الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرحيم بالمؤمنين، قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 128)
فلبناتِه المحبةُ والاحتفاءُ الخاصَّين، وتزدادُ المحبة والرحمةُ بأسباب شرعية وقدرية، فبنات النبي صلى الله عليه وسلم خاصةً أم كلثوم وفاطمة، نشأوا أيتاماً من قبل الأم، وأصغرهن: فاطمة، ولم يكن لهما من قبل عماتهما وخالاتهما مَن يعطف عليهما، وتنشآن في حنانها، فلم يكن لهما ـ بعدَ اللَّهِ ـ إلا والدَهما صلى الله عليه وسلم، ثم إنَّ المحبة تزداد لفاطمة بعد فقدها أخواتها كلها واحدة تلو الأخرى، فبقيت وحيدة مع والدِها صلى الله عليه وسلم وزوجِها ـ من شهر شعبان سنة 9 هـ إلى وفاته صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول 11 هـ.
قبل تلك الفترة، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يفرِّق بين بناته في المحبة والاحتفاء، فهو صلى الله عليه وسلم أتقى الناس لربِّه، وأعدَلُهم، وقد أمرَ بالعدل بين الأولاد ـ وسبق بيان ذلك في الباب الأول: الفصل الأول، المبحث الخامس: قيامه صلى الله عليه وسلم عليها بالعدل ـ.
ف
الأحاديثُ الدالَّةُ على اختصاصِ فاطمةَ بشئٍ من المحبَّةِ والاحتفاءِ والفضلِ إنما وردَتْ بعدَ وفاةِ أخواتِها، وتفرُّدِها عنهم، وذلك بعد
…
(شعبان 9 هـ)
.
فقد توفيت:
1.
رقية رضي الله عنها، زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه، سنة 2 هـ، والمسلمون في بدر.
(1)
2.
زينب رضي الله عنها زوج ابن خالتها: أبي العاص بن الربيع رضي الله عنه، أول سنة 8 هـ.
(2)
3.
أم كلثوم رضي الله عنها، زوج عثمان بن عفان رضي الله عنه
(3)
، في شعبان سنة 9 هـ.
(4)
فقولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ: سيِّدةُ نساء أهل الجنة، وفاطمةُ بَضعة منِّي يُريبني ما يُريبُها،
(5)
وحديثُ رجوعه من غزوة
(1)
«سير أعلام النبلاء» (2/ 251)، «إمتاع الأسماع» للمقريزي (5/ 344)، «الإصابة»
…
(8/ 138).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (2/ 250)، «إمتاع الأسماع» للمقريزي (5/ 343)، «الإصابة»
…
(8/ 151)، وفي «فتح الباري» (12/ 94): في جمادى الأولى.
(3)
تزوجها بعد وفاة أختها رقية رضي الله عنهم.
(4)
«سير أعلام النبلاء» (2/ 253)، «إمتاع الأسماع» للمقريزي (5/ 350)، «الإصابة»
…
(8/ 460).
(5)
سيأتي الحديث في المبحث الثالث من هذا الفصل، وبيان أنَّ خِطبة عليٍّ ابنةَ أبي جهل كان بعد شعبان (سنة 9 هـ).
تبوك ـ على فرض صحته ـ وأنه ابتدأ بفاطمة، إنما كان ذلك كله بعد
…
(شهر شعبان، من السنة التاسعة)، بعد ما انفردت فاطمة بوفاة أخواتها كلهن.
هذا في إظهار المحبة الخاصة بفاطمة، والاحتفاء الخاص بها عن بقية أخواتها، أما الإشارة إليها، فقد وردت في حديثين:
1.
قوله: «لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» .
(1)
2.
وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أول الإسلام حين نادى على الصفا: «يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم لا أُغني عنكم من اللَّه شيئاً .... يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي لا أُغني عنكِ من اللَّهِ شيئاً» .
(2)
خصَّها هنا ربما لأنها أصغر بناته، والأصغر لها عطف خاص، وهي شبه يتيمة الأم
(3)
ـ كما سبق ـ، فالرحمة بها أشد، وذكرها لتأثير البيان عن مسؤولية
(1)
قال ذلك بعد غزوة الفتح، سنة (8 هـ)، وذكر ابن حجر في «فتح الباري» (12/ 95) أنه خصها بالذكر لأنها أعز أهله عنده، ولم يبق من بناته غيرها.
قلت: وأم كلثوم ـ كما سبق ـ توفيت في شعبان سنة 9 هـ، وانظر ما سبق ذكره في الباب الأول: الفصل الأول: الدراسة الموضوعية للمبحث الخامس.
(2)
«صحيح البخاري» رقم (2753) و (3527) و (4771)، و «صحيح مسلم»
…
(206).
(3)
عُمْرُ فاطمة عند وفاة أمها خديجة رضي الله عنهما قرابة ست عشرة سنة. بناءً على الراجح في ولادتها: قبل المبعث بخمس سنين.
الإنسان عن نفسه، (وأن النيابة لا تدخل في أعمال البر إذْ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلِّصها، فإذا كان عملُه لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع).
