الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الريف وهو يعيش في المدينة، مكتفيًا بما يسمع أو يقرأ عنه، لا يجيد كمن يعيش في الريف، ولكن الإنسان لا يستطيع أن يكتفي بتجاربه الذاتية، فلا بد له أن يفيد من خبرات الآخرين، بشرط أن يهضمها ويتمثلها تمثلًا جيدًا، حتى تصبح كأنها خبراته الخاصة ويكون صادقًا مع نفسه في كل ما يكتب، وبهذا يستمد عمله القصصي من خبراته وخبرات الآخرين.
كيف يستخدم الكاتب هذه المادة:
حين يعود كاتب القصة إلى نفسه ليستمد من خبراته المخزونة مادة قصته لا يتقيد بعرضها علينا في عمله الفني مرتبة، كما وقعت في الحياة، بل يختار من المواقف والأحداث والأشخاص ما يراه لازمًا لتكوين شكل خاص، له هدفه المحدد، ومغزاه الذي يريده. وقد تكون الحادثة تاريخية، فيجد نفسه يضيف إليها من خبراته الخاصة ما يجعل لها مغزى جديدًا. وأهمية المادة لا تأتي من أهمية الحادث، أو أهمية التاريخ، وإنما من تعميق الكاتب لها، ونظرته الفاحصة إليها من كل جوانبها، وإكسابها قيمة إنسانية.
جـ-
عناصر الفن القصصي
هي:
1-
الحادثة.
2-
الشخوص.
3-
البناء: ويتضمن العقدة والحل.
4-
الزمان والمكان.
5-
السرد والحوار والوصف.
6-
الفكرة.
1-
الحادثة:
"وهي الموضوع الذي تدور حوله القصة"1، وهي مجموعة من الوقائع الجزئية المترابطة، وهذا الترابط هو الذي يميز العمل القصصي عن أي حكاية يروى فيها شخص لصديقه ما وقع له من أحداث. فأحداث القصة الفنية لها إطار عام، يدفعها في تسلسل، إلى غاية محدودة. وهذا النوع من القصص الذي يعنى بسرد الأحداث -سواء أكانت تاريخية أم شبه تاريخية كما في قصة "عنترة" لمحمد فريد أبي حديد، أو "هاتف من الأندلس"، أو "فارس بني حمدان" لعلي الجارم أم كانت مما يحدث في حياتنا الواقعية- يسمى قصة الحادثة" أو "القصة السردية".
وللأحداث في القصة أثر كبير في نجاحها، ولا سيما إذا استطاع الكاتب أن يحتفظ في كل مرحلة من مراحل عرضها بعنصر التشويق الذي يعد من أهم وسائل إدارة الأحداث إن لم يكن أهمها جميعًا، فهو الذي يثير اهتمام القارئ، ويشده من أول القصة إلى آخرها2.
2-
الشخوص:
وعددهم يقل أو يكثر تبعًا لنوع القصة، فالقصة التاريخية أو الاجتماعية تكثر فيها الأشخاص. أما القصة التحليلية أو العلمية فيقل أشخاصها، وتقاس براعة الكاتب بمدى نجاحه في رسم كل شخصية، وتمييزها بسمات خاصة تجعلها حية كأنها ترى بالعين، ورسم الشخصية يقتضي من الكاتب الالتفات إلى ثلاثة أمور:
1 د. عزيزة مريدن: القصة والرواية، ص25.
2 المرجع السابق، ص25.
أ - التكوين الجسمي والملامح البارزة في الشخصية" وهذا هو البعد الظاهري".
ب - التكوين الاجتماعي، وهو ثقافتها، والبيئة التي تتحرك فيها.
جـ- التكوين النفسي والطابع المميز للشخصية "وهذا هو البعد الباطني".
وينقسم الشخوص من حيث التكوين النفسي إلى نوعين:
أ- نوع يسمى بالشخصية المسطحة:
وهي الشخصية الثابتة التي لها طابع واحد في سلوكها وفي انفعالها في جميع المواقف" ويعاب هذا النوع من الشخوص، ولا سيما حين يكون من الشخصيات الرئيسية في العمل القصصي".
ب- ونوع يسمى بالشخصية النامية أو المتطورة:
وهي التي تتكشف لنا جوانبها وأبعادها مع تطور القصة، فلا تكتمل لنا صورتها إلا بانتهاء القصة نفسها" وهذا هو النوع الأجود في الفن القصصي".
والشخوص في العمل القصصي من حيث دورها نوعان:
أ- شخوص أساسيون:
وهم الأبطال الذين تدور حولهم الأحداث أو معظمها، فليس المقصود بالبطولة في القصة شجاعة البطل، بل المقصود تعلق أحداث القصة وغايتها النهائية بشخصه، فبطل القصة هو الشخصية المحورية فيها.
ب- شخوص ثانويون:
وهم الذين يقومون بأدوار ثانوية لها أهميتها في إكمال الإطار القصصي
وتساعد في ربط الأحداث أو إلقاء مزيد من الضوء على ما يجري من أحداث، أو مساعدة البطل في المواقف المختلفة، ولذلك يظهرون ويختفون تبعًا للمواقف.
