المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌نصرتها لأبيها صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سيرتها، فضائلها، مسندها - رضي الله عنها - - جـ ٤

[إبراهيم بن عبد الله المديهش]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثاني: الأحاديث الواردة في فضائلها، وفيه خمسة فصول:

- ‌الفصل الأول: منزلتها عند أبيها صلى الله عليه وسلم وفيه سبعة مباحث:

- ‌المبحث الأول:محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها، واحتفاؤه بها

- ‌معنى قول الإمام البخاري في الرجل: (فيه نظر):

- ‌ محبة النبي صلى الله عليه وسلم لها

- ‌ هل فاطمة أفضل بنات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الأحاديثُ الدالَّةُ على اختصاصِ فاطمةَ بشئٍ من المحبَّةِ والاحتفاءِ والفضلِ إنما وردَتْ بعدَ وفاةِ أخواتِها، وتفرُّدِها عنهم، وذلك بعد…(شعبان 9 هـ)

- ‌ أحاديث موضوعة تدل على عظم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وعنايته بفاطمة رضي الله عنها، مع تضمن بعضها قدحاً في مقام النبيِّ صلى الله عليه وسلم

- ‌آلُ البيت لهم من الفضائل الصحيحة ما يغنيهم عن هذه الأكاذيب المشينة

- ‌المبحث الثاني:زيارة النبي صلى الله عليه وسلم لها في بيتها رضي الله عنها

- ‌مكان بيت فاطمة رضي الله عنها

- ‌المبحث الثالث:غيرة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، وأنها بضعة منه

- ‌ متى كانت الخِطْبَة من علي، والخُطبَة من النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ إشكال في قول المِسْوَر بن مَخْرَمَة رضي الله عنه: «وأنا يومئذ محتلم»، ومنه يُعلم وقت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌هل قوله: «فاطمة بضعة مني» في وقت حياة بعض أخواتها كزينب، وأم كلثوم رضي الله عنهن

- ‌ لماذا بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر في خُطبَة؟ وواجه عليَّاً بما يُعاب به

- ‌المبحث الرابع:دخولها وزوجها وذريتها في آل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ المراد بأهل البيت

- ‌المبحث الخامس:أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سِلْم لمَن سالمَها وزوجَها…وولدَيْها، وحَربٌ لمَن حارَبَهُم

- ‌الحديثُ تقلَّب بأيدي الشيعة الغلاة منهم ومَن دونهم، فذهب على أوجه شتَّى، لا يذهب مع طريق إلا ومعه وَهَنُه الشديد

- ‌المبحث السادس:اختياره صلى الله عليه وسلم لها الدار الآخرة

- ‌المبحث السابع:حثُّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فاطمةَ على حُبِّ عائشةَ رضي الله عنهما

- ‌ العلاقة بين فاطمة، وعائشة رضي الله عنهما علاقة حميمية

- ‌الفصل الثاني: منزلة أبيها صلى الله عليه وسلم عندهاوفيه مبحثان:

- ‌المبحث الأول:برها بأبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌نصرتها لأبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌إطعامها والدها صلى الله عليه وسلم

- ‌معالجتها إياه صلى الله عليه وسلم

- ‌حزنها في مرض أبيها ووفاته صلى الله عليه وسلم

- ‌برها بوالدتها خديجة رضي الله عنهما

- ‌ يُلحظ أن لفاطمةَ رضي الله عنها حضوراً في أسفار والدها صلى الله عليه وسلم ومشاهده

- ‌المبحث الثاني:حفظها لسِرِّ أبيها صلى الله عليه وسلم

- ‌ يجوز إظهار السِّرِّ إذا انتهى وقتُه، بإظهارِ اللَّهِ له، أو أظهرَهُ صاحبُه الذي أسرَّ بِهِ

- ‌الفصل الثالث: منزلتها عند الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.وفيه مبحثان:

