الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ-
مقالة الرأي:
تخصص معظم الصحف والمجلات صفحة أو صفحتين لمقالات الرأي، ومن الطبعي أنها لا تعبر بالضرورة عن رأي المجلة أو الصحيفة؛ فقد يوافقها صاحب المقالة أو يعارضها. وقد تكون مقالة سياسية، أو اجتماعية، أو تتناول قضية تهم الرأي العام "ويبدي كاتبها رأيه مدعمًا بالأدلة، وفق تسلسل مدروس يفضي إلى نتيجة، وقد يكون تحليلا مستفيضًا لموقف، أو دراسة مستفيضة لظاهرة"1.
ومن كتاب مقالة الرأي: ثروت أباظة، وفهمي هويدي، ود. محمد سليم العوا، ود. يوسف القرضاوي، والسيد ياسين، ود. عاطف العراقي، والشيخ محمد الغزالي، وأبو عبد الرحمن بن عقيل، ود. عبده زايد، ود. سلطان أبو على
…
وغيرهم.
ومن نماذج هذه المقالة، مقالة "متى تختفي اللافتات الأجنبية؟ " للدكتور عبده زايد، وهذا نصها:1
متى تختفي اللافتات الأجنبية؟
للدكتور عبده زايد
ما من مدينة عربية كبرت أو صغرت يمكن أن تنزل بها الآن ضيفًا زائرًا، أوسائحًا عابرًا، أو عاملًا مقيمًا، إلا هالَكَ فيها كمَّ اللافتات المضيئة وغير المضيئة التي تحمل كلمات أجنبية مكتوبة بحروف لاتينية أو بحروف عربية، للإعلان
1 د. محمد صالح الشنطي: مرجع سابق، ص248.
2 د. عبده زايد: متى تختفي اللافتات الأجنبية؟، جريدة "الجزيرة" العدد"8185" الصادر في 25/ 2/ 1995، ص9، 15.
عن سلعة محلية أو مستوردة، أو للتعريف بمتجر أو شركة، أو مؤسسة، أو فندق، أو مطعم، أو متنزه، وقد يستشري الداء فيتناول أسماء الأحياء والشوارع والمدارس، وقد يضيق فيتوقف عند أنشطة القطاع الخاص انطلاقًا من الحرية الممنوحة له في مزاولة نشاطه والإعلان عنه.
إن مدينة كبيرة كمدينة القاهرة مثلا تلطخ وجهها باللافتات الأجنبية من كل شكل ولون وحجم، وهي لافتات لا تقتصر على أسماء الشركات العالمية التي تفتح لها فروعا هناك، ولا الفنادق الدولية، ولا البنوك الأجنبية ولا حتى أنشطة القطاع الخاص وحده، إنها تتجاوز ذلك إلى أسماء الأحياء كحي جاردن سيتي، وأسماء الشوارع كشارع ماسبيرو الشهير، وأسماء المدارس وحضانات الأطفال مثل "هابي بيبي جاردن"، وأسماء المتنزهات مثل "ميري لاند"، ولا يتوقف الأمر عند الكلمات الأجنبية المزروعة في غير بيئتها، ففوضى الإعلانات قتلت الأسماء العربية والمحلية في عقر دارها، فالقاهرة تتحول إلى "كايرو"، ومصر تصبح "إيجبت"، والأرقام تصبح:"ون"، "تو"، "ثري".. إلخ.
أما في مدينة كمدينة الرياض فاللافتات الأجنبية فيها تكاد تقتصر على الأنشطة التجارية التي يتولاها القطاع الخاص الوطني أو المشترك، فأنا لم يصادفني في اللوحات الإرشادية التي تملأ شوارعها اسم غير عربي لحي أو لشارع أو لمدرسة، وقد تكون ملاحظتي هذه ناقصة؛ لأنها قائمة على استقراء ناقص.
وهذا الغزو الذي يتولى كبره أبناء المدينة العربية بالدرجة الأولى من باب الترويج والإثارة؛ لأن غرابة الإعلان وغربته من وسائل تثبيته في الذهن وجذب الناس إليه، خصوصًا حينما تتراجع الثقة في كل ما هو وطني وعربي. إن هذا
الغزو لم يمر بسهولة، فالغيورون على وجه المدينة العربية نبهوا إلى خطر هذا الزحف خصوصًا أنه كان ذات يوم وسيلة من وسائل الهيمنة الأجنبية أيام الاستعمار، فلما انقشع الاستعمار وتحررت الأوطان العربية من سيطرته بقيت هذه المظاهر دليلا على الهيمنة الأجنبية في الثقافة والفكر والاقتصاد أيضًا.
وإذا كان الوطنيون قد رفضوا هذا المظهر في المرحلة الماضية، فعليهم أن يرفضوه في هذه المرحلة؛ فدلالة هذه اللافتات في المرحلة الحالية هي دلالتها نفسها في المرحلة الماضية.
فإذا كانت الصحف المصرية قد أعلنت الحرب على استخدام الألفاظ والعبارات والحروف الأجنبية في أواخر الثلاثينيات الميلادية، حتى نجحت عام 1941 في حمل هذه الشركات والمصالح الحكومية التي كانت تحت الإدارة البريطانية على استخدام اللغة العربية، لغة البلاد القومية، وإذا كانت الحكومة المصرية قد استطاعت أن تغسل وجه القاهرة -وغيرها من المدن- من اللافتات الأجنبية في حركة التمصير في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات انطلاقًا من الاعتزاز باللغة القومية، فإننا مطالبون الآن بالدور نفسه.
