الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملاطفة، وتَطيِيبِ القلوبِ، وجَبْرِ الخواطر، بحيثُ إنَّ كُلَّ واحِدَةٍ منهن تَرضى منْهُ لحُسْنِ خَلْقِهِ، وجَمِيلِ خُلُقِه بجَمِيع ما يصدُرُ منه، بحيث لَو وُجِدَ مَا يُخشَى وجودُه مِن الغَيرَةِ؛ لزال عن قُرْبٍ).
(1)
ويذكر الأديب العقَّاد معلقاً على أصل تقدم علي بالخِطبَة: (لعلها غَضبَةٌ من غضَبَات عَليٍّ، على أنَفَةٍ من أنَفَات فاطمة، أو لعلَّها نازعة من نوازع النفس البشرية لم يكن في الدِّين ما يأباها، وإن أباها العُرف في حالة المودة والصفاء).
(2)
-
لماذا بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر في خُطبَة؟ وواجه عليَّاً بما يُعاب به
؟
قال ابن حجر: (وإنما خطَبَ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليشيع الحُكم المذكور بين الناس، ويأخذوا به، إما على سبيل الإيجاب، وإما على سبيل الأولوية.
وقال: (
…
فلذلك وقعَتْ المعاتبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قَلَّ أنْ يُواجِهَ أحداً بما يُعَابُ بِهِ، ولعله إنمَّا جهرَ بمعاتبةِ عليٍّ؛ مُبالَغَةً في رِضَا فاطمة عليها السلام).
(3)
- من فوائد الحديث:
قال ابن القيم: (فيه غيرة الرجل وغضبه لابنته وحرُمتِه ....
وفيه: أوضح دليل على فضل فاطمة، وأنها سيدة نساء هذه الأمة، لكونها بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم).
(1)
قال ابن حجر: (ويؤخذ من هذا الحديث، أن فاطمة لو رَضيتْ بذلك، لم يُمنَع عليٌّ من التزويج بها، أو بغيرها.
وفي الحديث: تحريم أذى من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه؛ لأن أذى النبي صلى الله عليه وسلم حرامٌ اتفاقاً، قليلَه وكثيرَه،
(2)
وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة، فكُلُّ مَنْ وقع منه في حقِّ فاطمة شيءٌ فتأذَّتْ به؛ فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح، ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها مِنْ قَتْلِ ولَدِهَا، ولهذا عُرف بالاستقراء مُعَاجَلَةُ مَن تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا، ولَعذابُ الآخرة أشدُّ.
وفيه: حجة لمن يقول بسد الذريعة لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلال للرجال ما لم يجاوز الأربع ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل.
(1)
«تهذيب السنن» ـ ط. عالم الفوائد ـ (1/ 410 ـ 411).
(2)
قال ابن القيم: وإن كان بفعل مباح. «تهذيب السنن» (1/ 410).
وفيه: بقاء عار الآباء في أعقابهم، لقوله:«بنتَ عدو اللَّه» ، فإن فيه إشعاراً بأن للوصفِ تأثيراً في المنع، مع أنها هي كانت مسلمةً حسنةَ الإسلام.
(1)
وقد احتج به مَن منعَ كفاءة مَنْ مسَّ أباه الرِّقُّ ثم أُعتق، بمَنْ لم يمس أباها الرقُّ، ومَن مسَّهُ الرق بمَن لم يمسها هي، بل مسَّ أباها فقط.
وفيه: أنَّ الغَيرَاء إذا خَشي عليها أن تُفْتَنَ في دينِها، كان لوليها أن يسعَى في إزالة ذلك، كما في حُكْمِ الناشز، كذا قيل، وفيه نظر، ويُمكن أن يُزاد فيه شرط: أن لا يكون عندها مَنْ تتَسَلَّى به، ويُخَفِّف عنها الحملة كما تقدم.
(2)
- استدل بعض العلماء بالحديث: «فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني» . على أنَّ من سبَّ فاطمة؛ كفر، لأنه كأنما سبَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ولا يصح هذا الاستدلال.
ممن استدلَّ بذلك:
السُّهيلي (ت 581 هـ) فقال: دلَّ على أنَّ مَن سبَّها فقد كفَر، وأنَّ مَن صلَّى عليها، فقد صلَّى على أبيها صلى الله عليه وسلم.
(3)
(1)
بنحوه في «تهذيب السنن» لابن القيم (1/ 410).
(2)
«فتح الباري» (9/ 329).
(3)
«الروض الأنف» (6/ 228). ونقله عنه دون تعقب: المقريزي في «إمتاع الأسماع»
…
(10/ 273).
وأيَّدَهُ ابنُ الملقن (ت 804 هـ).
(1)
ونقل العينيُّ أنَّ البيهقي استدلَّ به على أنَّ مَن سبَّها فَإِنَّهُ يكفُر.
(2)
قلت: لم أجده للبيهقي، وأخشى أن يكون وهماً أو تصحيفاً، فإنه مشهور عن السهيلي.