- ‌المبحث الأول:محبة أبي بكر ورعايته لها رضي الله عنهما

- ‌(مراسيل الشعبي)

- ‌ طعن الرافضة في أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه

- ‌المسألة الأولى: المحبة بين الصحابة وآل البيت

- ‌ حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من بعض قريش جفوة على بني هاشم، بسبب الغَيرة

- ‌ومن الأمارات الكبيرة الظاهرة في تلك العلاقة الطيبة المتينة:

- ‌المسألة الثانية: طلبُ فاطمة الميراث، وغضبُها على أبي بكر، ولمَ غضبت بعد علمها بالحديث

- ‌وكان لفاطمة رضي الله عنها من أبي بكر رضي الله عنه طلبان اثنان:

- ‌ حديث لا نورث، مروي أيضاً في كتب الرافضة

- ‌المسألة الثالثة: هل وقع أبو بكر في أذية فاطمة وإغضابها، مما يُغضِبُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم؟ولِمَ امتنع من إجابتها؟وبيان تأكيد آل البيت والصحابة حُكَمَ أبي بكر رضي الله عنهم

- ‌المسألة الرابعة: خُطبة فاطمة على ملأئٍ من الصحابة

- ‌المسألة الخامسة: إكرامُ أبي بكر فاطمة، وإحسانُه لها، وإعطاؤها المال الوفير

- ‌ تأثر متأخري الزيدية بالرافضة

- ‌المسألة السادسة: هل كشف أبو بكر بيت فاطمة رضي الله عنهما

- ‌ لم أجد أحداً ذكره كما ذكرَته الرافضة:لم أكبس بيت فاطمة

- ‌المسألة السابعة: صحة الجملة الواردة في الحديث المخرَّج في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: «فهجرَتْه حتى ماتت»، وإجابةٌ على شُبهَة مَن أنكرها

- ‌ مراسيل الزهري

- ‌ تعريف الهجر لغة وشرعاً:

- ‌خلاصة ما قيل في هجر فاطمة رضي الله عنها

- ‌المسألة التاسعة:هل ترضَّى أبو بكر فاطمةَ قبل وفاتها رضي الله عنهما

- ‌المسألة العاشرة:لماذا لم يخبر عليٌّ أبا بكر بوفاة فاطمة، ليصلِّي عليها

- ‌المسألة الحادية عشرة: ما قيل في بيعة علي وآل هاشم أبا بكر ــ اختصاراً ــ مما يستفاد منه في علاقة فاطمة بأبي بكر رضي الله عنهم

- ‌المسألة الثانية عشرة:موقف فاطمة رضي الله عنها من بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

- ‌ لم تشارك في الحياة السياسية، ولم تحضر المجالس الشورية مع الرجال في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين، بل وبعدهم أيضاً فترة طويلة

- ‌من شروط أهل الحل والعقد: الذكورية، وليس للنساء…مدخل فيه

- ‌ما يُلقَى مُشَافَهَةً جواباً لسؤال عابر، يختلِفُ عما يُكتب تحريراً، بل يختَلِفُ عما يُشرَحُ في متن عِلمِيٍّ يجمَعُ أطرافَ ما يُلقِيه الشارِحُ

- ‌لم يَرِدْ في موروث أهلِ السنة والجماعة حديثاً وعقيدةً وتاريخاً شئٌ عن مبايعة فاطمة أبا بكر رضي الله عنهما، وموقفها من البيعة

الفصل: ‌نصرتها لأبيها صلى الله عليه وسلم

الدراسة الموضوعية:

دلَّتْ أحاديثُ هذا المبحث على عناية وبِرِّ فاطمة بأبيها صلى الله عليه وسلم، مع محبتها البالغة، وقد اجتمع عليها حقان عظيمان: بر الوالدين، وحق نبيها صلى الله عليه وسلم، فقامت بهما أتم قيام رضي الله عنها.