3-
البناء: ويتضمن: العقدة والحل:
يتكون إطار العمل القصصي من مجموع الأحداث والوقائع التي يؤلف بينها الكاتب علي نحو بعينه، فالأحداث والوقائع إذن هي المادة التي يبني منها الكاتب عمله القصصي، وتختلف طريق بناء العمل القصصي باختلاف نوع القصة طولًا وقصرًا، كما تختلف وفقًا لتصور الكاتب لإطار عمله ومادته وطريقة كتابتها من حيث عدد الفصول، والبدء والختام، والمهم هو ترابط الأحداث بحيث يؤدي بعضها إلي بعض، وتتجه شيئًا فشيئًا إلى تكوين العقدة، وتنتهي بحلها.
ويقاس نجاح كاتب القصة بمدى تشويقه للقارئ حتى يستمر في متابعة أحداثها إلى النهاية، والرأي الغالب عند النقاد أن كل عقدة في القصة لها حل، ويرى بعضهم ترك الحل لذكاء القارئ، وقد تكون نهاية المشكلة بداية مشكلة أخرى، فلا مبرر لوضع نهاية للقصة.
4-
الزمان والمكان:
معرفة البيئة الزمانية والمكانية ضرورية لفهم الواقع والأحداث وسلوك الأشخاص، وتقدير القيم التي يمثلونها؛ فالعصر الجاهلي في مبادئه غير العصور الإسلامية في قيمها الروحية ونظمها السياسية والاجتماعية، كما أن بيئة الريف غير بيئة المدينة، والحياة في الشرق غيرها في الغرب. والكاتب الناجح هو الذي يلتزم في عرض الأشخاص والأحداث بالمقومات العامة للبيئة.
الزمانية والمكانية، فلا يخرج عنها، ولا يقحم فيها ما لا يوافقها.
5-
السرد والحوار والوصف:
السرد: هو نقل الأحداث والمواقف من صورتها الواقعية إلى صورة لغوية تجعل القارئ يتخيلها وكأنه يراها بالعين، وهناك ثلاثة طرق لسرد أحداث القصة وهي:
أ- الطريقة المباشرة:
وهي أكثر الطرق شيوعًا، وفيها يروي المؤلف ما يحدث للآخرين فيقول مثلًا:"هجم عنترة على المقاتلين من فرسان طيئ.." إلخ.
ب- طريق السرد الذاتي:
وفيها تروى الأحداث على لسان المتكلم، وهو غالبًا بطل القصة، ويبدو المؤلف كأنه هو البطل مثل: "إني أقف حائرًا في مفترق الطرق بين عقلي وعاطفتي
…
إلخ".
جـ- طريقة الوثائق:
وفيها يعتمد المؤلف على الخطابات والمذكرات واليوميات، ويتخذ منها أدوت لبناء قصة مترابطة الأجزاء مثلما فعل محمد جبريل في رواية "من أوراق أبي الطيب المتنبي".
والحوار: هو حديث بين الأشخاص، وفائدته جعل القارئ أكثر قربًا من المواقف، وبعث الحيوية في المشهد، والاعتماد يكون أساسًا على السرد، أما الحوار فتكملة، ويشترط ألا يزيد عن ثلث القصة حتى لا تتحول إلى مسرحية..
أما الوصف: فأسلوب يتخلل العمل القصصي كله، ويمهد له الكاتب
بعبارات المتحاورين مثل: "وكان عنترة يمتطي جواده فنزل عنه وهو يقول: سمعًا وطاعة يا سيدي"، وقد يستخدم الوصف غير مرتبط بالحوار مثل: كان الربيع يغطي جوانب الوادي بكساء من الحشائش الخضراء، والأزهار الناضرة". وفائدة الوصف نقل الجو الذي تجري فيه الأحداث، وتهيئة نفس القارئ لها. ومقياس نجاحه قوة التأثير في نفس القارئ بما يلائم الموقف.
ويرى بعض الواقعيين في القصة أن تكتب القصة أو ما فيها من حوار باللغة العامية1 لأن ذلك يحقق الواقعية، وهذا غير مقبول؛ لأن الواقعية تأتي من الأحداث لا من اللغة، كما أن تطبيق واقعية اللغة غير ممكن إذا تعددت الجنسيات في القصة، وفضلًا عن ذلك إن فن القصة اختيار، وليس نقلا للواقع.
6-
الفكرة:
وهي المغزى الذي يرمي إليه الكاتب من تأليف القصة، والهدف الذي يهدف إلى تقريره، وهي غالبًا الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة، أو السلوك الإنساني، وذلك يثير إعجابنا بالقصة. وليست الفكرة وحدها مصدر إعجابنا في العمل القصصي، وإنما يلعب الشكل الفني دوره أيضًا، فقد تكون القصة ناجحة من حيث الإطار الفني، ولكنها تنطوي على فكرة لا تعجبنا. ومن هنا لا بد من الملائمة بين الفكرة والإطار الفني الذي تخرج لنا فيه.
1 انظر في معالجة هذه الفكرة كتاب د. عبد الفتاح عثمان: بناء الرواية: دراسة في الرواية المصرية، ط1، مكتبة الشباب، القاهرة 1982م، ص 238 وما بعدها. وكتاب د. عزيزة مريدن "القصة والرواية" مرجع سابق، ص 55 وما بعدها.