الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة ما قيل في هجر فاطمة رضي الله عنها
-:
الرواية في الصحيحين: «فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت» ، وفي خارج الصحيحين:«فلم تكلمه في ذلك» وأخرى: «في ذلك المال» ، ولا تعارض بينها، فهي لم تكلمه في ذلك المال الميراث، ولا غيره.
واختار معنى الرواية الثالثة شيخ الترمذي وقيَّد بها معنى الهجر، وتعقبه الشاشي بأن الغضب دليل امتناع الكلام جملة، وهو دليل الهجر الصريح، ثم تعقبَ الصنعانيُّ الشاشيَ ـ وسبق الجواب عنه ـ.
وكذا اختار معنى الرواية الثالثة: ابن هبيرة، وأما القرطبي فيميل إلى أنها لم تلتق به بعد الطلب، لشغلها بمصيبتها بفقد النبي صلى الله عليه وسلم، ولملازمتها بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجر!
ويرى ابنُ الملقن أنَّ المراد الانقباض وعدم المواصلة، وليس هذا من الهجر المحرَّم، وذكر ما أورده القرطبي قبله، وزاد عليه بأنها قد وجدت عليه، وليس ثَمَّ شحناء وعداوة.
وعرض ابنُ حجر ما ذكرَه ابنُ الملقن، لكنه أعرض عن ذكر ما أورده القرطبي وابن الملقن بأن الراوي قد فَهِم الهجر مما حصل.
وجاء الصنعاني فأثبت وجود الغضب، ونفى الهجر، لأنه لا يتأتى حصوله مع كونهما أجنبين، ويُخَطِّئ عائشة رضي الله عنها في فهمها للحالة بينهما
…
ـ وسبق الجواب عن ذلك ـ.
أقول: ومن خلال إيراد معنى الهجر وهو تَرْكُ الوَصْل، فأي وَصْلٍ كان بين أبي بكر وفاطمة ـ وهما أجنبيان ـ؟ !
لم يكن بينهما إلا ماترفعه من طلبات: (الميراث، وتولي علي الصدقات، وغير ذلك)، وقد تركت ذلك وحزنت لعدم حصول مرادها، هذا هو الهجر المراد من قول عائشة رضي الله عنهم.
أما عدم السلام والكلام عند التلاقي؛ فهذا مالم يحصل قطعاً، وإنما حصل ترك الطلبات، وانقباضها مع عتَبِها وحُزنِها، وانشغالها بمرضها الذي لم يطل، وليس ذلك كله من الهجر المحرم، وفاطمة أعقل وأكمل ديناً وأعلم بما روي من تحريم الهجر بين المسلمين.
وسبق ذكر أنها كانت تتولى رفع طلباتها وما يعرض لها، خاصة مع مَوجِدة علي ـ التي ذكرها عند المصالحة ـ، ووجَاهَة فاطمة، ومعرفة الجميع إجلال الصحابة وفي مقدمتهم الخليفةُ الراشدُ الصادقُ البارُّ أبو بكر لفاطمة وآلِ البيت رضي الله عنهم.
ومهما قيل في الباب، فإن أبا بكر لم يتعدَّ، ولم يفرِّط، ولم يقصِّر، ولم ينفرد بالرأي فيما ذهبَ إليه، بل هو رأيُ عامَّةِ الصحابةِ، وقد امتثلَ رضي الله عنه أمر ربه عز وجل، واستجابَ لنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم بأنَّ الأنبياء لا يُورَثون، ومع امتثاله لذلك؛ ومنعه فاطمة ما طلبَتْ من الإرث، إلا أنه أكرمَها وأكرمَ آلَ البيت
- رضي الله عنهم بعطايا تفوق المالَ المقدَّر لهم أضعافاً مضاعفة ـ لو كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُورَث ـ.
إذن، يُستفاد من كلام عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بقاء العتب في فاطمة رضي الله عنها، وانقطاعها عن رفع طلباتها وحاجاتها لأبي بكر، ولا يفهم من قولها حتى توفيت أنَّ المسألة طالت، فإن بقاءها بعد أبيها صلى الله عليه وسلم ستة أشهر فقط، إذا طُرح منها الوقت الأول الذي لم تطلب فيه شيئاً؛ لانشغال أبي بكر بالبيعة وشؤون الخلافة، وما تبعه من حرب المرتدين ومانعي الزكاة، وغير ذلك، والوقت الأخير في مرض فاطمة ولزومها البيت، لم يبق إلا وقت يسير، لا يتصور فيه الهجر المحرَّم ـ واللَّه تعالى أعلم ـ.
* * *