراً في: «الرياض النضرة» ، و «ذخائر العقبى» .
(ت 445 هـ).
ينظر: «تاريخ دمشق» (9/ 21)، «بغية الطلب فى تاريخ حلب» (4/ 1706)، «تاريخ الإسلام» (9/ 668)، «سير أعلام النبلاء» (18/ 58)، «كشف الظنون»
…
(2/ 1465 و 1890).
رابعاً: أن الحدَثَ محلُّ اهتمام وتشوف من الصحابة والتابعين، فلو كان واقعاً صحيحاً لنُقِلَ بأسانيد متصلة صحيحة.
خامساً: لو حصلت المراضاة لعلم بذلك أقرب الناس لأبي بكر: ابنته: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فكيف تخفى عليها هذه القضية المهمة، وتذكر اتصال غضب فاطمة إلى وفاتها؟ !
سادساً: في فيئة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومبايعته ـ أو هي إعادة البيعة مرة ثانية على قول ـ وما جرى في الحديث أمام الصحابة بينه وبين أبي بكر رضي الله عنهما ـ كما في الحديث رقم (96) ـ يدل على وجود العتب
واستمراره إلى هذه المصالحة، وهي لم تحصل إلا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، فأين أثر التراضي الذي تم بين الاثنين: أبي بكر، وفاطمة، بحضور علي؟ ! كما دلَّ عليه هذا المرسل الضعيف؟ !
لو كان صحيحاً، لحصل الجهرُ به من عليٍّ مباشرة، لا أن يتأخر وقتاً بعد وفاة فاطمة
(1)
، لأنه صُرِّح أنه استنكر وجوه الناس بعد وفاتها ـ وهذا لا يكون بأيام وأسابيع ـ، مما يدل على أنه لم يحصل ما ذُكر في مرسل الشعبي
…
ـ واللَّه أعلم ـ.
والنفسُ تتَمَنَّى صِحَّتَه
(2)
، لكَنْ ليس للإنسانِ ما تَمَنَّى.
وإذا ثبتَ ضعفُه، فليس فيه غضاضة على خليفةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يخطئ، ولم يُقَصِّر في رعاية آل البيت، لا فاطمة ولا غيرها، وإنما غايةُ ما فَعَل: امتثالُ أمْرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عدَم إرث
(1)
ولا يقال هنا: بأنه مشغول بتمريض فاطمة؛ لأنَّ بيتَ عليٍّ مجاور المسجد، وهو يصلي الصلوات الخمس خلف أبي بكر رضي الله عنهما، ولا يحول ـ حينئذ ـ شغله بفاطمة عن إظهار المصالحة.
(2)
ليزول عتب بنت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأما أبو بكر فلم يخطئ ولم يقصر، وإنما هو مستجيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما تولَّى، مؤيَّد بخير القرون صحابةِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم.
الأنبياء، وفي القيام بالشؤون التي كان يتولاها صلى الله عليه وسلم ــ وحسناً فَعَل رضي الله عنهم أجمعين ــ.
(1)
* * *
(1)
وللرافضة مرويات مكذوبة لا خطام لها ولا زمام، يدَّعُون أن أبا بكر وعمر ذهبا لفاطمة لمراضاتها، وذكروا كلاماً سيئاً في حق الشيخين، وفي حق فاطمة أيضاً رضي الله عنهم.
انظر عرضها ونقدها في كتاب: «بين الزهراء والصديق» لبدر العمراني (ص 77).
الدراسة الموضوعية:
بين الصحابة وآل البيت علاقةٌ حميميةٌ فائقةُ الحُسْن، في تقارب وديد، ومحبة صادقة، ومصاهرات متتابعة، وتعظيم كل منهما للآخر ـ كما سيأتي بيانه بعد قليل في المسألة الأولى ـ
وإنَّ الذي بين أبي بكر وفاطمة من المحبة والإجلال لا يُحجَب بغربال
(1)
، ومهما حصل من العَتب، فإنه لا ينسخ التعظيم والتقدير من لدن فاطمة لأبي بكر رضي الله عنهما.
فهي رضي الله عنها شاهدت أبا بكر ونصرته لأبيها صلى الله عليه وسلم أول الإسلام، وملازمته له، واختصاصه به، ونفقته مالَه كلَّه نصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم، وما أكرمه اللَّهُ به من مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته حياً وميتاً، فهو رفيقه في الهجرة، وجليسه في الغار، وهو المستشار الأول، والناس كلُّهم سمعوا كثيراً من قول النبي صلى الله عليه وسلم: كنتُ وأبو بكر وعمر، ذهبتُ وأبو بكروعمر، مع أحاديث متواترة في فضله ومناقبه، أفتغيبُ هذه المآثر الجسيمة، والثناء العظيم عن فاطمة؟ ! وربما أنها تسمع من أبيها في أبي بكر أكثر مما أُثِر، فلا شك ولا ريب في يقينها بفضله رضي الله عنهما أجمعين.
(1)
الغربال: ما يُنخل به الطعام ونحوه، يقال: غربل الشئ: نخَلَه. ينظر: «المحكم» لابن سيده (6/ 91)، «مشارق الأنوار» (2/ 6)، «النهاية» (3/ 352).