الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموسيقا في النص
قصديتنا التي نتناولها بالدراسة تنتمي إلى بحر المتقارب وهو بحر يتكون من ثماني تفعيلات هي: فعولن.. أربع في كل شطر.
وهذا البحر يعد من البحور سريعة الإيقاع، المليئة بالحركة، تشيع فيه القوة وهذا ما دفع الشاعر ليمتطي صوته، ينظم في أمواجه متناسبًا مع غرض قصيدته الحماسي الثائر الذي يصرخ فيه بشعبه يستنهض همته ويوقظ عزمه.
ثم لا يلبث هذا البحر أن يخدم الشاعر حينما تسيطر عليه موجة الحزن وتشيع فيه الخيالات والأجواء الروماسنية التي تجتذبه ليخاطب الليل ويبث له شجونه وما يختلج في نفسه من خواطر وأفكار.
وهذا البحر لا يخون الشاعر حينما تمتلئ نفسه بالأمل وتعلوه موجة التفاؤل ويشعر بأن الحياة ستعود زاهرة كما كانت.
أما القافية التي اختارها وهي حرف الراء المتميز بالتكرار والرنين وهو لا شك يناسب الغرض القوي؛ لأنه حرف مجهور فيه سمة التردد الصوتي والتكرار، هذا عن الموسيقا الخارجية.
أما الموسيقا الداخلية فإنها قد أثرت القصيدة وملأتها حتي أتمت شكلها الفني في قالب جميل ذي إيقاع حسن مؤثر في النفس.
نرى مثلا ظاهرة التكرار في الألفاظ وهي ظاهرة بارزة في هذا النص والكلمة المكررة تمثل مركزا ينطلق منه الشاعر وإليه يعود، وفي كل مرة يبني صورة شعرية، ولهذا كان التكرار عند الشابي ذا وظيفة جمالية1.
1 الصورة الشعرية عند أبي القاسم الشابي، مدحت سعد الجيار، المؤسسة الوطنية للكتاب، ص47.
ولنأخذ على سبيل المثال قول الشابي:
وفي ليلة من ليالي الخريف
…
مثقلة بالأسى والضجر
يجيء الشتاء شتاء الضباب
…
شتاء الثلوج شتاء المطر
نجد الشاعر كرر كلمة" الشتاء" أربع مرات لكنها في كل مرة تقيم رابطًا مع كلمة أخرى لتشكل معها صورة شعرية جديدة" يجيء الشتاء" ثم"شتاء الضباب" ثم"شتاء الثلوج" ثم "شتاء المطر".
وهذا التكرار فائدته التنويع، فبعد أن ذكر صورة الشتاء، عدد مظاهره المتعددة وهي صورة متتالية تعطي المتلقي قارئًا أو سامعًا إيقاعات موسيقية، في الوقت نفسه الذي تمتعنا فيه بمعان جديدة.
ومن ذلك قوله:
فينطفئ السحر سحر الغصون
…
وسحر الزهور وسحر الثمر
وسحر السماء الشجي الوديع
…
وسحر المروج الشهي العطر
نجده يكرر كلمة "سحر" ست مرات، وطبعي أن نرى ونحس بموسيقا هذا التكرار بإيقاعاته السريعة التي تلائم التنقل الذهني السريع بين مظاهر الطبيعة، وهي إيقاعات متشابهة وبصورة منتظمة تساعد الشاعر في تداعي الأفكار، وتعينه على أن يحيا تجربته الشعرية.
وللتكرار أمثلة أخرى في هذه القصيدة.
أيضًا قامت الموسيقا على أساس آخر وإن ندر استعماله إلا أنه حينما يأتي في بيت ما فإنه يحدث الوقع الموسيقي الجميل، فخذ مثلًا: