الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البناء الفني للمقالة
ينبغي أن تكون المقالة متماسكة البناء، متآلفة الأجزاء، ألفاظها على قدر معانيها، ومعانيها ملائمة لغرضها، والتصميم الدقيق للمقالة يتكون من ثلاثة أجزاء، هي:
1-
المقدمة.
2-
الغرض "صلب الموضوع".
3-
الخاتمة.
والمقدمة تتألف من معارف مسلَّم بها لدى القراء، قصيرة، متصلة بالموضوع، معينة على ما تعد النفس له من معارف تتصل به، وهي تمهيد ملائم للدخول في الفكرة الرئيسة.
والغرض -أو"صلب الموضوع"- هو النقطة الرئيسة أو الطريقة التي يؤديها الكاتب، سواء انتهت إلى نتيجة واحدة أم عدة نتائج هي في الواقع متصلة معًا، وخاضعة لفكرة رئيسة واحدة، ويكون العرض منطقيًّا مقدمًا الأهم على المهم، مؤيدًا بالبراهين، قصير القصص أو الوصف أو الاقتباس، متجهًا إلى الخاتمة؛ لأنها مفاده الذي يقصده.
والخاتمة هي ثمرة المقالة وعندها يكون السكوت، "فلا بد أن تكون النتيجة طبيعية للمقدمة والعرض، واضحة، صريحة، ملخصة للعناصر الرئيسة المراد إثباتها، حازمة تدل على اقتناع ويقين، لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقالة1".
1 أحمد الشايب، الأسلوب، المطبعة الفاروقية، الإسكندرية 1939م، ص94.
وفي كتاب "من صحائف التاريخ" للدكتور محمد رجب البيومي، لو قرأنا مقالة "قوة الإرادة"1 جيدًا، لوجدنا أنها مكونة من:
أ- مقدمة.
ب- عرض.
جـ- خاتمة.
والمقدمة: تبدو في التمهيد الذي قدم به الكاتب لمقالته، ونوه فيه بعظمة قوة الإرادة، وبين أنها ليست وقفا على رجال البطولة الحربية وذوي القوة البدنية، وأكد أن قوة الإرادة صفة نفسية لا تخص العماليق من ذوي الأجسام.
وفي العرض: نفذ الكاتب إلى صلب الموضوع بعد هذا التمهيد، وعَرْضُه لموضوعه قام على أربعة أفكار، هي:
1-
وصف عروة بن الزبير بن العوام، والتنويه بأخلاقه ومزاياه وقوة إرادته.
2-
موقفه من الثروة المالية، وهو موقف متسم بالزهد والقناعة.
3-
عزوف عروة عن مظاهر الأبهة والجلالة، وهي منه قاب قوس.
4-
موقفه الشجاع من مرضه، ووفاة ابنه في وقت واحد.
1 د. محمد رجب البيومي: من صحائف التاريخ، مطبعة السعادة، القاهرة، 1981م، ص24 وما بعدها.
وجاءت الخاتمة تلخيصًا وتعليقًا على الفكرة الرابعة فقط، وكان الأجدر بالكاتب أن يعطينا موجزًا دقيقًا، يلخص به أفكاره التي عرضها في أسلوب أدبي رائع، وعاطفة إسلامية صافية.
وقد أشار الكاتب في سرعة وخفاء إلى حتمية الاقتداء بأمثال عروة؛ لأنه نموذج اجتماعي وإنساني رائد، وقد دافع عن إيجازه في الخاتمة حين قال:"إن من المواقف ما يشينه التعليق، إذ يبدو بروعته الخارقة نموذجًا فريدًا يدل على نفسه بأبلغ إيحاء".
تطور المقالة في الأدب العربي الحديث:
يرتبط تطور المقالة في أدبنا العربي الحديث بتطور الصحافة، فقد نشأت "المقالة" في حضن الصحافة، واستمدت منها نسمة الحياة منذ ظهورها، وخدمة أغراضها المختلفة، وحملت إلى قرائها آراء محرريها وكتابها"
وقد مرت المقالة الأدبية العربية في تطورها بعدة مراحل.
المرحلة الأولى:
يمكن أن نسميها مرحلة النشأة، وهي تلك المرحلة التي نشأت فيها الصحافة، ومن أشهر كتاب هذه المرحلة: رفاعة رافع الطهطاوي، وعبد الله أبو السعود، وسليم عنحوري.. وغيرهم "وقد نشروا مقالاتهم في "الوقائع المصرية"، و"وادي النيل"، و"الوطن"، و"روضة الأخبار"، و"مرآة الشرق". وقد ظهرت المقالة على أيديهم بصورة بدائية فجَّة، وكان أسلوبهم أقرب إلى أساليب عصر الانحطاط، فهو يزهو بالسجع الغث، والمحسنات
1 د. محمد يوسف نجم: فن المقالة، ص56.
البديعية، والزخارف المتكلفة المموجة. وقد كانت الشئون السياسية هي الموضوع الأول لهذه المقالات، ولكن الكتاب كانوا أحيانًا يعرضون لبعض الشئون الاجتماعية والتعليمية"1.
ويمكن أن نمثل لذلك بجزء من مقالة لأحمد فارس الشدياق، بعنوان "الوطني المزيف"2 يقول فيه:
"من الناس من يبالغ في مدح وطنه، ويحن إليه حنينه، فيصلف مروه ورياضه، وحروجه وحياضه، ووهاده وجباله، وتلاعه وتلاله، وربوعه ودياره، ونباته وأشجاره، وبقوله وثماره، ودوحه وأطياره، وطيب هوائه ولذة مائه
…
" إلخ.
