الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس: القصة
مدخل
…
الفصل الخامس: القصة
1-
توطئة: العرب والقصَص:
مادة "قص" في اللغة تعني: التتبع والاقتفاء. يقال: قصصت الشيء إذا تتبعت أثره شيئًا بعد شيء. منه قوله تعالى حكاية عن أم موسى حين استجابت لأمر ربها وألقت بابنها في اليم: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} 1 أي: تتبعي أثره حتى تكوني على علم بما يحدث له2.
ولا يستطيع إنسان أن يتصور وجودًا بشريًّا يخلو من القصة، مهما كان لونها وأسلوبها، فالقصة ـ بهذا المفهوم ـ ملازمة للوجود البشري فوق سطح هذه الأرض، إذا لا يتصور وجود بشري خالٍ من الحركة الدائبة، والسعي الدائم، والعمل المستمر من أجل الحفاظ على الحياة، ولا يتصور وجود هذه الحركة والسعي والعمل خاليًا من الصراع والاحتكاك. فلابد من وجود أحداث تذكر، ومواقف تعاد وتحكى، ومشاهد تنقل وتروى لمن لم يشاهدها. فالاقتضاء والتتبع ملازمان للوجود البشري على الأرض لا تختص بهذا جماعة دون جماعة"3.
وقد عرف الجاهلي القصة ومارسها من خلال شكلين من أشكال الأدب:
1 سورة القصص: بعض الآية"11".
2 د. إبراهيم عوضين: في الأدب العربي المعاصر، "ط1".مطبعة السعادة، القاهرة 1395هـ، 1975م، ص 116".
3 المرجع السابق، ص116.
الشكل الأول: قصص الأمثال:
فقد شاعت عند الجاهلين الأمثال، "ويشير كل مثل إلى قصة ضخمة فإذا قيل:"أشأم من البسوس" فيعنون قصة الحرب الدامية بين بكر وتغلب. وإذا قيل: "أوفى من السموءل" أرادوا قصة وفاء السموءل الذي رفض تسليم دروع لغير صاحبها فكانت حياة ابنه ثمنًا لهذا الوفاء. وإذا قيل: "رجع بخفي حنين" أشاروا إلى قصة الإسكاف الحيري الذي ضحك على الأعرابي، وسرق منه بعيره بعد أن ألقى بخفين في طريقه، أحدهما يبعد عن الآخر"1.
وهذه القصص -لا تزال إلى اليوم- تشهد "على ما أنتج خيالهم، وصاغت قريحتهم من قصص
…
ترينا جموح خيالهم، وسبحات فكرهم، ونظم حياتهم، وتقلبهم في بلادهم، كما ترينا مختلف طبائعهم وعاداتهم ومعتقداتهم"2.
الشكل الثاني: القصص الشعري:
من ذلك ما نراه في المعلقات وغيرها من قصائد الشعراء الجاهليين من نحو مقطوعات الأعشى في الملوك والقرون الخالية، وعينية لقيط بين يعمر الإيادي، ومعلقة عمرو بن كلثوم، وشعر امرئ القيس وغيره.
ومن ذلك قول حاتم الطائي في وصف كرم له مع طارق ليلي:
1 د. السيد مرسي أبو ذكري: القصة في الأدب المعاصر، ط1، دار الطباعة الحديثة، القاهرة 1408هـ، 1988م، ص39، 40.
2 د. إبراهيم عوضين: في الأدب العربي المعاصر "بتصرف يسير"، ص120، 121.
وداعٍ دعا بعد الهدوِّ كأنما
…
يقاتل أهوال السرى وتقاتله
دعا يائس شبه الجنون وما به
…
جنون ولكن كيد أمر يحاوله
فلما سمعت الصوت أقبلت نحوه
…
بصوت كريم الجد حلو شمائله
فأبرزت ناري ثم أثقبت ضوءها
…
وأخرجت كلبي وهو في البيت داخله
وقلت له أهلا وسهلا ومرحبا
…
رشدت ولم أقعد إليه أسائله
وقمت إلى برك هجان أعدها
…
لوجبة حق نازل أنا فاعله
بأبيض خطت نعله حيث أدركت
…
من الأرض لم تخطل عليّ حمائله
فجال قليلا وأتقاني بخيره
…
سنامًا وأملاه من النِيِّ كاهله
فخر وظيف العزم في نصف ساقه
…
وذاك عقال لا ينشط عاقله1
لقد عرف الأدب العربي إذن فن القصة ساذجًا في العصر الجاهلي في أيام العرب وحروبهم وأمثالهم. وفي العصر العباسي في حكايات "كليلة ودمنة" و"ألف ليلة وليلة" و"مقامات بديع الزمان الهمذاني"، والحريري ثم عرفه قويًّا مكتمل الخصائص في العصر الحديث نتيجة لعوامل النهضة وتطورها، مارًّا بالمراحل الآتية:
2-
القصة في الأدب العربي الحديث:
مرت القصة العربية بثلاث مراحل هي مرحلة الترجمة، ومرحلة التعريب، ومرحلة التأليف.
