الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا يريد الشاعر أن يثبت قوله:
"إذا الشعب يومًا أراد الحياة
…
فلا بد أن يستجيب القدر"
حيث مثل هذا بالزمان الذي يرى كآبة الخريف ومظاهره ثم الشتاء وقسوته، فيطمح للتخلص من هذا الوضع وما هو إلا يسير، ثم ليتحقق مراده، فيأتيه الربيع حاملًا معه الأماني، محققًا الآمال، فكأن الربيع هو الثورة التي دعا إليها الشابي مجتمعه ليتحرر من جدبه ويصبح خصبًا مثل الأرض في فصل الربيع.
ـ "وقبَّلها قبلا..": استعارة مكنية شبه الربيع بإنسان يقبّل.
وأفدنا هنا أن الحياة انبعثت في الأرض وظهر شبابها، كما تبعث القبلة الحياة السعيدة.
من الصور الجمالية التي ضمنها الشابي قصيدته: التشبيه:
وهو وإن لم يُكثر منه؛ إلا إنه أجاد فيه لأنه شبه بأشياء حسية يدركها المتلقي.
وإننا نلاحظ على تشبيهات الشابي الرومانسية الواضحة، والأجواء العاطفية من الأنغام والأحلام والأجنحة، وكلها أدوات استخدمها أرباب المدرسة الرومانسية في تشبيهاتهم. وتشبيهاته قليلة كما قلنا لأنه استخدم بدلًا عن هذا الطريق طريقًا آخر هو طريق الاستعارة، فلنر ما أورده من تشبيه:
"وقال لي الغاب في رقة
…
محجبة مثل خفق الوتر"
شبه الرقة بالنغم، والتشبيه أفادنا ملمحًا، وهو أن الشاعر يذكر حديثه مع الغاب حينما غلبته الأجواء الرومانسية وما فيها من تجنيح للخيال، فيوصف حديث الغاب بالرقة والخفة كأنه النغم الهادي المنبعث عن أوتار آلة موسيقية.
والهدف من التشبيه أن يصور لنا مدى الإحساس العميق بالحزن والأسى الذي كان عليه الحال والجو الحزين في تلك الليلة الخريفية التي حادث فيها الغاب وساءل الدجى ليبثه همومه وأحزانه.
ـ "يفني الجميع كحلم بديع": شبه فناء الجميع من الغصون والثمار والزهر بالحلم البديع الجميل الذي يرى فيه الإنسان أشياء جميلة مبهجة ثم لا يلبث أن ينتهي ويندثر دليلًا على السرعة في التحول.
ويفيدنا هذا التشبيه جانبًا من جوانب نفسية الشاعر، وهو الحزن العميق حيث يرى شيئًا سعيدًا ثم ما هو إلا وقت قليل حتي ينتهي معقبًا خلفه النهاية التعيسة.
ومن الصور الجمالية التي أثرت النص وحسنت المعنى:
"إذا الشعب يومًا أراد الحياة
…
فلا بد أن يستجيب القدر".
كناية عن أن العمل والجد والكفاح يتبعه الفوز والنجاح.
وفائدة هذه الكناية واضحة في حث الشاعر لشعبه على العمل والجد.
ـ "فلا الأفق يحضن ميت الطيور": كناية عن أن الضعيف لا مكان له إلا في الأماكن الوضيعة، أما الأفق والمعالي فهما للأقوياء العاملين. والحض على العمل والتنفير من الكسل واضح وفائدته جلية هنا.
وهناك كنايات كثيرة لا يتسع لها المقام هنا لأننا قي مقام التمثيل لا الحصر.
الشعور وعلاقته بالألفاظ:
إن القارئ لهذه القصيدة يرى النغم الصاخب، والصوت الثوري المرتفع، والروح الملتهبة، وهذا نابع من هدف الشاعر من نظمه لهذه القصيدة.
الذي أشرنا إليه في مناسبة النص.
وإذا أردنا الدقة في دراستنا فإننا نرى أنفسنا ملزمين بتقسيم النص إلى أقسام ثلاثة وذلك حسب الشعور الذي يختلف من قسم إلى آخر فنقول:
1-
من بداية القصيدة حتى قوله:
فويل لمن لم تشقه الحيا
…
ة من لعنة العدم المنتصر
"البيت رقم 18"
نرى الشاعر يدعو شعبه إلى الثورة لكي ينهض من وهدته ويستيقظ من رقدته حاثًّا له على مواجهة الظلم، ويقرر لشعبه أن الذي لا يعمل ولا يجد غير مؤهل للبقاء في الحياة، ثم يذكر للمخاطبين في سبيل دعم أقواله وتوكيدها أن الريح تزأر وتصيح أن الوصول للمعالي يتطلب العمل ومواجهة الشدائد، ثم الأرض التي تحب الطامحين العاملين وتكره المتخاذلين.
ونستطيع أن نجعل العاطفة المسيطرة على هذا المقطع عاطفة: الطموح، أما الألفاظ التي تدل عليها فهي:
أراد، لا بد، دمدمت، طمحت، صعود، عجب، ضجت، قصف.
2-
من البيت رقم 19 حتى البيت 34 وهو قوله:
وحالمة بأغاني الطيور
…
وعطر الزهور وطعم الثمر
وفي هذا القسم يحكي الشاعر خَلوته بالطبيعة، وانصرافه لها في ليلة خريفية حزينة يخاطب الليل البهيم، ثم يتوجه بخطابه إلى الغاب فيجاوبه بنغمة هادئة رقيقة مبينًا ما يحدثه الشتاء من إطفاء بهجة الأشجار ونور أزهار وفناء الجمال، ولا يبقى سوى الذكريات الجميلة.
ويمكننا أن نستشف الشعور من خلال حديثه وهو: الأسى والحزن ومن الألفاظ الدالة على هذا الشعور:
الأسى، الحزن، أذبلته، الشجي، تهوي، يفنى، تلاشت.
3-
من البيت رقم 35 حتى البيت رقم 44:
يبين في هذا القسم شوق الطبيعة إلى النور والغصون وإلى رؤية الجداول تتمايل بين المروج والأزهار واشتياقها للحياة الزاهرة الجميلة.
ونستطيع أن نقول إن العاطفة المسيطرة هنا هي: الأمل والألفاظ الدالة هي:
تنمو، تحيا، موشحة، الأشعة، الحياة، النور، أفق.
4-
من البيت رقم 45 حتى نهاية القصيدة:
نرى العاطفة: الشعور بالنجاح وتحقق الأماني.
فالشاعر يبين أن الأرض قد أبصرت الكون في أحلى هيئة، وأن الربيع أقبل عليها محييًا فيها ما فقدته من الخضرة والزهور. وأن الحياة ازدهرت من جديد، فها هو ذا النسيم العليل والغيوم الممطرة. والأرض قد حققت مناها، وحصل لها ما أرادت.
أما الألفاظ المعبرة عن هذه العاطفة فهي مثل:
انتصر، ضاءت.
وهناك تعبيرات تدل على هذه العاطفة مثل:
منحت الحياة، ضاءت شموع النجوم، رن نشيد الحياة.