ومن البَدَهي أنه لايمكن القول بأنَّ صُوَرَ بِرِّهَا هي ما ورد في الأحاديث المنقولة فحسب، لأن اليقين أنها بذلت جميع صُور البر والإحسان لأبيها صلى الله عليه وسلم، لكن الحديث هنا عن المرويات الواردة فحسب، ومن خلالها يمكن تقسيم برها إلى محاور:

‌نصرتها لأبيها صلى الله عليه وسلم

-:

فقد ظهر ذلك جليَّاً في عِدَّة أحاديث:

1.

كما في الحديث الأول من هذا المبحث، حينما قدمت ـ وهي جارية صغيرة دون البلوغ ـ لترفع الأذى عن والدها صلى الله عليه وسلم، ثم تتوجَّه إليهم ـ وهم كبار قريش ـ فتسبُّهم، ولم يَتعَرَّضوا لها رضي الله عنها.

قال ابن هبيرة (ت 560 هـ) رحمه الله: (وفي هذا الحديثِ دليلٌ على ما خصَّ اللَّهُ تعالى به فاطمةَ البتول مِن رفع ذلك عن أبيها صلى الله عليه وسلم، ولعلَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مكثَ ساجدَاً لا يُلقِي ذلك عن ظهره

ص: 322

انتظارَاً لما يفعلُ اللَّهُ عز وجل في إكرام مَن يريد أن يُكرمَهُ بأن يجعله هو الملقي لذلك عن ظَهرِه فكانت فاطمة.

ويجوز أن يكون صلى الله عليه وسلم لما رأى أنَّ ذلك قد أُلقِيَ على ظهره في سبيل اللَّهِ تعالى؛ استطابَ دوامَه لِيَراه اللَّهُ سبحانه وتعالى راضيَاً بما أوذي به في سبيله).

(1)

قلت: وفيه بُعْد، ويحتمل ـ واللَّه أعلم ـ طول السجود حينئذ، للدعاء عليهم، ثم إعادة الدعاء جهراً بعد الانتهاء من الصلاة؛ ليُسمِع الملأ من الكفار.

قال ابن حجر (ت 852 هـ) رحمه الله في فوائد الحديث: (وفيه قوة نفس فاطمة الزهراء من صِغَرها؛ لِشَرَفِها في قومِها ونفسِها، لكونها صرَخَتْ بشتمهم وهُم رؤوس قريش، فلم يردُّوا عليها).

(2)

2.

وثمَّةَ حديثٌ آخر فيه خوفها على أبيها صلى الله عليه وسلم من كفار قريش:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنَّ الملأ، من قريش اجتمعوا في الحِجْرِ، فتعاهدوا باللات، والعُزَّى، ومنَاة الثالثة الأخرى: لو قَدْ رأينا محمداً، قُمْنَا

(1)

«الإفصاح عن معاني الصحاح» (2/ 34).

(2)

«فتح الباري» لابن حجر (1/ 352).

ص: 323

إليه قيام رجُلٍ واحِدٍ، فلم نُفَارِقْهُ حتَّى نقتله، قال: فأقبلَتْ فاطمةُ تبْكِي حتَّى دخلَتْ على أبيها، فقالت: هؤلاء الملأُ مِنْ قَومِكَ في الحِجْرِ، قد تعاهدوا: أنْ لَوْ قدْ رَأوكَ قامُوا إليك فقتَلُوكَ، فليس منهم رجلٌ إلا قَدْ عَرَفَ نصيبَهُ مِن دَمِكَ، قال:«يا بُنَيَّة، أدْنِي وضوءاً» ، فتوضأَ، ثم دخل عليهم المسجدَ، فلمَّا رأوه، قالوا: هُوَ هذا، هُوَ هَذَا. فخَفَضُوا أبصارَهُم، وعقَرُوا

(1)

في مجالِسِهِم، فلَمْ يرفَعُوا إليه أبصارَهُم، ولم يقَمْ منهم رجُلٌ، فأقبلَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم حتَّى قامَ عَلى رءوسِهِم، فأخَذَ قبضَةً مِن تُرَابٍ، فحصَبَهُمْ بها، وقال:«شَاهَتْ الوُجُوه» .