وقال أبو اليُمن ابن عساكر (ت 686 هـ): (في الحديث دليلٌ على أن مَنْ سبَّ فاطمة ــ رضوان اللَّه عليها ــ فقد سبَّ أباها، ومَن سبَّ أباها فقد كَفَر، وفي حديث علي ــ رضوان اللَّه عليه ــ لما أراد أن ينكح ابنة أبي جهل، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما فاطمة بضعةٌ مني، يريبني ما رابها». يُؤكِّد ما قلناه).
(3)
ونقل صدِّيق حسن خان القنوجي (ت 1307 هـ) أنَّ السبكي استدلَّ بالحديث على أن من سبها؛ كفَر. قال صدِّيق: (وقد تقدَّم أنَّ مَن سبَّ علياً فقد سبَّني.
ولا ريب أن لفاطمة خصوصية مع أبيها ليست لغيرها.
وإذا كان سبُّ بعلها كسَبِّ الرسول، وسبُّ الرسول صلى الله عليه وسلم
(1)
«التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (20/ 368).
(2)
«عمدة القاري» (16/ 249).
(3)
«إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر» (ص 123).
كُفْرٌ، فسَبُّ بضعة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ بالأولى ـ يكون كفراً، فالاستدلال صحيح).
(1)
قلت: لم أجده للسبكي، وأخشى أن يكون وهماً، فإنه مشهور عن السهيلي، وأما قوله: لفاطمة خصوصية مع أبيها ليست لغيرها، لا دليل عليه.
تعقبَ عددٌ من العلماء السهيليَّ في استدلاله السابق، منهم:
الشبلي (ت 796 هـ) بقوله: (هو ممنوع، فإن جميع بناته بضعة منه، وطردَ قولِه وقولِ أبي بكر بن أبي داوود أنه لا أحدَ من الأمة أفضل منها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» وهذا نصٌّ عام في النساء).
(2)
نقل ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ) قول السهيلي، وقال:
…
(وتوجيهه أنها تغضب ممن سبَّها، وقد سوَّى بين غضبها وغضبِه، ومَن أغضبَه صلى الله عليه وسلم يكفر.
وفي هذا التوجيه نظَر لا يخفى).
(3)
(1)
«الدين الخالص» لصديق حسن خان (3/ 485).
(2)
«محاسن الوسائل في معرفة الأوائل» (ص 283).
(3)
«فتح الباري» (7/ 105). ونقله الصنعاني في «التيسير بشرح الجامع الصغير»
…
(2/ 166).
وقال جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشخر اليمني الشافعي
…
(ت 991 هـ) متعقباً السهيلي: (وهذا القول عجيب ولا يُؤخذ من هذا الحديث ما ذكره، فليُتأمل).
(1)
قال الملا علي قاري (ت 1014 هـ): («فمن أغضبها أغضبني» أي: فكأنه أغضبني، ففيه نوعٌ من التشبيه البليغ، فاندفع ما استدل به السهيلي على أن مَن سبَّها يكفر، إذْ لا يخفى أنَّ مثل هذا الكلام محمولٌ على المبالغة في مقام المرام، ومنه قوله عليه السلام على ما رواه ابن عساكر، عن علي: «مَن آذى مسلما فقد آذاني، من آذاني فقد آذى اللَّه». ومنه ما رواه أحمد والبخاري في تاريخه، عن معاوية، وابن حبان، عن البراء: «مَن أحب الأنصار فقد أحبه اللَّه، ومن أبغض الأنصار أبغضه اللَّه». ومنه ما رواه الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعا: «حبُّ قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، فمن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني»).
(2)
- يحتمل أن يكون الصهر اشترط على نفسه قبل الزواج أن لايتزوج على بنت النبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن حجر: (قوله: «حدَّثَنِي، فصَدَقَنِي» ، لعله كان شرَطَ على نفسِه أنْ لا يتزوج على زينب، وكذلك عليٌّ، فإن لم يكن كذلك، فهو محمولٌ
(1)
«شرح الأشخر على كتاب بهجة المحافل وبغية الأماثل للعامري اليمني» (1/ 273).
(2)
«مرقاة المفاتيح» (9/ 3965).
على أنَّ عليَّاً نَسِيَ ذلك الشَّرْطَ؛ فلذلك أقدَمَ على الخِطْبَةِ، أو لم يقَعْ عليه شَرْطٌ، إذْ لمْ يُصرِّح بالشَّرْطِ، لكن كان ينبغي له أنْ يُراعِيَ هذا القَدْر
…
).
(1)
- فائدة:
يسرُّني ما يسرُّها: أورد أبو الفرج الأصبهاني في «مقاتل الطالبيين» (ص 183) قصة، ونقلها عنه: السخاوي في «استجلاب ارتقاء الغرف» (1/ 418) رقم (141) أن الخليفة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله دخل عليه عبدُاللَّه بنُ حَسَن بنِ حسَن بنِ علي بن أبي طالب رحمه الله وهو حَدَثُ السِّنِّ، فأكرَمَه، وأقبل عليه، وقضى حوائجه فلامَه قومُه لعنايته بحَدَثٍ، فقال عمر بن عبدالعزيز: إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنما فاطمة بضعة مني، يسرني ما يسرها» .
وأنا أعلم أنَّ فاطمةَ لو كانت حيَّة، لسرَّها ما فعلتُ بابنها.
* * *
(1)
«فتح الباري» (7/ 86)، وقد سبق بيان ذلك في قول ابن القيم.