الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ما قبل تحليل النص الأدبي:
1-
قائل النص:
إن أول ما ينبغي أن يوقم به دارس النص الأدبي، هو إلقاء الأضواء على قائله، ففي هذا الإلقاء كشف للكثير من جوانب النص -حين درسه وتحليله- وتوضيح لبعض الأمور الغامضة فيه.
ذلك لأن للقائل -شاعرًا أو كاتبًا- مجموعة من العواطف والمشاعر والاتجاهات النفسية التي يصدر عنها في فنه الأدبي شعرا ونثرا، وهي أمور تتحكم فيها مجموعة من العوامل والمؤثرات المحيطة به، عامة كانت هذه المؤثرات أو خاصة، فالعامة كالمؤثرات السياسية والاجتماعية والثقافية، والخاصة كالأسرة والنشأة والحياة الخاصة، والقبيلة والبلد والأساتذة.
ومما لا شك فيه أن هذه المؤثرات، هي التي تكوّن الأديب نفسيًّا وفكريًّا، وبالتالي توجهه حينما يعبر عن عواطفه وانفعالاته وشعوره وفكره.
ولكن درس هذا الجانب ينبغي أن يكون موجزًا يكشف الغامض ويوضح الملتبس في النص، ويعين على فهم نفسية الأديب وشعوره، ويرشد إلى السر في اختياره لألفاظه وتراكيبه وصوره الفنية وموسيقاه، ويرجع الكثير من هذه الظواهر الفنية إلى منابعها التي تعود إلى تلك العوامل والمؤثرات، "فتذوقنا لشعر المتنبي يكون أشد عمقًا، وأقوى روعة، حين نعرف الكثير عن حياته العاصفة المضطربة، وفهمنا لإبداع المعري يبدو أكثر وضوحًا حين نقرؤه في ضوء حياته، وما اعتورها وأحاط بها، وتعليلنا لدقة ابن الرومي يقترب من الحقيقة أكثر حين نعرف أصوله الأولى، وما ارتبطت به من اتجاه في الفن أو الفهم والتعليل"1.
1 د. الطاهر أحمد مكي: الشعر العربي المعاصر، ص99، دار المعارف، الطبعة الثانية، 1983م.
2-
مناسبة النص:
إن أول ما يتوجه إليه دارس النص، بعد انتهائه من إلقاء الضوء على حياة الأديب هو كشف النقاب عن مناسبة النص، والمقصود بها الأحداث والعوامل المثيرة التي حركت روح الأديب وجعلته يكتشف موضوعه، من الأحداث الخارجية، أو الانفعالات الداخلية، التي وقعت على شخصه أو مست الذين حوله، كالأحداث المثيرة للفرح، والمحركة للأحزان، أو الباعثة على اليأس أو التفاؤل أو الغضب أو الحقد، أو الحب.. أو غير ذلك من العواطف التي تثيرها تلك الأحداث.
ولا شك أن الحديث عن المناسبة هذه تعين على فهم النص فهمًا دقيقًا، وتعين -كذلك- على فهم أبعاده وجوانبه، وهذا وذلك يساعد على فهم الجوانب الفنية في النص.
3-
قراءة النص:
بعد الوقوف على حياة الأديب، وبعد معرفة الملابسات والظروف والأحداث التي هيأت لميلاد النص، من أحداث وعوامل وتجربة شعرية عايشها الأديب خلال هذه الأحداث، أدت في النهاية إلى إحساس الأديب ورغبته في التعبير عنها- أقول بعد هذا كله: على دارس النص أن يخلص إلى قراءة النص قراءة صحيحة واعية، تفصح عن فهمه له، وإحساسه به، ووقوفه على مضمونه.
ويهمنا -ونحن في مجال تدريس النص الأدبي- أن يقوم الطلاب بقراءة النص -بعد قراءة الأستاذ للنص قراءة توجيه وإرشاد للكيفية الصحيحة للقراءة- بحيث يقرأ كل طالب النص كاملًا إن كان قصيرًا، أو يقرأ مقطعًا منه إن كان طويلا، يقوم الطالب -من خلال قراءته- تقويمًا نحويًّا وصرفيًّا ولغويًّا وعروضيًّا وإلقائيًّا.
وينبغي -خلال هذه القراءة- أن يقف الطالب على موضوع النص، والأفكار التي يحتويها، حيث يقسم النص إلى فقرات إذا كان طويلًا، وأن يحدد لكل فقرة عنوانًا يدل على الفكرة التي تحتويها الفقرة، مع مراعاة أن الفقرة جزء ينتمي إلى كل، وبذلك يلم الطالب بموضوع النص وأفكاره قبل الشروع في تحليله، وهذا أمر يساعدنا كثيرًا في الوقوف على دقائق النص أثناء الشرح والتحليل.
وخلال هذه القراءة -أيضًا- يجب أن توضح الألفاظ الغامضة، ومعرفة ما يريد منها الشاعر بدقة "لأن الكلمة في القصيدة يمكن -أحيانًا- أن تتجاوز دلالتها المحددة لها في الاستعمال الشائع، أو الذي تعطيه لها معاجم اللغة، حين يدفع الشاعر في شرايينها بدم جديد، فيعطيها ملمحًا خاصًّا تكتسبه من الإيقاع أو السياق، أو حتى من الألفاظ المجاورة لها 1"، ومنها فإن ألفاظ الشاعر لا تعطي معنى فحسب، وإنما تثير لونًا وطعمًا ورائحة، وظلًّا وحركة 2.
وخلال القراءة -كذلك- ينبغي أن تلتقط الجمل، أو الفقرات، أو الأبيات، التي يمكن أن نجد فيها الملامح الأصيلة للشاعر، والأشكال ذات المغزى، والعبارات الهامة الأشد ارتباطًا بالموضوع، أو التي تعكس -في قوة- خصائص أسلوبه؛ لأن قراءة النص تتجاوز الحروف والألفاظ إلى ما يستتر خلفها من مشاعر وأحاسيس وحياة، والقارئ المتأني الفاهم يستطيع أن يفك ألغازها، وأن يكتشف العالم الفكري للشاعر كاملًا3.
1 السابق: 101.
2 السابق: 101.
3 السابق: 101.