الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونقدم لك نموذجين للتخليص:
النموذج الأول: المصادر الغربية لنقاد الحداثة
للدكتور عبد الحميد إبراهيم 1
1-
أقرأ للواحد من نقاد الحداثة، فكأني قرأت للجميع، وأقرأ كتاب الواحد منهم، فكأني قد قرأت جميع كتبه.
وما أظن أن ذلك بسبب ذكاء نادر عندي؛ وإنما لأن المصادر واحدة، واللغة واحدة، بل إن المصطلحات والأعلام تكاد تتكرر من ناقد إلى ناقد، ومن كاتب إلى آخر.
2-
وليس من الصعب متابعة المصادر عند نقاد الحداثة، فهم يذكرونها ويكررونها، ويتباهون بها، ونظرة إلى ثبت المصادر في مؤلفاتهم، أو إلى فهارس الأعلام عندهم، تدل على المباهاة الشديدة بالمصادر الأجنبية، وعلى الولع بترديد الأعلام الإفرنجية.
وهم بذلك يريدون أن يظهروا بمظهر المتعالي على القراء، يعرفون ما لا يُعرَف ويرددون من المصطلحات ما لا يُردد، ويلوكون بألسنتهم من الأعلام الأعجمية مالا تستطيعه ألسنة الآخرين، ويضعون الكثير من الكلمات الأجنبية في مقابل
1 نقلًا عن كتابه: نقاد الحداثة وموت القارئ، نادي القصيم الأدبي ببريدة 1415هـ- 1995م، ص3-6.
الكلمات العربية، وتبدو الصفحة الواحدة عند بعضهم خليطًا عجيبًا من الحروف العربية والأجنبية.
3-
وتبلغ العزلة ببعضهم أن يتعشق كاتبًا أجنبيًّا، ويتوحَّدُ بأفكاره، فهو يردد اسمه في كل مناسبة، ويشير إليه في كل مرجع، ويصبح في النهاية صدًى له، يود حتى أن يتسمي باسمه لو استطاع.
وهكذا عرفت ثقافتنا العربية المعاصرة من يتعصبون لسوسير حتى أصبح سوسيرًا عربيًّا، ومن يتعصبون لبوشلار حتى أصبح بوشلارًا عربيًّا، ومن يتعصبون لرولان بارت حتى تحول إلى رولان في طبعة عربية.
4-
وتبدو المصطلحات عند نقاد الحداثة في صورة مربكة، فمصطلح مثل "النقد الجديد" يختلط مع مصطلح "الحداثة"، ومصطلح مثل "الرواية الجديدة" يختلط مع مصطلح مثل "الرواية الضد" ومصطلح مثل "تيار الشعور" يختلط مع مصطلح "الرواية النفسية"، ومصطلح مثل "العبثية" يختلط مع مصطلح مثل "العدمية" و "اللاشيئية" أو حتى "الوجودية"!
5-
والأعلام أيضًا تتداخل، إن كتَّابًا من القرن التاسع عشر يوضعون في سلة واحدة مع كتاب من القرن العشرين، مع الفارق التاريخي والمنهجي بين كل منهم، وإن كاتبًا مثل كافكا يوضع في التيار العبثي مع صمويل بيكيت دون تبيّن للفارق، وكاتب مثل سارتر ينظر إليه ككاتب طليعي لا يختلف عن يونسكو.
وتكون النتيجة أن القارئ لا يعرف شيئًا، وأتحدى أي قارئ أن يخرج من مؤلفات نقاد الحداثة في العالم العربي، بالفارق بين البنيوية وما بعد البنيوية، والحداثة وما بعد الحداثة، والسيميولوجية والتشريحية، والأسلوبية والألسنية، أو يعرف الفروق الدقيقة بين مناهج كل من كافكا وبيكيت وسارتر ويونسكو وفولكنر وألان روب جرييه.
إن القارئ لا يعرف ذلك لسبب بسيط، وهو أن المؤلف نفسه لا يفهم ما يقرأ، هو فقط مأخوذ بالحداثة، يسرع إلى تقديم المصطلحات الأعجمية، والأعلام الأجنبية، ويكتسب بذلك منزلة عند القارئ، وتتسابق الصحف وأجهزة الإعلام إلى التقاط همهمته، فهو يعرف ما لا يعرف الغير، وهو يجيد ثقافة العالم الغربي أكثر مما يجيدها الآخرون، وهو يرطن بلغاتهم، ويتحمس لأفكارهم أكثر مما هم متحمسون.
7-
ومن الصعب جدا تصنيف أقوال الحداثة في العالم العربي، أو وضعها في سياق منظم ومفهوم، فهي كثيرة، متداخلة ومتضاربة. ولكن -وعن طريق الاستعانة بالمصادر الأصلية التي نقلوا منها- يمكن تصنيف أفكارهم في ثلاث قضايا، وكل قضية تترتب على الأخرى، وذلك على النحو الآتي:
1-
موت المؤلف.
2-
النصّية، أو ما يمكن أن نسميه بالتركيز على الشكل، كنتيجة للقضية الأولى.
3-
مشاركة القارئ، كنتيجة للنتيجة.
وهي قضايا مقتطعة برمتها من سياقها الغربي، ودون أن نجد لها سياقًا مناسبًا في العالم العربي؛ لأنها في الأساس مرتبطة بلحظة تاريخية معينة، وبظروف بيئية خاصة، فتجريدها من هذا السياق التاريخي والبيئي يعني تجريدها من معانيها الحقيقية، وتحويلها إلى قضايا باردة تفتقد المبرر، وتقال للمباهاة أو التدريب الذهني.
التلخيص
يشبه الواحد من نقاد الحداثة الآخر، وإذا قرأت كتابًا لأحدهم فكأنك قرأت جميع كتبهم لأن مصادرهم واحدة، وطريقة كتابتهم واحدة.
ويمكنك أن ترجع إلى مصادرهم التي يتباهون بها ويذكرونها كثيرًا، ويرددون مصطلحاتها وأعلامها، فتجد أن بعضهم يتوحد بأفكار من ينقل عنه، فكأنه صار طبعة عربية له.
وهم يخلطون في نقل المصطلحات، كما يضعون كتابًا من القرن التاسع عشر مع كتاب من القرن العشرين لا يماثلونهم في المنهج أو الرؤية.
وبهذا يبلبلون القارئ، لأنهم -أي نقاد الحداثة- لم يفهموا أولًا ما قرأوا، فكيف ينقلون لنا ما يجهلون؟
ورغم بلبلة نقاد الحداثة، وتضارب رؤاهم، فإنهم يتناولون في كتاباتهم ثلاث قضايا:
1-
موت المؤلف.
2-
التركيز على الشكل.
3-
محاولة إشراك القارئ في الحكم النقدي.