(1)
وكانت فاطمة رضي الله عنها مِن أعزِّ الناس إليه، وفي حديث الآتي، برقم
…
(89) في المبحث السابع، حينما أرسلَ حزبُ أم سلمة فاطمةَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم يسألنه العدلَ في ابنةِ أبي قُحافة
…
الحديث. ذكر ابن حجر من فوائده: (ما كان عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من مهابته والحياء منه، حتَّى راسلْنَهُ بأعَزِّ الناسِ عندَه: فاطمة
…
).
(2)
وقد ذكرت د. عائشة بنت الشاطئ - رحمها الله - تساؤلاً يَرِدُ كثيراً:
لِمَ استأثَرَتْ فاطمةُ بهذه المكانة الخاصةِ عند أبيها صلى الله عليه وسلم؟
وذكرَت أنَّ جواب المستشرقين بأن هذه من اختراعات الشيعة بأخَرَة، ثم ذهبَتْ تردُّ عليهم، ومِن قولها:(المكانة الخاصة لفاطمة عند أبيها لم تُنقِصْ حُبَّهُ لأخواتها الثلاث، وأنَّ حظَّ فاطمةَ مِنْ حُبِّ أبيها صلى الله عليه وسلم قد ازداد بعد موتِ هؤلاء الأخوات، ثم تضاعف بمَولِدِ الحسنين، وانحصار ذريته صلى الله عليه وسلم في نسل هذه الابنة الوحيدة التي بَقيَتْ له).
(3)
(1)
«فتح الباري» لابن حجر (8/ 502).
(2)
«فتح الباري» لابن حجر (5/ 208).
(3)
«بنات النبي عليه الصلاة والسلام» لعائشة بنت الشاطئ (ص 147).
«والحنان على الصغرى من الذرية بعد فراق الأمِّ، والذُّرِّيةِ كلِّها بالموتِ أو بالرِّحْلَةِ، وفِراق البلَدِ الذي نشَأَتْ فيه؛ حَنَانٌ لَعَمْرُ الحقِّ صَابِرٌ حَزِينٌ.
ولقَدْ نَعِمَتْ فاطمةُ بهذا الحنَانِ مِن قَلْبَينِ كَبيرَيْنِ: حَنَانٌ أحرَى به أنْ يُعلِّمَ الوَقَارَ، ولا يُعلِّم الخِفَّة والمرَحَ والانطِلَاقَ».
(1)
المسألة الثانية: احتفاؤه بها، ورد في هذا المبحث:
حديث عائشة في قوله صلى الله عليه وسلم لها: مرحباً، وأجلَسها بجواره، وفي «السنن»: إذا دخلَتْ عليه قامَ إليها وقبَّلها وأجلَسَها في مجلسِه، وهي تفعل مثلَه إذا قَدِم عليها صلى الله عليه وسلم.
وحديث ثوبان: إذا سافر كان آخر العهد .... وأول مَن يدخلُ عليه إذا قدِمَ فاطمة، ثم أزواجه ـ وهو حديث ضعيف ـ، وشواهده ضعيفة أيضاً، وفي بعضِها أنه قدِم من تبوك، وأحسَنُها مرسلُ عكرمة: إذا قَدِم من مغازيه، وفي رواية من سَفَر: قبَّل فاطمة.
وهذا المرسل ضعيف، وفي متنه نكارة، كيف يخص ابنته من بين بناته؟ !
فإن كان هذا بعد غزوة تبوك، فكيف يقال: إذا قَدِم من سفَر أو غزوة،
(1)
«فاطمة الزهراء والفاطميون» لعباس العقاد (ص 25) ـ بتصرف ـ.
فليس بعد غزوة تبوك ـ وهي في رجب سنة 9 هـ
(1)
ـ غَزوةٌ، ولا سفَرٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا حجةَ الوداع، وكانت معَه فاطمةُ رضي الله عنها.
فالمرسل لاشَكَّ في ضَعفِهِ.
وفي حديث ثوبان رضي الله عنه، قال الملا علي قاري:(«كَانَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم»: أي من عادته «إذا سافر، كان آخر عهده»: أي وصيته وأمره وحديثه وموادعته «بإنسان من أهله»: أي من بين بناته ونسائه «فاطمة»).
(2)
والإشكال في متنه ـ كما سبق ـ وقد يقال على فرض صحة الحديث: بأن البدء بفاطمة لأنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بالمسجد إذا قدم من سفر
(3)
، وابتداؤه بفاطمة لأن بيتها على المسجد مجاورُ بيت عائشة، بخلاف بيت ابنته أم كلثوم فقد كان شرق بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يأتي فاطمة، ثم ابنته أم كلثوم، هذا محتمل، ــ والظن أنه لا يقدِّم على بناته أحداً، فيبدأ بهن بعد المسجد وقبل أزواجه ـ لكن يبقى تخصيص فاطمة بالذكر، ثم أزواجه بعده،
(1)
«زاد المعاد» (3/ 526).
(2)
«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» للملا علي قاري (7/ 2837)، وعنه:«عون المعبود» (11/ 180).
(3)
كما في «صحيح البخاري» رقم (3088)، ومسلم في «صحيحه» رقم (716) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه.