الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جمعهم، ففروا وظل يطاردهم حتى استعاد "عبلة" وأنقذها من أيديهم، وتفرح عبس بالنصر وسلامة عبلة.
ولكن الموقف يتأزم بعد ذلك بين "عنترة" و"مالك بن قراد" بسبب خطبة عبلة "لعمارة بن زياد"، فيرحل مالك بأسرته إلى "بني شيبان" فيتقدم "بسطام بن مسعود "سيد القوم" لخطبة "عبلة" فيتحرج مالك، ويخشى عناد "عنترة"، فيعلن "بسطام" استعداده للقضاء عليه، ثم تدور مبارزة بينهما يتغلب فيها "عنترة" على "بسطام" ويكتفي بتقييده بالحبال، وتسليمه لأبيه، فلم يجد مالك بدًّا من قبول "عنترة" زوجًا لعبلة بشرط أن يمهرها ألفًا من النوق العصافير، وهو يعلم أن "عنترة" سيعجز عن دفع هذا المهر؛ لأن هذا النوع من الجمال لا يملكه إلا "النعمان بن المنذر" ملك "الحيرة".
ويقوم "عنترة" بمغامرة جريئة على مراعي "النعمان" بالعراق، ويسوق الإبل، فيطارده حراسها حتى يقبضوا عليه جريحًا ويلقوه في سجن "النعمان" إلى أن يشفى من الجراح، ويعلم "النعمان" بقصته فيعجب بشجاعته، ويعفو عنه، وتطول مدة إقامة عنترة، حتى يعتقد أهله أنه مات، وبعد فترة يهب له "النعمان" ألفًا من النوق العصافير، فيعود بها إلى عبس، ويلقاه أخوه "شيبوب"، ويخبره أن "عبلة" سوف تزف إلى "عمارة بن زياد"، ثم تخرج القبيلة كلها لاستقبال "عنترة" الذي وزع كثيرًا من الهدايا عليهم، وجاء بالنوق العصافير، ثم يتزوج "عنترة" من "عبلة" وتقام الأفراح.
عناصر القصة:
1-
الحادثة: وهي سلسلة متصلة الحلقات من الوقائع، تسير في اتجاه
محدد، نحو غاية محددة، فهي جميعًا ترتبط برغبة "عنترة" في الظفر بحريته، وتأكيد مكانته في قبيلته، ليصبح أهلًا للزواج من "عبلة". وقد انتهت هذه السلسلة من الوقائع إلى هذه الغاية، حتى جنى "عنترة" ثمرة كفاحه الطويل؛ فقد حصل على حريته، وتزوج "عبلة". والكاتب هنا يعتمد على سرد وقائع تاريخية أو شبه تاريخية. وهذا النوع يسمى "القصة التاريخية".
2-
الشخوص: ظهر كثير منهم في هذه القصة، أمثال: عنترة، وأمه زبيبة وأبيه شداد، وعبلة، ومالك، وعمارة، وشيبوب، ومروة، وبسطام، والنعمان.
والكاتب وصفهم لنا، وجعلنا نتعرف على ملامحهم. من ذلك وصفه لعنترة " وكان الفتى شابًّا أسمر اللون. يشبه قوامه الرمح الذي في يمينه: قامة عالية، ورأس مرفوع، وصدر فسيح، وقد شمر عن ذراعين مفتولين، وكان الناظر إلى وجهه يرى أنفه الأقنى "المقوس" ينحدر على فم قوي، فيه شيء من الغلظ، ويلمح على جبينه عبسة فيها شيء ينم عن حزن كمين
…
".
فأنت ترى في هذا الوصف أمرين:
1-
تكوينه الجسمي "وهو البعد الظاهري".
2-
تكوينه النفسي "وهو البعد الباطني"، فكأنك تراه وتحس بما في قلبه من حزن.
وهؤلاء الشخوص بعضهم شخصيات رئيسة: "كعنترة وعبلة"، وبعضهم ثانويون "مثل بقية الأشخاص"، والشخص الرئيس هو البطل، وهو الشخصية المحورية "النامية" والمتطورة التي تتكشف لنا جوانبها وأبعادها.
شيئًا فشيئًا من خلال المواقف والأحداث، فبالرغم من أن "عنترة" شخصية تاريخية معروفة، نجح الكاتب في أن يجعل منها شخصية رئيسة تنكشف لنا أبعاد جديدة لها كلما أوغلنا معها في الحركة، وتتبعنا سلوكها في المواقف المختلفة. فمنذ البداية كانت الأزمة النفسية "لعنترة" هي شعوره بالمهانة فتضخمت هذه الأزمة في نفسه، ودفعته إلى التمرد على نفسه، وعلى أمه، وعلى أبيه، ثم على القبيلة كلها، ولهذا كان "عنترة" في البداية يختلف عنه في النهاية، كان عبدًا منبوذًا فصار بكفاحه حرًّا شريفًا، يتزوج عبلة، ويتصدر القبيلة.
أما الشخصيات الثانوية: فتساعد على إبراز المواقف مثل "شيبوب" الذي استغله الكاتب عدة مرات في مراحل مختلفة من القصة، ليبرز لنا مشاعر عنترة، ويكشف عن أفكاره، كما استغله مرات أخرى في الكشف عن سر غامض يؤدى إلى حركة جديدة في سلسلة الأحداث، أو الإدلاء بمعلومة تؤدي إلى النتيجة نفسها: فبعد أن انتصر "عنترة" على فرسان "طيئ" راح يبحث عن "عبلة" فلم يجدها، فخرج يتلمسها في شعاب الوادي مع نساء القبيلة وفتياتها اللائي فررن ساعة الإغارة عليهن، فعرف من إحداهن أن فرسان "طيئ" أخذوا "عبلة" سبية، فسار لا يدري من أي طريق هربوا بها، حتى لقي أخاه "شيبوبًا" ودار بينهما حوار حول اقتفاء شيبوب أثر من خطفوا "عبلة" وتتبعه لهم، حتى عرف مكانهم، فدل "عنترة" عليه.
وهنا نلاحظ أن "شيبوبا" إنما ظهر لعنترة في هذا الموقف لكي يدله على مكان "عبلة" ويغلب على هذا النوع طابع الشخصية "المسطحة" التي تظهر بصورة محددة منذ البداية.
3-
البناء:
والمألوف في أسلوب البناء أن يتبع الكاتب تخطيطًا محددًّا بحيث تبدو الأحداث مترابطة يؤدي بعضها إلى بعض، وتتجه شيئًا فشيئًا إلى التعقيد الذي يتطلب الحل، وبذلك تسير في خط ممتد بين الهدف والنتيجة، وهذا الشكل هو الذي يتمثل في قصة "عنترة" فالهدف هو الزواج من "عبلة" برغم منافسة "عمارة" مرة، و"بسطام" مرة أخرى، وممانعة "مالك" أبيها في هذا الزواج، والنتيجة كانت إيجابية، وانتهت القصة نهاية سعيدة بزواج "عنترة" من "عبلة".
وفيما بين الهدف والنتيجة ظل "عنترة" يتأرجح، فهو مرة يجد هدفه قريب التحقق، ومرة يجده بعيدًا، ومن ذلك أن "عنترة" بعد أن أنقذ ديار القبيلة كلها من المغيرين حسب أن "مالكا" سيوافق على زواجه من"عبلة" وكانت"عبلة" قد خطبت "لعمارة" فأراد أن يستوثق من مشاعر "عبلة" نحوه أولا، ولكنها راوغته في الحديث، وانتهى الأمر "بمالك" إلى أن أخذ أسرته كلها وهجر دياره، لكي يعيش مع أصهاره "بني شيبان، وعاد "عنترة" بعيدًا عن تحقيق هدفه، بعد أن ظن أنه قريب منه.
والأثر الفني لهذا الشكل البنائي في القصة أنه يشوق القارئ إلى الاستمرار في متابعة الأحداث في القصة حتى النهاية، لكي يعرف على أي نحو تكون النتيجة. وقد بنى الكاتب هذه القصة الطويلة من ستة عشر فصلًا في تخطيط محدد، وترابط وثيق، لتكوين العقدة بوضع العقبات في طريق زواج "عنترة" من "عبلة": فهو عبد أولا، و"عمارة" يخطبها مرة، و"بسطام" مرة أخرى، وأبوها يعارض، ثم يضع شرطًا صعبًا يؤدي إلى مغامرة كاد يذهب "عنترة" ضحيتها، وهي "النوق العصافير". ثم يأتي الحل السعيد بتحقيق الأمل، وإتمام الزواج، وقد نجح الكاتب في بناء هذه القصة المشوقة.
4-
الزمان والمكان:
الزمان هو العصر الجاهلي، والمكان هو الجزيرة العربية، وهذا التحديد يساعدنا في فهم العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية التي عبرت عنها شخوص هذه القصة من ذلك.
أ - نظر القوم إلى "عنترة" وما كان عليه من عبودية.
ب - موقف الأب من الاعتراف بابنه على الرغم من تقاليد القبيلة.
جـ- نظرة القبيلة إلى فتى من فتيانها يحب فتاته، ويشيع حبه، وإنكارهم لذلك، وقد نجح الكاتب في تحريكه للأحداث والشخوص داخل الإطار الزماني والمكاني للقصة، فلم يقحم عليهما مما لا ينتمي إليهما.
5-
السرد والحوار والوصف:
اعتمد الكاتب هنا على الطريقة المباشرة في السرد، ولم يكتفِ بمجرد سرد الأحداث، بل حاول في الوقت نفسه تصويرها مثل "أهوى1 عنترة على المقاتلين من فرسان طيئ في حنق2، منحدرًا كأنه صخرة تتهدى3 من قمة الجبل، فكان يضرب العدو حينًا بسيفه الذي في يمينه، ويطعنه حينًا برمحه الذي في يساره، ويصدمه بفرسه الأبجر4 الذي كان يندفع تحته كأنه يشاركه الحنق والحماسة" فقد رسم الكاتب بهذا السرد صورة للمعركة تعتمد على سلسلة متصلة الحلقات من الأفعال التي وقعت لتصور جزئيات الأحداث وهي "أهوى، يضرب، يصدم، يندفع" ولكنك تلحظ أن الكاتب لا يتكفي بذكر الفعل عاريًا، بل يضيف إليه الوصف الذي يحدده، ويزيد وضوحًا،
1 انقض.
2 غيظ.
3 تنحدر.
4 اسم فرس عنترة.
فالفعل "أهوى" يلحق به الوصف المحدد لحالة "عنترة" الشعورية وهو " في حنق" والأبجر أن "يندفع" ولكن في "حنق وحماسة"، كأنه يشارك "عنترة" الحنق والحماسة، وهكذا كان السرد تصويرًا للأحداث، وكذلك الوصف ينقلنا إلى مسرح الأحداث زمانا ومكانا مثل "كان الربيع يغطي جوانب الوادي بكساء من الحشيش البارض1 والزهر اليانع، والسماء لا يشوبها سوى قطع من السحاب الأبيض، وكانت الشمس تميل نحو الغروب عندما اقتربت القافلة من فم الوادى عند ظلال أجمة2 من نخيل، وسدر3 وأثل4" فهذا الوصف يهيئ نفس القارئ لمتابعة الأحداث والتأثر بها، أما الحوار فيأتي أحيانًا ليجعل القارئ أكثر قربًا من المواقف، ويجعل المشهد أكثر حيوية كالحوار الذي دار بين "عنترة" و"شداد" أثناء غارة "طيئ" على "عبس"؛ مثل قول شداد:"أما ترى قومك يصرعون تحت عينيك؟ قال "عنترة": " أي قوم لي؟ قال شداد: هلم يا "عنترة" فإن العدو يطحننا، قال "عنترة": وما لعنترة والقتال؟ ليس لـ "عنترة " قوم يا سيدي".
6-
الفكرة:
وهي مغزى القصة، فقد كشفت لنا عن حقيقة من حقائق الحياة أو السلوك الإنساني، ورأينا من سلوك "عنترة" أن الصمود في وجه التقاليد البالية يؤدي إلى التغلب عليها، وأن الحرية تنال بالبذل والفداء، ولا تمنح بالقول والعطاء.
1 أول ما يخرج من النبات.
2 شجر كثيف.
3 شجر النبق.
4 نوع من الشجر.