ومن هنا وجدنا وزير التموين المصري يتصدر في آواخر الثمانينيات لهذه الفوضى الإعلانية، فأصدر قرارًا بإعادة الوجه العربي إلى مدينة القاهرة، ذلك بتغيير اللوحات الإعلانية الأجنبية إلى لوحات عربية، وقد أمهل أصحاب الشركات والمؤسسات والمتاجر ستة أشهر، وهنا أطلقت عليه وسائل الإعلام سهامها النارية، وسلقته بألسنة حداد، وسخرت من قراره، وقدمت مختلف الحجج والبراهين على تعذر تنفيذ هذا القرار واستحالته، ومضت المدة، ومات القرار، وهدأت العاصفة، واستمر الزحف التغريبي على وجه القاهرة.
أما مجمع اللغة العربية، وهو الحارس الأمين على هذه اللغة، فقد هاله هذا الزحف المدنس، ولكن مشكلته أنه لا يملك سلطة تنفيذية، ولا يملك إصدار حكم واجب النفاذ، ولا يستطيع أن يصدر قرارًا ملزمًا لأي جهة، فما كان منه إلا أن أصدر توصية رفعها إلى وزير التعليم السابق الدكتور أحمد فتحي سرور "رئيس مجلس الشعب الحالي"، وعاد إلى التذكير بهذه التوصية أمام وزير التعليم الحالي "الدكتور حسين كامل بهاء الدين" في افتتاح جلسات الدورة الأخيرة للمجمع، وقد طلب أن يرفع الوزير هذه التوصية إلى الجهات التي تملك إصدار القانون الملزم، وتملك تنفيذه، حتى لا يغيب وجه القاهرة تحت ركام الكلمات والعبارات والحروف الأجنبية.
وإذا كانت مدينة القاهرة قد أخفقت في استعادة وجهها العربي، ونرجو أن يكون إخفاقًا مؤقتًا، فإن البحرين تخطو الآن خطوات جادة في استعادة وجهها العربي، تحقق منها ما تحقق، وبقي منها ما بقي.
والمشكلة في البحرين أعمق، فالأمر هناك لا يتوقف عند لافتات الإعلانات التجارية، وإنما يتجاوزه إلى المعاملات الحكومية والأوراق الرسمية، حتى كشوف مرتبات العاملين في الدولة، إنها جميعًا كانت تتم إلى وقت قريب باللغة الإنجليزية، وقد بدأت البحرين أولًا بتعريب اللافتات، وهي الآن تقوم بتطبيق قانون تعريب المعاملات الحكومية، وقد حدث بالفعل، ولأول مرة في تاريخ البحرين، أن وصلت كشوف رواتب الموظفين العاملين في الجهاز الحكومي وما يتعلق بمستحقاتهم وأجازاتهم باللغة العربية بدءًا من شهر يوليو الماضي كما جاء بالعدد "498" من جريدة "المسلمون".
ولن يمضي وقت طويل على مدينة الرياض حتى تستعيد وجهها العربي تمامًا بإذن الله تعالى؛ ذلك أن الأمر فيها تولته أمانة مدينة الرياض، حيث أكدت الأمانة على استخدام اللغة العربية في كافة لوحات المحلات والشركات والمطاعم التي تستخدم الأسماء الأجنبية، بحيث يكون في لوحاتها مكان بارز للغة العربية لا يقل الحيز المخصص لها عن نصف اللوحة، وهذا يعد مكسبًا كبيرًا وخطوة متقدمة لتعريب وجه المدينة.
ومع هذا كله فإن هذه محاولات جزئية بطيئة، فهناك مئات من المدن العربية يغيب وجهها تحت اللافتات الأجنبية.
فمتى يعود الوجه العربي للمدينة العربية أيا كان موقعها؟
إننا نحتاج إلى أن تستعيد كل المدن العربية وجهها العربي، كبيرة كانت أو صغيرة، وتنفيذا لذلك ليس بالأمر العسير لو صدقت النيات، وصحت العزائم، فلا ينبغي لعربي يعتز بعروبته وبلغته الوطنية لغة القرآن الكريم أن يرضى بهذا الزحف التغريبي على وجه المدينة العربية، أيا كانت الأسباب والدوافع.
لقد كانت من بين الأسباب التي رفعت في وجه وزير التموين المصري سبب اقتصادي، فتغير لوحات الإعلان في مدينة القاهرة يحتاج في تقدير المعارضين إلى مليار جنيه مصري، فقد قدروا أن المدينة تضمن مليون لوحة إعلانية أجنبية، وتغيير كل لوحة كان يحتاج إلى ألف جنيه بأسعار هذا الزمان، هذا فضلا عن أن الاسم التجاري جزء مهم من رأس المال، والتفريط فيه تفريط في شيء كبير، وما أسهل الرد على ما قالوه بشرط أن تتوافر العزيمة الصادقة، فإذا كنا نضن بإنفاق هذا المبلغ الكبير على نظافة وجه المدينة من اللوحات الأجنبية