قال: فما أصابَتْ رجُلاً منهُم حصَاةٌ إلا قُتِلَ يومَ بَدْرٍ كافِرَاً.

لفظ الإمام أحمد.

(2)

(1)

العقر بفتحتين: أن تُسْلِمَ الرجُلَ قوائِمُهُ من الخوف. وقيل: هو أن يفجأهُ الرَّوعُ؛ فيَدهَشْ، ولا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر. «النهاية» (3/ 273).

(2)

حديث حسن. أخرجه: سعيد بن منصور في «سننه» (2/ 378) رقم (2913)، والإمام أحمد في «مسنده» (5/ 442) رقم (3485)، ومن طريقه: [الضياء المقدسي في

«الأحاديث المختارة» (6/ 781) رقم (2824)]، والدينوري في «المجالسة»

(6/ 174) رقم (2521)، وابن حبان في «صحيحه» (14/ 430) رقم (6502)، وأبو نعيم في «دلائل النبوة» (ص 192) رقم (139)، والحاكم في «المستدرك»

(1/ 268) رقم (583)، و (3/ 170) رقم (4742)، وفي «فضائل فاطمة»

(ص 96) رقم (124) و (125) و (126) و (127) و (128)، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 277) و (6/ 240)، والضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة»

(10/ 218 و 219) رقم (230) و (231) من طُرُق عن عبداللَّه بن عثمان بن خُثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما، به.

ــ عبداللَّه بن عثمان بن خُثيم، أبو عثمان القارئ المكي، صدوق. «تقريب التهذيب»

(ص 347).

ص: 324

3.

حديث طويل جداً ــ يقع في ست صفحات ـ وفيه ذكرلفاطمة، وبرُّها بأبيها ..

أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (3/ 58) رقم (2676)، وعنه:

[أبو نعيم في «الحلية» (4/ 73)، ومِن طريقِ أبي نعيم: أبو موسى المديني في «اللطائف في دقائق المعارف» ـ ط. الكتب العلمية ـ (ص 421) رقم

(829)، وابن الجوزي في «الموضوعات (2/ 29) رقم (559)] قال: حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس بن سنان، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن جابر بن عبد اللَّه، وعبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهم في قول اللَّه عز وجل:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} (سورة النصر)، قال: لما نزلت قال محمد صلى الله عليه وسلم:

«يا جبريل نفسي قد نعيت» . قال جبريل عليه السلام: الآخرةُ خَيرٌ لك من

ص: 325

الأولى، ولَسَوفَ يُعطيك ربك فترضى.

فأمر رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي بالصلاة جامعة، فاجتمع المهاجرون والأنصار إلى مسجد رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر، فحمدَ اللَّهَ عز وجل وأثنى عليه، ثم خطب خُطبةً وجلت منها القلوب وبكت العيون، ثم قال:«أيها الناس أي نبي كنت لكم» ؟

وذكر خطبةً طويلةً جداً، ذكَرَ منها: طلبه الاقتصاص ممن ظلمه، ومجئ عكاشة

وفيه: «يا بلال انطلق إلى منزل فاطمة وائتني بالقَضيب الممشوق

(1)

».

وقوله: فقالت فاطمة: يا بلال وما يصنع أبي بالقضيب وليس هذا يوم حج ولا يوم غزاة؟ فقال: يا فاطمة ما أغفلك عما فيه أبوك، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يودِّع الدِّين ويُفارق الدنيا، ويعطي القصاص من نفسه.

فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال ومن ذا الذي تطيب نفسه أن يقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ يا بلال فقل للحسن والحسين يقومان إلى هذا الرجل فيقتص منهما، ولا يدعانه يقتص من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.

