الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7-
المقالة الفلسفية
وهي تعرض لشئون الفكر والفلسفة بالتحليل والتفسير، ومهمة الكاتب هنا صعبة، إذ عليه أن ينقب عن الأسس الحقيقية للموضوع، وعليه أن يعرض المادة بدقة ووضوح حتى لا يضل القارئ سبيله في شعاب هذا الموضوع الشائك. ومن كتابها: أحمد لطفي السيد، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين وزكي نجيب محمود، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، وإمام عبد الفتاح إمام، ومحمد عبد الواحد حجازي.. وغيرهم.
ومن نماذج المقالة الفلسفية مقالة "جزيرة بلا سياسيين" للدكتور أحمد أمين، ويقول فيها:
كان الشيخ محمد عبده، يقول: "لعن الله السياسة وساس ويسوس وسائس ومسوس، وكل ما اشتق من السياسة فإنها ما دخلت شيئًا إلا أفسدته.
كل شيء في العالم يتغير حتى الأهرام، عريت بعد أن كانت مكسوة، وحتى أبو الهول كسرت الأيام أنفه وعلته الرمال، إلا السياسة الاستعمارية فإنها لم تتغير بوجه من الوجوه. وعقلية الساسة في القرن الثامن عشر هي عقليتهم في القرن العشرين، يظنون أن التهديد والوعيد يرعب الأمم، ويقضي عليها، وينفذ رغبة المستعمرين، فبعد ضرب الأسكندرية بسبعين عامًا ظلوا يفهمون أيضًا أن ضرب الإسماعيلية أيضًا ينتج نفس النتيجة مع اختلاف المقدمات اختلافا كبيرا، فقد كان الرعب يستولي على النفوس، ولم يكن وعي قومي يفهم ألاعيب السياسة ولا شيء من ذلك، ولكن عقلية الإنجليز فهمت أن ما جرب بالأمس ونجح يجرب اليوم وينجح، أما الفوارق الكبيرة وخصوصا الفوارق النفسية فقد أغمضوا أعينهم عنها.
كم أود أن أعيش في جزيرة مطمئنة هادئة ليس فيها ساسة، ولكن مع الأسف لا يمكن أن يعيش الإنسان من غير حكومة ومن غير ساسة يسوسون الناس، فكل مجتمع لا بد فيه من مجرمين وأشرار وطامعين ونهابين. فما لم تأخذ الحكومة على يدهم عاثوا في الأرض فسادا، فلا يمكن لجزيرة أن تعيش من غير حكومة، وكل كتّاب "اليوتوبيا" أو بعبارة أخرى "المدن الفاضلة"، وأفلاطون نفسه "في جمهوريته" لم يخلوا بلادهم التي عدوها مثلا أعلى من ساسة ومن حكومة.
غاية الأمر أنهم أملوا أن تكون الحكومة فيها حكومة عادلة، حكومة ترعى الأمة، ولا تستبد بها، وتأخذ بيدها ولا تمحقها، حكومة متسعة العقل، مرنة تتطور مع الأحداث، وتعلم أن ما صلح أمس لا يصلح اليوم، لا كساسة الإنجليز والفرنسيين لا يتحولون عما في أذهانهم مهما تغيرت الظروف1.
ومن الملاحظ على هذه المقالة:
1-
أنها تتناول قضية لها خطورتها هي: هل يمكن أن يعيش الناس -في مجتمع ما بلا ساسة يدبرون أمرهم.
2-
وضح لنا الكاتب الباعث على سؤاله، وهو أن كل شيء حولنا يتغير، ما عدا نظرة المستعمرين من الإنجليز إلينا، ومعاملتهم لنا.
3-
دلل الكاتب على قضيته ببعض الأمثلة التي اختارها.
4-
كشفت المقالة الفلسفية عن الحقيقة الواضحة التي ينبغي ألا يضل عنها القارئ -وهو يقرأ الموضوع- وهي أنه "لا يمكن أن يعيش الناس من غير
1 د. أحمد أمين: جزيرة بلا سياسيين، مجلة "الهلال" فبراير 1952م، ص15.