وقد استمرت هذه المرحلة، حتى نهاية القرن التاسع عشر.
المرحلة الثانية:
يمكن أن نسميها مرحلة التطور وهي تلك التي نشأت في مطالع القرن العشرين، ومن بواكير هذه المدرسة: محمد عبده، ومحمد رشيد رضا، ومن أعلامها: لطفي السيد، وطه حسين، ومحمد السباعي، وعباس محمود العقاد، وغيرهم. والمتأمل في نتاج هؤلاء، يجدهم قد خطوا بالأسلوب الأدبي في هذه المرحلة خطوات جبارة، فخلصوه من قيود السجع والصنعة، وأطلقوه حرًّا بسيطًا، يحمل من الأفكار والمعاني الكثير، ويناقش قضايا المجتمع في مختلف شئون حياته.
1 السابق، ص65-66.
2 نقلا عن كتاب: نشأة النثر الحديث وتطوره، للأستاذ عمر الدسوقي، دار الفكر العربي، القاهرة 1976، ص57.
من أمثلة ذلك مقالة المنفلوطي "أين الفضيلة"1، وهو متشائم في مقالته، يوحي بأن المجتمع -في عصره- كان فاسدًا في كل طوائفه جميعًا:
"فتشت عن الفضيلة في حوانيت التجار فرأيت التاجر لصًّا في أثواب بائع؛ وجدته يبيعني بدينارين ما ثمنه دينار واحد.. فتشت عن الفضيلة في مجالس القضاء فرأيت أن أعدل القضاة من يحرص الحرص كله على ألا يهفو في تطبيق القانون الذي بين يديه هفوة يحاسبه عليها من منحه هذا الكرسي الذي يجلس عليه مخافة أن يسلبه إياه، أما إنصاف المظلوم، والضرب على يد الظالم وإراحة الحقوق على أهلها وإنزال العقوبات منالها من الذنوب، فهي عنده ذيول وأذناب لا يأبه لها. فتشت عن الفضيلة في قصور الأغنياء فرأيت الغني إما شحيحًا أو مِتلافًا. فتشت عنها في مجال السياسية فرأيت أن المعاهدة والاتفاق والقاعدة والشرط ألفاظ مترادفة معناها الكذب".
المرحلة الثالثة: وهي مرحلة المقالة الحديثة:
ونقصد بها تلك المقالات التي ظهرت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى"1919"، وتستمر هذه المرحلة خمسين عاما تقريبًا حتى عام "1967"، وهذه المرحلة شهدت ظهور المجلات الأدبية مثل" الرسالة" و"الثقافة" و"الكاتب المصري" و"الكتاب" في مصر، و"الأديب" و"الآداب" في لبنان، و"المنهل" في السعودية، و"الحكمة" في اليمن، و"الفكر" في تونس.. وغيرها. ومن كتاب هذه المرحلة: أحمد حسن الزيات، وأحمد أمين، وذكي مبارك، ومحمود تيمور، وذكي نجيب محمود، ومصطفي صادق الرافعي، وعبد القدوس الأنصاري، وحسين سرحان.. وغيرهم.
1 السابق، ص193.
وامتازت المقالات في هذه المرحلة بظهور الذاتية العاطفية، وميلها إلى المقال القصصي، مع الميل إلى الثقافة العامة لتربية أذواق الناس وعقولهم"1.
ومن الكتب التي جمعت مقالات كتبها أصحابها في دوريات قبل جمعها في كتاب، وتمثل هذه المرحلة:"وحي الرسالة" وهو كتاب في عدة مجلدات يضم الافتتاحية التي كان يكتبها أحمد حسن الزيات في مجلة "الرسالة" في صدورها الأول "1933-1951"2، و"أباطيل وأسمار" لمحمود محمد شاكر الذي يجمع مقالات له نشرها في مجلة "الرسالة"3 يكشف فيها الزيف الثقافي الذي استشرى في حياتنا الأدبية في عقد الستينيات.
المرحلة الرابعة: مرحلة المقالة الصحفية:
وبهزيمة 1967م تخلت المقالة الأدبية عن الواجهة، وأفسحت المجال للمقالة السياسية التي يكتبها: أحمد بهاء الدين، ومصطفي أمين، وجهاد الخازن، وغسان سلامة، وسلامة أحمد سلامة، وفهمي هويدي
…
وغيرهم. والمقالة الاجتماعية التي يكتبها: على أمين، وأحمد بهجت، وعبد الله الجعيثن، وعبد الرحمن الدوسري، وصلاح منتصر.. وغيرهم. والمقالة الفلسفية التي يكتبها حسن حنفي، وفؤاد زكريا، وإمام عبد الفتاح إمام
…
وغيرهم.
لقد أصبح الأسلوب الصحفي الذي يُعنى بقصر العبارة والاهتمام بالمعنى، مع خلوها من المحاسن البلاغية واللفظية، هو ما يميز كتابات هذه الفترة الأخيرة.
1 د. محمد يوسف نجم: مرجع سابق، ص70.
2 صدرت "الرسالة" مرة أخرى عن وزارة الثقافة والإرشاد المصرية "1963-1965"، ولم يجمع الزيات افتتاحياته في الإصدار الثاني.
3 انظر مقدمته التي وضع لها عنوان "رسالة الكتاب"، ط2، مطبعة المدني، القاهرة،1972، ص7.