وقول فاطمة لما أذَّن بلالٌ بالصلاة ـ والرسولُ صلى الله عليه وسلم مريض مرضَه الذي توفي فيه ـ: فقالت فاطمة رضي الله عنها: يا بلال إنَّ رسولَ اللَّه

(1)

الطويل الدقيق. «المخصص» لابن سيده (1/ 184)، «لسان العرب» (7/ 403).

ص: 326

- صلى الله عليه وسلم اليوم مشغول بنفسه.

وفيه: وداع الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين آخر حياته بقوله: «يا معشر المسلمين، أستودعكم اللَّه، أنتم في رجاء اللَّه وأمانه، واللَّه خلفتي عليكم، معاشر المسلمين، عليكم باتقاء اللَّه وحفظ طاعته من بعدي، فإني مفارق الدنيا، هذا أول يوم من الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا»

وفيه: مجئ ملك الموت على هيئة طارق أعرابي، واستئذانه وقول فاطمة له: آجرك اللَّه في ممشاك يا عبد اللَّه، إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مشغول بنفسه.

وأنه أعاد الاستئذان ثانية وثالثة.

وفيه: فقال صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة من بالباب» ؟ فقالت:

يا رسول اللَّه، إن رجلاً بالباب يستأذن في الدخول، فأجبناه مرة بعد أخرى، فنادى في الثالثة صوتاً اقشعر منه جلدي، وارتعدت فرائصي.

فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «يا فاطمة، أتدرين مَن بالباب؟ هذا هادم اللذات، ومفرق الجماعات، هذا مرمل الأزواج، وموتم الأولاد، هذا مخرب الدور، وعامر القبور، هذا ملك الموت صلى الله عليه وسلم، ادخل رحمك اللَّه يا ملك الموت» .

وفيه: وصية النبي صلى الله عليه وسلم علياً بتغسيله وتكفينه وكيفية الصلاة عليه.

ص: 327

وفيه: فقالت فاطمة رضي الله عنها: اليوم الفراق، فمتى ألقاك؟ فقال لها:

«يا بنية، تلقينني يوم القيامة عند الحوض وأنا أسقي من يرد على الحوض من أمتي» .

قالت: فإن لم ألقك يا رسول اللَّه؟ قال: «تلقينني عند الميزان وأنا أشفع لأمتي» .

قالت: فإن لم ألقك يا رسول اللَّه؟ قال: «تلقينني عند الصراط وأنا أنادي ربي سلم أمتي من النار» .

فدنا ملك الموت صلى الله عليه وسلم يعالج قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ الروح الركبتين، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:«أوَّه» . فلما بلغ الروح السرَّة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: «واكرباه» .

فقالت فاطمة رضي الله عنها: كربي يا أبتاه.

فلما بلغ الروح إلى الثندؤة نادى النبي صلى الله عليه وسلم: «يا جبريل، ما أشد مرارة الموت» .

وفيه: أنها قالت لعلي بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحسن، دفنتم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

قالت فاطمة رضي الله عنها: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ أما كان في صدوركم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الرحمة، أما كان معلم الخير؟ قال: بلى يا فاطمة، ولكِنْ أمْرُ اللَّهِ

ص: 328

الذي لا مَردَّ لَه.

فجعلَتْ تبكي وتندب، وهي تقول: يا أبتاه، الآن انقطع جبريل عليه السلام، وكان جبريل يأتينا بالوحي من السماء.

وهذا حديث موضوع من وضع الكذَّاب: عبدالمنعم بن إدريس بن سنان اليماني، فهو وضاع.

(1)

قال ابن الجوزي في «الموضوعات» عقب الحديث: (هذا حديث موضوع محال، كافأَ اللَّه مَن وضَعَه، وفتَحَ من شَيْن الشريعة بمثل هذا التخليط البارد، والكلام الذي لا يليق بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بالصحابة، والمتَّهَمُ به عبدُالمنعم بن إدريس، ..... ثم ذكر كلام العلماء

فيه).