1 حاتم الطائي: ديوانه، تحقيق عادل سليمان، ص287.
أ- مرحلة الترجمة:
1-
بدأت بترجمة القصص الأجنبية مع الاحتفاظ بمعالمها وشخصياتها وأحداثها، ومن المترجمين رفاعة الطهطاوي في "مغامرات تليماك" عن الفرنسية، ثم محمد عثمان جلال في قصة "بول وفرجيني".
2-
وعندما هاجر إلى مصر عدد من السوريين "في أواخر القرن التاسع عشر" أسهموا في ترجمة العديد من القصص، وكان لهم أثر في تنشيط حركة الترجمة، ومنهم نقولا رزق الله الذي ترجم "سقوط نابيلون الثالث".
وانتهى القرن التاسع عشر، ولا تزال الترجمة هي المسيطرة على القصة، ولكنها كانت ترجمة ضعيفة الأسلوب، هابطة المستوى، غير جيدة الموضوع والهدف.
ب- مرحلة التعريب:
وفي أوائل القرن العشرين ظهرت إلى جانب حركة الترجمة حركة التعريب أو التمصير، وذلك بإعطاء شخصيات القصص وأماكنها أسماء عربية، والتصرف في بعض أحداثها لتلائم الجو المصري أو العربي، ومن ذلك "البؤساء" لفيكتور هوجو التي ترجمها حافظ إبراهيم عن الفرنسية، مع أنه لم يكن متمكنًا في هذه اللغة.
والمنفلوطي في رواياته "الفضيلة، ماجدولين، الشاعر، في سبيل التاج"، وقد ترجمت له، ثم تولى تعريبها بأسلوبه السلس العذب.
والتعريب علم غير فني، وغير خلاق؛ لأنه يعتمد على نتاج الآخرين، ولأن المعرب يستبيح لنفسه التغيير في الأصل الذي ينقل عنه، وربما قصر في نقل جوانب أرادها المؤلف، ولذلك تعثر التعريب، ومضت الترجمة في طريقها.
ولما انتهت الحرب العالمية الأولى نشطت ترجمة القصص واتجهت في طريقين:
أحدهما: يحاول الإثارة، وتزجية الفراغ، بالقصة الغرامية والبوليسية التي كانت تترجم بسرعة، في أسلوب ركيك ضعيف، وفي اتجاه يسيء إلى عقلية الشباب ونفوسهم.
والثاني: اهتم فيه المترجمون بالموضوع والأسلوب معًا، مثل ترجمة الزيات لقصة "آلام فرتر"، ومحمد عوض محمد في ترجمته لقصة "فاوست" وأحمد زكي في ترجمته لقصة "جان دارك".
جـ- مرحلة التأليف:
1-
بدأ تأليف القصة على شكل مقامة تنقد المجتمع مثل "حديث عيسى بن هشام" للمويلحي، "وليالي سطيح" لحافظ إبراهيم.
2-
ثم ظهرت القصة التاريخية على يدي البستاني في قصة "زنوبيا"، وجرجي زيدان في قصصه الإسلامية مثل "أبو مسلم الخرساني"، "فتاة غسان"، و"غادة كربلاء"، و"عبد الرحمن الناصر"
…
وغيرها، ومحمد فريد أبو حديد في "الملك الضليل"، و"عنترة"، وعلي الجارم في "غادة رشيد"، و"فارس بين حمدان"، و"هاتف من الأندلس".
وفي هذا اللون من القصص كان التاريخ هو الذي يحدد الشخصيات والأحداث مما يقيد المؤلف.
3-
أما القصة الاجتماعية فقد ظهرت عام 1904 على يد الدكتور محمد حسين هيكل في "زينب" التي صور فيها الريف المصري بعاداته وتقاليده. ولكن يؤخذ على هذه القصة الاستطراد في السرد، والميل إلى المبالغة،