قال العراقي: (وهو حديث طويل في ورقتين كبار، وهو منكر، فيه

عبدالمنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه. قال أحمد: كان يكذب على وهب بن منبه، وأبوه إدريس أيضاً متروك، قاله الدارقطني).

(2)

وقد أورده العلماء في كتب الموضوعات.

(3)

(1)

«لسان الميزان» (5/ 279).

(2)

«تخريج أحاديث إحياء علوم الدين» ــ ط. العاصمة ـ (6/ 2544).

(3)

مثل: ابن الجوزي ـ وقد سبق ذكره ـ، والسيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (1/ 257)، وابن عراق في «تنزيه الشريعة» (1/ 331)، والشوكاني في «الفوائد المجموعة»

(ص 324) رقم (14)، وانظر:«التلخيص الحبير» (3/ 1215) رقم (2505).

ص: 329

زيارتها له صلى الله عليه وسلم:

زيارتها له صلى الله عليه وسلم المتكررة، خاصة وأنها بجوار بيت عائشة رضي الله عنهما، من ذلك:

1.

زيارتها له في مرضه صلى الله عليه وسلم، كما في حديث عائشة رضي الله عنها حينما أسرَّ لها بقرب أجله ..

(1)

2.

أخرج الحاكم في «فضائل فاطمة» (ص 144) رقم (219) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي دارم الحافظ بالكوفة

(2)

، قال: حدثنا الحسن بن القاسم البجلي

(3)

، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلَّى

(4)

،

قال: حدثنا عقيل بن محمد

(1)

سيأتي تخريجه في الباب الثالث حديث رقم (33).

(2)

أحمد بن محمد بن السري بن يحيى بن أبي دارم، أبو بكر الكوفي التميمي. رافضي كذاب. سبق في الحديث رقم (14).

(3)

الحسن بن القاسم بن الحسين البجلي. لم أجد له ترجمة. وهو من رجال سنن الدارقطني

(4/ 129) رقم (3217)، وابن منده في «مجالسه» رقم (153)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 2098) رقم (1787)، وأبو موسى المديني في «اللطائف» (ص 190) رقم (345).

(4)

لم أجد له ترجمة. وهو من رجال: الدارقطني في «سننه» (3/ 62) رقم (2068)، والخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 2098) رقم (1787)، وابن عبدالبر في

«الاستيعاب» (3/ 1127)، وأبو موسى المديني في «اللطائف» (ص 190) رقم (345).

وهو من شيوخ اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (4/ 660) رقم

(1061).

ص: 330

بن عبداللَّه بن محمد بن عقيل

(1)

، عن أبيه

(2)

، عن جدِّه عبداللَّه بن محمد بن عقيل

(3)

، عن جابر بن عبداللَّه رضي الله عنهما، عن صفية بنت عبدالمطلب رضي الله عنها أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لما مرض أقبلت صفيةُ بنت عبدالمطلب فجلست عند فاطمة، ورسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم مضطجع، فقالت لها صفية: سلي أباك: كيف هو ذا يابُنية؟

فقالت: يا أبتاه، كيف تجدك؟

قال: «أجدني صالحاً ـ إن شاء اللَّه ـ إنَّ الحُمَّى من فَيح جهنم فأطفئوها بالماء، فإنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يحبُّ الوِتْرَ» .

وهذا حديث مَوضوع، فيه شيخ الحاكم، رافضي كذاب، والأربعة بعده مجاهيل.

3.

ورُوي في حديث عباية بن ربعي، عن أبي أيوب الأنصاري، أن

(1)

لم أجد له ترجمة. وقد ذكره الدراقطني في «المؤتلف والمختلف» (3/ 1583).

(2)

محمد بن عبداللَّه بن محمد بن عقيل. لم أجد له ترجمة.

(3)

عبداللَّه بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، أبو محمد القرشي. صدوق، في حديثه لين، ويقال: تغيَّر بأخَرَة. «تقريب التهذيب» (ص 356).

ص: 331